سورة الفجر هي سورة الحسين (ع)

نشرت هذه المقالة في: مجلة فجر عاشوراء الثقافي العدد الاول سنة 1436
الكاتب: العلامة المحقق السيد سامي البدري.

﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)﴾ الفجر/1ـ5﴿يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)﴾ الفجر/27ـ30

روى علي بن ابراهيم القمي قال: حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن موسى عن الحسن بن علي ابن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي يعني الحسين بن علي عليهما السلام.

و روى شرف الدين النجفي في كتابه تأويل الآيات: قال: قال أبو عبد الله(ع): اقرءوا سورة الفجر في فرائضكم و نوافلكم، فإنها سورة الحسين بن علي، و ارغبوا فيها رحمكم الله، فقال له أبو أسامة و كان حاضرا المجلس: كيف صارت هذه السورة للحسين(ع) خاصة؟ فقال: ألا تسمع إلى قوله تعالى: ﴿ يا أَيَّتُها النفس المطمئنة ارجِعي إِلى‏ رَبِّكِ راضيَةً مَرضيَّةً فادخُلي في عِبادي وَ ادخُلي جَنَّتي﴾؟ إنما يعني الحسين بن علي 8، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية… و هذه السورة [نزلت‏] في الحسين بن علي (ع) و شيعته، و شيعة آل محمد خاصة، من أدمن قراءة الفجر كان مع الحسين(ع) في درجته في الجنة، إن الله عزيز حكيم.

 التفسير الاجمالي للسورة:

قوله تعالى ﴿والفجر…﴾: قسم و جوابه: ﴿إن ربك لبالمرصاد﴾.

قال العلامة الطباطبائي (رح): «المراد به مطلق الفجر ولا يبعد أيضا أن يراد به فجر يوم النحر وهو عاشر ذي الحجة. و قيل: المراد فجر ذي الحجة، و قيل: فجر المحرم أول السنة و قيل: فجر يوم الجمعة، و قيل فجر ليلة جمع ، و قوله: ﴿وَلَيالٍ عَشرٍ﴾ لعل المراد بها الليالي العشر من أول ذي الحجة إلى عاشرها و التنكير للتفخيم. وقيل: المراد بها الليالي العشر من آخر شهر رمضان، وقيل: الليالي العشر من أوله، وقيل الليالي العشر من أول المحرم».

أقول: نحن نرجح انه فجر ليلة العاشر من ذي الحجة اي فجر يوم العاشر من ذي الحجة وهو يوم النحر والليالي العشر هي الليالي التي سبقت هذا الفجر من ذي الحجة، إذ لابد ان يكون المقسم به اساسا قضية محسوسة وحرمتها واضحة كل الوضوح لأهل مكة ، وليست هي الا الليالي العشر من ذي الحجة وفجر عاشرها ففيها وقعت اعظم قضية في الجزيرة العربية وفي تاريخ ابراهيم و اسماعيل قبل بعثة النبي المكي الاسماعيلي الموعود وهي قضية بناء البيت الحرام من قبل ابراهيم واسماعيل سنة 2100ق. م والآيات الالهية التي ارتبطت بذلك ، إذ فيها بُني البيت الحرام واختتم بالحَجَر الذي انطبعت عليه اقدام ابراهيم وهو ابن مائة سنة وبقي الحجر والاثر الى زمن نزول القرآن بل الى زماننا هذا تتناقل خبره الاجيال ويشهده زوار البيت حقيقة قائمة، وفيها وقعت قصة ابتلاء الله ابراهيم بذبح ولده اسماعيل وفداء الله له بكبش عظيم على مرأى ومشهد من الناس وصار الناس يتناقلها كل سنة في موسم الحج.

