بحوث في النهضة الحسينية
مجموعة مقالات وبحوث العلامة السيد سامي البدري في الفكر الحسيني
إعداد: د. السيد حسين البدري.
الطبعة الأولى: 1438هـ / 2017م.
عدد الصفحات: 360 صفحة.
حجم الورق: القطع الرقعي.
ترقيم صفحات الويب موافق للمطبوع
يحتوي الكتاب على ثمانية عشر بحثاً جديدا للعلامة البدري في النهضة الحسينية
المحتويات
«صفحة 1»
بحوث في النهضة الحسينية
«صفحة 2»
هوية الكتاب:
اسم الكتاب: بحوث في النهضة الحسينية.
المؤلف العلامة المحقق السيد سامي البدري.
جمع واعداد وتنظيم وتقديم: د. السيد حسين البدري
مراجعة: السيد جعفر البدري.
دار النشر: دار الوارث.للطباعة والنشرـ كربلاء المقدسة، والفقه للطباعة والنشر ـ قم المقدسة.
الطبعة: الأولى ـ 1438 هجرية ـ كربلاء.
ترقيم الصفحات موافق للمطبوع.
«صفحة 3»
كتاب فجر عاشوراء (4)
بحوث في النهضة الحسينية
مجموعة بحوث ومقالات العلامة السيد سامي البدري في الفكر الحسيني
جمع وإعداد وتنظيم وتقديم: د. السيد حسين البدري
«صفحة 4»
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام وعلى محمد وآله الطاهرين
اللهم إني أشهد ان هذا الحسين وليك وابن وليك
وصفيك وابن صفيك الفائز بكرامتك، أكرمته
بالشهادة… وأعطيته مواريث الأنبياء وجعلته
حجة على خلقك، فأعذر في الدعاء ومنح النصح
وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة
وحيرة الضلالة
«صفحة 5»
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد وآله الطاهرين.
تعد بحوث العلامة البدري في النهضة الحسينية من البحوث التي لها إضافات نوعية على الساحة الفكرية المعاصرة.
ويمكن ذكر أربعة خصائص منهجية في الفكر الحسيني للعلامة البدري:
الأولى: الثابت العقائدي، حيث يقرر ذلك ان نهضة الحسين (عليه السلام) من سنخ عمل الأنبياء وحركتهم الإلهية، وأنها اكتسبت هذه الصفة قبل حدوثها وأخبر بها أنبياء الله العظام، لما لها الأثر الكبير على حفظ الدين وفتح باب الهداية الى رسالة خاتم النبيين(صلى الله عليه وآله) .
الثانية: اعتماد النصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) للاستكشاف والتفسير، لذا اشتهر العلامة البدري في مفتتح محاضراته ودروسه حول النهضة الحسينية ترديد قول الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارة جده أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) : “اللهم إني أَشهَدُ أن هذا قبرُ ابنِ حبيبِك وصَفوتِك من خلقِك.
«صفحة 6»
وأنه الفائزُ بكرامتِك، أكرمتَه بكتابِك، وخصَصتَه وائتمَنتَه على وحيك، وأعطيتَه مواريثَ الأنبياء، وجعلته حجة على خلقِك، فأعذرَ في الدعاء وبذَل مُهجتَه فيك، ليستنقذ عبادَك من الضلالة والجهالة والعَمى والشك والارتياب إلى باب الهدى”، وغيرها من النصوص.
الثالثة: التحقيق قبل التحليل، للعلامة البدري رؤية خاصة في نقد المصادر التي نقلت إلينا أحداث القرن الأول الهجري فيما يرتبط بأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وقد أفرزت هذه الرؤية تشخيص ظاهرة سماها العلامة البدري بـ “الإعلام العباسي”، وخلاصتها: ان بني العباس وعلى رأسهم أبي جعفر المنصور قاموا بإعداد خطة ممنهجة لتشويه أخباز أهل البيت (عليهم السلام) وشيعهم في الكوفة، وذلك للمواجهة الفكرية الثقافية الإعلامية لثورات الحسنيين التي قامت في وجه سلطان بني العباس، وأيضا مواجهة المنطقة التي ترفدهم بالمال والسلاح والرجال أي الكوفة، وأيضا مواجهة التشيع ومدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) في الكوفة أيضا التي تشكل التهديد الفكري والثقافي لهم، وعلى أساس ذلك الّفت كتب سيف بن عمر التميمي وأبي مخنف الازدي وغيرهم.
