كراس الكتروني بعنوان «فاطمة الزهراء (ع) سيد نساء العالمين» تاليف د. السيد حسين البدري ـ يلقي الضوء على هذه الشخصية العظيمة من خلال النصوص الحديثية والتاريخية.
نسخة الكراس الالكترونيةتحت الويب
المحتويات
«صفحة 2»
عنوان الإصدار : فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين
اعداد : السيد حسين البدري
سنة الإصدار : 2023/1444
نوع الإصدار : إلكتروني ـ PDF
الناشر : مركز فجر عاشوراء الثقافي
الموقع : fajrashura.com
«صفحة 3»
قال جابر للإمام الباقر (عليه السلام): جعلت فداك يا بن رسول الله .. حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك .قال الإمام الباقر (عليه السلام): «فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت.. فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتكِ وقد أمرت بكِِ إلى جنتي؟ فتقول: يا رب.. أحببت أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم .. فيقول الله: يا بنت حبيبي .. ارجعي فانظري من كان في قلبه حبّ لكِِ أو لأحد من ذريتك، خذي بيده فأدخليه الجنة .. قال الإمام الباقر (عليه السلام) والله يا جابر.. إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها، كما يلتقط الطير الحب الجيِّد من الحب الرديء .. فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يُلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول الله عز وجل يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفّعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا ربّ أحببنا أن يعُرف قدرنا في مثل هذا اليوم .. فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحب ّفاطمة.. انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة.. انظروا من كساكم لحب فاطمة.. انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة.. انظروا من رد عنكم غيبة في حبّ فاطمة.. خذوا بيده وأدخلوه الجنة إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها»
تفسير فرات الكوفي ص 299
«صفحة 4»
«صفحة 5»
المقدِّمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة على النبي الأمي الطاهر الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين، الغريزة المتأصلة في نفس الإنسان للدراية والمعرفة حقيقة ثابته، خصوصا فيما يرتبط بالكشف عن أسرار الإنسان المودوعة في أعماق نفسه أو الزمن، وكثيرا ما ترجع أسئلة الإنسان عن نفسه إلى ثلاث جمل: من أين أتيت؟ وما المطلوب مني؟ والى أين سوف اذهب؟ وقد تعددت الكلمات والمقالات في الجواب، وخلاصتها إلى فكرتين:
الأولى: من المادة ولا شيء غيرها، والمطلوب تحقيق الذات فيها ولا شيء ورائها، وثم العودة إليها والفناء ولا شيء بعدها.
«صفحة 6»
الثانية: ان الله هو خالق الإنسان وليس له شريك، والمطلوب الوصول إلى الكمال بالعلم والعمل عن طريق: اتباع تعاليم الخالق والسعي وعدم التهاون ؛ فان كل إنسان يؤدي امتحانه في هذه الدنيا، وثم من وراء الدنيا الآخرة وفيها يعطى جزاء عمله ومقدار صلاحه بتصديق عمله لعلمه.
وعملية الوصول إلى الواقع ومن ثم النجاح تحتاج أولاً إلى معرفة صحيحة عن الكون والحياة، وثانيا فطرة سليمة وغير مريضة يمكنها التحرك نحو هذا الواقع.
وكل فرد تدعوه فطرته وعقله إلى سلوك طريق الوصول ولا يستثنى احد، وعلى مر الزمن ووجود الإنسان تتكرر هذه التجربة لكل فرد رجل أو امرأة شاب أو كهل أو معمر، ولم يترك الإنسان وحده ليخوضها بل ارسل الخالق الأنبياء والرسل ليُدَلّوا الإنسان على افضل طريق وأسهل سبيل للخروج بالنجاح والفوز، والابتعاد عن التَّيْه والخسران.
ولم يتبق من تجارب السابقين إلا القصص وبعض الآثار وفيها أمرين: الخِبرة، والعِبرة .
«صفحة 7»
وهي بالإضافة إلى كلمات كتاب الله عز وجل ونبيّه الأكرم(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام) تكون اقصر طرق المسير في طريق الوصول. ويُختصر له الطريق خصوصا بعد مرور الزمن الطويل وتراكم مواريث العلم والحكمة وفيها أجوبة عن كثير من أسئلته الطويلة: كيف؛ متى؛ أين؛ ما؛ كم؛ أي؛ هل؛ أيان؛ و… والمزيد وثم المزيد.