وقصة ابراهيم وابتلائه بذبح ولده اسماعيل[1] مدوَّنة في سفر التكوين /16-17من التوراة بل ويعرف هؤلاء ان الله تعالى أكرم اسماعيل بان جعل من ذريته النبي واثني عشر عظيما من اهل بيته التكوين 17:

«[20] أَمّا إِسماعيلُ، فَقَدِ استَجَبتُ لِطِلبَتِكَ مِن أَجلِهِ. سَأُبارِكُهُ حَقّاً، وَأَجعَلُهُ مُثمِراً، وَأُكَثِّرُ ذُرّيَّتَهُ جِدّاً فَيَكونُ أَباً لاثنَي عَشَرَ رَئيساً، وَيُصبِحُ أُمَّةً كَبيرَةً».

ويعرف ذلك اهل مكة، لأنهم ذرية اسماعيل التي استوطنت البيت منذ نشأته تنتظر تحقق الوعد الالهي لإسماعيل، قال الحبر كنعان يل ت 1055م:

«نلاحظ من هذه النبوءة في هذه الآية ان 2337 سنة مضت[2] قبل ان يصبح العرب /سلالة إسماعيل/ أمة عظيمة [بظهور الإسلام سنة 624م] في هذه الفترة انتظر “بنو” إسماعيل بشوق حتى تحقق الوعد الإلهي أخيرا وسيطر العرب على العالم»[3].

قوله تعالى ﴿والشفع والوتر﴾:

قال العلامة الطباطبائي (رح) : «يقبل الانطباق على يوم التروية ويوم عرفة وهو الأنسب على تقدير أن يراد بالفجر وليال عشر فجر ذي الحجة والعشر الأول من لياليها. وقيل: المراد صلاتا الشفع والوتر في آخر الليل، وقيل: مطلق الصلاة فمنها شفع ومنها وتر، وقيل: الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة».

اقول «الشفع» في اللغة هو ضم الشيء الى مثله ويقال للمشفوع «شَفعٌ». والسياق يفرض ان يحمل المعنى عليه فيكون المراد ب «الشفع» هو «ليال عشر اخرى من شهر اخر وفجر عاشرها» نظير الليالي الاولى من ذي الحجة تناظرها في التعظيم وتساندها في الهدف.

واما «الوَتر»، فهو الظلامة في الدم اي الدم المسفوك ظلما وعدوانا، ويرد ايضا بكسر الواو فيقال: الوِتر.

اما «الليل» إذا يسرِ: فهو زوال الليل ومجيء النهار وبحسب السياق يحمل على اخذ ولي الدم بثأره فينتهى الهمَ والغمَ.

ولا نجد من الناحية التاريخية بعد ألفين وسبعمائة وخمسين سنة تقريبا نظيرا شافعا شبيها وناصرا لرسالة ابراهيم واسماعيل وامامتهما الالهية الهادية غير رسالة محمد(ص) التي استهدفت تحرير دين ابراهيم(ع) من بدع خزاعة حين جاءت بالأصنام ونصبتها على الكعبة، وبدع قريش بعد وفاة عبد المطلب حين ادعت لنفسها انها آل الله بدلا من عبد المطلب وآبائه وابي طالب.

ونهضة ولده الحسين(ع) التي استهدفت تحرير دين محمد(ص) /وهو دين ابراهيم/ من بدع قريش المسلمة وبدعة معاوية في حصر خلافة النبي والامامة الالهية الهادية في معاوية وولده يزيد وذرية يزيد ة وخُيِّر بين البيعة لتكريس البدعة او القتال والقتل، فاختار القتل على تكريس البدعة قال(ع):

«لو لم يكن لي في الدنيا ملجأ ما بايعت يزيد»

نظير قول جده النبي لعمه ابي طالب:

«والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الامر ما تركته او اهلك دونه». [4]

ولولا الحسين(ع) ما عرف المسلمون الحج الابراهيمي وسنن محمد(ص) فيه ولا عرفوا امامة اهل البيت التي دعا اليها النبي(ص). وبذلك تطابق المشهدان من حيث الهدف ومن حيث الشكل تطابقا عجيبا.

