الرئيسية / الإصدارات / الكراسات الكترونية / نصوص تاريخية في علة فاطمة الزهراء (ع) وشهادتها

نصوص تاريخية في علة فاطمة الزهراء (ع) وشهادتها

اليوسفي-الغروي
الكراس رقم : 064
عدد الصفحات:51
مؤشرات المضمون 📘
علمي 100%
ثقافي 100%
اجتماعي 45%
1
👁

إنَّ النَّصوص التاريخيَّة هي ضالَّة المتتبِّع الطالب للحقائق والشَّواهد العابِرة لأهواء وميولات المؤرِّخين الذين ربمَّا كتبوا التاريخ لغاية وهدف ليس منه استقصاء الحقيقة ونقلها للأجيال المتعاقبة، وربما كتموا ما لا يلتقي مع مآربهم وربما حشَّوه  بالغث ليغطي السمين.

ولكن ليس أيَّة نصوص؛ بل تلك النُّصوص التي تَعرَّضت للتَّمحيص والتَّحقيق على يد المتخصصّين وأصحاب الصَّنعة الذين صرفوا أعمارهم في تتبُّعها واستقصائها والتَّحقيق فيها؛ وقد جعلوا نصب اعينهم  التقوى والأمانة والموضوعية.

ومن هؤلاء المتخصصين الأجلاء العلامة المحقق الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي -أطال الله في عمره المبارك- حيث قام بعمل جليل في تتبع النصوص المهمة في التاريخ الاسلامي -منذ صدر الإسلام- والتحقيق فيها ؛ فانه كما يعتقِد أنَّ التاريخ الإسلامي في العصر الحاضر قد أصيب بآفة التحليل قبل التحقيق مما انتج تصورات تحليلية متفرقة وربما يُصدَم المتابع بغياب نصوص التاريخ الإسلامي في طيات التحليل وبخاصة السيرة النبوية وما يتصل بها من حوادث.

اختارنا بين يدي القرّاء الكرام النُّصوص التاريخية المتعقلِّة بِعلَّة وشهادة سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها، التي أوردها العلامة اليوسفي في كتابه «موسوعة التاريخ الإسلامي» في الجزء الرابع.

وقد استوعبت هذه النُّصوص جميع الأحداث المهمَّة المتعلِّقة بالموضوع، من بدء عِلّتها واشتدادها، إلى محاولة الشيخين لعيادتها، وغضبها، ووصاياها، وساعة وفاتها، وغسلها، وتاريخ وفاتها، ودفنها، وتأبين أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام) لها، كل ذلك مع تحقيقات دقيقة ورشيقة في الحواشي، وقد اثبتناها بتمامها لتكون سهل التناول قريبة المنال.

صفحة 1
cover image
صفحة 2

العراق ـ النجف الأشرف – حي الكرامة
هاتف: 009647728220543

الهوية:

عنوان الإصدار  : نصوص تاريخية في علة الزهراء عليها السلام وشهادتها

تأليف : العلامة الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي

سنة الإصدار : 2024/1446 ـ رقم (64)

نوع الإصدار  : إلكتروني ـ PDF

الناشر  : مركز فجر عاشوراء الثقافي

صفحة 3
صفحة 4

صفحة 5

مُقدِّمَة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطاهرين.

وبعد .. فإنَّ النَّصوص التاريخيَّة هي ضالَّة المتتبِّع الطالب للحقائق والشَّواهد العابِرة لأهواء وميولات المؤرِّخين الذين ربمَّا كتبوا التاريخ لغاية وهدف ليس منه استقصاء الحقيقة ونقلها للأجيال المتعاقبة، وربما كتموا ما لا يلتقي مع مآربهم وربما حشَّوه بالغث ليغطي السمين.

ولكن ليس أيَّة نصوص؛ بل تلك النُّصوص التي تَعرَّضت للتَّمحيص والتَّحقيق على يد المتخصصّين وأصحاب الصَّنعة الذين صرفوا أعمارهم في تتبُّعها واستقصائها والتَّحقيق فيها؛ وقد جعلوا نصب اعينهم التقوى والأمانة والموضوعية.

ومن هؤلاء المتخصصين الأجلاء العلامة المحقق الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي -أطال الله في عمره المبارك- حيث قام بعمل جليل في تتبع النصوص المهمة في التاريخ الاسلامي -منذ صدر

صفحة 6

الإسلام- والتحقيق فيها ؛ فانه كما يعتقِد أنَّ التاريخ الإسلامي في العصر الحاضر قد أصيب بآفة التحليل قبل التحقيق مما انتج تصورات تحليلية متفرقة وربما يُصدَم المتابع بغياب نصوص التاريخ الإسلامي في طيات التحليل وبخاصة السيرة النبوية وما يتصل بها من حوادث.

لذا جاء مشروعه «موسوعة التاريخ الإسلام» يتحرَّى فيه الخبر والنَّص التاريخي في أقدم المصادر الشيعية وان عُدم فالمصادر غير الشيعية، وقد ذكر العلامة اليوسفي أنَّ منهجه يُشبه إلى حد منهج العلامة المجلسي رحمه الله في البحار ولكن مع فارق 300 سنة والتي توفرت خلالها المخطوطات الكثيرة وتهيأت أسباب تحقيقها وطباعتها مما يجعل الباحث أمام افق أوسع وارحب.(1)

واختارنا بين يدي القرّاء الكرام النُّصوص التاريخية المتعقلِّة بِعلَّة وشهادة سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها، التي أوردها العلامة اليوسفي


(1) راجع تفصيل الحوار بالفارسية: مصاحبه با استاد محمدهادی یوسفی غروی پیرامون دو اثر ارزشمند «موسوعة التاریخ الاسلامي» و «وقعة الطف»، مجلة تاريخ اسلام در آینه پژوهش : ربيع1382 – العدد2 (ISC).

صفحة 7

في كتابه «موسوعة التاريخ الإسلامي» في الجزء الرابع.

وقد أثبتناها مع الاهتمام بتشكيل بعض النصوص وإبراز الآيات لاسيما كلمات الصِّدِّيقة الكُبرىعليها السلام.

وقد استوعبت هذه النُّصوص جميع الأحداث المهمَّة المتعلِّقة بالموضوع، من بدء عِلّتها واشتدادها، إلى محاولة الشيخين لعيادتها، وغضبها، ووصاياها، وساعة وفاتها، وغسلها، وتاريخ وفاتها، ودفنها، وتأبين أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام لها، كل ذلك مع تحقيقات دقيقة ورشيقة في الحواشي، وقد اثبتناها بتمامها لتكون سهل التناول قريبة المنال.

د. السيد حسين البدري

مسؤول وحدة الأبحاث والإصدارات في مركز فجر عاشوراء الثقافي

الخميس، 15 جمادى الأولى 1446 هـ

الموافق لـ 17/11 / 2024

قم المقدسة

صفحة 8

بَدء عِلَّة فٰاطِمَة عليها السلام:  ‏(1)

تفرّد (مصباح الأنوار) للشيخ هاشم بن محمد (ق6هـ) عن الباقر عليه السلام:

«أن بدء مرض فاطمة (كان) بعد خمسين ليلة من وفاة رسول اللّه صلى الله عليه وآله(2) ثم ذكر خبرا آخر».

عنه عليه السلام أيضا: «أن فاطمة بنت رسول اللّهصلى الله عليه وآله مكثت بعده ستين يوما ثم مرضت فاشتدّ علتها»،(3) فلعل الاشتداد كان بعد عشرة من بدايته. وبناء على المختار من أخبار الرضا والباقر عليهما السلام وأبي مخنف في وفاته صلى الله عليه وآله في الثاني من ربيع الأول يكون اشتداد علّتها في أوائل جمادى الأولى مع عودة جيش أسامة من الشام، ثم وقوع الحوادث على دار علي عليه السلام وبدايات اشتداد حركات الردّات، ثم اضطرار الكرّار لذلك إلى البيعة للخليفة.


(1) اقتبس هذا الموضوع من موسوعة التاريخ الإسلامي، تأليف العلامة المحقق الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي، ج‏4، ص141 فما بعد.

(2) مصباح الأنوار: 259 مخطوط.

(3) عن المصدر السابق.

صفحة 9

فروى الحلبيّ قال: دخلت أمّ سلمة على فاطمة عليها السلام فقالت لها: كَيْفَ أَصْبَحْتِ عَنْ لَيْلَتِكِ يَا بِنْتَ رَسُولِ اَللهِ صلى الله عليه وآله:

« قالَت أَصبَحتُ بَينَ كَمَدٍ وَ كَرَبٍ فُقِدَ اَلنَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ ظُلِمَ اَلوَصيُّ وَ [هُتِكَ] وَ اَللَّهِ حُجُبُهُ أَصبَحَت إِمامَتُهُ مُقتَصَّةً عَلَى غَيرِ ما شَرَعَ اَللَّهُ في اَلتَّنزيلِ وَ سَنَّها اَلنَّبيُّ في اَلتَّأويلِ.

وَ لَكِنَّها أَحقادٌ بَدريَّةٌ وَ تِراتٌ أُحُديَّةٌ كانَت عَلَيها قُلوبُ اَلنِّفاقِ مُكتَمِنَةً لِإِمكانِ اَلوُشاةِ فَلَمّا اُستُهدِفَ اَلأَمرُ أَرسَلَت عَلَينا شَآبيبَ اَلآثارِ مِن مَخيلَةِ اَلشِّقاقِ فَيَقطَعُ وَتَرَ اَلإيمانِ مِن قِسيِّ صُدورِها وَ لَيسَ عَلَى ما وَعَدَ اَللَّهُ مِن حِفظِ اَلرِّسالَةِ وَ كَفالَةِ اَلمُؤمِنينَ.