وهنا قضية جديرة: ان قدر الإنسان وقيمته تتحدد بما يحسنه في هذا الطريق وبمقدار ما يعمل به فيقاس بسبعة أو بسبعين أو بسبعمائة أو ألف أو اكثر من أمثاله من الناس الذين لا يحسنون أو هم يتهاونون ولا يعملون، وهذا الأمر يخفي في عمقه شيء آخر وهو السؤال عن الدرجة القصوى والعليا في هذا الميزان وهي القياس بمجموع الناس كلهم فهل انطبقت هذه الدرجة على احد ؟ نترك الجواب من سورة الواقعة: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ 10 أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ 11فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ12 ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ 13 وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ 14﴾ الواقعة 10 ـ14. والمقصود بالآخرين أمة محمد(صلى الله عليه وآله).
وهؤلاء القليل من الآخرين هم المطهرون: ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً33﴾ الأحزاب/33.
«صفحة 8»
وقد أوصى بهم النبي(صلى الله عليه وآله) امته بقوله(صلى الله عليه وآله): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل الله ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.(1)
وفيهم امرأة واحدة بلغت درجة قياسها حسب ما اخبرنا به رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنها سيدة نساء العالمين.
قال النبي(صلى الله عليه وآله): «فاطمة سيدة (2) نساء العالمين أو المؤمنين أو أهل الجنة».(3)
وقال(صلى الله عليه وآله):« كمُل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم، وآسية امرأة فرعون،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح الترمذي ج2 ص208.
(2) ساد سيادة وسؤددا: عظُم ومجُد وشرف. والسيِّد: المتولي للجماعة الكثيرة وكل من افترضت طاعته، وسيد كل شيء: أشرفه وارفعه فمثلا يقال للقرآن سيد الكلام (المعجم الوسيط). وعن المفضل بن عمر، قال: قلت لابي عبد الله(عليه السلام): أخبرني عن قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين، أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال: تلك مريم، كانت سيدة نساء عالمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري (الشيعي) ص 149 .
(3) صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق في علامات النبوة و أحمد في مسنده ج6 ص282 وغيرهم
«صفحة 9»
وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله)».(1)
وقال(صلى الله عليه وآله) لفاطمة: «إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك».(2)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير ابن جرير الطبري ج3 ص180.
(2) المستدرك على الصحيحين ج3ص153 وقال هذا حديث صحيح الإسناد
«صفحة 10»
فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين
نظرة إجمالية في حياتها (عليها السلام):
هي فاطمة (عليها السلام) بنت محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) نبي الإسلام الأعظم.
وأمها خديجة الكبرى أول أزواجه (صلى الله عليه وآله) قال(صلى الله عليه وآله): «والله ما أخلف لي خيراً منها، لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذّبني الناس وأنفقتني مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولاداً إذ حرمني أولاد النساء».(1)
ولدت(عليها السلام) في مكة المكرمة السنة الخامسة بعد البعثة في العشرين من جمادى الثاني.(2)
من أسمائها وألقابها(عليها السلام): الصدِّيقة، المباركة، الطاهرة، الزهراء، البتول، المحدثَّة، الزكية، الراضية، المرضية. سئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن فاطمة(عليها السلام) لم سميت زهراء فقال: «لأنها كانت
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تذكرة الخواص ص303.
(2) أصول الكافي ج1 ص485.
«صفحة 11»
إذا قامت في محرابها زَهَرَ نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض».(1)
وأما كناها(عليها السلام): أم الحسن، وأم الحسين، وأم المحسن، وأم الأئمة، وأم أبيها.
وحضرت الزهراء(عليها السلام) سنوات الحصار مع أمها وأبيها(صلى الله عليه وآله) في الشعب حينما قاطعت قريش النبي (صلى الله عليه وآله) وبني هاشم.
توفيت أمها خديجة رضوان الله عليها وعمرها(عليها السلام) خمس سنوات.