لقد بقيت تجربة ابراهيم واسماعيل(ع) والليالي العشر من ذي الحجة وعاشورائها وما افرزته من تكريس التوحيد والامامة الالهية الهادية في ابراهيم وذريته الطاهرة «فردا» في التاريخ حتى شفعها الله تعالى ببعثة  نبيه محمد(ص) ثم نهضة ولده الحسين(ع)  بأمره تعالى ﴿فَإِن يَكفُر بِها هؤُلاءِ فَقَد وَكَّلنا بِها قَوماً لَيسوا بِها بِكافِرينَ﴾ الأنعام/89. ، ومن الطريف ان الله تعالى ارى  ابراهيم في الرؤيا انه يذبح ولده، وان الله تعالى ارى محمدا(ص) في الرؤيا فتنة الشجرة الملعونة بني امية التي تستلزم ان ينهض ولده الحسين(ع) لمواجهتها وحينئذ لا بد من ان يقتل مظلوما ويفتح الطريق للإمامة الهادية التي جعلها الله ورسوله في علي واهل بيته.

وشاء الله تعالى ان يجعل من قبر الحسين(ع) مثابة للناس يقصدونه في الليالي العشر وعاشورائها وكل ايام السنة كما جعل بيت ابراهيم مثابة للناس في الليالي العشر وعاشورائها وهو يوم النحر وكل ايام السنة.

نعم الفارق الاساس هو ان اسماعيل لم يذبح بيد ابيه الرؤوف الرحيم لان القضية كانت اختبارا للوالد ﴿ وولده ووالدٍ وما ولد﴾، بينما ذبح الحسين(ع) على يد شمر شر خلق الله وفصل رأسه ورؤوس أهل بيته واصحابه ليتركوا مجزَّرين كالأضاحي في رمضاء كربلاء لا لشيء الا لأنهم قالوا لا للمنكر وأصروا على موقفهم ودافعوا عن أنفسهم فقاتلوا وقتلوا.

وفي الروايات عن اهل البيت(ع) ما يفيد ان الله تعالى اوحى لنبيه ابراهيم بعيد الواقعة بخبر حبيبه محمد(ص) ومصيبة سبطه الحسين(ع) وكان الله تعالى جعل الرؤيا للاختبار من جهة ولتهيئة ابراهيم لتلقي خبر مصيبة الحسين(ع) وهي عزيزة على جده محمد بل عزيزة على جده ابراهيم.

روى الشيخ الصدوق عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا(ع) يقول: أوحى الله عز وجل إليه: يا إبراهيم من أحب خلقي إليك؟ فقال: يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد صلى الله عليه وآله فأوحى الله تعالى إليه أ فهو أحب إليك أم نفسك قال: بل هو أحب إلي من نفسي، قال: فولده أحب إليك أم ولدك: قال: بل ولده، قال: فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال: يا رب بل ذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبي، قال: يا إبراهيم فان طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين(ع) ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش، و يستوجبون بذلك سخطي، فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك، وتوجع قلبه، وأقبل يبكي[5].

وفي ضوء ذلك نستطيع القول:

ان «الشفع» هو  الليالي العشر وعاشوراؤها  من شهر المحرم سنة 61هـ وفجرها هو فجر يوم العاشر الذي قتل فيه الحسين(ع) واهل بيته واصحابه بسبب نهضتهم لإحياء دين محمد (ص) وهي دين ابراهيم، شفع الله بها الليالي العشر وعاشورائها في رسالة ابراهيم للحفاظ عليها.

وأن «الوَتر» او «الوِتر» هو ظلامة الحسين(ع)، وهي ظلامة تستحق ان يقسم الله تعالى بها لما حققته من حفظ لدين محمد ودين ابراهيم دين الله تعالى من التحريف، هذه الظلامة التي جعلت الموتور فيها هو الله تعالى (السلام عليك يا ثار الله) لان الله تعالى هو الذي كلف الحسين(ع) بالنهضة عن طريق نبيه محمد (ص) ووفى الحسين(ع) بنهضته كما وفى اسماعيل وصبر على حز المدية وفداه الله بذبح عظيم وجعل الامامة في ذريته. وكذلك جعل الله تعالى الامامة في ذرية الحسين(ع) لما صبر على حز الشفار لما اعياه نزف الدم والعطش بعد ان قاتل اشد قتال.