الرابعة: النظرة الشمولية، يرى العلامة البدري عدم جدوى تفسير نهضة سيد الشهداء دون النظر والبحث في خلفياتها القريبة والبعيدة. ويبدأ في تحليل الخلفيات من عهد قصي بن كلاب أي حدود 150سنة قبل ولادة النبي (صلى الله عليه وآله) وقصة انتزاعه للبيت من خزاعة ثم يتسلسل حتى انقلاب قريش الثاني في عهد معاوية بن أبي سفيان في سنة 50 للهجرة بعد وفاة الإمام الحسن (عليه السلام) وترويع شيعة علي (عليه السلام) ومنعه لذكر أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) فيه والتعبد بطريقته
«صفحة 7»
وتأسيس لعنه والبراءة منه، ثم نهضة الحسين (صلى الله عليه وآله) لمواجهة انقلاب معاوية. وان صراع قريش المشركة والمسلمة مع النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) حول الإمامة الإبراهيمية الدينية ووراثتها.
وقد حاولنا في هذا الكتاب جمع مقالات وبحوث العلامة البدري حفظه الله تعالى في مختلف المجلات والنشرات والكراسات وغير ذلك، والتي بلغت اكثر من عشرين بحثا ومقالة لتكون سهلة المنال قريبة التناول.
السيد حسين البدري
15 صفر الخير 1438 النجف الأشرف
«صفحة 8»
«صفحة 9»
النهضة الحسينية خلفيات ونتائج(1)
من بيانات النهضة الحسينية:
قال الحسين (عليه السلام) :
«إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب ا لإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق، ومن ردَّ علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو احكم الحاكمين».(2)
وقال (عليه السلام) : «أيها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لـِحُرَم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا على الله أن يدخله مدخله.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشر هذا البحث ضمن مجموعة كراسات المكتبة الحسينية الميسرة، عام 1433هـ/2011م، الكراس رقم5.
(2) اقدم مصدر تاريخي أورد هذه الكلمة هو ابن اعثم ت 314هـ في كتابه الفتوح وقد أضاف كلمة وسيرة الخلفاء الراشدين بعد كلمة علي، وهي دخيلة على النص وليست من كلام الحسين (عليه السلام) لعدم إمكانية الجمع بين سيرة علي وسيرة الخلفاء لتضادهما لان سيرة علي تامر بسنة النبي وسيرة الخلفاء تنهى عنها، كما في متعة الحج انظر البخاري باب حج التمتع وغيرها، وهو أمر لا يخفى على الباحث.
«صفحة 10»
ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيَّر»(1).
ومن رسالته (عليه السلام) إلي معاوية بعد قتل حجر بن عدي رحمه الله وعمرو بن الحمق:
«ما أردت لك حربا، ولا عليك خلافا , واني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن الإعذار فيه إليك والى أولياءك الفاسقين الملحدين حزب الظلمة. ألَستَ القاتل حجر بن عدي أخا كنده وأصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم ؟ ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعدما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة.. جرأة على الله واستخفافا بعهده. ولعمري ما وفيتَ بشرط، ولقد نقضتَ عهدَك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق، فقتَلتَهم من غير أن يكونوا قاتلوك ونقضوا عهدك،
ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا.
فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل ان يفعلوا، أو ماتوا قبل ان يدركوا.
فابشر يا معاوية بالقصاص وايقن بالحساب…
وليس الله بناس لأخذك بالظنة، وقتلك أولياءه على التهم، ونفيك إياهم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري.
«صفحة 11»
من دورهم إلى دار الغربة، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الشراب ويلعب بالقرود».(1)
ومن كلامه (عليه السلام) في المؤتمر السري الذي عقده قبل موت معاوية بسنة:
«أن الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم واني أريد أن أسالكم عن شيء فان صدقت فصدقوني وان كذبت فكذبوني، اسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا فاني أتخوف أن يدرس(2) هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب، واللّه متم نوره ولوكره الكافرون».
قال الراوي:
وما ترك شيئا مما انزله الله فيهم من القرآن إلا تلاه وفسره، ولا شيئا مما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أبيه وأخيه وامه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه…
وفي كل ذلك يقول أصحابه، اللّهم نعم وقد سمعنا وشهدنا
ويقول التابعي: اللهم قد حدثني به من أثق به وائتمنه من الصحابة.
فقال (عليه السلام) : «أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به وبدينه».(3)
قال (عليه السلام) :
«إني أدعوكم إلى الله والى نبيه فإن السنة قد أميتت فإن تجيبوا دعوتي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) رجال الكشي ترجمة عمرو بن الحمق، طبقات ابن سعد ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) ، انساب الأشراف ترجمة معاوية، مختصر تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) .
(2) دروس الشيء: انمحاؤه.
(3) كتاب سليم بن قيس.
«صفحة 12»
وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد».
وقال (عليه السلام) :
«إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة بنا فتح الله، وبنا ختم».
وقال (عليه السلام) :
«لو لم يكن في الدنيا ملجأ لما بايعت يزيد».