أَحرَزوا عائِدَتَهُم غُرورَ اَلدُّنيا بَعدَ اِنتِصارٍ مِمَّن فَتَكَ بِآبائِهِم في مَواطِنِ اَلكُروبِ وَ مَنازِلِ اَلشَّهاداتِ»(1).

ولعل هذا كان في أوائل اشتداد علّتها.


(1) مناقب آل أبي طالب 2: 234.

صفحة 10

ولما اشتَدَّ عِلَّتُهٰا

ولما اشتدّ علتها، ولعله بعد العاشر من جمادى الأولى، روى الصدوق بطريقين عن علي والحسين عليهما السلام قالا: لما اشتدّت علة فاطمة اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها: كيف أصبحت يا بنت رسول اللّه من علتك؟

ثُمَّ قالَت: «أَصبَحتُ وَ اَللَّهِ عائِفَةً لِدُنياكُنَّ قاليَةً لِرِجالِكُنَّ لَفَظتُهُم بَعدَ أَن عَجَمتُهُم وَ شَنَأتُهُم بَعدَ أَن سَبَرتُهُم فَقُبحاً لِفُلولِ اَلحَدِّ وَ اَللَّعِبِ بَعدَ اَلجِدِّ وَ قَرعِ اَلصَّفاةِ وَ صَدعِ اَلقَناةِ وَ خَطَلِ اَلآراءِ وَ زَلَلِ اَلأَهواءِ وَ بِئسَ ﴿مٰا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اَللّٰهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي اَلْعَذٰابِ هُمْ خٰالِدُونَ(1).

لاَ جَرَمَ لَقَد قَلَّدتُهُم رِبقَتَها وَ حَمَّلتُهُم أَوقَتَها وَ شَنَنتُ عَلَيهِم غارَها فَجَدعاً وَ عَقراً وَ ﴿بُعْداً لِلْقَوْمِ اَلظّٰالِمِينَ(2).

وَيحَهُم أَنَّى زَعزَعوها عَن رَواسي اَلرِّسالَةِ


(1) المائدة: 80.

(2) هود: 44.

صفحة 11

وَ قَواعِدِ اَلنُّبوَّةِ وَ اَلدَّلاَلَةِ وَ مَهبِطِ اَلرّوحِ اَلأَمينِ وَ اَلطَّبينِ بِأُمورِ اَلدُّنيا وَ اَلدّينِ ﴿أَلاٰ ذٰلِكَ هُوَ اَلْخُسْرٰانُ اَلْمُبِينُ(1).

وَما اَلَّذي نَقَموا مِن أَبي اَلحَسَنِ؟! نَقَموا – واَللَّهِ- مِنهُ نَكيرَ سَيفِهِ، وَ شِدَّةَ وَطأَتِهِ، وَ نَكالَ وَقعَتِهِ، وَ تَنَمُّرَهُ في ذاتِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.

وَ تاللهِ لَو تَكافّوا عَن زِمامٍ نَبَذَهُ إِلَيهِ رَسولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لاَعتَلَقَهُ وَ لَسارَ بِهِم سَيراً سُجُحاً، لاَ يَكلُمُ خَشاشُهُ، وَ لاَ يُتَعتِعُ راكِبَهُ، وَ لَأَورَدَهُم مَنهَلاً نَميراً فَضفاضاً، تَطفَحُ ضَفَّتاهُ (ولا يترنّح جانباه) وَ لَأَصدَرَهُم بِطاناً، قَد تَختَّـرَ بِهِمُ اَلرَّيُّ، غَيرَ مُتَحَلٍّ مِنهُ بِطائِلٍ إِلاَّ بِغَمرِ اَلماءِ وَ رَدعِهِ سَورَةَ اَلسّاغِبِ، وَ لَفُتِحَت عَلَيهِم بَرَكاتُ اَلسَّماءِ وَ اَلأَرضِ، وَ سَيَأخُذُهُمُ اَللَّهُ ﴿بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ.(2)

أَلاَ هَلُمَّ فاسمَع (وَما عِشتَ أَراكَ اَلدَّهرُ اَلعَجَبَ) وَ إِن تَعجَبُ فَقَد أَعجَبَكَ اَلحادِثُ: إِلَى أَيِّ لَجَإٍ أَسنَدوا؟ وَبِأَيِّ عُروَةٍ تَمَسَّكوا؟ ﴿لَبِئْسَ اَلْمَوْلىٰ وَ


(1) الزمر: 15.

(2) الأعراف: 96.

صفحة 12

لَبِئْسَ اَلْعَشِيرُ(1) ﴿وَبِئْسَ لِلظّٰالِمِينَ بَدَلاً(2)، اِستَبدَلوا وَ اَللَّهِ اَلذُّنابَى بِالقَوادِمِ، واَلعَجُزِ بِالكاهِلِ، فَرَغماً لِمَعاطِسِ قَومٍ يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعاً ﴿أَلاٰ إِنَّهُمْ هُمُ اَلْمُفْسِدُونَ وَ لٰكِنْ لاٰ يَشْعُرُونَ(3)، وَيحَهُم ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْدىٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.(4)

أَما لَعَمرُ إِلَهِكَ لَقَد لَقِحَت، فَنَظِرَةٌ رَيثَما تُنتَجُ، ثُمَّ اِحتَلَبوا طِلاَعَ اَلقَعبِ دَماً عَبيطاً وَ ذُعافاً مُمقِراً هُنالِكَ ﴿يَخْسَرُ اَلْمُبْطِلُونَ(5) وَ يَعرِفُ اَلتّالونَ غِبَّ ما أَسَّسَ اَلأَوَّلونَ، ثُمَّ طيبوا عَن أَنفُسِكُم أَنفُسَنا، فَطَأمِنوا لِلفِتنَةِ جَأشاً، وَأَبشِروا بِسَيفٍ صارِمٍ وَ هَرجٍ شامِلٍ وَ اِستِبدادٍ مِنَ اَلظّالِمينَ، يَدَعُ فَيئَكُم زَهيداً وَ جَمعَكُم حَصيداً فَيا حَسرَةً لَكُم وَ أَنَّى لَكُم وَ قَد عَميَت ﴿عَلَيْكُمْ أَ نُلْزِمُكُمُوهٰا وَ أَنْتُمْ لَهٰا كٰارِهُونَ(6) واَلحَمدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلعٰالَمينَ وَصَلَّى اَللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ


(1) الزمر: 15.

(2) الكهف: 50.

(3) البقرة: 12.

(4) يونس: 35.

(5) الجاثية: 27.

(6) هود: 28. والخبر في معاني الأخبار: 354- 356 بمعاني مفرداتها. وروى الخطبة الطبري الإمامي في دلائل الإمامة بسنده عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن الحسين عليهم السّلام:30. ورواها الطوسي في أماليه: 374- 376 الحديث 804 بسنده عن الزهري عن ابن عباس. ورواها ابن أبي طيفور الخراساني البغدادي ( المتوفى 280 ه) بسنده عن عطيّة العوفي الكوفي التابعي في كتابه: بلاغات النساء: 19- 20.

صفحة 13

خاتَمِ اَلنَّبيّينَ وَ سَيِّدِ اَلمُرسَلينَ».(1)

وروى الطبرسيّ الخطبة عن سويد بن غفلة، وقد دخل المدينة يوم دفن النبيّ صلى الله عليه وآله، فزاد عنه قال: فأعادت النساء قولها عليها السلام على رجالهن، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين وقالوا: يا سيّدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره!

فقالت عليها السلام: « إِلَيكُم عَنّي! فَلاَ عُذرَ بَعدَ تَعذيرِكُم وَلاَ أَمرَ بَعدَ تَقصيرِكُم». ‏(2)

ولعلّ هذه الأخبار هي التي أثارت الشيخين لعيادتها.


(1) هذه الخاتمة من رواية المعتزلي عن الجوهري ( المتوفى 323 ه) من كتابه السقيفة وفدك في شرح النهج 16: 233. والجوهري رواها بسنده عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها عليهما السلام، كالصدوق. وعن الجوهري الإربلي في كشف الغمة 2: 119، 120 بخاتمتها.

(2) الاحتجاج 1: 149 منفردا بها، ونقل الخطبة عن أكثر هذه المصادر المجلسي في بحار الأنوار 43: 158- 163 ثم شرحها إلى 170.

صفحة 14

فعٰادَها الشَّيخٰان

روى الهلالي العامري في حديث ابن عباس لجمع من الشيعة في بيته قال:

كان علي عليه السلام يصلّي في المسجد الصلوات الخمس (فلما مرضت فاطمة كان) كلّما صلّى قال له أبو بكر وعمر: كيف بنت رسول اللّه؟ فلما ثقلت قالا له: قد كان بيننا وبينها ما قد علمت، فإن رأيت أن تأذن لنا فنعتذر إليها؟ قال: ذاك إليكما.

ودخل علي عليه السلام على فاطمة فقال لها: إن أبا بكر وعمر بالباب يريدان أن يسلّما عليك فما ترين؟

فقالت: البيت بيتك والحرّة زوجتك، فافعل ما تشاء. فقال لها: فشدي قناعك، فشدته وحوّلت وجهها إلى الحائط.

فدخلا وسلّما وقالا: ارضي عنّا رضي اللّه عنك! فقالت لهما: ما دعاكما إلى هذا؟ فقالا: اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنّا وتخرجي سخيمتك!