ولما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السنة الثالثة عشر من البعثة من مكة إلى يثرب هاجرت (عليها السلام) مع الفواطم مع علي (عليه السلام) ونزل من القرآن في شأنهم في الطريق ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ﴾.(2)
ولما بلغت مبلغ النساء خطبها أكابر قريش من أهل الفضل والسابقة في الإسلام والشرف والمال من النبي (صلى الله عليه وآله) فكان يردهم وعن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «إنما أنا بشر
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الصدوق، علل الشرایع ج1 ص181.
(2) آل عمران/191 ، ابن شهر آشوب، المناقب ج1ص184.
«صفحة 12»
مثلكم أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة فإن تزويجها نزل من السماء».(1) وزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب(عليه السلام). وكان (صلى الله عليه وآله) يقول: «إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب».(2) وكان زواجها بعد معركة بدر في الأول من شهر ذي الحجة السنة الثانية من الهجرة.
ولما نزلت آية المباهلة في قصة نصارى نجران ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ61﴾(3)، أخرج النبي (صلى الله عليه وآله) للمباهلة عليا والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام).(4)
ولما نزل قوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً﴾(5) دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) فاطمة(عليها السلام) فأعطاها فدكا.(6)
أولادها: الحسن والحسين(عليهما السلام)وزينب وأم كلثوم ومحسن.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ج5 ص568.
(2) تاريخ بغداد ج2 ص316.
(3) آل عمران/61.
(4) تفسير الفخر الرازي بتفسير الآية.
(5) الإسراء/26.
(6) تفسير الدر المنثور الآية.
«صفحة 13»
واستشهدت سلام الله عليها في الثالث عشر من جمادى الأولى أو في الثالث من جمادى الآخرة في السنة الحادية عشر من الهجرة وهي الرواية الأكثر شهرة ولعلها الأرجح، مظلومة مقهورة .
حديث الولادة:
وردت أخبار متعدّدة في ولادتها صلوات الله عليها ، وسوف نورد حديث الولادة بالاستفادة من تلك الروايات لما تتمايز به من تفاصيل مع ذكر المصادر.
إن خديجة (عليها السلام) لما تزوج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها، و لا يسلمن عليها، و لا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة من ذلك.
فلما حملت بفاطمة (عليها السلام)، و كانت خديجة تغتم و تحزن إذا خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكانت فاطمة تحدثها من بطنها، و تصبرها، و كان حزن خديجة و حذرها على رسول الله.
وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل يوما، فسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، من يحدثك؟!
«صفحة 14»
قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني. فقال لها: يا خديجة، هذا جبرئيل يبشرني بأنها أنثى، و أنها النسمة الطاهرة الميمونة، و أن الله (تعالى) سيجعل نسلي منها، و سيجعل من نسلها أئمة في الأمة، و يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه.(1)
فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش، (2) فأبين عليها لأجل محمد (صلى الله عليه وآله).
فاغتمت خديجة لذلك.
فبينا هي في ذلك إذ دخل عليها أربع نسوة أربع نسوة عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف، فقالت إحداهن : أنا أمك حواء ، وقالت الأخرى: أنا آسية ، وقالت الأخرى : أنا أم كلثوم أخت موسى ، وقالت الأخرى : أنا مريم جئنا لنلي أمرك .(3)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) محمد بن جرير بن رستم الطبري الصغير، دلائل الإمامة، ط. مؤسسة البعثة ـ قم المشرفة ص٧٦.
(2) والمقصود القوابل اللاتي لهن خبرة بالولادة. وقد ورد في الخبر الذي ذكره الصفوري في كتابه نزهة المجالس حول ولادة السيد فاطمة الزهراء (عليها السلام) ان ام المؤمنين خديجة رضوان الله عليها أرسلت إلي قوابل قريش. راجع: ج 2 ص 227 ط القاهرة من الكتاب. وانظر أيضا الخبر في شرح إحقاق الحق، ج ١٠، السيد المرعشي، ص ١٣ .
(3) الصفوري، نزهة المجالس ، ج 2 ص 227 ط القاهرة .
