بالتعاون بين مركز فجر عاشوراء الثقافي التابع للعتبة الحسينية المقدسة وعمادة كلية الآداب في جامعة الكوفة، ألقى سماحة العلامة المحقق السيد سامي البدري دام عزه المشرف العام على المركز ندوة علمية ذات أفاق متعددة وذلك ضمن فعاليات عام أمير المؤمنين (ع) الذي أطلقته جامعة الكوفة بالتعاون مع العتبة العلوية المقدسة.
حيث تحدث سماحته عن لفظة (تاريخ) وجذرها الثلاثي (أرخ) وما يقابلها باللغة الانجليزية (History) واليونانية (هستوريا) وقربها من لفظة (الاسطورة) العربية مشيرا إلى الجذر الثلاثي لها (سطر) الذي يعود اصله بحسب ما تذكره المعاجم إلى اللفظة الأكدية (شطر – شطارو) التي تعني الكتابة وعليه يكون المعنى الدقيق لكلمة الاسطورة هو الكتابة الموثقة، فـ(التاريخ) و (History) و (هستوريا) و (الاسطورة) مضمونا تعني الحوادث التي جرت ودونت لتوثيقها، وهي غير قصص الخيال والخرافة (Myth) التي لا يمكن أن تنطبق على الواقع فالاسطورة هي الوثيقة المكتوبة عن حوادث التاريخ في الماضي.
وأشار سماحته إلى أن القرآن الكريم لم يستخدم لفطة (الاسطورة) واستخدم بدلا عنها (قصص) لأن القصة من قص الأثر أي تتبع الأثر، وهي استعارة من المعنى المادي (قص الشعر، اي اقتطع قطعة من واقعه) للحديث عن الخبر الواقعي، وطبعا القصة في القرآن الكريم هي الواقع الموثق، والمعنى الدارج قد يكون مشوبا بخرافات وخيالات، لذا لوحظ على بعض الأزهريين انهم اعتبروا القصص القرآنية خيالية ثم سرى هذا الرأي إلى بعض الشيعة، والحقيقة أن قصص القرآن حقيقية وواقعية وليست خيالا، فقد أوردها القرآن الكريم للتدوين وللعبرة ولضرب المثل.
ثم تحدث سماحته عن تدوين الكتب السابقة وأقدمها والواصل إلينا اليوم هو التوراة وهو من الكتب المشار إليها في الاصطلاح القرآني (أساطير الأولين) وأن القصص التي تشتمل عليها التوراة – التاريخ – في الأصل هي وحي من الله تعالى لنبيه موسى (ع) والتي تبدأ من خلق الله تعالى للسماوات والأرض ثم خلق آدم وهلم جرا تتحدث عن تاريخ الأنبياء السابقين، ثم طرء على هذه القصص التحريف في موارد معينة بمراحل متعددة من تاريخ بني اسرائيل هذا التحريف الذي أفقد التوراة موقعها التوثيقي المطلق في المعلومة الذي اكتسبته – هذا الموقع – كونها كتابا إلهيا، واتخذ القرآن الكريم موقف المصدق بها كونها كتاب إلهي وموقف المهيمن عليها لتمييز المعلومات المحرفة عن الصحيحة في المعلومات التاريخية التي تعطيها التوراة، اضافة إلى ذلك وثق القرآن الكريم المعلومات التي يريدها لحفظ قصص الأنبياء لأن التوراة في الاصل اهتمت بسرد قصص الأنبياء، فبالمقارنة يظهر التحريف، كما أن القرآن الكريم لم يوثق تلك المعلومات ككتاب تاريخي بل وثقها ووثق العمل بها من أجل توظيفها رساليا، وهذا ما يدفع الاشكال الذي أشكله المشركون بأن ما في القرآن الكريم إنما هو من الكتب السابقة.
ثم عرض سماحته نماذج من هذا التوثيق في عدة موارد، ثم ذكر جملة من الأهداف التي من أجلها وثق القرآن الكريم وأهمها في نبوة النبي محمد (ص) والبشارات به وبأهل بيته (ع) وأنه (ص) يُبعث وله وزير من أهل بيته، وقد وثق القرآن الكريم هذه القضية في قوله تعالى (وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم) وأوضح سماحته المراد من الشاهد هو موسى (ع) وقوله (مثله) اي النبي (ص) وهو مثله بأنه بُعث وله وزير من أهل بيته، وهذا ما تحدث به موسى في التوراة في سفر التثنية 15 : 15، ثم تحدث سماحته عن هذه البشارة وما انتجه بحثه فيها، وفي ختام المحاضرة استمع سماحته إلى التعليقات والأسئلة وأجاب عنها.