فقالت: فإن كنتما صادقين فأخبراني عمّا أسألكما عنه، فإني لا أسألكما عن أمر إلّا وأنا عارفة بأنّكما

صفحة 15

تعلمانه، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما.

قالا: سلي عمّا بدا لك.

قالت: نشدتُّكما باللّه هل سمعتما رسول اللّه صلى الله عليه وآله يقول:

«فاطمة بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني»؟

قالا: نعم.

فرفعت يدها إلى السماء فقالت: «اللهم إنهما قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك، لا واللّه لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى رسول اللّه فأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما».

فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعا شديدا.

فقال له عمر: يا خليفة رسول اللّه تجزع من قول امرأة؟!(1)

وروى الصدوق الخبر بتفصيل أكثر بسنده عن الصادق عليه السلام قال:

لما مرضت فاطمة… استأذنا عليها عائدين فأبت


(1) كتاب سليم بن قيس 2: 869.

صفحة 16

أن تأذن لهما، فعاهد اللّه أبو بكر: أن لا يظلّه سقف بيت حتى يدخل على فاطمة ويترضّاها! وبات ليلة في البقيع! فأتى عمر عليا عليه السلام وقال له: إن أبا بكر قد كان مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله في الغار فله صحبة، وهو شيخ رقيق القلب! وقد أتينا فاطمة مرارا نريد الإذن عليها فنتراضى! وهي تأبى أن تأذن لنا لندخل عليها، فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل.

قال: نعم.

فدخل علي على فاطمة فقال لها: يا بنت رسول اللّه، قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت، وقد تردّدا مرارا كثيرة ورددتيهما ولم تأذني لهما، وقد سألاني أن استأذن لهما عليك؟ فقالت: واللّه لا آذن لهما ولا أكلمهما من رأسي كلمة حتى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني! فقال علي عليه السلام: فإني قد ضمنت لهما ذلك!

قالت: فإن كنت قد ضمنت لهما شيئا فالبيت بيتك والنساء تبع للرجال، فلا أخالف عليك بشي‏ء، فأذن لمن أحببت!

فخرج علي عليه السلام فأذن لهما (فدخلا) فلما وقع بصرهما على فاطمة عليها السلام سلّما عليها، فلم ترد عليهما

صفحة 17

بل حوّلت وجهها عنهما، فتحوّلا واستقبلاها…

فقالت لعليّ عليه السلام: جاف الثوب عنّي، وكان حولها نسوة فقالت لهنّ:

حوّلن وجهي، فلما حوّلن وجهها تحوّلا إلى وجهها وقال لها أبو بكر:

يا بنت رسول اللّه، إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك واجتناب سخطك، نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عمّا كان إليك منّا!

فقالت لهما: لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة أبدا حتى ألقى أبي فأشكوكما إليه وأشكو صنيعكما وفعالكما وما ارتكبتما منّي!

فقالا: فإنّا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنا ولا تؤاخذينا بما كان منا!

فالتفتت إلى علي عليه السلام وقالت له: إني لا أكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شي‏ء سمعاه من رسول اللّه، فإن صدقاني رأيت رأيي!

فقالا: اللهم إنّ ذلك لها، وإنا لا نقول إلّا حقا ولا نشهد إلّا صدقا!

فقالت: انشدكما باللّه، هل سمعتما النبيّ يقول:

«فاطمة بضعة مني وأنا منها، من آذاها فقد آذاني

صفحة 18

ومن آذاني فقد آذى اللّه، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي»؟

قالا: اللهم نعم. فقالت: الحمد للّه. ثم قالت: «اللهم إنّي أشهدك- فاشهدوا يا من حضرني- أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي! واللّه لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما بما صنعتما بي وارتكبتما مني! ».

فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمّي لم تلدني.

ولكن عمر قال له: عجبا للناس كيف ولّوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت! تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها! وما لمن أغضب امرأة؟!

وقاما وخرجا(1).

ورواه ابن قتيبة (المتوفى 276 ه) وقال: قالت:

«فإني أشهد اللّه وملائكته:

أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبيّ لأشكونّكما إليه! »


(1) علل الشرائع 1: 220- 223، الباب 149.

صفحة 19

فقال أبو بكر: أنا عائذ باللّه تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر باكيا، وخرج باكيا وهي تقول له: واللّه لأدعونّ اللّه عليك في كل صلاة أصليها(1).

وجٰاءَهٰا العبّٰاسُ عٰائدًا

وكأنّها عليها السلام بعد هذا ثقلت حتى لم تأذن لأحد حتى عمّها العباس.

ذلك ما رواه الطوسي بسنده عن الباقر عليه السلام عن أبيه عن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: مرضت فاطمة عليها السلام وثقلت حتى جاءها العباس بن عبد المطلب عائدا فقيل له: إنها ثقيلة حتى لا يدخل عليها أحد! فانصرف.

فأرسل رسولا إلى علي عليه السلام وأنا حاضر عنده يقول له: يا ابن أخ، عمّك يقرئك السلام ويقول لك: قد فجعني من الغمّ بشكاة حبيبة رسول اللّه وقرة عينه وعيني فاطمة ما هدّني، واني لأظنّها أولنا لحوقا برسول اللّه صلى الله عليه وآله! واللّه يختار لها ويحبوها


(1) الإمامة والسياسة 1: 14.

صفحة 20

ويزلفها لديه، فإن كان من أمرها ما لا بدّ منّه فأنا- لك الفداء- أجمع لك المهاجرين والأنصار حتى يصيبوا الأجر في حضورها والصلاة عليها، وفي ذلك جمال للدين!

فقال علي عليه السلام لرسوله: «أبلغ عمّي السلام وقل له: لا عدمت إشفاقك وتحنّنك، وقد عرفت مشورتك، ولرأيك فضله. وإن فاطمة بنت رسول اللّهصلى الله عليه وآله لم تزل مظلومة من حقها ممنوعة، وعن ميراثها مدفوعة، لم تحفظ فيها وصية رسول اللّهصلى الله عليه وآله ولا رعي فيها حقّه ولا حق اللّه عزّ وجل، وكفى باللّه حاكما ومن الظالمين منتقما! وإني أسألك يا عمّ أن تسمح لي بترك ما أشرت به، فإنها وصّتني بستر أمرها».

قال عمار: فلما سمع العباس من رسوله ما قاله علي عليه السلام قال: يغفر اللّه لابن أخي، وإنه لمغفور له، إنّ رأي ابن أخي لا يطعن فيه. إنه لم يولد لعبد المطلب مولود أعظم بركة من علي إلّا النبيّ، إنّ عليا لم يزل أسبقهم إلى كل مكرمة، وأعلمهم بكل قضية، وأشجعهم في الكريهة، وأشدّهم جهادا للأعداء في

صفحة 21

نصرة الحنيفية، وأول من آمن باللّه ورسوله صلى الله عليه وآله(1).

وصٰايٰا الزَّهرٰاء  عليها السلام: 

ظهر من الخبر السابق سبق بعض وصايا الزهراء إلى علي عليهما السلام قبله.

وأقدم ما بأيدينا في ذلك ذيل الخبر السابق عن الهلالي العامري عن ابن عباس قال:

لما اشتدّ بها الأمر دعت عليا وقالت: «يا ابن عمّ، ما أراني إلّا لما بي، وأنا أوصيك.. وأن لا يشهد أحد من أعداء اللّه جنازتي ولا دفني ولا الصلاة عليّ. وأن تتزوّج بنت أختي زينب‏(2) تكون لولدي مثلي». ‏(3)

وفي (مصباح الأنوار) عن الصادق عليه السلام قال: «لما حضرت فاطمة الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنينعليه السلام: يا سيدتي ما يبكيك؟ قالت: أبكي لما تلقى بعدي.

فقال لها: لا تبكي، فو اللّه إن ذلك لصغير عندي


(1) أمالي الطوسي: 155- 156، الحديث 258.

(2) أمامة ابنة أختها زينب، بنت أبي العاص بن الربيع الأموي.

(3) كتاب سليم بن قيس 2: 870، ومثل الأخير في مصباح الأنوار: 259 عن الباقر عليه السلام.

صفحة 22

في ذات اللّه! فأوصته أن لا يؤذن بها الشيخين»(1).

وفيه عنه عليه السلام: أنها لما احتضرت أوصت عليا عليه السلام فقالت:

«إذا أنا متّ فتولّ غسلي وجهّزني وصلّ عليّ وأنزلني في قبري وألحدني وسوّ التراب عليّ، واجلس عند رأسي قبالة وجهي‏(2) فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء، وأنا أستودعك اللّه، وأوصيك في ولدي خيرا. وكان عندها أم كلثوم فضمّتها إليها وقالت له: إذا بلغت فلها ما في المنزل، ثم اللّه لها».(3)

وقد مرّ في الملتحقين بأحد وشهدائها: أن حِبرا من أحبار اليهود في المدينة يدعى مخيريق من بني ثعلبة بن فطيون أسلم وله سبعة بساتين حوائط فأوصى بها للنبيّ صلى الله عليه وآله وقاتل معه في أحد وقتل، والحوائط هي: البرقة والحسنى والدّلال والصافية، والعوّاف


(1) كما في بحار الأنوار: 43 عن مصباح الأنوار: 262 مخطوط.

(2) كذا هنا لأنها معصومة، وكذا سائر المعصومين، وإلّا فليس الأدب المندوب قبالة الوجه بل خلفه.

