الوراثة الخاصة في زيارة وارث

صفحة 1



صفحة 2

العراق ـ النجف الأشرف – حي الكرامة
هاتف: 009647728220543

الهوية:

عنوان الإصدار  : الوراثة الخاصة في زيارة وارثء

تأليف : د. السيد حسي البدري

سنة الإصدار : 2025/1447 ـ رقم (71)

نوع الإصدار  : إلكتروني ـ PDF

الناشر  : مركز فجر عاشوراء الثقافي



صفحة 3



صفحة 4



صفحة 5



صفحة 6

مباحث تمهيدية

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

إن زيارة الإمام الحسين عليه السلام المعروفة بـ «وارث» وردت في أشهر الكتب الروائية حيث رواها ابن قولويه في (كتابه كامل الزيارات) برقم (621) بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام وفي رقم (639) وفي رواية رقم (739) أيضا، وكذا رواها الشيخ الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) والشيخ المفيد في (المزار) والشيخ الطوسي في (التهذيب) و (المصباح)، ورواها جميع من جاء بعدهم عنهم.



صفحة 7

والمتتبع لنصوص الزيارة التي وردت عن المعصومين عليه السلام يجد ان هناك اختصاصا في السلام على الإمام الحسين عليه السلام بلفظة (يا وارث) للأنبياء والأصفياء ولم ترد لسائر المعصومين.

غير ان ابن قولويه أورد في كتابه نصاً يُزار به الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام في الرواية رقم (801) وذكر انه «ورد عن بعضهم»، وقد أوضح العلامة محمد تقي المجلسي ان هذا النص من إنشاء وجمع ابن الوليد القمي شيخ الصدوق، قال رحمه الله: «زيارة قبر الرضا أبي الحسن علي بن موسى عليهما السلام بطوس ذكر هذه الزيارة شيخ الصدوق محمد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه في جامعه والظاهر أنه جمعها ولا بأس به، لكن الأولى الزيارة المنقولة عنهم صلوات الله عليهم».⁽¹⁾



صفحة 8

ومما يؤيد العلامة المجلسي عبارة الشيخ الصدوق نفسه قالرحمه الله: «زيارة الرضا عليه السلام بطوس ذكرها شيخنا محمد بن الحسن (بن الوليد) في جامعه فقال: إذا أردت…»⁽¹⁾، ومن جاء بعدهم نسبها إلى ابن الوليد، قال العلامة الحلي رحمه الله: «مسألة في وصفة زيارته (أي الإمام الرضا عليه السلام) ما ذكره محمّد بن الحسن بن الوليد القمّيّ…»⁽²⁾. كما إن للعلامة البدري إضافة تحقيقية مهمة، وهي انه لا يوجد فيما نقل عن أهل البيت عليه السلام من الحديث تعبير (ورد عن بعضهم) ويراد به أحد الأئمة عليهم السلام ⁽³⁾، ولذا جاءت نسخة السيد البروجردي رحمه الله بعد قوله «ورد عن بعضهم» ليس بعدها حرف (ع) وهو رمز لعبارة (عليه السلام) وان المقصود



صفحة 9

بـ (بعضهم) بعض العلماء.⁽¹⁾

وقد ذكر الشيخ محمد بن المشهدي من اعلام القرن السادس الهجري في كتابه المزار نصا يزار به أمير المؤمنين وفيه السلام بـ (وارث). ويظهر حاله من كلام السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله: «أن الشيخ محمد بن المشهدي، قال في أول مزاره: (فإني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات والأدعية المختارات وما يدعى به عقيب الصلوات وما يناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات والخلوات، وما يلجأ إليه من الأدعية عند المهمات، مما اتصلت به ثقات الرواة إلى السادات..). وهذا الكلام منه صريح في توثيق جميع من وقع في إسناد روايات كتابه.



صفحة 10

لكنه لا يمكن الاعتماد على ذلك من وجهين: 1- أنه لم يظهر اعتبار هذا الكتاب في نفسه، فإن محمد بن المشهدي لم يظهر حاله، بل لم يعلم شخصه وإن أصر المحدث النوري على أنه محمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي الحائري، فإن ما ذكره في وجه ذلك لا يورث إلا الظن. 2-أن محمد بن المشهدي من المتأخرين، وقد مر أنه لا عبرة بتوثيقاتهم».⁽¹⁾

نصوص الزيارة

إما نصوص الزيارة فمرة وردت مفصلة وأخرى مختصرة ومرة مع ذكر ثواب الزيارة ومرة بدونه. ونحن نوردها هنا مع بعض التعليق:

1. أورد ابن قولويه في الباب 79 تحت



صفحة 11

عنوان باب الزيارات رقم (621)⁽¹⁾ قال: حدثني أبي عن سعد بن عبد الله، عن أبي عبد الله الرازي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن الحسن بن محمد بن عبد الكريم أبو علي، عن المفضل بن عمر، عن جابر الجعفي، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام للمفضل: كم بينك وبين قبر الحسين عليه السلام، قال: قلت: بأبي أنت وأمي يوم وبعض يوم آخر، قال: فتزوره، فقال: نعم، فقال: الا أبشرك الا أفرحك ببعض ثوابه، قلت: بلي جعلت فداك، قال: فقال لي: ان الرجل منكم ليأخذ في جهازه ويتهيأ لزيارته فيتباشر به أهل السماء، فإذا خرج من باب منزله راكبا أو ماشيا وكل الله به أربعة آلاف ملك من الملائكة يصلون عليه حتى يوافي قبر الحسين عليه السلام يا مفضل إذا اتيت قبر الحسين بن علي عليه السلام فقف بالباب وقل هذه



صفحة 12

الكلمات، فان لك بكل كلمة كفلا من رحمة الله، فقلت: ما هي جعلت فداك، قال: تقول: السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله. السلام عليك يا وارث علي وصي رسول الله، السلام عليك يا وارث الحسن الرضي، السلام عليك يا وارث فاطمة بنت رسول الله السلام عليك أيها الشهيد الصديق، السلام عليك أيها الوصي البار التقي، السلام على الأرواح التي حلت بفنائك، وأناخت برحلك، السلام على ملائكة الله المحدقين بك. أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين، السلام



صفحة 13

عليك ورحمة الله وبركاته ثم تسعي، فلك بكل قدم رفعتها أو وضعتها كثواب المتشحِّط بدمه في سبيل الله، فإذا سلمت على القبر فالتمسه بيدك وقل: السلام عليك يا حجة الله في سمائه وارضه. ثم تمضي إلى صلواتك، ولك بكل ركعة ركعتها عنده كثواب من حج واعتمر ألف مرة، واعتق ألف رقبة، وكأنما وقف في سبيل الله ألف مرة مع نبي مرسل. فإذا انقلبت من عند قبر الحسين عليه السلام ناداك مناد لو سمعت مقالته لأقمت عمرك عند قبر الحسين عليه السلام، وهو يقول: طوبي لك أيها العبد قد غنمت وسلمت، وقد غفر لك ما سلف فاستأنف العمل. فان مات في عامه أو في ليلته أو يومه لم يل قبض روحه الا الله، وتقبل الملائكة معه، ويستغفرون له ويصلون عليه حتى يوافي منزله، وتقول الملائكة: يا رب هذا عبدك وقد وافى قبر ابن نبيك صلى الله عليه وآله



صفحة 14

وقد وافى منزله فأين نذهب، فيأتيهم النداء من السماء: يا ملائكتي قفوا بباب عبدي، فسبحوا وقدسوا، واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم يتوفى. قال: فلا يزالون ببابه إلى يوم يتوفى، يسبحون الله ويقدسونه ويكتبون ذلك في حسناته، فإذا توفى شهدوا كفنه وغسله والصلاة عليه، ويقولون: ربنا وكلتنا بباب عبدك وقد توفي فأين نذهب، فيناد بهم: يا ملائكتي قفوا بقبر عبدي فسبحوا وقدسوا واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم القيامة. ⁽¹⁾

2. أورد ابن قولويه في نفس الباب المتقدم برقم (639) قال: حدثني أبو عبد الرحمان محمد بن أحمد بن الحسين العسكري ومحمد بن الحسن جميعا، عن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه علي بن مهزيار، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن مروان، عن أبي حمزة الثمالي،



صفحة 15

قال: قال الصادق عليه السلام: إذا أردت المسير إلى قبر الحسين عليه السلام فصم يوم الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا أردت الخروج فاجمع أهلك وولدك وادع بدعاء السفر، واغتسل قبل خروجك وقل حين تغتسل: اللهم طهرني وطهر قلبي، واشرح لي صدري، واجر على لساني ذكرك ومدحتك والثناء عليك…⁽¹⁾ ثم يذكر زيارة غير الزيارة السابقة وهي مفصلة مكونه 31 صفحة من ضمن كلماتها هي السلام على الحسين عليه السلام بالوراثة للذوات التسعة كما في الرواية السابقة.