هناك عدة أسئله تفرض نفسها في قضية النهضة الحسينية:
السؤال الأول: ما هي خلفيات النهضة الحسينية ؟
السؤال الثاني: هل شكلت النهضة الحسينية مشروعا فكريا وسياسيا متكاملا ؟ وبعبارة أخرى ماهي معالم المشروع الكامل للنهضة الحسينية ؟
السؤال الثالث: ماهي النتائج التي حققها المشروع الحسيني على مدى إحدى وسبعين سنة من انطلاقته ؟
السؤال الرابع: لماذا الاستمرار في إحياء الذكرى بعد تحقق النتائج ؟
خلفيات النهضة الحسينية:
نريد بخلفيات النهضة الحسينية: الحوادث التي تعيننا في فهم أهداف نهضة الحسين (عليه السلام) في وجه بني أمية، ويوضح الموقف الحاقد اللئيم الذي برز من بني أمية إزاء الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، هذا الموقف الذي يعبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى ﴿وإِن يظهَروا عَلَيكُم لا يرقُبوا فيكُم إِلا ولا ذِمَّةً﴾ التوبة/8.
هذه الخلفيات منها ما هو قريب جدا من النهضة الحسينية وهي حوادث
«صفحة 13»
انقلاب معاوية على الحسن (عليه السلام) ونقضه العهد معه بنقض كل شروطه سنة خمسين للهجرة(1) وترويعه شيعة علي (عليه السلام) وملاحقتهم ومنعهم من ذكر فضائله أو التعبد على طريقته التي هي طريقة النبي (صلى الله عليه وآله) وإغراق الأمة بالأحاديث الكاذبة التي تفضل بني أمية وتشيد إمامتهم الدينية.
ومن هذه الخلفيات ما يرجع إلى انقلاب قريش المسلمة على علي (عليه السلام) ونقض بيعة الغدير وأحداث اجتهادات في الدين وبدع فرضتها على المسلمين بالقهر والإرهاب، ثم نهضة علي (عليه السلام) سنة 28 هـ بإحيائه حج التمتع الذي نهت عنه السلطة القرشية، ثم واصل إحياءه للسنة النبوية حين بويع بعد قتل عثمان.
ومن هذه الخلفيات ما يتصل بعهد النبوة والرسالة ومعركة النبي (صلى الله عليه وآله) مع قريش المشركة التي ابتدعت أمورا في دين إبراهيم، وابتداعهم هذا لابد من بحثه في حقبته التاريخية التي بدأت قريش فيها بالظهور على عهد قصي وهذه هي الخلفية الأبعد ولكنها مهمة جدا في توضيح النهضة الحسينية وطبيعة الحقد الأموي على آل محمد (صلى الله عليه وآله) .
ويمكننا أن نلخص هذه الخلفيات بما يلي:
أولا: أنشأ قصي التجمّع الفهري الذي سمي بـ قريش أي القبائل المتجمعة من ذرية فهر في ظل دين إبراهيم وانتظار بعثة النبي الموعود في مكة حين
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المشهور ان معاوية نقض شروطه في السنة التي أعطى عهده للحسن (عليه السلام) ولكنا في بحوثنا توصلنا إلى انه نقضه بعد وفاة الحسن بعد ان دس له السم انظر التفصيل في كراس صلح الحسن قراءة جديدة وكتابنا صلح الإمام الحسن قراءة جديدة.
«صفحة 14»
استلم ولاية مكة من خزاعة، وكانت بيوتات فهر الجد العاشر للنبي (صلى الله عليه وآله) متفرقة في مكة فجمعهم حول البيت فسموا قريشا ولقب قصي بمجمِّع.
ثانيا: كان قصي زعيما سياسيا وإماما دينيا على ملة إبراهيم، وعنه يأخذ الناس أحكام دين إبراهيم والمناسك، وهو أساسا احد أوصياء النبي إبراهيم من ذرية إسماعيل فان خط آباء النبي (صلى الله عليه وآله) موحدون يمثلون (الأصلاب الشامخة)(1) في أدب الزيارة عن الحسين (عليه السلام) . يحملون نور النبي (صلى الله عليه وآله) كابرا عن كابرا(2).
ثالثا: أوصى قصي بالزّعامة الدينية والسياسية من بعده إلى ولده عبد مناف الذي حمل نور محمد (صلى الله عليه وآله) في صلبه.
رابعا: ولد عبد مناف هاشما والمطلب وكانا يدا واحدة، وعبد شمس ونوفلا وكانا يدا واحدة. وأوصي عبد مناف بالزعامة الدينية والسياسية إلى ولده هاشم الذي حمل نور محمد (صلى الله عليه وآله) في صلبه.
خامسا: سن هاشم لقريش رحلة الشتاء والصيف وأثرَت بسببها وصارت لهم علاقة مع الملوك، وولد له نضلة واسد أبو فاطمة زوجة أبي طالب، ثم ولد عبد المطلب.