(3) كما في بحار الأنوار 82: 27 عن مصباح الأنوار: 257. وفيه عنه عن الحسن عليه السلام: أن عليا عليه السلام كتب وصيتها بيده فكتب: ثم إني أوصيك في نفسي.. إذا أنا متّ فغسّلني بيدك وادفني ليلا. 103: 185.

صفحة 23

والميثب ومشربة أمّ إبراهيم. ‏(1)

فروى الكليني عن الرضا عليه السلام: أن هذه الحوائط السبع كانت وَقْفا وكان رسول اللّه يأخذ منها ما ينفق على أضيافه والتبعة تلزمه فيها.(2)

وروى بطريقين عن الباقر والصادق عليهما السلام: «أن فاطمةعليها السلام أوصت بحوائطها هذه السبعة إلى علي بن أبي طالب، فإن مضى فإلى الحسن، فإن مضى فإلى الحسين، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدها. كتبها علي بن أبي طالب وشهد بها المقداد بن الأسود الكندي والزبير بن العوام»‏.(3)

وإذ كانت عليها السلام أوصت إلى عليّ عليه السلام أن يتزوّج من بعدها بابنة أختها أمامة(4) لذا فقد أوصت لها بشي‏ء، كما أوصت لكل واحدة من نساء بني هاشم باثنتي


(1) مناقب آل أبي طالب 1: 219، ورواها المجلسي في بحار الأنوار 20: 130 عن المعتزلي عن الواقدي، والخبر في مغازي الواقدي 1: 263.

(2) فروع الكافي 7: 47، الحديث الأول، الباب 35 وهذا هو ما رواه الصدوق مرسلا في كتاب من لا يحضره الفقيه 4: 244 باب الوقف والصدقة، الحديث 5579. والطوسي في التهذيب 9: 145، الحديث 51، الباب 3.

(3) فروع الكافي 7: 48- 49، الحديث 5- 6، الباب 35، وفي التهذيب 9: 144، الحديث 50- 51، الباب 3.

(4) فروع الكافي 5: 555، الحديث 6، الباب 190، عن الباقر عليه السلام.

صفحة 24

عشرة أوقية (فضة) ولكل واحدة من أزواج النبيّ كذلك‏(1).

وقالت لعلي عليه السلام: «إذا توفّيت فلا تدفنّي إلّا ليلا، ولا تعلم أحدا إلّا أمّ أيمن وأمّ سلمة وفضة، ومن الرجال العباس وسلمان وأبا ذر والمقداد وعمارا وحذيفة وابنيّ ولا تعلم أحدا قبري». ‏(2)

سٰاعةُ الوَفٰاة

واختلفت الروايات في وقت الوفاة: فروى الإربلي عن الصدوق في كتاب مولد فاطمة عليها السلام: «أنها ماتت بعد العصر».(3)

وروى الفتال النيشابوري في (روضة الواعظين) مرسلا: أنها لما توفيت اجتمع الناس وعلي ومعه


(1) دلائل الإمامة: 42.

(2) دلائل الإمامة: 44، وقريب منه في أمالي الطوسي: 109، الحديث 166 بسنده عن الحسين عليه السلام. وفي مصباح الأنوار عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عليهم السّلام كما عنه في بحار الأنوار 103: 185، الحديث 14. ونقل مثله الحلبي في مناقب آل أبي طالب 3: 114، عن الواقدي، وبطريقين عن عروة عن عائشة. وعن ابن عباس مثله.

(3) كشف الغمة 2: 127. ونقل المجلسي خبر عبد اللّه بن ورقة الأزدي عن فضة الخادمة وفيه: أنها احتضرت بعد صلاة الظهر، بحار الأنوار 43: 178، ولكنه قال: لم آخذه من أصل يعوّل عليه!

صفحة 25

الحسنان عليهم السّلام جلوس إذ خرج أبو ذر فقال: انصرفوا، فإنّ ابنة رسول اللّه قد أخّر إخراجها في هذه العشيّة. فانصرف الناس‏(1).

والمرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام ثلاثة أخبار، أولها: ما جاء في (مصباح الأنوار) عنه عن آبائه عليهم السّلام: ماتت فاطمة عليها السلام ما بين المغرب والعشاء(2).

وثانيها: ما جاء في (دلائل الإمامة) بسنده عنه عليه السلام: فلما كانت الليلة التي أراد اللّه أن يقبضها إليه‏(3).

وثالثها: ما رواه الصدوق في (علل الشرائع) بسنده عنه عليه السلام قال: قضت نحبها وهم في جوف الليل‏(4).

وكأن الشيخ هاشما في (مصباح الأنوار) لم يقف على هذا الخبر، فبعد أن روى عن الصادق عليه السلام: أن


(1) روضة الواعظين 1: 183 مرسلا، ويلاحظ عليه: أن أبا ذر خرج يقول ذلك وعلي عليه السلام جالس لم يدخل ولم يقل شيئا!

(2) بحار الأنوار 43: 200 وعليه فلا مجال لمقال أبي ذر في الخبر السابق.

(3) دلائل الامامة: 44، كما عنه في بحار الأنوار 43: 309.

(4) علل الشرائع 1: 222، الباب 149، الحديث 2 وعلى هذا أيضا لا مجال لمقال أبي ذر.

صفحة 26

فاطمة ماتت ما بين المغرب والعشاء، روى عن عبد اللّه بن الحسن عن أبيه عن جده علي عليه السلام أن فاطمة لما احتضرت نظرت نظرا حادّا ثم قالت: السلام على جبرئيل، السلام على رسول اللّه، اللهم مع رسولك، اللهم في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام، ثم قالت: أ ترون ما أرى؟ فقيل لها:

ما ترين؟ قالت: هذا جبرئيل، وهذا رسول اللّه ويقول: يا بنيّة أقدمي، فما أمامك خير لك!

ثم روى عن زيد بن علي مختصر الخبر قال: إن فاطمة عليها السلام لما احتضرت سلّمت على النبيّ وعلى جبرئيل وعلى ملك الموت‏(1).

وطبيعي أن يكون زيد قد روى ذلك عن أبيه عن جده الحسين عليه السلام كما روى عبد اللّه عن أبيه عن جده الحسن عليه السلام، فهذه الأخبار كلّها مؤيّدة لحضور علي عليه السلام عند احتضار الزهراء عليها السلام غير غائب عنها في المسجد أو غيره كما في بعض الأخبار الأخرى.


(1) بحار الأنوار 43: 200، عن مصباح الأنوار، مخطوط.

صفحة 27

غَسلُ الزَّهرٰاء عليها السلام: 

وروى الصدوق عن الحسن بن علي عليهما السلام: أن عليا غسّل فاطمة عليهما السلام‏.(1)

وروى المفيد في (الأمالي) وعنه الطوسي في أماليه أيضا عن الصدوق بسنده عن الإمام السجاد عن أبيه الحسين عليهما السلام قال: «لما مرضت فاطمة وصّت إلى علي أن يتولى أمرها… فتولى ذلك أمير المؤمنينعليه السلام»‏.(2)

وروى الحميري في (قرب الإسناد) بسنده عن الصادق عن أبيه الباقر عليه السلام مثله‏(3). وعنه عليه السلام في مصباح الأنوار قال: وأوصته بغسلها وجهازها ففعل‏(4).

وروى الكليني بسنده عن المفضل بن عمر الجعفي قال: سألت الصادق عليه السلام:


(1) كشف الغمة 2: 128، عن كتاب مولد فاطمة للصدوق.

(2) أمالي المفيد: 281، والطوسي: 109، الحديث 166، وهو الخبر الذي رواه الكليني في أصول الكافي 1: 458، باختصار للمقدمة، والرضي في نهج البلاغة خ 202 بدون المقدمة.

(3) قرب الإسناد: 88، الحديث 281.

(4) بحار الأنوار 43: 201، عن مصباح الأنوار.

صفحة 28

«من غَسّل فاطمة؟ فقال: ذاك أمير المؤمنين… فإنها صدّيقة فلم يكن يغسّلها إلّا صدّيق‏».(1)

وفي خبر (علل الشرائع) بسنده عنه عليه السلام أيضا قال: «فلما قضت نحبها أخذ عليّ في جهازها من ساعته كما أوصته‏».(2)

ومرّ في وصاياها وصيتها لعلي عليه السلام بغسلها عن (مصباح الأنوار) عن الصادق عليه السلام.

وعن (عيون المعجزات) للسيد المرتضى قال: روي: أن فاطمة عليها السلام.. تولّى غسلها وتكفينها أمير المؤمنين عليه السلام‏.(3)

وقال الإربلي في (كشف الغمة): وإنما استدل الفقهاء على أنه يجوز للرجل أن يغسّل زوجته بأن عليا عليه السلام غسّل فاطمة عليها السلام، وهو المشهور.(4)

وقال المجلسي: إن الأخبار الدالة على أن عليّا عليه السلام


(1) أصول الكافي 1: 459، الحديث 4، باب مولد الزهراء فاطمة، وفي كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 142، الباب 23، الحديث الأخير، والتهذيب 1: 440، الباب 23، الحديث 67، والاستبصار 1: 199، الباب 117، الحديث 15، وهو ما نقله عن الخزاز القمي في الأحكام الشرعية الحلبي في مناقب آل أبي طالب 3: 413.

(2) علل الشرائع 1: 222، الباب 149، الحديث 2.

(3) بحار الأنوار 43: 212، عن عيون المعجزات.

(4) كشف الغمة 2: 128.