3. أورد ابن قولويه في الباب (٩٦) وهو تحت عنوان: من نأت داره وبعدت شقته كيف يزور الحسين عليه السلام. برقم (739) قال حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن



صفحة 16

أبيه، رفع الحديث إلى أبي عبد الله عليه السلام، قال: دخل حنان بن سدير الصيرفي على أبي عبد الله عليه السلام وعنده جماعة من أصحابه، فقال: يا حنان بن سدير تزور أبا عبد الله عليه السلام… ثم ذكر الرواية والزيارة وفيها السلام على الحسين عليه السلام بوراثة الذوات التسعة. ⁽¹⁾

4. أورد الشيخ الطوسي روى لنا جماعة عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال عن أبيه عن جده صفوان قال: استأذنت الصادق عليه السلام لزيارة مولانا الحسين عليه السلام، فسألته أن يعرفني ما أعمل عليه.. فذكر الزيارة.⁽²⁾ وليس في الرواية عبارة «السلام عليك يا وارث الحسن الرضي، السلام عليك يا وارث فاطمة بنت رسول الله السلام» التي ذكرتها



صفحة 17

الروايات السابقة.

ومن هذه النصوص يظهر ما يلي:

1. ان نصوص الزيارات التي ورد فيها السلام على الحسين عليه السلام بـ «يا وارث» كلها جاءت عن الإمام الصادق عليه السلام.

2. إن الرواة من الطبقة الأولى لنصوص الزيارات المتقدمة كلهم كوفيون من جِلَّة الأصحاب وهم أبو حمزة الثمالي وجابر بن يزيد الجعفي وصفوان بن مهران الجمال، بالإضافة إلى حنان بين سدير الذي سأل الامام عن طريقة الزيارة.

3. نصوص الزيارة بـ «السلام عليك يا وارث» ليست خاص بزيارة دون زيارة بل هي مضمون عدد من الزيارات ومن آداب المثول امام قبر سيد الشهداء عليه السلام. وعليه تتحقق الشهرة (او أكثر) وهي موجبة للاطمئنان بالصدور.



صفحة 18

4. في جانب البحث السندي ربما يوجد بعض الأفراد في الأسانيد المتقدمة لم يتضح حاله مدحا ولا ذما. ولكن ابن قولويه ذكر في مقدمة كتابه ما يصحح أسانيده ويوثقها قال رحمه الله: «ولم اخرج فيه حديثا روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم صلوات الله عليهم كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا إنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته، ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال، يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم»⁽¹⁾. وفي هذه العبارة دلالة واضحة على التوثيق، قال السيد الخوئي رحمه الله بعد ان أورد العبارة المتقدمة: «فيحكم



صفحة 19

بوثاقة من شهد علي بن إبراهيم أو جعفر ابن محمد بن قولويه بوثاقته، اللهم إلا أن يبتلي بمعارض».⁽¹⁾ وهذا يوجب المزيد من الاطمئنان بالصدور مع ضمه إلى الشهرة الروائية.

5. بمراجعة نصوص الزيارات المتقدمة التي وردت فيها جملة (السلام عليك يا وارث) نجذ ذكر ستة من الأنبياء بالإضافة إلى علي وفاطمة والحسن صلوات الله عليهم اجمعين. والانبياء هم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، صلوات الله عليهم أجمعين.

6. ان هذه الزيارات مطلقة لم تخصص بمناسبة خاصة. وهي تشكل المضمون النوعي لزيارات الامام الحسين عليه السلام، وتؤسس المقارنة بينه وبين الأنبياء السابقين.



صفحة 20

شهرة زيارة وارث

تعتبر زيارة وارث من أشهر الزيارات التي يزار بها الإمام الحسين عليه السلام فبالإضافة إلى ما سبق ذكرها على السيد ابن طاووس في إقبال الأعمال ومصباح الزائر، والكفعمي في البلد الأمين، والفيض الكاشاني في الوافي، والحر العاملي في وسائل الشيعة، والمجلسي في بحار الانوار، والقمي في مفاتيح الجنان، وغيرهم الكثير. ويمكن عد الأسباب التي أدت إلى شهرة زيارة وارث كما يلي:

أولا: وجودها في عدة روايات في مصادر موثوقة عن الإمام الصادق عليه السلام.

ثانيا: أنها من الزيارات المطلقة التي لا تختص بمناسبة خاصّة ويزار بها عليه السلام في كل وقت حتى مع البعد.



صفحة 21

ثالثا: مواظبة العلماء عليها وانتشارها في كتبهم.

رابعا: ورودها في أشهر الكتب الحديثية وكتب الأدعية والزيارات.

خامسا: احتوائها عبارة (وارث) التي تعقد الربط مع الأنبياء والأصفياء السابقين.

سادسا: عناية علماء الشيعة بالتأمل في نصوص زيارة وارث والاستناد إليها في كشف آفاق المعرفة الحسينية، ونصوص الزيارات مع قوة سبكها وسهولة كلماتها تحتوي على معاني غزيرة محكمة يتأدب بها الزائر عند المثول لزيارة ولا يوجد أحسن منها لا من حيث السبك ولا المضمون، وسنأتي على ذكر بعض جهود العلماء في ذلك.



صفحة 22

الوراثة الخاصة والعامة

الوارث اسم فاعل من ورث، وَرِثَهُ مالَهُ و مَجْدَهُ، وَ وَرِثَه عنه وِرْثاً وَ رِثَةً وَ وِراثَةً و إِراثَةً.⁽¹⁾ والإِيرَاثُ: الإبقاء للشي‌ء.⁽²⁾ وفي الحديث «اللّهمّ متّعني بسمعي و بصري، و اجعلهما الوارث منّي» أي أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت.⁽³⁾

والوارث اسم من أسماء الله الحسنى، بمعنى الباقي⁽⁴⁾، قال تعالى ﴿رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ﴾⁽⁵⁾ وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ﴾⁽⁶⁾ ووصف اللّه تعالى نفسه



صفحة 23

بأنه الْوَارِثُ من حيث إنّ الأشياء كلّها صائرة إليه تعالى.⁽¹⁾

مما تقدم يظهر ان مفهوم الوارث يدور مدار صَيرورة شيء من السابق إلى اللاحق بأولوية نسبية او غيرها من جهة كونه باقيا. فهو يطلق على المال، والعلم، وأيضا تكون الوراثة في الدم والطبع حين يتصف أحد الأبناء والأحفاد بطبع أبيه أو أجداده، وأيضا تكون الوراثة في المجد فيقال ورث المجد كابرا عن كابر: أي صار مجدهم إليه.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن العلماء ورثة الأنبياء وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ شيئا منها فقد أخذ حظا وافرا»⁽²⁾ وعن الإمام الرضا عليه السلام: «ان محمدا صلى الله



صفحة 24

عليه وآله كان أمين الله في ارضه فلما قبض محمد صلى الله عليه وآله كنا أهل البيت ورثته ونحن أمناء الله في ارضه».⁽¹⁾

ومما سبق يظهر ان الوارث؛ هو من يتسلم المواريث من السابقين لأنه يكون خلفهم ويبقى من بعدهم.

وهذه الوراثة على نحوين: (عامة) و(خاصة).

المقصود بالعامة: هي الوراثة التي لا تختص بشخص دون آخر، وتمضي في الجميع كقانون عام. سواء كان في التكوين، او في الصفات المكتسبة او المال والحقوق. فكل هذه الأمور يحكمها قانون عام لا يختص بواحد دون آخر.

والمقصود بالوراثة الخاصة: ان يختص نحو من انحاء الوراثة بشخص او أكثر دون سائر الناس ليس على أساس قانون محدد بل لأمر



صفحة 25

ودليل خاص.

مثال الأول: الوراثة التكوينية في الخصائص الجسمية او الوراثة الشرعية في الحقوق والأموال، او وراثة الأبناء خصائص الآباء في بعض المكتسبات والخط الفكري والاجتماعي.

ومثال الثاني: وراثة كتب وعلوم الأنبياء السابقين، وراثة سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله، وراثة المسار التاريخي لدورة تاريخية معينة كطبيعة الظرف أو شكل التَّحدي وطبيعة التعامل معها.

شروح زيارة وارث

وجدت محاولات متعددة للتأمل في معنى الوراثة في زيارة وارث بالنسبة للذوات المذكورة، وفيما يلي نثبت ما وجدناه أصيلا وليس تكرارا أو مقتبسا:



صفحة 26

1. يعتبر أوسع من كتب في هذا المضمار الشيخ المولى حبيب الله الشريف الكاشاني (1264-1340هـ)⁽¹⁾ في كتابه جنة الحوادث في زيارة وارث الذي يقع الكتاب في 196 صفحة من القطع الوزيري المطبوع سنة 1424هـ. ويعد هذا لكتاب من الشروح اللامعة لزيارة وارث فهو مملوء بالأحاديث والجوانب اللغوية والبلاغية.

2. الشيخ علي سعادت پرور (پهلوانى تهرانى)⁽²⁾، نور هدايت (شرح معارف



صفحة 27

فرازهاى كليدى ادعيه بر اساس كتاب اقبال الاعمال)، يتناول شرح المعارف المهمة المضمَّنة في الادعية والزيارات على أساس كتاب (اقبال الاعمال) للسيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس، وهو باللغة الفارسية، ويقع في 532صفحة، طبع سنة 1386ش/2004م، وقد تناول شرح زيارة وارث في صفحة 270 إلى 274.

3. الشيخ محمد مهدي الآصفي، في رحاب عاشوراء. والكتاب يتكوَّن من أربعة أجزاء وتناول طرح الموضوع في الجزء الأول في اوله ثم في الجزء الرابع ص 141فما بعد. والكتاب من نشر مؤسسة دار الكتاب الإسلامي 1430هـ/2009م.

4. عبد المحسن محمد طاهر النمر، الحسين وارث الأنبياء، مؤسسة الكوثر 1425هـ، الكتاب يقع في 103 صفحة من القطع الرقعي.



صفحة 28

5. السيد سامي البدري، زيارة وارث تؤسس المقارنة بين الحسين عليه السلام والانبياء، نشر هذا البحث المختصر في كتاب بحوث في النهضة الحسينية ص 266 حتى 291، الناشر مركز فجر عاشوراء الثقافي التابع للعتبة الحسينية المقدسة- 2017. يذكر ان للمؤلف كتاب مخطوط مفصل في هذا الخصوص يقع في 375 صفحة في مراحل التصحيح والنشر.

6. الشيخ احمد الماحوزي، الامام الحسين وارث الأنبياء، يحتوي هذا الكتاب على أسئلة واجوبة حول زيارة وارث، والكتاب يقع 64 صفحة من القطع الرقعي، ويحتوي على 16 سؤالا وثلاثة ملاحق.

وسوف نستعرض فيما يلي تلك الجهود مع محورية معنى الوراثة الخاصة.

***



صفحة 29

من ذهب إلى ان معنى الوراثة عام وليس خاصاً

ونقصد بالمعنى العام هو معنى الوراثة الذي يشترك فيه مع سيد الشهداء سائر الأئمة عليهم السلام. ونَعدُّ في هذا السِّياق شرح الشريف الكاشاني وكذلك إشارات الشيخ علي سعادت والشيخ الماحوزي.

اما الشريف الكاشاني رحمه الله فقد طرح عدة معاني محتملة في الوراثة وهي:

1. وراثة العلم والمعارف عن الأنبياء السابقين.

2. وراثة الصفات والأخلاق والشرف والمجد.



صفحة 30

3. وراثة الرُّوح الذي به تُخرق العادات وتكون المعجزات.

4. وراثة الآلات والأدوات المختصة بهم كعصا موسى وعمامة هارون وخاتم سليمان والتابوت.

5. وراثة وَظيفة الأنبياء السابقين وهي الإرشاد والإبلاغ والإنذار.

وبالنهاية رجح ان تكون كل تلك الفقرات والخصائص هي مرادة بالوراثة.⁽¹⁾

قال: «ولا يخفى ان حمل الميراث المستفاد من هذه الفقرات على جميع ما كان لهم عليهم السلام من الخصائص سوى مرتبة النبوة أولى من حمله على خصوص بعض المراتب كما يشهد له الكثير من الأخبار في هذا المضمار».⁽²⁾

ومنهجه الانطلاق من المعاني اللغوية



صفحة 31

للألفاظ وصولا إلى المعاني الشرعية والدينية والاستشهاد والاستئناس بالأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام وقد حشد منها الشيء الكثير، وقد تضمن شرح للزيارة فوائد جمّة يقف عليها كل من راجع الكتاب.

واما الشيخ علي سعادت رحمه الله فقد أشار إلى ان هناك عناية خاصة من المعصومين عليهم السلام في ذكر الحسين عليه السلام بوارث الأنبياء، وذكر خمس احتمالات أيضا:

1. ان يرث ما عند الأنبياء غير النبوة والرسالة والأمور الخاصة. مثل مقالم العصمة والحجية وعلم ما كان ويكون والوظائف ومعرفة كتب الأنبياء السابقين وهداية المجتمع إلى التوحيد وغيرها ويذكر ان هذا المعنى من الوراثة لا يكون من ضمن المعاني الاصطلاحية.

2. مقام الوصاية والإمامة.



صفحة 32

3. ما كان للأنبياء من الآثار الظاهرة مثل الكتب والعصا والسيف وغيرها.

4. خصائص الأنبياء الخاصة بهم وليست العامة، 5. المصائب، وبالنهاية رجح ان الاحتمال الأولى.⁽¹⁾

وما رجحه من المعنى لا يعدو ان يكون ضمن المعنى العام للوراثة.

وأما الشيخ الماحوزي فيذكر ان الذي ورثه الإمام الحسين عليه السلام من الأنبياء السابقين هو العلم بالكتاب المشار إليه في قوله تعالى ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا﴾⁽²⁾ فهو ورث العلم بجميع الكتب السماوية النازلة على جميع الأنبياء والمرسلين، فهو وارث الأنبياء والمرسلين جميعا. وعليه فهو لا يرى معنى مميزا في تخصيص الإمام الحسين عليه السلام بالوراثة



صفحة 33

في زيارة وارث غير العلم الذي يشترك فيه مع سائر الأئمة عليهم السلام.⁽¹⁾

ومما سبق يظهر ان هذه المحاولات لم تتوصَّل إلى المعنى الخاص على الرغم من إشارة بعضها إلى العناية الخاصَّة في إبراز سيد الشهداء بالوراثة دون سائر الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، لذا انعكس هذا المنهج على إهمال خصوصية الأسماء الواردة في الزيارة وعدم تتبع الوراثة الخاصة في كل اسم من المذكورين.

***



صفحة 34

من ذهب إلى المعنى الخاص للوراثة وجعله معنى واحداً

أبرز اسم يظهر أمامنا بعد التتبع في هذا المضمار: العلامة الشيخ الآصفي رحمه الله، حيث طرح مسألة تخصيص سيد الشهداء عليه السلام بـ (وارث الأنبياء) دون بقية الأئمة عليهم السلام وانه امر يستوقف الإنسان ويثير التساؤل.

قال رحمه الله: «تخصيص الحسين عليه السلام بصفته (وارث الأنبياء) من دون سائر الأئمة عليهم السلام في زيارة (وارث) وفي غيرها من النصوص الواردة في زيارة الحسين عليه السلام.. امر يستوقف الإنسان وثير في النفس التساؤل عن الخصوصية التي تستوجب هذا التخصيص



صفحة 35

مع ان كل الأئمة وكل الصالحين من عباد الله من حملة الدعوة هم ورثة الأنبياء، من دون فرق فما الذي اقتضى تخصيص هذا اللقب بسيد الشهداء؟

ان في الامر سرا وان إيضاح ذلك يقتضي ان نعيد النظر بإجمال وامعان في تاريخ الصدر الأول من الإسلام حتى استشهاد الامام الحسين عليه السلام وفي طبيعة الحركة والثورة التي نهض بها وحققها بشهادته».⁽¹⁾

وفي معنى الوراثة يقسم المؤلف الوراثة إلى حياتية وحضارية، ويقصد بالأولى الخصائص الشخصية والاجتماعية، والثانية الفكر والعقائد والتصورات والأعراف والتقاليد والأخلاق. ويقسم المواريث الحضارية إلى جاهلية وإلهية، والإلهية هي التي جاءت عن



صفحة 36

طريق الأنبياء.⁽¹⁾

وقال: «وسيد الشهداء وارث هذه المسيرة الحضارية الربانية الضخمة التي تمتد عبر حياة وجهود ودعوة الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين، وتأتي واقعة الطف امتداد لهذا الجهد التاريخي».⁽²⁾

يرى المؤلف ان واقعة الطف يوم عاشوراء تجسِّد المواريث الحضارية والأخلاقية التي ورثها الحسين عليه السلام من اسلافه الأنبياء الطاهرين. كالإخلاص لله، والتضحية، والبذل، والعطاء، والشجاعة، والصمود، والصرامة، والصبر، وعزة النفس، وإباء الضيم، والاستقامة في الدعوة إلى الله والتمرُّد على الطاغوت، والرَّفض، والتسليم لله وغير ذلك. وتمثل هذه الوراثة الشجرة الطيبة



صفحة 37

الممتدة الجذور والأصول إلى أعماق تاريخ الإسلام والإيمان.⁽¹⁾

والمؤلف قد التفت إلى التخصيص في زيارة وارث بالحسين عليه السلام ولكن لم يتتبع أثره في أسماء الأنبياء، لذا يمكن القول ان المؤلف لم يدخل في المعنى الخاص للوراثة، وبقي في المعنى العام الذي يصدق على بقية الأئمة عليهم السلام.

***



صفحة 38

من ذهب إلى المعنى الخاص للوراثة في إطار مفهوم «الحركة نحو الكمال»

وهذا النحو من تتبع المعنى الخاص للوراثة نجده عند الباحث الشيخ عبد المحسن النمر، فهو يتساءل بقوله: «في زيارة وارث لم تقل الزيارة السلام عليك يا وارث الأنبياء وانما ورد السلام عليك يا وارث آدم ونوح وإبراهيم.. نبياً نبياً ورثهم الامام الحسين صلوات الله عليه فما هي الخصوصية في وراثة ابي عبد الله عليه السلام من آدم صلوات الله عليه؟ فلو كان المقصود وراثة الكمالات بلا تفصيل لكان يكفي ان نقول السلام عليك يا وارث محمد المصطفى لأنه كل الكمالات هي في



صفحة 39

رسول الله صلى الله عليه وآله اذن لماذا فصلت الزيارة؟».⁽¹⁾

واستنتج المؤلف ان الزيارة تريد ان نعرِّف الحسين صلوات الله عليه من خلال معرفة خصوصيات آدم ونوح وسائر الأنبياء المذكورين.

وانطلق المؤلف في فهم الوراثة من فكرة: ان الذي ورثه الحسين عليه السلام أمورا خاصة عن الأنبياء الواردة أسمائهم ومحورها «الحركة نحو الكمال». فهذه الحركة بدأت من الانطلاقة الفطرية مع آدم ثم تكاملت مع سائر الأنبياء حتى وصلت إلى غايتها التّامَّة وهي ظهور محمد وآله صلى الله عليه وآله بيته عليهم السلام.

فآدم: هو منطلق الكمال الإنساني وهو أول حركة نحو الكمال من (جَنَّة الفِطرة إلى جَنَّة الكمال) وهي جنة محمد صلى الله عليه وآله، والدخول إلى جنة محمد صلى الله عليه وآله لابد لها من الوسيلة؛ وهي: الصلاة، الحج، الذكر، التوسُّل بآل



صفحة 40

محمد صلى الله عليه وآله.⁽¹⁾

ونوح: يمثل أيضا الانطلاقة الفطرية ولكن مع مسؤوليات إضافية: الدعوة، تعدد أساليب الدعوة، تحمل الشدائد والصبر، العبودية لله والشكر له.⁽²⁾

وهكذا سائر الأنبياء الذين وردت أسمائهم حتى يصل إلى أكمل حركة وانطلاقة وهي مرحلة ظهور النبي محمد صلى الله عليه وآله.

وعليه فالحسين عليه السلام ورث كل مراحل الكمال تلك وصولا إلى المرحلة النهائية.

والملاحظ: ان المؤلف انتبه إلى ضرورة فهم معنى الوراثة الخاصة في زيارة وارث، ولكن في ثنايا البحث جاء بمفردات هي تنطبق على سائر الأئمة عليهم السلام أيضا وتخرج عن كونها معنى خاصا.

***



صفحة 41

معنى الوراثة في إطار مفهوم «الاستنساخ التاريخي للحركة الرسالية» (العلامة البدري)

يؤمن العلامة البدري بان زيارة وارث تؤسس المقارنة بين الحسين عليه السلام والأنبياء عن طريق اكتشاف عناصر الوراثة الخاصة بينه وبين تلك الذوات المذكورة أسماءهم. وان هذه الزيارة «تثير مسألة جديدة في الفكر وهي مسألة الاستنساخ التاريخي بالحسين عليه السلام المماثلة لمسألة الاستنساخ التاريخي بين إسماعيل وإسحاق خلال أربعة آلاف عام التي أثار القرآن الكريم».⁽¹⁾

ويذكر المؤلف: «ان معنى وارث في اللغة هو



صفحة 42

الباقي ومعنى الحسين عليه السلام وارث آدم عليه السلام أي ان الحسين عليه السلام باق بعد آدم يحمل خصوصية من خصوصياته التي تذكر به»⁽¹⁾ وهكذا سائر الأنبياء.

وبمراجعة ما طرحه حول الموضوع⁽²⁾ يظهر انه اعتمد في بلورة الوراثة الخاصة على عِدة أسس:

الأول: اختصاص زيارة وارث بالحسين عليه السلام دون سائر الأئمة عليهم السلام، فهذا الاختصاص يدل على إرادة معنى الوراثة الخاصة التي تنحصر بالحسين عليه السلام دون غيره.⁽³⁾ قال: «ولم ترد رواية عن الأئمة التسعة تحث الشيعة على زيارة غير الحسين عليه السلام بها».

الثاني: إنَّ ذِكر كل اسم من أسماء الأنبياء والمطهرين في زيارة وارث دون غيرها من



صفحة 43

الأسماء يشير إلى وجود خصوصية هادية ينفرد بها ذلك الاسم؛ ورثها الإمام الحسين عليه السلام، وليس هو مجرد ذكر ادبي على سبيل المثال او الاستطراد، وعليه لابد من التفتيش عن خصوصيات في ذلك الاسم المذكور تنحصر به ولم تتكرر الا في الإمام الحسين عليه السلام.⁽¹⁾

ثالثا: ان تتصف تلك الخصوصية بالرسالية، وهذا الأساس يفرضه إلهية ونَبويَّة حركة ونهضة الإمام الحسين عليه السلام وعليه فلا نفتش عن خصائص غير رسالية.⁽²⁾

رابعا: الكشف عن الخصوصية الموروثة بمنهج المقارنة، فانه الطريق الموضوعي الواضح الذي يمكننا من خلاله الوصول إلى الوراثة الخاصة. قال: «تكشف الدراسة المقارنة للحسين عليه السلام مع الذوات التسع /آدم



صفحة 44

ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعلي والحسن وفاطمة عليهم السلام عن تماثل الحسين عليه السلام معهم في الخصوصيات الرِّسالية المميزة لكل واحد منهم عن غيره، وبذلك يكون الحسين عليه السلام وارثا لهم دون غيره من الأئمة التسعة من بنيه او جده وأبية أو أمه وأخيه عليهم السلام».⁽¹⁾

خامسا: ان الوراثة في زيارة وارث هي لتسع ذوات ستة منهم أنبياء وثلاث منهم أصفياء.

المحتملات في الوراثة الخاصة والمختار عند العلامة البدري

ثمة احتمالات ثلاث في الخصوصيات التي يرثها الإمام الحسين عليه السلام من الذوات التسعة:

الاحتمال الأول: ان يكون الذي ورثه عليه السلام



صفحة 45

هو مقام الإمامة وجميع مؤهلاته.

الاحتمال الثاني: علم الأنبياء وكتبهم.

والعلامة البدري يؤكد ان الامام الحسين عليه السلام قد ورث مقام الإمامة الذي جعله الله تعالى في ذرية إبراهيم عليه السلام، وكذلك العلم وكتب الأنبياء السابقين بالوصية من النبي صلى الله عليه وآله، ولكن هذا المعنى من الوراثة مما يشترك في وراثته معه باقي الأئمة عليهم السلام، فجميع الأئمة الاثني عشر هم يرثون الإمامة وأيضا يرثون العلم وكتب الأنبياء السابقين، ومن جهة أخرى يشترك في هاتين الخصوصيتين ربما سائر الأنبياء الذين لم تذكر أسمائهم في الزيارة. فلابد من البحث عن معنى آخر يتحقق معه الاختصاص.⁽¹⁾

والمعنى الخاص الذي نبحث عنه؛ يجب



صفحة 46

ان لا يشترك فيه مع الحسين عليه السلام غيره من الأئمة عليهم السلام، ومن جهة أخرى ان لا يشترك مع سائر الذوات المذكورة أسمائهم، وبعبارة نحن نفتش عن تسع معاني وخصائص منفردة لمن وردت أسماؤهم خاصة بكل اسم دون غيره ورثها الإمام الحسين عليه السلام دون سائر الأئمة، وعليه فالاختصاص يتحقق مع إحراز الجهتين.

الاحتمال الثالث: الحركة الرِّسالية في المجتمع التي تتميز عن سائر الأنبياء والأوصياء. ويقصد بالحركة الرسالية تلك الحوادث التي وقعت للنبي في مسيرته الرسالية في المجتمع التي اختصه بها الله تعالى وتشكل صورة من تاريخه الرسالي، والله تعالى قادر على تكرار تلك الصور التاريخية في الحركة الرسالية للحسين عليه السلام ليذكرنا بآدم ونوح وإبراهيم وسائر الذوات المذكورة أسمائهم.

قال: «ان حوادث التاريخ الطولية للأنبياء



صفحة 47

هي صفاتهم غير المكرورة كخلق آدم من تراب، وبعثة نوح بعمر 850 سنة وبقائه في قومه يدعوهم ألف سنة الا خمسين ثم بقاؤه بعد الطوفان خمسمائة سنة وبعثة إبراهيم بخطي إسماعيل وإسحاق… وهناك صفات رسالية اختص الله بها تلك الذوات التسع اقترنت بذلك التاريخ الطولي غير المكرور ثم كررها في شخص الحسين عليه السلام بإذن وإرادة إلهية، فصار الحسين عليه السلام بخصوصياته تلك التي اجتمعت فيه يذكرنا بآدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعلي والحسن وفاطمة عليها السلام وكأنه هو تلك الذوات التسع بمواقفها الرسالية الخاصة بها تلك».⁽¹⁾

وبهذا المعنى سوف يتحقق الشرط الذي أخذناه آنفا.

والعلامة البدري يختار الاحتمال الثالث؛



صفحة 48

ويؤكد على ان الباب مفتوح في اكتشاف ذلك للجميع، وان ما قدمه من اكتشاف في هذا السبيل لا يدعي انه الصورة النهائية، ولكن جاء مع نظرية متكاملة وفق بحوثه عن الأنبياء والائمة عليهم السلام، التي تتطابق وتفسر التفصيل في الأسماء الذي جاء في زيارة وارث.

ويؤسس هذا الاحتمال بناء على ما اكتشفه من ظاهرة (الاستنساخ التاريخي) التي تحدَّث القرآن الكريم عن بعض مصاديقها وخلاصتها: ان هناك حوادث حدثت في تاريخ الأنبياء السابقين شاء الله تعالى ان يكررها في محمد صلى الله عليه وآله وامته، من اجل ان تكون آية هادية إلى وحدانيته تعالى والى صدق النبوة وصدق الإمامة. وظاهرة الاستنساخ إلهية فريدة لا يستطيع عليها الإنسان مهما أوتي من علم وقوة. مثل: استنساخ أحداث في خط النافلة (بني إسرائيل) والأصل (بني



صفحة 49

إسماعيل): ظرف ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله ووزارة علي عليه السلام والإمامة المبكرة وتناظر أسماء الأجداد والأوصياء وغيرها.⁽¹⁾

قال: «ان هذا التماثل بين الحسين عليه السلام والذوات التسع من ناحية الخصوصيات الرسالية الخاصة يضعنا إمام ظاهرة ما يمكن ان نسميه بـ (الاستنساخ التاريخي) وهو فريد من نوعه وغير واقع إلا بإرادة وإذن الهي دون الاستنساخ البشري الممكن وقد تحقق وقوعه عند البشر في أيامنا هذه.

انه استنساخ يضعنا أمام فعل إلهي فريد من نوعه يشبه إلى حد ما ظاهرة الاستنساخ التاريخي بين مسيرة إسحاق إلى عيسى



صفحة 50

ومسيرة إسماعيل إلى المهدي عليه السلام خلال أربعة آلاف عام فكانت هذه استنساخا إلهيا فريدا وتلك كذلك ولكنها اروع منها واكثر إثارة لأنها تركزت في شخص الحسين عليه السلام ومواقفه الرسالية وتلك تعددت شخصياتها».⁽¹⁾

وعلى ما مر ننقل نص ما ذكره المؤلف في معاني الوراثة الخاصة.⁽²⁾

1. السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله

خصوصية آدم عليه السلام:

1. رزقه الله تعالى تسع أئمة من ذريته يرثون الإمامة والعلم الإلهي الذي أُنزل عليه عليه السلام بنص الإمام السابق على الإمام اللاحق،

2. وتاسع الأئمة من ذرية آدم صاحب عمر طويل.

3. أهلك الله على يده الظالمين وأورثه الأرض



صفحة 51

4. وأسكنه النجف.

وهذه الخصوصية نفسها للحسين عليه السلام:

1. رزقه الله تعالى تسع أئمة من ذريته يرثون الإمامة الإلهية والعلم الإلهي بنص السابق على اللاحق.

2. وتاسعهم صاحب عمر طويل

3. سيهلك الله على يده الظالمين عند ظهوره ويورثه الأرض

4. ويسكنه النجف.

في ضوء ذلك يكون الحسين عليه السلام وارثا لصفة آدم المميزة له تكوينيا أي يذكرنا بصفة آدم عليه السلام. وليس لكل منهما دخل في صناعة تلك الخصوصية بل حباهما الله تعالى بهما.

وفيما يلي نورد جدولا يبين أوصياء آدم وأوصياء الإمام الحسين عليه السلام.



صفحة 52

ت

الاوصياء والحجج التسعة من من ذرية آدم عليه السلام

تاسعهم نوح صاحب العمر الطويل

للحسين عليه السلام تسعة من الحجج من ذريته تاسعهم المهدي صاحب العمر الطويل

الاسم – بالعبري – الانجليزي – النقحرة

الاسم

1

شيت – שֵׁת – Seth – Sēth

زين العابدين عليه السلام

2

أنوش – אֱנוֹשׁ – Enosh – Enōs

الباقر عليه السلام

3

قينان – קֵינָן – Kenan – Kainan

الصادق عليه السلام

4

مهلَلْئيل – מַהֲלַלְאֵל – Mahalalel -Maleleēl

الكاظم عليه السلام

5

يارد -יָרֶד – Jared -Iared

الرضا عليه السلام

6

حنوك – חֲנוֹךְ – Enoch – Enōch

الجواد عليه السلام

7

مْتوشِلَح – מְתוּשֶׁלַח – Methuselah -Mathousala

الهادي عليه السلام

8

لامك -לָמֶךְ – Lamech – Lamech

العسكري عليه السلام

9

نوح – נֹחַ – Noah – Nōe⁽¹⁾
صاحب العمر الطويل

المهدي عليه السلام

صاحب العمر الطويل



صفحة 53

2. السلام عليك يا وارث نوح نبي الله

خصوصية نوح نبي الله تتمثل:

1. بكونه ثالث إمام هدى في منظومة أوصياء جده إدريس أول الرسل.

2. ولد على عهده.

3. سماه باسمه.

4. شهد انقلاب أمة إدريس على الوصي الأول والثاني.

5. جعل الله تعالى له سفينة نجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.⁽¹⁾

وهذه الخصوصية نفسها للحسين عليه السلام:

1. ونه ثالث إمام هدى في منظومة أوصياء جده محمد صلى الله عليه وآله خاتم الرسل.

2. لد على عهده صلى الله عليه وآله.

3. سماه صلى الله عليه وآله باسمه.



صفحة 54

4. شهد انقلاب امته على الوصي الأول والثاني.

5. جعله الله تعالى والأوصياء من أهل بيته عليهم السلام سفينة نجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.⁽¹⁾

في ضوء ذلك يكون الحسين عليه السلام وارثا لصفة نوح عليه السلام المميزة له تكوينيا ويذكرنا به.

3. السلام عليك يا وراث إبراهيم خليل الله

خصوصية إبراهيم عليه السلام تتمثل بكونه:

1. قد بعثه الله تعالى ليحرر العقل البشري من أكاذيب إعلام نمرود فيه وفي أسلافه وفي الملائكة وعبادة الأصنام مع الله تعالى وما حرفه إعلامه في تنزيه الله وأنبياءه، وذلك بتحطيمه الأصنام ولنشر دين نوح عليه السلام وتنزيه الله وأنبياءه من جديد وتعليق الفأس برقبة كبيرهم ليثير دفائن



صفحة 55

عقولهم ان كبير الأصنام لا ينفع فضلا عن صغارها.

2. وله كعبة بناها بتكليف إلهي يُستجاب عندها الدعاء مقرونة بعاشوراء ذي الحجة ولياليها العشر قبلها إذ ظهرت أعلى درجات التسليم لأمر الله منه ومن أهل بيته.

وهذه الخصوصية نفسها للحسين عليه السلام بكونه:

1. قد نهض بوصية من النبي صلى الله عليه وآله ليحرر العقل المسلم من أكاذيب إعلام معاوية فيه وفي أسلافه وما حرفه إعلامه في تنزيه الله وأنبيائه بترويج القصص اليهودية التي يرويها كعب الأحبار وغيره ورفضه بيعة يزيد وقتاله جيشه ولينشر من جديد أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في أهل بيته وتنزيه الله وأنبياءه، ولم يخرج على معاوية في زمانه لكي لا يستغل معاوية شبهة مخالفة العهد ليفهم المسلمين ان مسؤولية



صفحة 56

ظلامته برقبة. معاوية لأنه سلط يزيد على الأمة.

2. وله قبر يستجاب عنده الدعاء، وقد اقترن هذا القبر بعاشوراء المحرم ولياليها العشر قبلها بتقدير الهي كشفت عن أعلى درجات التسليم لأمر الله تعالى منه ومن أهل بيته وأصحابه.

4. السلام عليك يا وارث موسى كليم الله

خصوصية موسى عليه السلام تتمثل بكونه: 1.بعثه الله ليصحح انقلابا فرعونيا حرف دين إبراهيم عليه السلام الذي اظهره يوسف في مصر وايده الله موسى بتسع آيات.

2.ثم قاتل بأهل بيته وأصحابه جيش السامري الذي اخرج العجل لبني إسرائيل، ثم نسف العجل بعصاه جعله لعنة وفتح باب اللعنة على السامري نفسه.

وهذه الخصوصية نفسها للحسين عليه السلام بكونه:



صفحة 57

1. نهض ليصحح انقلابا أمويا حرف دين محمد صلى الله عليه وآله والذي اظهره علي عليه السلام في مكة والمدينة والعراق والحسن عليه السلام في الشام، وايَّد الله الحسين عليه السلام بتسع أئمة هم آيات إلهية تحافظ على مكاسب حركته ونهضته.

2. ثم قاتل عليه السلام بأهل بيته وأصحابه جيش معاوية. ثم نسف بشهادته عجل بني أميه (يزيد) الذي أخرجه لهم معاوية، وفتح باب اللعنة على معاوية نفسه.

5. السلام عليك يا وارث عيسى روح الله

خصوصية عيسى عليه السلام تتمثل بكونه:

1. نهض بأمر الله للشهادة بحوارييه، وهم أصحاب جده عمران وزكريا ويحيى سبط ﴿قالَ عيسَى ابنُ مَريمَ لِلحَواريينَ مَن أَنصاري إِلَى اللهِ قالَ الحَواريونَ نَحنُ أَنصارُ اللهِ فَآمَنَت طائِفَةٌ مِن بَني إِسرائيلَ وكَفَرَت طائِفَةٌ فَأَيدنا الَّذينَ آمَنوا عَلى عَدوهِم فَأَصبَحوا ظاهِرينَ﴾ الصف/14 فقتِّلوا وصُلِّبوا.



صفحة 58

2. انقسم المجتمع الإسرائيلي المؤمن بموسى عليه السلام وكتابه إلى فئة تكذب عيسى عليه السلام خامس آل عمران وتقتله وأصحابه وفئة تصدقه وتدافع عنه وهي مستضعفة.

3. ثم دمر الله دولة اليهود على يد الرومان سنة 135م وأسقطها فصارت رسالة عيسى عليه السلام ظاهرة في المجتمع وصار المسيحيون آمنين إلى آخر الدنيا.

وهذه الخصوصية نفسها للحسين عليه السلام:

1. فقد نهض للشهادة بوصية من النبي صلى الله عليه وآله بحوارييه، وهم أصحاب جده محمد صلى الله عليه وآله وأبيه علي عليه السلام ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وصهره، وأخيه الحسن عليه السلام، «الا من كان باذلا فينا مهجته موطِّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا»، فقُتِّلوا وصُلِّبوا.

2. انقسم المجتمع المؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله وكتاب



صفحة 59

القرآن إلى فئة تكذب الحسين عليه السلام خامس أصحاب الكساء وتقتله وتسبي نساءه وفئة تؤمن به وتدافع عنه وهي مستضعفة.

3. ثم دمر الله دولة بني أميه وصار مشروع الحسين عليه السلام ظاهرا في المجتمع إلى آخر الدنيا.

كانت نهضة عيسى عليه السلام بتكليف إلهي، وكان تدمير دولة اليهود عقوبة إلهية وكذلك نهضة الحسين عليه السلام كانت تكليفا الهيا وكان تدمير دولة بني أميه عقوبة إلهية. في ضوء ذلك يكون الحسين عليه السلام وارثا لصفة عيسى عليه السلام المميزة له في حركة الأنبياء.

6. السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله

تمثلت خصوصية النبي محمد صلى الله عليه وآله التكوينية الرسالية الهادية بظرف بعثته وبهدفها وبأمور اخر في مراحل السير لتحقيق الهدف.

1. اما ظرف بعثته صلى الله عليه وآله فقد تمثل بانقلاب



صفحة 60

قريش بعد موت عبد المطلب على وصيّه ابي طالب عليه السلام وتحريف دين إبراهيم عليه السلام بانتحال الإمامة الإبراهيمية وتبني عبادة الأصنام.

2. وأما هدف بعثته صلى الله عليه وآله فقد استهدف عدة أمور منها:

أ. تفهيم الناس جميعاً أن قريشاً قد حرفت دين إبراهيم عليه السلام وأن الإمامة الإبراهيمية في محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام.

ب. العمل على تهيئة الأسباب للإطاحة بقريش التي أصرت على بدعها واضطهدت النبي صلى الله عليه وآله ومن آمن معه.

ج. تحرير مكة لتعود مركزاً للتوحيد الذي جاء به إبراهيم عليه السلام.

3. وأما الأمور الأخرى في مراحل السير لتحقيق هدف البعثة فهي:

أ. العزلة للعبادة في غار حراء وإعداد خليفته علي بن أبي طالب عليه السلام أخيه في النشأة وابن



صفحة 61

عمه في النسب.

ب. التصرف الهادئ الحكيم إزاء غدر قريش بشروط صلحه بإعداد عشرة آلاف مسلم سراً لتحرير مكة من سيطرة قريش المشركة.

ج. عقد مؤتمرين احدهما لنشر مبادئ لتوحيد والآخر لأخذا لبيعة على النصرة.

د. الهجرة إلى بلد الأنصار بعد معرفته بقرار قريش لاغتياله في مكة.

هـ. أدركته قريش وهو في الطريق وشخصت مكانه ولكن الله تعالى تدخل بعمل اعجازي لحفظه ووصوله سالما إلى بلد انصاره يثرب لتوقف تحقق اهدافه على ذلك ولو امسكوه لخيّروه بين التراجع عن دعوته او القتل وكان يتوقع منه ان يختار القتل على الحياة مع التراجع لقوله لابي طالب (يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الامر لا



صفحة 62

اتركه حتى اهلك دونه).

و. كان تركته في الأمة كتابا لله وعترته أهل بيته وأولهم علي عليهم السلام الذي اعده لخلافته.

وتمثلت خصوصية الحسين عليه السلام التكوينية الرسالية الهادية بظرف نهضته وبهدفها وبأمور أخرى في مراحل السير لتحقيق الهدف:

1. اما ظرف نهضته فقد تمثل بانقلاب قريش الأموية بعد موت الحسن عليه السلام وتحريف دين محمد صلى الله عليه وآله بانتحال الإمامة الهادية ووضع أحاديث كاذبة على لسان النبي صلى الله عليه وآله تسوّغ لعن علي عليه السلام بصفته ملحداً في الدين وملاحقة شيعته نفياً وسجناً وتقتيلاً.

2. وأما هدف نهضته فقد استهدف عدة أمور منها:

أ. تفهيم المسلمين أجمع بالحقيقة الآنفة الذكر بإشاعة الأحاديث النبوية التي تؤسس امامة علي عليه السلام الهادية وأهل بيته عليهم السلام التي



صفحة 63

منع منها الحكم الأموي وأهدر دم من يحدّث بها.

ب. العمل على تهيئة الأسباب للإطاحة ببني أمية التي أصرت على بدعها واضطهدت شيعة علي عليه السلام.

ج. تحرير الكوفة من سيطرة بني أمية لتعود مركزاً لولاية علي عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام.

3. وأما الأمور الأخرى في مراحل السير لتحقيق هدف النهضة فهي:

أ. العزلة للعبادة وإعداد خليفته علي ابنه المعروف بزين العابدين عليه السلام.

ب. التصرف الهادئ الحكيم بإزاء غدر معاوية بإعداد عشرة آلاف شيعي سراً لتحرير الكوفة من سيطرة قريش الأموية.

ج. عقد مؤتمرين احدهما لنشر مبادئ التشيّع لعلي عليه السلام والآخر لأخذ البيعة على النصرة.

د. الهجرة إلى بلد الأنصار بعد معرفته بقرار قريش لاغتياله في مكة.



صفحة 64

ه. حوصر الحسين عليه السلام حين دخل العراق من قبل خيل اهل الشام واُجبرَ على النزول في كربلاء وخُيّر بين التراجع عن موقفه وإعطاء البيعة ليزيد او القتل امام نساءه واطفاله فاختار ان يقاتلهم ثم يقتل وجعل الله شهادته الطريق الاوسع لتحقيق اهداف نهضته.

و. كانت تركته في الامة هي كتاب الله الذي كان يتلوه في الليالي العشر من الحصار، وعترته أهل بيته الذين اعدهم لخلافته واولهم ابنه علي عليه السلام.

7. السلام عليك يا وارث علي وصي رسول الله

خصوصية علي عليه السلام:

انه أحيا فريضة أماتتها قريش المسلمة ونهت عنها وهي (حج التمتع) ولولا علي عليه السلام ما عَرف المسلمون حج التَّمتع.

وهذا الخصوصية للحسين عليه السلام أيضا:



صفحة 65

فقد أحيا فريضة أماتتها بنو أميه وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولولا الحسين عليه السلام ما عرف المسلمون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لم تكن نهضة علي عليه السلام رأيا شخصيا بل تكليف الهي عن طريق النبي صلى الله عليه وآله وكذلك الحسين عليه السلام.

8. السلام عليك يا وارث الحسن الرضي

خصوصية الحسن عليه السلام تمثلت بـ:

1. فضح الإعلام الأموي في الشام الذي كان يروج ان عليا عليه السلام مفسد في الدين يجب لعنه والبراءة منه وقتاله، وكانت وسيلته؛ الصلح، وبه عرف أهل الشام ان عليا عليه السلام إمام هدى يجب توليه بأمر الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله ليحي من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.

2. تأسيسه المرجعيّة الدينية المستقلة عن السلطة الحاكمة.



صفحة 66

3. نشر أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في فضل علي عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام في الشام وغيرها من البلاد الغربية بعد ان منع معاوية والخلفاء منها.

وهذه الخصوصية نفسها للحسين عليه السلام:

1. فقد انتهج عليه السلام الشهادة والقتل في سبيل الله لفضح الاعلام الأموي الذي كان يروج في الكوفة والأمة كلها ان عليا عليه السلام مفسد في الدين يجب لعنه والبراءة منه وقتاله، وكانت وسيلته الشهادة على يد اهل الشام في كربلاء، وعرف الجيل الجديد من الامة ان أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله الحقيقيين هم علي والحسن والحسين عليها السلام وان بني امية أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله.

2. أحيا عليه السلام المرجعية الدينية المستقلة عن السلطة الحاكمة (التي أسسها اخوه الحسن عليه السلام).

3. نشر أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في علي وأهل بيته في الامة كلها بعد ان منع منها معاوية.



صفحة 67

9. السلام عليك يا وارث فاطمة بنت محمد رسول الله

قال النبي صلى الله عليه وآله في حقها: «فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني» فاذا ضممنا إلى ذلك قول الله تعالى ﴿إِنَّ الَّذينَ يؤذونَ اللهَ ورَسولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنيا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُم عَذابا مُهينا﴾ كان من آذى فاطمة عليها السلام ملعونا من الله، وقد ماتت فاطمة عليها السلام وهي غاضبة على الخلافة القرشية الأولى فأسست الموقف منها.

وقال النبي صلى الله عليه وآله في حقه: «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا»، ثم ان الحسين عليه السلام قتل وهو غاضب على بني أميه فأسس البراءة منهم.

في ضوء ذلك يكون الحسين عليه السلام وارثا لصفة امه فاطمة عليها السلام المميزة لها في تاريخ الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وآله.

***



صفحة 68

الاستنتاج

أولا: تبين من خلال البحث ان عبارات السلام على الحسين بوارث وردت في عدة زيارات كلها جاءت عن الإمام الصادق عليه السلام، وان كثرة الروايات يورد الاطمئنان بصدورها، كما ان الزيارة التي أوردها ابن قولويه والتي يزار بها الامام الرضا عليه السلام وفيه السلام عليه بوارث، هي من تأليف ابن الوليد القمي وليست عن المعصومين صلوات الله عليهم.

ثانيا: ظهر من خلال البحث ان الطروحات في زيارة وارث يمكن تصنيفها إلى صنفين أساسيين:

الصنف الأول: الطروحات التي توجهت



صفحة 69

نحو المعنى العام للوراثة المذكور في زيارة وارث، وقد ركزت على صفات الأنبياء الخاصة أو الرسالية التي ربما يشترك فيها سائر الأنبياء والأصفياء والأئمة صلوات الله عليهم، مثل: الإمامة العلم الصبر والاستقامة والمصائب وغيرها. وهي محاولة الشريف الكاشاني والشيخ علي سعادت والشيخ الماحوزي.

الصنف الثاني: الطروحات التي توجهت نحو المعنى الخاص للوراثة؛ بمعنى ان الوراثة التي حضي بها سيد الشهداء هي خاصة به ولا يشترك معه فيها سائر الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين.

وهذا الصنف الثاني: هو إما جعل المعنى الخاص معنى واحدا دون تتبعه في الأسماء المذكورة في الزيارة. وهي محاولة الشيخ الآصفي رحمه الله، ومحورها الإرث الحضاري في جانبه الإلهي.



صفحة 70

أو جعل المعنى الخاص متعددا بتعدد أسماء الأنبياء والأصفياء الذين تذكرهم زيارة وارث وتتبعه في تلك الأسماء. مع التركيز على محورين: الأول: «الحركة نحو الكمال» كما عند الشيخ النمر، والثاني: «الحركة الرسالية في ظل مفهوم الاستنساخ التاريخي» كما هو عند السيد البدري.

ثالثا: ان ربط المعنى المستفاد من الوراثة المطروح في الزيارة بنهضة الإمام الحسين عليه السلام نجده عند جميع أصحاب تلك الطروحات ولكن تتميز أطروحة الشيخ الآصفي والشيخ النمر والسيد البدري بالربط المباشر بمعنى أنها تتجه نحو استفادة عنصر الرسالية في تفسير الوراثة.

رابعا: ان غالب الطروحات التي تتبعناها في هذه الدراسة شخَّصت وجود معنى خاص للوراثة المشار إليها في الزيارة، ولكن



صفحة 71

تنوعت التفسيرات في ذلك المعنى. وربما الإشكال ورد على غالب الطروحات التي تطرح المعنى الخاص للوراثة هو عدم تماميّة شرط الاختصاص فان المعاني المذكورة هي عامة يشترك فيها سائر الأئمة عليهم السلام. ما عدا أطروحة السيد البدري الذي راعا فيها هذا الشرط.

خامسا: من مميزات بحث السيد البدري حول زيارة وارث واستفادة المعنى الخاص ضمن مفهوم الاستنساخ التاريخي:

وجود أسس واضحة في تحديد معنى الوراثة الخاصة وكذلك الوضوح في تطبيق تلك الأسس.

الانفتاح على الدراسات المتخصصة في تاريخ الأنبياء ومسيرتهم الرسالية في المصادر الإسلامية والكتابية والعراقية القديمة.



صفحة 72

الوحدة المنطقية في تفسير وتفصيل معنى الوراثة الخاص وانسجامه مع الاختصاص.

تتبع المعنى الخاص في جميع الأسماء التسعة وليس لبعضها دون الآخر.

ربط تفسير معنى الوراثة الخاص بنهضة سيد الشهداء صلوات الله عليه ورسالته، وكان كل معنى يوضح جانبا من الجوانب الرسالية في النهضة الحسينية.

إمكانية استفادة الدلالة على صدق عقيدة التوحيد والنبوة والإمامة من تلك المعاني.

ارتباط هذه المعاني بالرؤية لآخر الزمان والمهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف.

والحمد لله أولا وآخرا

***



صفحة 73

المصادر

القرآن الكريم

ابن الأثير الجزري، مجد الدين، النهاية في غريب الحديث والأثر، نشر – مؤسسة اسماعيليان، قم، 1364هـ.ش، ط1.

ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات، نشر – مؤسسة الفقاهة، قم، 1417هـ، ط1.

ابن منظور، الأفريقي المصر، لسان العرب، نشر – أدب الحوزة، قم، 1405. ط1.

احمد الماحوزي، الحسين وارث، نشر – مكتبة الحسينية الجديدة، د.م، 1423هـ، ط1.

الآصفي، محمد مهدي، في رحاب عاشوراء، نشر – مؤسسة دار الكتاب، قم، 1430هـ، ط1.

البدري، السيد سامي، التكوين التاريخي لمسيرة بني إسرائيل ومسيرة بني إسماعيل خلال ألف وتسعمائة عام على التعاقب 1800 ق.م حتى 100 ميلادي و450 ق.ه حتى 1450هـ، محاضرة ألقيت في كلية الآداب ـ جامعة الكوفة قاعة الشهيد السيد محمد باقر الصدر الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء 29/4/2009م. المطبوعة ضمن كتاب: بحوث في علم الأديان المقارن.

البدري، السيد سامي، بحوث في النهضة الحسينية، نشر – مركز فجر عاشوراء الثقافي، النجف الاشرف، 2017م، ط1.

البروجردي، السيد حسين، جامع أحاديث الشيعة، د.ن.، قم، 1399هـ، ط1.



صفحة 74

الحلي، الحسن بن يوسف، منتهى المطلب، نشر – آستانه الرضوية، مشهد، 1412ه، ط1.

الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث، نشر – مؤسسة الخوئي، قم، 1413، ط5.

الراغب الاصفهاني، المفردات في غريب القرآن، نشر – دفتر نشر كتاب، قم، 1404هـ، ط2.

الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، نشر – مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، د.ت. ط2.

الصفار، محمد بن الحسن بن فروخ، بصائر الدرجات، نشر – الاعلمي، طهران، 1404، ط1.

الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجد، نشر-مؤسسة فقه الشيعة، بيروت، 1411هـ، ط1.

علي سعادت پرور (پهلوانى تهرانى)، نور هدايت (شرح معارف فرازهاى كليدى ادعيه بر اساس كتاب اقبال الاعمال)، نشر – احياء كتاب، طهران، 1386ش/2004م، ط1.

الفراهيدي، الخليل، العين، نشر – مؤسسة دار الهجرة، قم، 1409، ط2.

الكاشاني، المولى حبيب الله، جنة الحوادث في زيارة وارث، نشر – دار الجلالين، 1424هـ، ط2.

المجلسي، محمد تقي، روضة المتقين، نشر -كوشان، قم، 1406ه، ط2.

النمر، عبد المحسن، الحسين عليه السلام وارث الأنبياء، نشر – مؤسسة الكوثر، قم، 1425ه، ط1.