سادسا: أوصي هاشم إلى أخيه المطلب ريثما يكبر ولده عبد المطلب لان
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الأصلاب جمع صلب وهو الظهر المشار إليه في القرآن ﴿خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ (6) يخرُجُ مِن بَينِ الصُّلبِ والتَّرائِبِ (7)﴾ الطارق/6-7، والشامخ العالي العزيز فالأصلاب الشامخة هم الآباء الكرام العالون ﴿قالَ يا إِبليسُ ما مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لِما خَلَقتُ بيدَي أَستَكبَرتَ أَم كُنتَ مِنَ العالينَ﴾ ص/75ب..
(2) ينابيع المودة /308 الحديث رقم (881) عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي خلقني الله وخلقك من نوره، فلما خلق آدم (عليه السلام) أودع ذلك النور في صلبه، فلم نزل أنا وأنت شيء واحد (من صلب إلى صلب)، ثم افترقنا في صلب عبد المطلب، ففي النبوة والرسالة، وفيك الوصية والإمامة.
«صفحة 15»
نور النبي في صلبه، ثم أوضي المطلب إلى عبد المطلب.
سابعا: برزت شخصية عبد المطلب وزاده الله تعالى شرفا إلى شرف آبائه، وايده بحفر زمزم، ولما غزا أبرهة البيت دعا عبد المطلب قريشا ان يقاتلوا أبرهة فرفضوا وتهاربوا إلى الجبال وبقي هو وبنو المطلب معه ورد الله تعالى عنه كيد جيش أبرهة صاحب الفيل، وكان ذلك تأييدا الهيا واضحا على إمامته وزعامته وأولويته بإبراهيم وبيته وكانت قريش تسميه إبراهيم الثاني في إمامته الدينية وسننه.
ثامنا: أوضي عبد المطلب إلى ولده أبي طالب وكلفه برعاية النبي (صلى الله عليه وآله) .
تاسعا: انقلبت قريش من خلال بني أمية الذين برزت منهم وجوه حسدت بني هاشم وتاقت انفسهم إلي الزعامة، فقالوا: إن قريش كلها أولي بإبراهيم وأولى بالبيت وسمت نفسها (آل الله) وتبنت خدمة الأصنام لكسب قبائل كنانة وخزاعة التي رفعت أول صنم على الكعبة حين وليت أمرها، ثم ابتدعت في دين إبراهيم بدعة جديدة هي بدعة الحمس وكان من أحكامها ان لا يقفوا مع العرب في عرفة لأنهم أهل الحرم وفرضوا على الحجاج ان يطوفوا بثياب قرشية وإلا فان حجّهم غير مقبول، وهكذا فانهم انتحلوا الإمامة الإبراهيمية التي وصلت إلى عبد المطلب وايده الله فيها بمؤيدات اعظمها حفر زمزم وكانت قد طُمّت من زمن جرهم ولم تهتدي إليها خزاعة فبقيت مطمومة حتى اظهرها عبد المطلب بوحي الهي له في الرؤيا.
عاشرا: بعث الله تعالى نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله) رسولا إلى أهل مكة ليجدد دين إبراهيم وليحرره من بدع خزاعة وقريش المشركة ويعيد إمامة إبراهيم إلى
«صفحة 16»
ذرية أبي طالب وصي عبد المطلب وكافل الرسول وحاميه وهو علي الذي رباه النبي تربية خاصة منذ ولادته، واصطحبه إلى غار حراء بلغ عمره ست سنوات واستمر يصلي معه مدة سبع سنوات، ولما كلفه الله تعالى بالرسالة سال ربه ان يجعل عليا وزيرا له كما سال موسى يوم كلف بالرسالة ان يجعل أخاه هارون وزيرا، وأجابه إلى ما سأل، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) “انت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي”.
حادي عشر: تبنى بنو هاشم بقيادة أبي طالب نصر النبي (صلى الله عليه وآله) وربطوا انفسهم مصيريا به وتبنت قبائل قريش الأحرى بزعامة بني أميه ومخزوم إيذاء النبي (صلى الله عليه وآله) ومن امن به ثم قاطعت بني هاشم ثلاث سنوت وكان أبو طالب يستعيذ بالله من قريش قال:
أعوذ برب الناس من كل طاعن
علينا بشر أو ملحق باطل
ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة
ومن مفتر(1) في الدين مالم نحاول
ثم حاربته بعد هجرته إلى المدينة ست سنوات وصالحها النبي (صلى الله عليه وآله) في الحديبية ثم نقضت صلحها معه، ثم نصر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) وفتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة ودخلت قريش في الإسلام طامعة خائفة ولكنها احتفظت بالحقد واللؤم على علي (عليه السلام) لأنه وترهم وقتل صناديدهم وحسدوه على مقامه الذي حباه الله ورسوله به.
ثاني عشر: وحين نزل قوله تعالى ﴿يا أَيها الرَّسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وإِن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ واللهُ يعصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللهَ لا يهدي القَومَ الكافِرينَ﴾ المائدة/67
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وفي رواية ومن ملحق.
«صفحة 17»
في السنة العاشرة من الهجرة اعلن النبي أمام مائة ألف أو يزيدون قوله (صلى الله عليه وآله) : الله مولاي وأنا مولى المؤمنين فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه.