صفحة 29

غسّلها كثيرة.(1)


(1) بحار الأنوار 43: 188. هذا، وقد روى المجلسي هذه الأخبار في الباب السابع من عاشر البحار ج 43: ما وقع عليها من الظلم، وفي الحديث 16 جاء ذكر أسماء بنت عميس الخثعمية والتي كانت يومئذ زوج أبي بكر، فاحتمل محقق الكتاب محمد باقر البهبودي: أن تكون هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، أو مصحّفة عن سلمى امرأة أبي رافع القبطي كما جاء ذكرها في بعض الأخبار: 43: 181.وخبر سلمى نقله الإربلي عن ابن حنبل في مسنده( 6: 210 و461) قالت: كنت امرّضها فقالت لي: اسكبي لي غسلا فاغتسلت واضطجعت إلى القبلة وقالت: إني مقبوضة الآن وقد تطهّرت فلا يكشفني أحد. فقبضت، فجاء عليّ فأخبرته. ورواه عن الصدوق في كتاب مولد فاطمة مرفوعا بزيادة: فقال: إذا واللّه لا تكشف! فاحتملت في ثيابها فغيّبت. أي دفنت بثيابها بلا كفن!ثم علّق الإربلي عليهما يقول: اتفاقهما من طريق الشيعة والسنّة على نقله مع كون الحكم على خلافه، عجيب؛ فإن الفقهاء من الفريقين لا يجيزون الدفن إلّا بعد الغسل، إلّا في مواضع ليس هذا منه. فكيف رويا هذا الحديث ولم يعلّلاه ولا ذكرا فقهه ولا نبّها على الجواز ولا المنع، كشف الغمة 2: 128.ونقل المجلسي الخبر عن أمالي الطوسي: 400، الحديث 893 وعلّق يقول: لعلها إنما نهت عن كشف الجسد للتنظيف ولم تنه عن الغسل 43: 172 وعلق على تعليق الإربلي يقول: أما ما ذكره من ترك غسلها فالأولى أن يؤوّل بما ذكرنا سابقا: من عدم كشف بدنها للتنظيف 43: 188. ولكنه اجتهاد في مقابل النص: (فحملها بغسلها) كما في أمالي الطوسي.والواقع: أن الخبر إنما هو من طريق السنة كما في الطوسي صريحا، والصدوق تلويحا برفعه، وكما في مناقب آل أبي طالب 3: 413، والذرية الطاهرة: 154- 155 فلا حاجة لتكلف التصرف، أو التأويل لصريح النقول بغير المعقول.وإذ كان هذا الخبر عن سلمى ينفي غسلها بعد وفاتها فلا مجال لحمل اسم أسماء على سلمى.بل روى الدولابي بسنده عن أسماء عن فاطمة قالت: ( فإذا متّ فاغسليني أنت ولا يدخلنّ عليّ أحد) وإن كان في آخره: وغسّلها علي وأسماء، الذرية الطاهرة: 154. وعنه الإربلي في كشف الغمة 2: 130 واختصره في: 126 وعنه في بحار الأنوار 43: 185 و189 وفي 184 عن مناقب آل أبي طالب. والغريب أن الأربلي جمع بين هذا وبين نقله عن علي عليه السلام: فأمر أسماء فغسّلتها، وأمر الحسن والحسين عليهما السلام يدخلان الماء، كشف الغمة 2: 126، وعنه في بحار الأنوار 43: 186 بل نقل عنه عليه السلام قال لأسماء: يا أسماء غسّليها وحنّطيها وكفّنيها، كشف الغمة 2: 127، وعنه في بحار الأنوار 43: 187. وقد مرّ عن الإربليّ قوله: إنما استدل الفقهاء على أنه يجوز للرجل أن يغسّل زوجته بأن عليا عليه السلام غسّل فاطمة عليها السلام وهو المشهور، كشف الغمة 2: 128.فلا خصوصية لها عليها السلام فيما رواه الطبري الإمامي بسنده عن أبي بصير عن الصادق عن علي عليه السلام قال: ( قالت: إني أحللتك من أن تراني بعد موتي، فكن مع النسوة فيمن يغسّلني). وذكرت من النسوة: جاريتها فضة وأم أيمن وأم سلمة زوج رسول اللّه، عن دلائل الإمامة في بحار الأنوار 43: 208.بينما نقل فيه عن محمد بن همام قال: غسّلها أمير المؤمنين عليه السلام ولم يحضرها غيره وجاريتها فضة، وأسماء بنت عميس وزينب وأم كلثوم والحسن والحسين عن دلائل الإمامة: 46، وعنه في بحار الأنوار 43: 171.أما أنا فمع خبره السابق في حضور أم أيمن وأم سلمة وفضة فقط، فلا يثبت من حضور أسماء مع كل هذا الاضطراب شي‏ء.

صفحة 30

وفي كيفية غسله لها روى في (مصباح الأنوار) عن الصادق عليه السلام قال: إنّ عليا أفاض عليها من الماء ثلاثا وخمسا، وجعل في الخامسة شيئا من الكافور، وكان يقول: اللهم إنها أمتك وبنت رسولك وصفيّك وخيرتك من خلقك، اللهم لقنها حجّتها وأعظم برهانها، وأعل درجتها، واجمع بينها وبين أبيها محمد صلى الله عليه وآله‏.(1)


(1) بحار الأنوار 81: 309، عن مصباح الأنوار: 261.

صفحة 31

ثم كفّنها في سبعة أثواب‏(1).

وروى المجلسي عن ابن عباس قال: لما غسّلها عليّ عليه السلام وضعها على السرير(2) وقال للحسن: أدع


(1) بحار الأنوار 43: 201 و81: 335، عن مصباح الأنوار: 257 عن الصادق عليه السلام.وهنا قال المجلسي في 43: 174: وجدت في بعض الكتب خبرا في وفاتها عليها السلام فأحببت إيراده وإن لم آخذه من أصل يعوّل عليه: عن ورقة بن عبد اللّه الأزدي: أنه في الطواف رأى جارية سمراء مليحة الوجه فصيحة المنطق قالت: هي فضة أمة الزهراء عليها السلام! وأنها أقبلت إلى قبر أبيها محمد فلما رأت الحجرة والمئذنة(؟!) قالت: يا أبتاه بقيت والهة وحيدة وحيرانة(!) فريدة… يا إلهي عجّل وفاتي سريعا. وأخذت تبكي ليلها ونهارها(!) فاجتمع شيوخ أهل المدينة إلى علي عليه السلام وقالوا له: إنّ فاطمة تبكي الليل والنهار، وإنا نخبرك( كذا) أن تسألها: إما أن تبكي ليلا أو نهارا! فقال: حبّا وكرامة! فقالت: فو اللّه لا أسكت ليلا ولا نهارا( كذا) فبنى لها بيتا في البقيع سمي بيت الأحزان (وهذا هو مصدره الوحيد) فإذا أصبحت خرجت إلى البقيع فلا تزال باكية، فإذا جاء الليل ساقها إلى منزلها(!) وبقيت إلى يوم الأربعين فماتت بعد صلاة الظهر… ثم ينقل عنها عن علي عليه السلام قال:(أخذت في أمرها.. فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت: يا أم كلثوم يا زينب يا سكينة! يا فضة!) ففضة تحكى عن علي عليه السلام أنه قال لها: (ناديت… يا فضة!).فيا للّه من جهل ناقل أو جاعل هذا الخبر إذ انفرد بذكر سكينة في بنات علي والزهراء! ولعله لهذا قال المجلسي عنه: لم آخذه من أصل يعوّل عليه! ولكنه مع ذلك قال: أحببت إيراده! أجل هذا هو المصدر الوحيد المنفرد بدعوى كل ذلك!

(2) يكاد يكون الخبر الوحيد الذي يصرّح بالسرير في مقابل أخبار عديدة بالنعش الذي صوّرته لها الملائكة وصوّرته لعلي عليه السلام وأوصته به، أو مثّلته لها أسماء بنت عميس عمّا رأته في هجرتها إلى الحبشة. وقد قال الطبرسي في إعلام الورى 1: 277، بشأن زينب بنت جحش الأسدية أولى أزواج رسول اللّه موتا بعده في خلافة عمر سنة( 20 ه) قال: هي أول امرأة جعل لها النعش، جعلته لها أسماء بنت عميس يوم توفيت.وذلك ما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى 8: 79 كما في هامش بحار الأنوار 18:304 للمحقق محمد باقر البهبودي وقال: وأما فاطمة بضعة الرسول الأعظم فقد دفنت ليلا فلم تكن تحتاج إلى النعش للستر عليها، وكفى بسواد الليل ساترا وقد أوصت بذلك أكيدا.ومن قبل قال بمثله الطبري، كما في شرح النهج للمعتزلي 16: 280.

صفحة 32

لي أبا ذر، فدعاه، فحملا السرير إلى المصلّى‏(1)

فصلى عليها.. ورفع يديه إلى السماء ونادى: (هذه بنت نبيّك فاطمة، أخرجتها من الظلمات إلى النور)(2).

وروى الصدوق بسنده عن الباقر عليه السلام قال: لما ماتت فاطمة عليها السلام قام عليها أمير المؤمنين عليه السلام (للصلاة ظ) وقال: اللهم إني راض عن ابنة نبيك، اللهم إنها قد أوحشت فآنسها، اللهم إنها قد هجرت فصلها، اللهم إنها قد ظلمت فاحكم لها وأنت خير


(1) كما كانت السنّة العملية لرسول اللّه والمسلمين يومئذ، والمصلّى كان بباب جبرئيل الشرقي للمسجد النبوي الشريف إلى البقيع ومن هنا يعلم أن سائر من حضرها عليها السلام كانوا هناك ينتظرون الجنازة، ولم يكونوا في الدار، هذا وقد نقل المحدث القمي عن مصباح الأنوار: أن الصادق عليه السلام سئل: أين كان يصلي عليها؟ قال: في دارها ثم أخرجها- بيت الأحزان: 264.