قوله تعالى ﴿واللَّيلِ إِذا يَسرِ﴾: قسم بالمهدي بن الحسين(ع) الذي سيأخذ واخذه بثأر جده الحسين(ع) من الراضين بقتله بعده ممن استضعف شيعته وأوغل في سفك دمائهم وعاونهم، وبذلك يزول به ليل الظلم كليا وتشرق الارض بنور عدله وعلمه.

قوله تعالى ﴿هَل في ذلِكَ قَسَمٌ لِذي حِجرٍ﴾: معنى الاستفهام هنا التفخيم و التعظيم للأمور المقسم بها[6]،

انَّ المقسَم به في السورة كان بعضه حدثا مضى والبعض الاخر حدث سيأتي بعد النبي، وهو نبوءة قرآنية لئن جاءت هنا مجملة فقد جاءت مفصلة في أكثر من مورد في القرآن الكريم.

وقد أخبر الله تعالى انبياءه ورسله بقتل الحسين(ع) وبولده المهدي (ع) صاحب العمر الطويل بشكل تفصيلي في الكتب التي انزلها عليهم[7].

قوله تعالى: ﴿هَل في ذلِكَ قَسَمٌ لِذي حِجر﴾ الفجر/5: جواب القسم: قال العلامة الطباطبائي: “والاستفهام للتقرير، و المعنى: أن في ذلك الذي قدمناه قسما كافيا لمن له عقل يفقه به القول و يميز الحق من الباطل”.

اقول: اي يخاطب الله تعالى اهل مكة وهم ذرية ابراهيم واسماعيل يذكِّرهم بفجر أعظم يوم في تاريخ البيت الحرام وتاريخ ابراهيم واسماعيل (والد وما ولد)، وبوعد الله تعالى لهما بمحمد (ص) واهل بيته في قوله تعالى ﴿وَإِذ يَرفَعُ إِبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيتِ وَإِسماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ  (127) رَبَّنا واجعَلنا مُسلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرّيَّتِنا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ… (128) رَبَّنا وابعَث فيهِم رَسولاً مِنهُم يَتلوا عَلَيهِم آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكمَةَ وَيُزَكّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ (129)﴾ البقرة/127-129.

ثم يعلن لهم انه قد اتم وعده لإبراهيم حين بعث نبيه محمدا رسولا ومعه وزيره علي  قال تعالى  ﴿وَإِذِ ابتَلى إِبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَمِن ذُرّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهدي الظّالِمينَ  (124)﴾ البقرة/124

والكلمات: هي الوعد الالهي لإبراهيم في اسماعيل.

اتمهن: اي انجزهن حين بعث محمدا (ص) معه شاهد من اهل بيته وهو علي والائمة الاحد عشر من ذريته.

وفي تفسير العياشي، بأسانيد عن صفوان الجمال قال: كنا بمكة فجرى الحديث في قول الله: ﴿وَإِذِ ابتَلى‏ إِبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ قال: فأتمهن بمحمد و علي والأئمة من ولد علي في قول الله: ﴿ذُرّيَّةً بَعضُها مِن بَعضٍ وَ اللهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾.

قال العلامة الطباطبائي(رح): و الرواية مبنية على كون المراد بالكلمة: الإمامة كما فسرت بها في قوله تعالى: «فَإِنَّهُ سَيَهدينِ وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقيَةً في عَقِبِهِ» الآية فيكون معنى الآية: ﴿وَإِذِ ابتَلى‏ إِبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ﴾ هن إمامته، و إمامة إسحاق و ذريته، و أتمهن بإمامة محمد، و الأئمة من أهل بيته من ولد إسمعيل ثم بين الأمر بقوله: قالَ إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً إلى آخر الآية).