«صفحة 15»
بعثنا الله إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء. فجلست واحدة عن يمينها، و الأخرى عن يسارها، و الثالثة بين يديها، و الرابعة من خلفها، فوضعت خديجة فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهرة. (1)
ويتضح مما سبق ان ظرف ولادة سيدة نساء العالمين كان صعبا لما يتعرض له النبي(صلى الله عليه وآله) من مقاطعة كبيرة وضغوط متزايدة من قبل قريش المشركة. وكان سببها الأساسي ما اضطلع به النبي(صلى الله عليه وآله) من الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ الرسالة وتسفيه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، فان قريشا استخدمت جميع الوسائل للضغط عليه(صلى الله عليه وآله) حتى يترك دعوته ولكنه قال لهم: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الأمر ما تركته أو اهلك دونه»، (2) وكانت
ـــــــــــــــــــــــ
(1) محمد بن جرير بن رستم الطبري الصغير، دلائل الإمامة، ط. مؤسسة البعثة ـ قم المشرفة ص٧٦.
(2) سيرة ابن هشام 1/ 284 ـ 285 قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ الأنعام/161 ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ النحل/123 ﴿وَ جاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ الحج/78.
«صفحة 16»
من جملة تلك الطرق والوسائل هو نهيهم قوابل قريش عن مساعدة خديجة في ولادة سيدة نساء العالمين، وكان اللطف والعناية من الله تبارك وتعالى بالنبي(صلى الله عليه وآله) وخديجة (عليها السلام) حضور تلك النسوة في الولادة الطاهرة تعويضا لهم عن الأذى والمقاطعة واحتفاء بالمولودة المباركة والنبتة الطاهرة أم الأئمة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
تشابه ظرف الولادة مع مريم (عليها السلام) :
وهذا الظرف يشبه ظرف ولادة السيدة مريم بن عمران (عليها السلام) حيث كان هناك ضغط اجتماعي ومحاصرة لآل عمران الذين أورثهم الله تراث النبوة والإمامة واضطلعوا بمهمة الدعوة إلى دين الله وهداية الناس وإحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فاضطهدوا من بني عمومتهم من بني إسرائيل والملوك والكهنة الفاسدين وقد ذكرت الآيات الأولى من سورة مريم خوف زكريا من الموالي وهم أبناء عمه ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي﴾(1)، والآيات 36 إلى 56من سورة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مريم/5.
«صفحة 17»
آل عمران ومنها قوله تعالى حاكيا عن كفرهم بعيسى (عليه السلام):﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ52﴾،(1) فهؤلاء الذين احس عيسى (عليه السلام) منهم لكفر هم نفسهم الذين ضيّقوا بالأمس على آل عمران وكان زكريا يُوجل منهم، ومن الثابت تاريخيا ان هؤلاء المفسدين من بني إسرائيل هم من قتل يحيى (عليه السلام) وقصدوا قتل عيسى بن مريم (عليهما السلام) فأنجاه الله تعالى منهم .(2)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران/52.
(2) استفدنا هذا المنهج المقارن بين سيرة خاتم الانبياء والمرسلين واهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين مع سيرة الانبياء السابقين (عليهم السلام) التي ذكرها القرآن الكريم من سماحة العلامة السيد سامي البدري (السيد الوالد اطال الله في عمره المبارك).
«صفحة 18»
طرف من سيرتها (عليها السلام):
مع أبيها (صلى الله عليه وآله):
عن الإمام الصادق(عليه السلام) قالت فاطمة(عليها السلام): لما نزلت ﴿لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾ هِبْتُ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن أقول له يا أبه، فكنت أقول: يا رسول الله، فأعرض عني مرة أو اثنين أو ثلاث ثم أقبل عليّ فقال: يا فاطمة إنها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك أنت مني وأنا منك إنما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش أصحاب البذخ والكبر، قولي يا أبه فإنها أحيا للقلب وأرضى للرب.(1) وكانت (عليها السلام) ترعى أباها كرعاية الأم لابنها حتى كُنِّيَت بأمِّ أبيها. ..(2)
زهدها (عليها السلام): عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن جابر الأنصاري انه رأى النبي(صلى الله عليه وآله) فاطمة(عليها السلام) وعليها كساء من أجلة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: «يا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المناقب ج3 ص102.
(2) تاريخ دمشق لابن عساكر ج3 ص158.
«صفحة 19»
بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: يا رسول الله الحمد لله على نعمائه والشكر لله على آلائه، فأنزل الله ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾».(1)
العمل في البيت:
عن الإمام الصادق(عليه السلام):… وكان علي(عليه السلام) يستقي ويحتطب «وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز وترقع وكانت من احسن الناس وجها كأن وجنتيها وردتان، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وولدها».(2)
وعن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: «إن فاطمة(عليها السلام) ضمنت لعلي(عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز وقَمِّ(3) البيت، وضمن لها علي(عليه السلام) ما كان خلف الباب نقل الحطب وان يجيء بالطعام». (4)
مع زوجها (عليها السلام):
يقول الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)حاكيا عن فاطمة: «ولقد كنت أنظر إليها فتنجلي عني الغموم والأحزان بنظرتي إليها». وأيضا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) فتح القدير ج5 ص460.
(2) الكافي ج8 ص165.
(3) اي كنسه واخراج القمامه منه.
(4) تفسير العياشي ج1 ص171.
«صفحة 20»
يقول(عليه السلام): «فو الله ما أغضبتها ولا أكربتها حتى قبضها الله إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرا».(1)
فاطمة (عليها السلام) والفقراء:
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه(عليهما السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري(رضي الله عنه) قال: صلى بنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) صلاة العصر، فلما: انفتل إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب سمل قد تهلهل واخلق، وهو لا يكاد يتمالك كبرا وضعفا. فأقبل عليه رسول الله يستحثه الخبر، فقال الشيخ: يا نبي الله أنا جائع الكبد فاطعمني وعاري الجسد فاكسني وفقير فارشني، فقال: ما أجد لك شيئا ولكن الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل من يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة، وكان بيتها ملاصق لبيت رسول الله(صلى الله عليه وآله).
فانطلق الأعرابي فلما وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، فقالت فاطمة(عليها السلام): وعليك السلام، من
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المناقب للخوارزمي ص353.
«صفحة 21»
أنت يا هذا ؟ قال: شيخ من العرب أقبلت على أبيك سيد البشر مهاجرا من شقة بعيدة، وأنا يا بنت محمد عاري الجسد جائع الكبد فواسيني رحمك الله.
وكان لفاطمة وعلي ورسول الله(صلى الله عليه وآله)ثلاثا ما طعموا فيها طعاما، وقد علم رسول الله ذلك من شأنهما،…، فعمدت(عليها السلام) إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة بن عبد المطلب، فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي، فقالت: خذه وبعه فعسى الله أن يعوضك به ما هو خير منه.
فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله، والنبي(صلى الله عليه وآله) جالس في أصحابه، فقال: يا رسول الله أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد وقالت: بعه فعسى أن يصنع الله لك، قال: فبكى النبي(صلى الله عليه وآله) وقال: وكيف لا يصنع الله لك وقد أعطتك فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم.
فقام عمار بن ياسر(رضي الله عنه) فقال: يارسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد ؟ قال: اشتره يا عمار فلو اشترك فيه الثقلان ما عذبهم الله بالنار.
فقال عمار: بكم هذا العقد يا أعرابي ؟ قال:
«صفحة 22»
بشبعة من الخبز واللحم…، فقال: لك عشرون دينارا ومائتا درهم هجرية وبردة يمانية وراحلتي تبلغك أهلك وشبعة من خبز البر واللحم، وانطلق به عمار فوفاه ما ضمن له…
فعمد عمار إلى العقد وطيبه بالمسك ولفه في بردة يمانية وكان له عبد اسمه سهم، فدفع العقد إلى المملوك وقال له: خذ هذا العقد فادفعه إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنت له ، فأخذ العقد فأتى به رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأخبره بقول عمار فقال النبي(صلى الله عليه وآله): انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد وأنت لها، فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله، فأخذت فاطمة العقد وأعتقت المملوك فضحك الغلام فقالت فاطمة(عليها السلام): ما يضحكك يا غلام؟ فقال: أضحكني عِظَم بركة هذا العقد، أشبع جائعا وكسى عريانا وأغنى فقيرا وأعتق عبدا ورجع إلى ربه.(1)
عبادتها (عليها السلام):
عن الإمام الحسن(عليه السلام) قال: رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) باختصار عن بشارة المصطفى- محمد بن علي الطبري ص 217.
«صفحة 23»
ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم، وتكثر من الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء فقلت لها يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار.(1) وعن الحسن البصري: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة كانت تقوم حتى تورم قدماها.(2)
خير للمرأة:
سئلها النبي(صلى الله عليه وآله) يوما أي شيء خير للمرأة؟ فقالت: لا ترى رجلاً ولا يراها رجل.(3)
وسئلت عن المرأة متى تكون أدنى (أقرب) من ربها؟ قالت: أدنى ما تكون من ربها أن تلزم قعر بيتها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين سمع جوابها فاطمة بضعة مني.(4)
تسبيح فاطمة الزهراء(عليها السلام):
هو تسبيح علمه الرسول(صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة(عليها السلام) وهو أربع وثلاثين مرة «الله اكبر» وثلاثة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) دلائل الإمامة ص152.
(2) المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص119.
(3) نفسه.
(4) بحار الأنوار ج43 ص92.
«صفحة 24»
وثلاثين مرة «الحمد لله» وثلاث وثلاثين مرة «سبحان الله» بعد صلاة الفريضة وعند إرادة النوم يبدأ بالتسبيح وينتهي بالتكبير. وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «تسبيح فاطمة(عليها السلام) في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم».(1)
مقامها (عليها السلام)في الإسلام:
1. إنها (عليها السلام) سيدة نساء العالمين: فهي القدوة لجميع النساء في مختلف جوانب الحياة، فكلَّما كان منهج حياة المرأة قريباً وموافقاً لمنهج حياة سيدة نساء العالمين(عليها السلام) كانت قريبة إلى رضا الله عزوجل ومنهج الإسلام والسعادة وحسن العاقبة والفوز بالخير والنعيم وكلما كانت أبعد كانت أبعد كذلك وهذا معنى قول النبي(صلى الله عليه وآله): فاطمة سيدة نساء العالمين.
2. أنها (عليها السلام) حجة: فهي في هذا المقام كأبيها(صلى الله عليه وآله) وبعلها علي بن أبي طالب(عليه السلام) وذريتها المعصومين، فقولها الحق ورضاها رضا الله وغضبها غضب الله ومخالفتها معصية لله واستحقاق لغضبه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ج3 ص343.
«صفحة 25»
وسخطه عز وجل ويدل على ذلك آية التطهير وآية المباهلة وغيرها.
وكلا المقامين مبتنيان على اصطفائها وتطهيرها كما جرى ذلك لمريم بنت عمران (عليها السلام): ﴿وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ﴾ آل عمران/42 وقد ذكرنا في المقدمة ما يدل على اصطفائها وتطهيرها. ولا شك بأن هناك مقامات أخرى لسيدة نساء العالمين(عليها السلام) لم نتعرض لها للاختصار، ككونها(عليها السلام) شفيعة ومحدثَّة وأنها أفضل نساء أمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنها خلقت من ثمار الجنة وأنها أول من يمر على الصراط وأول من يدخل الجنة وغيرها تراجع في الكتب المفصلة مثل كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروز آبادي وغيره.
مصحف فاطمة (عليها السلام):
افترى بعض الكتاب على أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) بأن لهم قرأنا غير القرآن المتداول عند المسلمين يسمى (قرآن فاطمة) وأنهم لم يطلعوا عليه إلا الخواص فقط! وأما حقيقة هذا الافتراء فهو خلل في الفهم وخلط بين المعاني (تعمدا أو
«صفحة 26»
خطأ) في لفظة (مصحف) و(قرآن)، فالقرآن هو الكتاب الإلهي، والمصحف في اللغة: هو الجامع للصحف (أي الأوراق) بين الدفتين(1) فهو اسم للكتاب المجلد سواء أكانت هذه الأوراق والصحائف فيها آيات الكتاب الإلهي أو غير ذلك من الحديث وغيره .وما ورد في تراث أهل البيت(عليهم السلام) هو أن الأئمة من ذرية فاطمة (عليها السلام) عندهم مصحف فاطمة ولم يرد مطلقا أنه (قرآن فاطمة)، بل الروايات تنفي ذلك كما عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: ومصحف فاطمة ما أزعم ان فيه قرآنا، أو قوله(عليه السلام): وخلَّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن(2). وأما حقيقة ما في هذا المصحف فهو إخبار ما يجري على ذريتها من بعدها.(3)
***