(2) بحار الأنوار 43: 215، عن بعض كتب المناقب القديمة.

صفحة 33

الحاكمين‏(1).

وأشعل النار في جريد النخل (سعف النخل) ومشى مع الجنازة بالنار(2).

تٰاريخ الوَفٰاة

إن أقدم ما بأيدينا من تواريخ وفاتها عليها السلام ما جاء عن سليم بن قيس عن ابن عباس قال: فبقيت فاطمة عليها السلام بعد وفاة أبيها أربعين ليلة.. ثم قبضت من يومها…

فلما كان الليل… دفنوها(3) من دون تعيين اليوم والشهر لوفاتها ولا لأبيها.

ثم روى ابن سعد في (الطبقات) عن الواقدي عن عمرو بن دينار عن الباقر عليه السلام: أنها توفيت بعده


(1) الخصال: 588، الحديث 12، بينما روى سليم بن قيس بسنده عن ابن عباس قال: لما كان الليل دعا علي العباس… فقدّمه فصلى عليها: 870، الحديث 48.

(2) علل الشرائع: 222، بسنده عن الصادق عليه السلام.

(3) كتاب سليم بن قيس 2: 870 ونقله الفريابي في تاريخ أهل البيت: 72، وعنه في مناقب آل أبي طالب 3: 406، مصحفا بالقرباني، وقال الحلبي: وهو الأصح. والأربلي في كشف الغمة 2: 126، ولعله عن كتاب مولد فاطمة للصدوق. فيبقى خبر سليم هو الأول والوحيد في الأربعين يوما.

صفحة 34

بثلاثة أشهر(1) كذلك بلا تعيين لتاريخهما.

ورواه الدولابي في (الذرية الطاهرة) ثم روى عن عبيد اللّه بن عبد الرحمن ابن أبي عمرو الأنصاري عنه عليه السلام قال: توفيت فاطمة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله بخمسة وتسعين ليلة، سنة إحدى عشرة(2) وأيضا بلا تعيين لتاريخهما.

وجاء التعيين فيما رواه الطبري الإمامي في (دلائل الإمامة) بسنده عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال: قبضت فاطمة عليها السلام في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه من سنة إحدى عشرة من الهجرة(3) بلا تعيين للفاصل بينها وبين أبيها النبيّ صلى الله عليه وآله.

وإليه ذهب المفيد في (مسارّ الشيعة)(4) وحيث ذهب إلى وفاة النبي صلى الله عليه وآله في 28 من صفر، فيكون خبر بقائها (95) يوما متفقا مع خبر الثالث من جمادى الآخرة، وحيث إنّ الطبرسي في (إعلام الورى) تابع المفيد في (الإرشاد) وغيره لذلك جمع هنا بينهما


(1) الطبقات 8: 18 كما عنه في مقاتل الطالبيين: 31 ط النجف و49 ط الصقر- مصر.

(2) الذرية الطاهرة: 151، الحديث 195 و199، وكفاية الأثر: 65، وكشف الغمة 2: 129 عن الدولابي.

(3) دلائل الإمامة: 45.

(4) مسارّ الشيعة في المجموعة النفيسة: 31.

صفحة 35

فقال: روي أنها توفيت في الثالث من جمادى الآخرة وبقيت بعد النبي خمسة وتسعين يوما(1).

فهذا هو جمع الشيخ الطبرسي ولم يرد الجمع في أيّ خبر، وهو مبنيّ- كما مر- على ما ذهب إليه الشيخ المفيد في وفاة النبيّ في 28 من صفر.

ولنا أن نأخذ بخبر الثالث من جمادى الآخرة ونجمع بينه وبين الأخبار القائلة.

بالفاصلة ثلاثة أشهر بناء على المختار في وفاته صلى الله عليه وآله في الثاني من ربيع الأول.

وروى الكليني بسند عن أبي عبيدة الحذّاء عن الصادق عليه السلام قال: إن فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول اللّه صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوما(2) وبسندين عن هشام بن سالم عنه عليه السلام قال: عاشت فاطمة بعد رسول اللّه صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوما(3).

وجاء في (تاريخ أهل البيت) المرويّ بالعمدة عن الرضا عليه السلام: أنها أقامت بعد وفاة رسول اللّه خمسة وسبعين يوما(4) علما بأنه في وفاته قال: قبض في شهر


(1) إعلام الورى 1: 300.

(2) أصول الكافي 1: 458، الحديث الأول، باب مولد الزهراء.

(3) الكافي 3: 228 و4: 561.

(4) تاريخ أهل البيت: 72.

صفحة 36

ربيع الأول لليلتين خلتا منه‏(1) وعليه فتكون وفاتها في السابع عشر من جمادى الأولى.

ونقل المجلسيّ الخبرين عن الكليني عن أبي عبيدة الحذّاء وهشام بن سالم عن الصادق عليه السلام بخمسة وسبعين يوما(2) ثم قال: ما مرّ في الخبر الصحيح: أنها عليها السلام عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوما… لو كان وفاة الرسول صلى الله عليه وآله في الثامن والعشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أواسط جمادى الأولى، ولو كان في ثاني عشر ربيع الأول… كان وفاتها في أواخر جمادى الأولى. وما رواه أبو الفرج (عن ابن سعد عن الواقدي) عن الباقر عليه السلام: من كون مكثها بعده صلى الله عليه وآله ثلاثة أشهر، يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة، ويدل عليه أيضا ما مرّ من خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام برواية الطبري (الإمامي)(3).

وعلى ما مرّ من المختار في وفاة النبيّ المختار صلى الله عليه وآله في الثاني من ربيع الأول، وأن بداية مرضها كان


(1) تاريخ أهل البيت: 68.

(2) بحار الأنوار 43: 194- 195، الحديث 22 و24.

(3) بحار الأنوار 43: 215.

صفحة 37

بعد خمسين ليلة أي في أوائل العشر الأواخر من ربيع الثاني، ثم اشتداد مرضها كان في أوائل جمادى الأولى مع عودة أسامة من غزو الشام، وأن الحوادث على دارها كان بعد رجوعه بما لا يقل عن اسبوع إلى العاشر من جمادى الأولى، وعليه فمن المستبعد جدا الأخذ بأخبار الوفاة بعد خمسة وسبعين يوما أي في أواسط جمادى الأولى أي بعد الحوادث بحدود أسبوع واحد.. بل هنا يحمل ما رواه سليم عن ابن عباس بأنها: بقيت بعد وفاة أبيها أربعين ليلة(1)، على بقائها مريضة، كما في صريح أخبار أخرى، فيكون آخر الأربعين مع آخر جمادى الأولى أو أوائل الثانية.

وأَينَ دُفِنَت؟

لا أجد في الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم السّلام أي خبر عن قبر فاطمة عليها السلام سوى ما رواه المشايخ الثلاثة في ثلاثة من الكتب الأربعة بإسنادهم عن أحمد البزنطي قال: سألت الرضا عليه السلام عن قبر


(1) وقد مرّ أنه الخبر الأول والوحيد في الأربعين ليلة. وتبقى أخبار الخمسة وسبعين يوما يحتمل فيها أن كانت في الأصل: خمسة وتسعين.

صفحة 38

فاطمة عليها السلام فقال: دفنت في بيتها(1) فالكليني اكتفى بذكره الخبر.

ورواه الصدوق في (الفقيه) مرسلا(2) وأسنده في (العيون)(3) وكرّر الإشارة إليه في (الفقيه) فقال: وهذا هو الصحيح عندي.. وهو من عند الأسطوانة التي تدخل إليها من باب جبرئيل عليه السلام إلى مؤخر الحظيرة التي فيها النبيّ صلى الله عليه وآله(4).

واعتمادا عليه ردّ ما رواه الأربليّ من كتابه المفقود (مولد فاطمة ووفاتها) من أنهم دفنوها في البقيع فقال: جاء هذا الخبر هكذا، والصحيح عندي أنها دفنت في بيتها(5).

وعليه فما رواه في (الخصال) بسنده عن علي عليه السلام، وكذلك الكشيّ في (الرجال) بسنده عن الباقر


(1) قال: فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد. أصول الكافي 1: 461 الحديث 9، ونقل ابن طاوس في الإقبال 3: 161 عن كتاب المسائل وأجوبتها من الأئمة عليهم السّلام فيما سئل عنه مولانا الإمام الهادي عليه السلام عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال:كتبت إليه: إن رأيت أن تخبرني عن بيت( بنيّة) أمك فاطمة أ هي في طيبة( أو الروضة ظ) أو في البقيع؟ فكتب: هي مع جدي صلوات اللّه عليه وآله. فلعله يرجع إلى ما في أعلاه.

(2) كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 229، الحديث 685.

(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 311، الحديث 76.

(4) كتاب من لا يحضره الفقيه 2: 572.

(5) كشف الغمة 2: 127.

صفحة 39

عنه عليه السلام في ذكر أبي ذر وسلمان والمقداد وعمار والحذيفة وابن مسعود وأنهم شهدوا الصلاة على فاطمة عليها السلام(1) إنما يحمله على حضورهم الصلاة عليها في بيتها بلا تشييع.

إلّا أنه لم يعلّل بشي‏ء على ما مرّ من خبره في (علل الشرائع) بسنده عن الصادق عليه السلام قال: فلما فرغ من جهازها أخرج الجنازة وأشعل النار في جريد النخل فمشى مع الجنازة بالنار حتى صلّى عليها ودفنها(2) مما ظاهره إخراجها والمشي بها إلى البقيع.

وإذ روى الطوسي في (التهذيب) صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام(3) قال:

الأصوب أنها مدفونة في دارها(4).

ولعل الطبري الإماميّ لم يقف على هذا فاكتفى بما روى عن محمد بن همّام مرسلا مضطربا قال: فغسّلها أمير المؤمنين عليه السلام وأخرجها إلى البقيع..


(1) الخصال 2: 361، الحديث 50، ورجال الكشي: 6، الحديث 13 بدون ابن مسعود ولكنهم حينئذ ستة.

(2) علل الشرائع 1: 222.

(3) التهذيب 3: 255، الباب 25، حديث 25.

(4) مناقب آل أبي طالب 3: 414. وإذا دفنت في البيت فلا مجال لما يروى من وصيتها بنعش ساتر لها، وانظر بحار الأنوار 28: 304 الهامش.

صفحة 40

ودفنها بالروضة.. وأصبح البقيع وفيه أربعون قبرا جددا(1) كذا مضطربا وفيه في من حضرها قال: وصلّى عليها ومعه الحسن والحسين، ولم يعلم بها ولا حضر وفاتها ولا صلّى عليها أحد من سائر الناس غيرهم‏(2) كذا منفردا خلافا لسائر الأخبار.

وكأنه هو ما جاء في (عيون المعجزات) للسيد المرتضى قال: روي أن أمير المؤمنين عليه السلام أخرجها ومعه الحسن والحسين ولم يعلم بها أحدا وصلّوا عليها ودفنها في البقيع وجدّد أربعين قبرا(3) مستبعدا منه اضطرابه بقوله: ودفنها بالروضة.

وروى الفتال النيشابوري مرسلا في (روضة الواعظين) قال: أخرجها علي ومعه الحسن والحسين عليهم السّلام ونفر من بني هاشم (العباس وولداه) وعقيل والزبير، وخواصّه سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار وبريدة، وصلّوا عليها ودفنوها، وسوّى قبرها مع الأرض وسوى حواليها سبعة قبور مزوّرة حتى لا يعرف قبرها(4).


(1) دلائل الإمامة: 46.

(2) المصدر السابق.

(3) عيون المعجزات كما في بحار الأنوار 43: 212.

(4) روضة الواعظين 1: 183.

صفحة 41

وجمع الحلبيّ هذا الشتات فقال: وفي رواياتنا: أنه صلّى عليها أمير المؤمنين والحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة. وفي رواية:

والعباس وابنه الفضل. وفي رواية: وحذيفة وابن مسعود.

وروي: أنه سوّى قبرها مستويا مع الأرض. وقالوا: سوّى حواليها سبعة قبور مزوّرة حتى لا يعرف قبرها. وروى أنه: رشّ أربعين قبرا، حتى لا يتبيّن قبرها(1).

و(كشف الغمة) للإربلي أقدم كتاب احتوى أكبر قدر من (كتاب مولد فاطمة ووفاتها) للصدوق، ونقل عنه خبرا مرسلا قال: فغسّلوها وكفّنوها وحنّطوها، وصلّوا عليها ودفنوها بالبقيع. وعلق الصدوق عليه قال: جاء هذا الخبر كذا، والصحيح عندي أنها دفنت في بيتها. واستند في ذلك إلى صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام ولكنه حيث لم يصرّح بها هنا وكأنه غاب عن الأربلي فعارضه قال: المشهور فيما نقله أرباب التواريخ والسير والناس:


(1) مناقب آل أبي طالب 3: 413.

صفحة 42

أنها دفنت بالبقيع‏(1) ثم لم يذكر من أرباب التواريخ والسير أحدا. ولو اطّلع على الصحيحة لصححها ولم يعارضها. ولا مانع من أن يكون دفنها في بيتها ومع ذلك سوّى قبورا مزوّرة فالتبس الأمر.

هذا وقد مرّ الخبر: أنه عليه السلام لما غسلها ووضعها على السرير قال للحسن: ادع لي أبا ذر، فدعاه فحملاه إلى المصلّى فصلّى عليها(2) فالخبر وإن كان فيه بعد هذا:

فحملوا السرير إلى البقيع. لكن نزولا عند صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام يمكن القول بردّها إلى دارها، والرجال الذين ذكروا إنما حضروا الصلاة عليها لا التشييع.

تَأْبينُ أميرِ المؤمنينَ للزَّهرٰاء عليها السلام: 

روى الكليني في (الكافي) بسنده عن الحسين عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين لما قبضت فاطمة عليها السلام دفنها سرّا وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه صلى الله عليه وآله فقال: «السلام عليك يا رسول


(1) كشف الغمة 2: 126.

(2) بحار الأنوار 43: 215، عن بعض كتب المناقب القديمة! عن ابن عباس.

صفحة 43

اللّه عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار اللّه لها سرعة اللحاق بك.

قلّ يا رسول اللّه عن صفيتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلّدي، إلّا أنّ لي في التأسّي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري. بلى وفي كتاب اللّه أنعم القبول: (إنا للّه وإنا إليه راجعون). قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرّهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول اللّه، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهّد، وهمّ لا يبرح قلبي أو يختار اللّه لي دارك التي أنت فيها مقيم. كمد مقيّح(1) وهمّ مهيّج! سرعان ما فرّق بيننا، وإلى اللّه أشكو.

وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا،


(1) الكمد: الحزن الشديد، والقيح: مادّة الجرح بلا دم.

صفحة 44

وستقول ويحكم اللّه وهو خير الحاكمين.

سلام عليك يا رسول اللّه سلام مودّع لا قال ولا سئم. فإن انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد اللّه الصابرين، واه واها، والصبر أيمن وأجمل. ولو لا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاما معكوفا ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية. فبعين اللّه تدفن ابنتك سرّا، وتهضم حقها وتمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر. وإلى اللّه‏

– يا رسول اللّه- المشتكى، وفيك يا رسول اللّه أحسن العزاء، صلى اللّه عليك، وعليها السلام والرضوان». ‏(1)


(1) أصول الكافي 1: 458، الحديث 3 باب مولد الزهراء عليها السلام، بسنده إلى علي بن محمد الهرمزاني عن أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام، بينما يرويه الطوسي في أماليه: 109 الحديث 166 عن المفيد( في أماليه: 281 المجلس 33، الحديث 7) عن الصدوق، ولم نجده في كتبه ولعله من كتابه المفقود: كتاب مولد فاطمة ووفاتها.. عن أبيه، ويتحد السند مع الكليني في الكافي، إلى علي بن محمد الهرمزاني ولكن عن علي بن الحسين عن أبيه. فيبدو سقوطه من الكافي مع تلخيص فيه لمقدمة الخبر، ففي الأماليين: ( لما مرضت فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وصّت إلى علي بن أبي طالب عليه السلام: أن يكتم أمرها ويخفى خبرها ولا يؤذن أحدا بمرضها. فكان يمرّضها بنفسه وتعينه أسماء بنت عميس على استسرار بذلك) زيادة على ما في الكافي، وبزيادة: ( فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خدّيه، وحوّل وجهه إلى قبر رسول اللّه فقال) بهذا اللفظ الأخير في نهج البلاغة الخطبة 220 فهو عن طريق الصدوق. والزيادة الأولى غريبة ومنفردة ومخالفة للمعروف المشهور من عيادة النساء لها وخطبتها فيهن، وبذلك يرجّح نقل الكليني.

صفحة 45

عَوٰاقِبُ دَفنِ اللَّيل‏(1)

جاء في خبر الصدوق في (علل الشرائع) عن الصادق عليه السلام ما يدل على أن صيحة الحسن عليه السلام بأبي بكر: انزل عن منبر أبي كانت قبل وفاة فاطمة عليها السلام، إذ قال:


(1) أقدم خبر عن عواقب دفن الليل ما رواه سليم بن قيس 2: 870 عن ابن عباس قال: قبضت فاطمة عليها السلام من يومها.. فأقبل أبو بكر وعمر يعزّيان عليا ويقولان له: يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول اللّه.فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام فقال المقداد: قد دفنّا فاطمة البارحة! فالتفت عمر إلى أبي بكر وقال: أ لم أقل لك إنهم سيفعلون!فقال العباس: إنها( هي) أوصت أن لا تصليا عليها!فقال عمر: يا بني هاشم، لا تتركون حسدكم القديم لنا أبدا، وإن الضغائن التي في صدوركم لن تذهب! واللّه لقد هممت أن أنبشها فاصلي عليها.فقال علي عليه السلام: واللّه لو رمت ذلك يا ابن صهاك لا رجعت إليك يمينك! واللّه لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك! فرم ذلك!فانكسر عمر وسكت وعلم أن عليا إذا حلف صدق!ولكنه لا ينسجم مع ما مرّ ويأتي مما دلّ على وفاتها عليها السلام ليلا بلا خبر من الناس.

صفحة 46

فلما أصبح أبو بكر وعمر عاودا عائدين (زائرين) لفاطمة(1) فلقيا رجلا من قريش فقالا له: من أين أقبلت؟ قال: عزّيت عليا بفاطمة! قالا: وقد ماتت؟ قال: نعم، ودفنت في جوف الليل! فجزعا جزعا شديدا.