اقول: بل المراد بالكلمات: الوعد بمحمد ص وعلي والاحد عشر اماما من ذريته، والابتلاء: هو الإنعام، اي وإذ أنعم الله على ابراهيم بوعد فاتمَّه له  حين بعث محمدا ص ومعه علي، وكان الوعد بهما لإسماعيل لما طلب ابراهيم ان يبارك في اسماعيل لاستجابته لأمر ابيه ان يذبحه وقد وفَى كما قال تعالى (واسماعيل الذي وفَى) وقد وعد الله تعالى ابراهيم بان بارك اسماعيل بمحمد واثني عشر اماما قبل ان يبشره بإسحاق ومن بعد اسحاق يعقوب فلا يمكن تفسير قوله تعالى « فاتمهن» بإضافة امامة اسحاق وذريته بل هي تعني فأنجزهن حين بعث محمدا رسولا ومعه علي وزيرا. ورواية العياشي من غرر الروايات.

قوله تعالى: ﴿أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (6) إِرَمَ ذاتِ العِمادِ (7) الَّتي لَم يُخلَق مِثلُها في البِلادِ (8) وَثَمودَ الَّذينَ جابوا الصَّخرَ بِالوادِ (9) وَفِرعَونَ ذي الأَوتادِ (10) الَّذينَ طَغَوا في البِلادِ (11) فَأَكثَروا فيها الفَسادَ (12) فَصَبَّ عَلَيهِم رَبُّكَ سَوطَ عَذابٍ (13)﴾ الفجر/7ـ14

الآيات جملة اعتراضية بين القسم وجوابه،  تبين فعل رب السموات والارض بقوم عاد وثمود وفرعون لما طغوا واكثر الفساد بسفك الدماء إذ اهلكهم.

قوله تعالى ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرصادِ﴾: جواب القسم، اي: ان ربك سوف يهلك بني امية على سعة ملكهم وقدرتهم لقتلهم الحسين (ع) واهل بيته وصحبه ويهلك بني العباس على سعة ملكهم وكذلك يهلك ملك كليهما حين يتجدد في اخر الزمان ـ كما اهل أشياعهم من قبل.

قوله تعالى ﴿فَأَمّا الأِنسانُ إِذا ما ابتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقولُ رَبّي أَكرَمَنِ (15) وَأَمّا إِذا ما ابتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزقَهُ فَيَقولُ رَبّي أَهانَنِ (16) كَلاَّ بَل لا تُكرِمونَ اليَتيمَ (17) وَلا تَحاضّونَ عَلى طَعامِ المِسكينِ (18) وَتَأكُلونَ التُّراثَ أَكلاً لَمًّا (19) وَتُحِبّونَ المالَ حُبًّا جَمًّا(20)﴾

قوله تعالى: ﴿لا تُكرِمونَ اليَتيمَ﴾: اليتيم الطفل هو الطّفل الّذي لا أب له، أي: لا تعطونهم ممّا أعطاكم الله حتّى تغنوهم عن ذلّ السؤال. وخصّ اليتيم لأنّهم لا كافل لهم يقوم بأمرهم. وقد قال النبي (ص) أنا وكافل اليتيم كهاتين. وأشار بالسبّابة والوسطى.

قوله تعالى ﴿وَتَأكُلونَ التُّراثَ أَكلاً لَمًّا﴾: يقال ذا لمّ، أي جمع بين الحلال والحرام، معناه كانوا لا يورثون النّساء والصّبيان ويأكلون أنصباءهم، أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين بذلك.

قوله تعالى ﴿وَتُحِبّونَ المالَ حُبًّا جَمًّا﴾: الجم الكثير.

وكأن الآيات تلمح الى ان قمة الفساد وهي سفك الدماء الذي ينتج بوار الظالمين أصله فساد النفس بحب المال وهو الدنيا وهو راس كل خطيئة. فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: رأس كل خطيئة حب الدنيا. وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع، هذا في أولها، وهذا في آخرها بأسرع فيها من حب المال والشرف في دين المسلم (الضاري المعتاد الحريص الشبعان)، وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الشيطان يدبر ابن آدم في كل شيء فإذا أعياه جثم (أي لزم) عند المال فأخذ برقبته. وعن الحرث الأعور، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم.

قوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الأَرضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ والمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجي‏ءَ يَومَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَومَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الأِنسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكرى (23) يَقولُ يا لَيتَني قَدَّمتُ لِحَياتي (24)﴾ الفجر/15ـ26 .

وليس من شك ان علاج حب الدنيا هو ذكر الاخرة وأهوال يوم الحساب.

قوله ﴿يَتَذَكَّرُ الأِنسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكرى﴾ أي: يتذكّر معاصيه. أو يتّعظ، لأنّه يعلم قبحها فيندم عليها. وقيل وقيل: أريد إنسان معين، فقيل عتبة بن ربيعة أو أبو حذيفة بن الغيرة عن ابن عباس،

اقول: بل هو قاتل الحسين (ع) واهل بيته وهو يزيد واهل بيته وجلاوزتهم .

قوله تعالى: ﴿فَيَومَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26)﴾.

اي سوف يعذبه الله تعالى اشد عذاب كما قال في ال فرعون ﴿وَيَومَ تَقومُ السّاعَةُ أَدخِلوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذابِ﴾ غافر/46.

قوله تعالى: ﴿يا أَيَّتُها النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ (27) ارجِعي إِلى رَبِّكِ راضيَةً مَرضيَّةً (28) فادخُلي في عِبادي (29) وادخُلي جَنَّتي (30)﴾ هذه النفس المطمئنة بالله تعالى هي الحسين (ع) في يوم العاشر وقد وصفه تعالى له بالنفس المطمئنة لانها الصفة البارزة في الحسين فجر يوم العاشر من المحرم لمارآى كثرة عدوه رفع يده الى السماء وقال: «اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته، وأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة».

لقد كانت نفسا سلمت امرها الى الله تعالى واطاعته كما سلم ابراهيم واسماعيل امرهما الى الله واطاعاها ﴿ فلما اسلما وتله للجبين﴾.

هذا الاطمئنان الذي نتج عنه الثبات على الموقف (ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)،

ونتج عنه الاداء الكفوء في العمل، قال حُمَيد بن مسلم: «فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه عليه السلام، إن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب».

[1]   في التوارة ان الذبيح هو اسحاق وهو تحريف متعمد من كتبة التوراة بعد عزير كانت وفاته الثانية سنة 443ق. م.

[2]  هذا التقدير مبني ان ظهور اسماعيل كان في سنة 1713ق. م ونحن نقدره في سنة 2100ق. م

[3]   The stone edtion , The chumash , by R. Nosson scherman, R. meir ziotowitz , Third edtion first impression 1994. p. 76.

[4] ﴿قُل إِنَّني هَداني رَبّي إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ ديناً قيَماً مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفاً وَما كانَ مِنَ المُشرِكينَ ﴾ الأنعام/161 ﴿ثُمَّ أَوحَينا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِع مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفاً وَما كانَ مِنَ المُشرِكينَ ﴾ النحل/123 ﴿وَ جاهِدوا في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هوَ اجتَباكُم وَما جَعَلَ عَلَيكُم في الدّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبيكُم إِبراهيمَ هوَ سَمّاكُمُ المُسلِمينَ مِن قَبلُ وَفي هذا ليَكونَ الرَّسولُ شَهيداً عَلَيكُم وَتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ فَأَقيموا الصَّلاةَ وَآتوا الزَّكاةَ واعتَصِموا بِاللهِ هوَ مَولاكُم فَنِعمَ المَولى وَنِعمَ النَّصيرُ﴾ الحج/78.

[5]  الخصال ـ الشيخ الصدوق ـ ص 58 ـ 59.

[6]   إعراب القرآن وبيانه، ج‏10، ص: 469.

[7]   انظر بحثنا حول مصيبة الحسين(ع) في كتب الانبياء السابقين.

عدد الزوار: 1٬900

معلومات الاصدار

الناشر: مركز فجر عاشوراء الثقافي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *