إن المرجعية العليا لا تخاطب العراقيين بطريقة الوصاية عليهم إنما هي الناصح الأمين لهم، فلها رؤية واضحة إزاء تحسين أداء الدولة والحفاظ على استقرار البلد ومحاربة الفساد، وهي تحرص على أن يكون ذلك بيد العراقيين أنفسهم لا أن ياتي من الخارج بل يُصنع من الداخل ومن خلال الانتخابات
فهرس المحتويات
العراق ـ النجف الأشرف – حي الكرامة
هاتف: 009647728220543
الهوية:
عنوان الإصدار : الانتخابات النيابية في بيانات المرجعية العليا
تأليف: السيد جعفر البدري
سنة الإصدار : 2025/1447 ـ رقم (77)
نوع الإصدار : إلكتروني ـ PDF
الناشر : مركز فجر عاشوراء الثقافي
المقدمة
في زمن ملؤه الصخب وتغيّر المواقف وعلو المصالح الشخصية والحزبية عند الكثير من الساسة على المصلحة العامة والمبادئ الحقّة..
أثبتت التجارب في العقدين الماضيين من تاريخ العراق المعاصر أن المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف والمتمثلة بسماحة المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني دام ظله الوارف هي الكهف الحصين للعراقيين في أحلك الظروف، وإن خطابها لا يُضاهى في حكمته ورشده وواقعيته، إذ أنه الخطاب القائم على المبادئ الحقة والواضع للمصلحة العليا للعراق فوق كل اعتبار، إنه الخطاب الذي يتطلع إليه الكل، لأنه هو الذي يبلور الموقف
المطلوب في كل ظرف وحادث أو أي محطة مفصلية في تاريخ العراق المعاصر، وبذلك الهدوء المعهود الذي أصبح سمته البارزة، ذلك الخطاب الذي تميّز عبر الزمن بأنه يوجه وينصح ولا يفرض.
السيد جعفر البدري
10 / 11 / 2025
الموقف الثابت
إن المتأمل في موقف المرجعية العليا بشأن الانتخابات النيابية في العراق يجد أنها تسير على خط واحد ثابت لم يتغير وهو عدم دعم أي قائمة أو كتلة أو مرشح في الانتخابات، وإلى جنب ذلك تؤكد المرجعية على المشاركة الواعية والمسؤولة.
فالمرجعية العليا تنظر إلى الانتخابات النيابية على أنها الطريق الحضاري والسلمي والدستوري الوحيد لتحقيق ما يتطلّع إليه العراقيون من تحسين أداء الدولة في مختلف المجالات ومحاربة الفساد، وقد جاء ذلك في بيانها الصادر في 2 / ربيع الأول / 1431هـ (2010م): «إن الانتخابات النيابية تحظى بأهمية كبرى ولا سيما في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العراق العزيز، وهي المدخل الوحيد لتحقيق ما يطمح إليه الجميع
من تحسين أداء السلطتين التشريعية (مجلس النواب) والتنفيذية (الحكومة)».
كما أنها أكدت على هذا المضمون في بيانها الصادر في 4 / 5 / 2018م.
توعية الناخب على مسؤوليته
ومن أجل أن يكون الحديث عن الاستفتاء الأخير وموقف المرجعية العليا من الانتخابات واضحا يلزمنا الوقوف على البيانات التي صدرت سابقا، فقد جاء في البيان الصادر بتاريخ 29 / 9 / 2021م التأكيد الواضح على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات:
«إن المرجعية الدينية العليا تشجع الجميع على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة، فإنها وإن كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى الطريق الأسلم للعبور بالبلد إلى مستقبل يُرجى أن يكون أفضل مما مضى».
إن هذا النص هو من أوضح النصوص التي تُبيِّن موقف المرجعية العليا من الانتخابات، فإلى جنب التصريح بوجود نواقص في العملية الانتخابية من جهة القانون أساساً، إلا أنه في نفس الوقت يؤكد النَّص على أن الانتخابات هي الطريق الحضاري والسلمي والدستوري لتحقيق ما يتطلّع إليه العراقيون من تحسين أداء الدولة ومحاربة الفساد.
ومن منظور المرجعية العليا يعدُّ وعي الناخب بمسؤوليته في وقت الانتخابات هو الأساس الذي ستُبنى عليه نتائج العملية الانتخابية، فإليه يستند تحقيق ما يتطلع إليه العراقيون من تحسين أداء الدولة والعبور إلى مستقبل أفضل للبلد.
التخيير مع التحذير
أما في البيان الصادر بتاريخ 4 / 5 / 2018م، أكدت المرجعية العليا أن المواطن العراقي مخيّر في ممارسة حقه الانتخابي أو تركه مع التحذير البليغ من العزوف، وجاء ذلك في قولها:
«إن المشاركة في هذه الانتخابات حق لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، وليس هناك ما يلزمه بممارسة هذا الحق إلا ما يقتنع هو به من مقتضيات المصلحة العليا لشعبه وبلده، نعم ينبغي أن يلتفت إلى أن تخليه عن ممارسة حقه الانتخابي يمنح فرصة إضافية للآخرين في فوز منتخبيهم، وقد يكونون بعيدين جداً عن تطلعاته لأهله ووطنه».
وهذا النص هو من أوضح النصوص التي بيَّنت فيه المرجعية العليا بأنَّ المواطن العراقي مخيّر بين المشاركة في الانتخابات من عدمها وإلى جانب هذا التخيير حذّرت المرجعية
تحذيرا عميقا من التهاون بالانتخابات، وهذا التحذير يعبر عن إدراك عميق لقوة صوت الناخب العراقي في صناديق الاقتراع وخطورة النتائج التي تترتب عليه.
فالعزوف عن الانتخابات من منظور المرجعية العليا هو التفريط بالحق الوطني لصالح من لا يستحق، وفي ضوء ذلك هل يا ترى يكون العزوف موقفا صحيحا؟! إنه إسهام غير مباشر في تمكين الفاسدين وذلك لأن العزوف لن يلغي النتيجة التي عانى منها العراقيون عقدين من الزمن بل تسهم بشكل غير مباشر في صناعتها وتكريسها، وهذا ما قصدته من قولها: «نعم ينبغي أن يلتفت إلى أن تخليه عن ممارسة حقه الانتخابي يمنح فرصة إضافية للآخرين في فوز منتخبيهم، وقد يكونون بعيدين جداً عن تطلعاته لأهله ووطنه».
وهذا ما أوضحته المرجعية العليا في بيان سابق لها بشأن الانتخابات وهو الصادر في 2 / ربيع 1 / 1431هـ (2010م)، فقد جاء فيه: «ومن هنا فإن سماحة السيد ــ دام ظله ــ يرى ضرورة أن يشارك فيها جميع المواطنين من الرجال والنساء الحريصين على مستقبل هذا البلد وبنائه وفق أسس العدالة والمساواة بين جميع أبنائه في الحقوق والواجبات، مؤكدا على أن العزوف عن المشاركة ــ لأي سبب كان ــ سيمنح الفرصة للآخرين في تحقيق مآربهم غير المشروعة ولا تحين مندم».
وحاصل الجمع بين النصوص المقتبسة من بيانات المرجعية العليا يكشف عن الدور الكبير للمرجعية العليا في توعية المواطن بمسؤوليته الكبيرة ودوره الأساسي في الانتخابات وبلا تهوين أو تهويل.
كما أنه يكشف عن الموقف الواقعي
للمرجعية العليا الجامع بين مبادئ:
مسؤولية المواطن.
رفض الفساد.
الدعوة إلى تحسين أداء الدولة.
مسؤولية حماية الوطن من الفوضى.
وأن الأساس لتطبيق هذه المبادئ هو الانتخابات وأداء الناخب لمسؤوليته في الاختيار السليم.
الاستفتاء الأخير.. موقف واضح
وبعد هذا التوضيح الذي كان لازما هلُّم لنقرأ الاستفتاء الأخير بشأن الانتخابات النيابية لسنة 2025م الصادر عن مكتب المرجعية العليا:
«حسب قناعة المواطن، فإن وجد أن المشاركة أوفق بمصلحة العراق فليشارك بانتخاب المرشح الصالح الأمين».
فإن عبارة «حسب قناعة المواطن» لا تعني ترك الأمر للهوى أو التردد، بل إن هذا التعبير يُعبِّرُ عن احترام المرجعية العليا لإرادة الشعب وحقهم في تقرير مصيرهم بحرية تامة، مع تحميلهم مسؤولية الاختيار في المشاركة من عدمها والنتائج المترتبة على ذلك، فالقناعة السليمة هي المبنية على الموضوعية والتفكير والاختيار الواعي والمسؤول الذي يقوم على اعتبارية المصالح العليا للبلد.
وقولها «فإن وجد أن المشاركة أوفق بمصلحة العراق فليشارك» جاء في صياغة دقيقة تدل على ذات الموقف السابق وهو التأكيد على المشاركة الواعية والمسؤولة كما تؤكد على حجم المسؤولية الملقاة على عاتق المواطن في أن يختار في الانتخابات «المرشح الصالح الأمين» بمعنى أن يكون اختياره للمرشح اختيارا موضوعيا يقوم على المبادئ والقيم الحقّة، فإن
لم يشارك المواطن بالانتخاب سيفوز أولئك الذين «قد يكونون بعيدين جداً عن تطلعاته لأهله ووطنه».
وقد أثبتت التجربة أن الشعب يمكنه أن يثبت قراره من خلال صناديق الاقتراع، إذ أن العراقيون شهدوا عدم وصول عدة شخصيات إلى قبة البرلمان في انتخابات 2018 و 2021 وفي قبالها وصول شخصيات أخرى بعضها أبلى بلاء حسنا سواء في خدمة الشعب أو محاربة الفساد أو في الملفين، إذن فالمشهد القادم يصنعه المواطنون من خلال صناديق الاقتراع.
في ضوء ما مرّ من الكلام اتضح موقف المرجعية العليا من الانتخابات، وأن موقفها موقف وطني ومبدئي وموضوعي بامتياز؛ يضع المصلحة العليا للعراق فوق كل اعتبار، وأن المرجعية لا تخاطب العراقيين بطريقة
الوصاية عليهم إنما هي الناصح الأمين لهم، وأن الاستفتاء جاء قصيرا هذه المرة لأن المرجعية العليا قد بيَّنت خلال السنوات الماضية كل ما يحتاج الناس إلى معرفته وتوضيحه بشأن الانتخابات ولا يلزم التكرار.
كما أن موقفها المبدئي من الانتخابات يكشف عن رؤيتها الواضحة إزاء آلية تحسين أداء الدولة والحفاظ على استقرار البلد ومحاربة الفساد، وهي رؤية تقوم على أن تحقيق ما يتطلع إليه العراقيون لا يحدث من الخارج بل يُصنع من الداخل ومن خلال الانتخابات حصرا، إن اُريد ضمان العيش الكريم والحفاظ على القيم الأصيلة والمصالح العليا للعراق.
***
تم بحمد الله