ثم أقبلا إلى علي عليه السلام فلقياه فقالا له: واللّه ما تركت شيئا من غوائلنا ومساءتنا، وما هذا إلّا من شي‏ء في صدرك علينا، هل هذا إلّا كما غسلت رسول اللّه دوننا ولم تدخلنا معك‏(2)! وكما علّمت ابنك أن يصيح بأبي بكر: انزل عن منبر أبي‏(3).


(1) وهذا مما يؤيد أخبار وفاتها ليلا لا عصرا كما في مرسلة روضة الواعظين 1: 183:أخّر إخراجها.

(2) ونحوه ما نقله المجلسي عن مصباح الأنوار عن الصادق عليه السلام قال: لما صلّى أبو بكر الفجر التفت إلى الناس فقال: احضروا بنت رسول اللّه فقد توفيت في هذه الليلة( بلا ذكر لمصدر خبره) فذهب ليحضرها فاستقبل عليا عليه السلام راجعا وقد خرج بها ودفنها، فقال له: هذا مثل استيثارك علينا بغسل رسول اللّه وحدك!فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هي واللّه أوصتني أن لا تصليا عليها، بحار الأنوار 81: 256.

(3) ومن هنا يظهر أن الكلام كان من عمر، وخبر صيحة الحسن عليه السلام رواه البلاذري في أنساب الأشراف 3: 26، الحديث 41 بسنده عن عروة بن الزبير رفعه قال: خطب أبو بكر يوما فجاء الحسن فقال: انزل عن منبر أبي…ونقله الحلبي في مناقب آل أبي طالب 4: 45، عن فضائل السمعاني عن أسامة بن زيد قال: جاء الحسن بن علي عليه السلام إلى أبي بكر وهو على منبر رسول اللّه صلى الله عليه وآله فقال: انزل عن مجلس أبي: قال: صدقت، إنه مجلس أبيك.. وكذلك عن أبي السعادات وتاريخ الخطيب-، ثم نقل عن الخطيب مثله عن الحسين عليه السلام لعمر. وذلك في تاريخ بغداد 1: 141. وروى خبر الحسن عليه السلام ابن حجر في الصواعق المحرقة: 107، عن الدار قطني البغدادي، وعن ابن حجر في فضائل الخمسة 3: 269. وتصحّف الحسن في الخبر الأول في المناقب المنشور إلى الحسين، ولكن عنه في بحار الأنوار 28: 232: الحسن، صحيحا. أما في أخبار أهل البيت عليهم السّلام فالإشارة الوحيدة إنما هي ما جاء أعلاه عن الصادق عليه السلام على أبي بكر فحسب، فهل تكرر ذلك؟ أ ليس بعيدا.

صفحة 47

فقال لهما علي عليه السلام: أ تصدّقاني إن حلفت لكما؟ قالا: نعم. فحلف وادخلهما المسجد وقال لهما: أما الحسن ابني فقد تعلمان ويعلم أهل المدينة:

أن الحسن كان يتخطّى الصفوف.. يسعى إلى النبيّ.. والنبيّ يخطب فيركبه على رقبته ويدلى رجليه على صدره حتى يرى بريق خلخاليه من أقصى المسجد، فلا يزال على رقبته حتى يفرغ النبيّ من خطبته والحسن على رقبته، فلما رأى الصبيّ على منبر أبيه غيره شقّ عليه ذلك، واللّه ما أمرته بذلك ولا فعله عن أمري.

وأما فاطمة، فهي التي استأذنت لكما عليها وقد رأيتما ما كان من كلامها لكما، واللّه لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها! وما كنت الذي اخالف أمرها ووصيّتها إليّ فيكما!

صفحة 48

فقال عمر: دع عنك هذه الهمهمة! أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى أصلّي عليها!

فقال له علي عليه السلام: واللّه لو ذهبت تروم من ذلك شيئا.. فإني لا أعاملك إلّا بالسيف قبل أن تصل إلى شي‏ء من ذلك، وعلمت أنك لا تصل إلى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه عيناك! وتلاحيا واستبّا!

فاجتمع المهاجرون والأنصار وقالوا: واللّه ما نرضى بهذا أن يقال في ابن عمّ رسول اللّه وأخيه ووصيّه! وكادت أن تقع فتنة! فتفرّقا.(1)

إلّا أن السيد المرتضى في (عيون المعجزات) روى مرسلا: أن الناس لما أصبحوا لام بعضهم بعضا قالوا: إنّ نبيّنا خلّف بنتا (واحدة) ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها، ولا نعرف قبرها فنزورها؟!

فقال من تولّى الأمر: هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور (السبعة في البقيع) حتى نجد فاطمة فنصلّي عليها ونزور قبرها!

فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فخرج مغضبا قد احمرّت عيناه وقد تقلّد سيفه ذا الفقار، حتى بلغ


(1) علل الشرائع 1: 222- 223 بتصرّف يسير.

صفحة 49

البقيع وقد اجتمعوا فيه، فقال عليه السلام: لو نبشتم قبرا من هذه القبور لوضعت السيف فيكم! فتولّى القوم‏.(1)

وكأنه اختصر خبر الطبري الإمامي في (دلائل الإمامة) عن محمد بن همّام قال:

إن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضجّ الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا: لم يخلّف نبيّكم فيكم إلّا بنتا واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها ولا تعرفون قبرها.

فقال ولاة الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلّي عليها ونزور قبرها!

فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فخرج مغضبا قد احمرّت عيناه ودرّت أوداجه، وعليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة، وهو يتوكّأ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع.

فتلقّاه عمر ومن معه من أصحابه وقال له: ما لك


(1) عيون المعجزات، كما في بحار الأنوار 43: 212.

صفحة 50

يا أبا الحسن؟! واللّه لننبشنّ قبرها ولنصلينّ عليها!

فضرب علي عليه السلام بيده إلى جوامع ثوبه فهزّه ثم ضرب به الأرض وقال له:

يا ابن السوداء! أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس عن دينهم‏(1)، وأما قبر فاطمة، فو الذي نفس عليّ بيده لئن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لأسقينّ الأرض من دمائكم، فإن شئت فأعرض يا عمر!

فتلقّاه أبو بكر وقال له: يا أبا الحسن؛ بحقّ من فوق العرش (!) وبحقّ رسول اللّه إلّا خلّيت عنه، فإنا غير فاعلين شيئا تكرهه!

فخلّى عنه، وتفرّق الناس‏(2).

مُؤٰامَرَة

روى سليم عن ابن عباس أنه حكى نحو ما مرّ ثم قال: ثم إنهم تذاكروا فقالوا: لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حيّا! فقال أبو بكر: ومن لنا بقتله؟!


(1) فهذا أيضا مما يؤيد أن تركه حقه كان مخافة ارتداد العرب قبل وفاة فاطمة عليها السلام بخلاف ما جاء في خبر الزهري: أنه بايع بعد وفاتها.

(2) دلائل الإمامة: 46.

صفحة 51

فقال عمر: خالد بن الوليد. فأرسلا إليه وقالا له: يا خالد، ما رأيك في أمر نحملك عليه؟ قال: احملاني على ما شئتما، فو اللّه إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت! فقالا: واللّه ما نريد غيره! قال: فإنّي له! فقال أبو بكر: إذا قمنا في الصلاة صلاة الفجر فقم إلى جانبه ومعك السيف، فإذا سلّمت فاضرب عنقه! قال: نعم. فافترقوا على ذلك.

ثم إنّ أبا بكر لم ينم ليلته تلك، فكّر فيما أمر به من قتل علي عليه السلام فعرف أنه إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل فندم على ما أمر به، وأصبح وأقيمت الصلاة وأتى المسجد وتقدم فصلّى حتى فرغ من تشهده فصاح قبل أن يسلّم: يا خالد لا تفعل ما أمرتك فإن فعلت قتلتك! ثم سلّم.

وكان خالد قد قام إلى جانب علي عليه السلام وفطن علي ببعض ذلك، فوثب إليه وأخذ بتلابيبه وانتزع سيفه وصرعه وجلس على صدره، واجتمع إليه الناس ليخلّصوه منه فما قدروا عليه، فحلّفوه بقبر رسول اللّه فتركه وقام، فقام خالد وانطلق إلى منزله‏(1).


(1) كتاب سليم بن قيس 2: 871، 872، الحديث 48 وفي 679، الحديث 14، عن علي عليه السلام ولكنه ليس لما بعد وفاة فاطمة عليها السلام بل بعد احتجاجها لميراثها، وشطر منه في الغيبة للنعماني: 53، ومثله في الاستغاثة: 19- 21. ونقله ابن شاذان في الإيضاح: 155- 159 عن جماعة من العامة. ورواه القمي في تفسيره 25: 158، 159 بسنده عن الصادق عليه السلام أكثر تفصيلا. وفي رجال الكشي: 395، الحديث 741 عن سفيان الثوري.والطبري الإمامي في المسترشد: 451 عن ابن عباس وفي: 455 عن الباقر عليه السلام.والطبرسي في الاحتجاج 1: 118 مرسلا مرفوعا مجموعا من خبري سليم والاستغاثة.وأورده وردّه القاضي المعتزلي في المغني، وعنه المعتزلي في شرح النهج 17: 222 وقال:انفردت به الإمامية، وفي 13: 301 قال: قوم من العلوية. ونقل عن الصدوق في علل الشرائع، ولم أجده فيه.

تم بحمد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أحدث العناوين