ثالث عشر: انقلبت قريش المسلمة على علي (عليه السلام) وادعت الإمامة في دين النبي (صلى الله عليه وآله) وحرفت جملة من أحكامه ونهت عن حج التمتع وأمور أخرى سميت فيما بعد بـ(سيرة الشيخين(تعبيرا عن إمامتهما الدينية وصارت أساسا لمن يراد له ان يبايع على الحكم، وعرضت قريش ذلك على عليا (عليه السلام) بعد موت عمر في الشورى السداسية ولكن عليا رفض ان يعمل بسيرة الشيخين وقال «ان كتاب الله وسنة النبي لا يحتاجان إلى إجّيري احد»، ولأنه الإمام المعين من الله تعالى ورسوله.
رابع عشر: انشقت قريش الحاكمة على عهد عثمان فصارت جناحين، جناحا حاكما وهو بنو أميه وجناحا متذمرا تمثل بقبائل قريش الأحرى واستحكم الانشقاق وهنا نهض علي (عليه السلام) لإحياء حج التمتع وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في إمامته الدينية، ولما قتلت قريش عثمان بايع الناس عليا (عليه السلام) على أساس حديث الغدير وانه الإمام المنصوص عليه، وحاربته قريش في الجمل وصفين فقد كان في صفين كل قبائل قريش ولم يكن مع علي (عليه السلام) إلا خمسة أنفار من قريش.
خامس عشر: استشهد علي (عليه السلام) بعد ان أحيا الله به سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وحررها من بدع قريش المسلمة ولكن فئة من الناس بقيت مصرة على العمل بسيرة الشيخين فتركها وأسس التعددية المذهبية في الإسلام.
سادس عشر: بايعت الأمة سبطَ النبي (صلى الله عليه وآله) ووصيه الحسن (عليه السلام) بايعوه على
«صفحة 18»
كتاب الله وسنة النبي (صلى الله عليه وآله) التي أحياها علي (عليه السلام) وبايع أهل الشام معاوية على سيرة الشيخين على ما بويع عليه سلفه عثمان، وبادر إلى الصلح لم يستجب له الحسن (عليه السلام) ، وعرض عليه ان يحكم الأمة بشروط يكتبها الحسن (عليه السلام) ، ورضي معاوية ذلك وكان اهم الشروط هو ان يعمل معاوية بالكتاب والسنة، وان يترك سب علي (عليه السلام) ولا يذكره إلا بخير وان يكون الأمر للحسن (عليه السلام) بعده وان لا يروع الشيعة وغيرها من الشروط.
سابع عشر: عاشت الأمة عشر سنوات من الأمان في ظل حياة الحسن (عليه السلام) ونهض العراقيون الذين انفتحوا على إمامة علي (عليه السلام) الإلهية لنشر أخبار سيرته المشرقة وأحاديث النبي فيه في بلاط معاوية وعرف الناس في الشام وغيرها ان عليا (عليه السلام) كان على الحق وان معاوية كان على الباطل، وهو الفتح الذي حققه الحسن (عليه السلام) كما حقق جده (صلى الله عليه وآله) من قبل في صلح الحديبية فتحا مماثلا.
ثامن عشر: لم يكن معاوية ليؤمن بشروط الحسن (عليه السلام) ولكنه اتخذ ذلك ذريعة إلى تحقيق هدف اكبر انفتح عليه فاضمر في نفسه ان يستجيب لفترة ثم يغدر وقد تعلم ذلك من أبية أبي سفيان لما قبلت قريش بالشروط مؤقتا لتستريح من الحرب ثم نقضت شروطها بعد سنتين، ولم يغب ذلك عن الحسن (عليه السلام) فهو ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مؤسس صلح الحديبية، وهكذا نقض معاوية شروطه ودس السم للحسن (عليه السلام) وقلب ظهر المجن للعراقيين، اعلن معاوية لعن علي (عليه السلام) والبراءة منه بصفته ملحدا في الدين ووضعت أحاديث تؤكد ذلك نظير الحديث الذي يرويه البخاري ألا ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، وان بني أميه والشيخين هم أئمة الهدى ووضع أعلامهم الأخبار
«صفحة 19»
الكاذبة في ذلك. نظير ما نسبوه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال في معاوية اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به(1)، وانه (صلى الله عليه وآله) قال في يزيد: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا , قالت أم حرام قلت: يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال: أنت فيهم، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله) : أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم, فقلت: أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال: لا.(2) وكان على رأس هذا الجيش يزيد.(3)
معالم المشروع الحسيني:
في ضوء معالم الانقلاب القرشي الثالث(4) والفتنة التي عمت آثارها لتشمل المسلمين جميعا فان وضع الأمة كان بحاجة إلى إصلاح، وكانت رايات الإصلاح المرتقبة ثلاثة وهي:
الراية الأولى: راية عبد الله بن الزبير وكان ابن الزبير قد برزت شخصيته في حرب الجمل حين فرضته خالته عائشة إماما يصلي بجموع البصريين حلا للخلاف بين طلحة والزبير، وهو يرى نفسه افضل من معاوية فضلا عن ابنه يزيد، وشعاره في الإصلاح هو إحياء سيرة الشيخين التي تجاوزها الأمويون، والقاعدة الشعبية لهذا الشعار بشكل عام في مكة والمدينة والبصرة.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) جامع الترمذي 5/687، مسند احمد 4/216، مسند الشاميين 1/181، الآحاد والمثاني 2/358، المعجم الأوسط للطبراني 1/380.
(2) صحيح البخاري المختصر 3/1069.
(3) انظر مصادر الروايات في كتابنا الإمام الحسين في مواجهة الضلال الأموي.
(4) كان الانقلاب القرشي الأول هو الانقلاب على أبي طالب بعد عبد المطلب، والثاني هو انقلاب قريش المسلمة على علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ، والثالث هو انقلاب معاوية على الحسن بن علي وفي كل هذه الانقلابات ينتحل الانقلابيون الإمامة الإلهية لأنفسهم في قبال أبي طالب وعلي والحسن(عليهم السلام) .
«صفحة 20»
الراية الثانية: راية الخوارج وشعارها أيضا إحياء سيرة الشيخين ويضيفون إليه البراءة من علي (عليه السلام) ، برزوا كراية في النهروان وبعد هزيمتهم تحول الناجون منهم ومن تخلف عن المعركة إلى خلايا إرهاب ثم إلى مجموعات ثائرة في وجه حكم معاوية في السنوات العشر الأولى من حكمه ولم تؤيدهم الأمة في طريقتهم لأنها الإفساد بعينه إذ كانوا يكفِّرون من لم يكن على طريقتهم ويستحلون دمه.
الراية الثالثة: راية الحسين (عليه السلام) وهو بقية أصحاب الكساء وأفراد آية المباهلة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) الذين شبههم بسفينة نوح وكانت له مكانة عند الجيل من عمر ثلاثين سنة فما فوق بسبب ما انتشر من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) فيه أيام علي والحسن (عليهما السلام) ، وله قاعدة شعبية واسعة في الكوفة محصتهم التجارب والمحن ودفعوا الثمن غاليا لأجل الثبات على حب علي (عليه السلام) وموالاته وهم يعتقدون بإمامة الحسين (عليه السلام) بعد أخيه وأبية.
الكوفيون قاعدة شعبية صادقة مع الحسين (عليه السلام) :
الكوفيون هم القاعدة الشعبية المخلصة للحسين للأسباب التالية:
1ـ لقد نصروا عليا (عليه السلام) في البصرة ولولاهم لكان مسار الأمور شيئا آخر، ثم نصروا عليا (عليه السلام) في حربه ضد معاوية في معركة صفين يوم كانوا بغاة يقودهم معاوية وابلَوا في تلك الحرب بلاءً حسنا.
2ـ ثم ابتلوا بحرب الخوارج في النهروان وهو ابتلاء عظيم لأنهم أبناءهم وإخوانهم وخرج الكوفيون من الامتحان ناجحين ظافرين. ثم تعبؤوا بعدها لقتال معاوية ورد غاراته التي يشنها على هذا البلد أو ذاك واستشهد علي وتغيرت الظروف.
«صفحة 21»
3ـ وحقق الحسن (عليه السلام) بالكوفيين كسر الطوق الإعلامي الذي فرضه معاوية على مشروع علي (عليه السلام) الإحيائي للسنة وحجز أهل الشام عنه، ولم يكن من طريق لكسره الا بالصلح نظير طوق قريش الإعلامي الذي طوقت به النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن له طريق الا صلح الحديبية، وتحرك الكوفيون في سنوات الصلح ينشرون سيرة علي (عليه السلام) وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) فيه بين أهل الشام وعرفوا انهم كانوا مع معاوية مخطئين في حرب علي (عليه السلام) .
4ـ ثم اكتوى العراقيون بنار غدر بني أميه ونقضهم للشروط وظلم ولاتهم عشر سنين بأشد ما يكون حيث هجر منهم زياد خمسين ألفا بعوائلهم، خمسا وعشرين ألف من أهل البصرة وخمسا وعشرين ألفا من أهل الكوفة وامتلأت السجون منهم والمنافي بسبب ارتباطهم بعلي (عليه السلام) .
5ـ مضافا إلى ذلك كله كان أهل العراق أهل دين كما شهد لهم علي (عليه السلام) حين قال لمعاوية في رسالته إليه: «وما أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الأخرة».
6ـ وكانوا أهل وفاء لعلي (عليه السلام) وأهل فقه بمشروعه وهو مشروع النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحاب جرأة على السلطان وقد شهد لهم معاوية بذلك حين كان يلتقي بوجوه من رجالهم ونسائهم ويحاورهم كان يقول لهم: «هيهات يا أهل العراق لقد فقهكم علي فلن تطاقوا»، «لقد لمظلكم علي الجرأة على السلطان»، «والله لوفاؤكم له بعد موته اعجب من حبكم له في حياته».
7ـ كما شهد لهم الحسن (عليه السلام) انهم الحافظون حوزته وذماره والمانعون
«صفحة 22»
المعتدي عليها، حيث قال حين فارقهم ورحل عنهم إلى المدينة بعد الصلح متمثلا بهذا البيت من الشعر:
وما عن قلى فارقت دار معاشري هم المانعون حوزتي وذماري
8ـ وشهد لهم أيضا عبد الله بن الزبير وهو يبغضهم حين شكى له معاوية أمر الحسن (عليه السلام) وعدم تردده عليه وزيارته إلا مرة واحدة حين قدم إلى المدينة سنة 44 هـ قال له: «والله ان أهلَ العراق لأبرَّ بهِ من أمِّ الحوار بحوارِها» (الحوار ولد الناقة).
9ـ وشهد لهم الواقع التاريخي للسنوات العشر (40ـ50 هـ) سنوات الأمان والاختلاط مع الشاميين سواء داخل الشام أو خارجها، أن رسالتهم في الحياة كانت التبشير بإمامه علي (عليه السلام) الإلهية ونشر أخبار سيرته المشرقة.
10ـ وشهدت لهم الأمة للسنوات الأربع بعد وفاة الحسن (عليه السلام) (50ـ53هـ) ونقض معاوية لشرطه في علي(عليه السلام) أن لا يذكره بخير انهم وقفوا بوجه الإعلام الأموي حين أعاد لعن علي (عليه السلام) يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بقيادة حِجر بن عدي وأصحابه، ودفعوا الثمن غاليا من اجل ذلك حتى أمرهم الحسين (عليه السلام) بعد قتل حجر بالانسحاب من الميدان يدخرهم ليوم قادم ينهض فيه.
11ـ وشهد لهم أهل المدينة انهم كانوا على اتصال مستمر بعد ذلك مع الحسين (عليه السلام) ومراجعته حتى منعهم الوليد بن عتبة(1) من زيارته سنة 58 هـ وقال له الحسين (عليه السلام) : «يا ظالما لنفسه عاصيا لربه علام تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقي ما جهلته أنت وعمك».
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كان أميرا على المدينة لمعاوية سنة 57-60.
«صفحة 23»
الحسين (عليه السلام) المنقذ الوحيد للامة:
ليس من شك ان التغيير بقيادة الخوارج ليس له قاعدة شعبية لان الأمة تراهم مفسدين وهو كذلك وقد سماهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالمارقين.
أما التغيير بقيادة ابن الزبير فهو وان كانت له قاعدة شعبية في مكة والمدينة بحدود لا بأس بها الا انه لن يجرؤ ان يتحرك مع وجود الحسين (عليه السلام) لأنه على يقين ان الحسين (عليه السلام) سوف لن يؤيده ولا شيعته ذات العمق والأصالة في الأمة، مضافا إلى انه ابن أبية الذي خرج طلبا للسلطة لا غير مع طلحة وعائشة في البصرة.
أما التغيير بقيادة الحسين (عليه السلام) فهو المتعين لان النبي (صلى الله عليه وآله) اخبر امته بشهادته وهو دليل على نزاهة حركته وقيامه لله، ولان قاعدته الشعبية أوسع وهي ممتحنة عاشت حالة تحدي واضحة أيام معاوية ولئن سكت الحسين (عليه السلام) زمن معاوية لأسباب فانه لا مبرر لسكوته بعد موته إذ لا عهد له مع يزيد، وهكذا يتعين الحسين (عليه السلام) مصلحا للامة من فسادها وللدين من تعطيله وتحريفه، وليس أمام الحسين (عليه السلام) الا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أماتها بنو أميه يمنحها الحياة من جديد لتتحرك الأمة بها وتقتدي بالحسين (عليه السلام) في مواجهة بني أميه لإزالتهم.
والحسين (عليه السلام) يدرك ان كبار الأمة من الصحابة والتابعين ينظر إليه ويتطلع إلى موقفه وحركته.
فما هي خطة الحسين (عليه السلام) للإصلاح وما هو منهجه؟
«صفحة 24»
وصية الحسين (عليه السلام) إلى أخيه محمد بن الحنفية:
لخص الحسين (عليه السلام) منهجه الإصلاحي خطةً ومضمونا في وصيته التي كتبها لأخيه محمد بن الحنفية:
1. إني لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما: فانه في هذه الفقرة شخّص طريقة خروجه ونهضته وأنها سوف لن تكون على طريقة طلحة والزبير لأنه خروج اشر وبطر من دون دواعي ومسوغات صحيحة، ولن تكون على طريقة معاوية حين تمرد على علي (عليه السلام) لأنه كان ظالما له وهو في خروجه ليس ظالما ليزيد، ولن تكون على طريقة الخوارج لأنهم كانوا مفسدين في الأرض.
2. وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي: ليس من شك ان هناك فسادا أصاب الأمة، وحيفا وظلما في توزيع الثروات وفي الأمان وفقدان الحريات ولا بد من إصلاحه. وفسادا أصاب الدين واعظم فساد فيه ما أصاب العقيدة بالإمامة حين حرفها بنو أميه من عقيدة بأهل البيت خلفاء الله وخلفاء رسوله يقودون الناس إلى الله إلى عقيدة ببني أميه خلفاء لله ولرسوله وبدلوا الولاء والمحبة لعلي (عليه السلام) الذي فرضه الله ورسوله إلى لعن وبراءة وعداوة من خلال الأحاديث الكاذبة التي وضعوها.
3. أريد ان آمر بالمعروف وانهي عن المنكر: الدين فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعله افضل الجهاد، وشخصية الحسين (عليه السلام) لا ينافسها احد في الدين ولا في العلم ولا في القاعدة الشعبية التي يمتلكها في العراق وغيره. والأعناق تشرئب إليه في النهوض بهذه الفريضة.
«صفحة 25»
4. وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب: لا يشك احد ان الحسين (عليه السلام) أعلم بسيرة جده من كل أحد، واعترف الجميع ان عليا (عليه السلام) حين نهض أحيا سنة النبي (صلى الله عليه وآله) سواء في الحج أو في الطلاق أو في العدل فان عبد الله عمر يشهد بان موقف علي (عليه السلام) في إحياء حج التمتع هو الصحيح وان أباه رأى رأيا في حج التمتع وهو لا يوافقه عليه، وهكذا في الصلاة فقد قال: احد الصحابة «لقد صلى بنا علي صلاة كدنا ننساها».
بعث الله تعالى محمدا لإحياء حنيفية إبراهيم وملته التي حرفتها قريش المشركة إذ كان إبراهيم قد بنى الكعبة مركزا للتوحيد واقترن البناء بدعوة إبراهيم وإسماعيل والبشرى بمحمد وأهل بيته، ولكن قريشا بعد حادثة الفيل أيدت بدعة خزاعة حين رفعت الأصنام ودعت إلى عبادتها وأضافت إلى ذلك أنها نصبت من نفسها إمامة دينية غيرت الكثير من دين إبراهيم. واستطاع النبي ان يحرر بيت إبراهيم من الأصنام ويضع من الإمامة الدينية لقريش ولأهل الكتاب ويعلن عن إمامة أهل بيته من بني هاشم وانهم خلفاؤه. واعلن عن أولهم وهو علي (عليه السلام) إماما هاديا ووليا بعده يوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع.
وبعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) انقلبت قريش المسلمة على أعقابها ونصبت من نفسها إمامة دينية وخلفاء للنبي (صلى الله عليه وآله) وغيرت الحج المحمدي وابتدعت بدعا أخرى عطلت فيهن كثيرا من السنن النبوية ومنعت من نشر أحاديثه التي تبين فضل أهل بيته وإمامتهم.
ونهض علي بعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لإحياء حج التمتع الذي نهت عنه
«صفحة 26»
قريش ونشر الأحاديث النبوية التي منعت منها واستطاع علي (عليه السلام) في فترة نهضته من سنة 28ـ 40 ان يحيي الحج المحمدي في النصف الشرقي من البلاد المفتوحة وينشر فيها أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في فضل أهل بيته(عليهم السلام) .
ونهض الحسين (عليه السلام) بعهد معهود من النبي (صلى الله عليه وآله) لإحياء إمامة علي (عليه السلام) وولايته الإلهية التي حولها بنو أميه إلى براءة منه ولعن، وأخيت بدعة قريش المسلمة واحتكرتها لنفسها.
5. فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق: وذلك لان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما حث الله تعالى عليه ووعد لمن قتل آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر الجنة، وبالتالي فمن آزر الحسين (عليه السلام) في نهضته يكون قد لبّى دعوة الله تعالى واستحق الجنة.
6. فمن رد علي هذا اصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم الظالمين: يشير الحسين (عليه السلام) في كلمته هذه انه أولا يرفع شعارا قبل ان يرفع سلاحا، وهذا الشعار هو انه لا يبايع ومن حقه ان لا يبايع لان الشخص المطروح للحكم ليس أهلا باتفاق أهل المناهج المختلفة، ويدعو الأمة ان تسحب ثقتها من يزيد وبني أميه، ومن ثم لابد من الإطاحة بهم وتحرير الأمة من سيطرتهم ثم يترك الخيار للامة لتبايع من تراه أهلا للإصلاح. وقوله (أصبر) معناه انه سوف يبقى على شعاره في إنكار المنكر لا يتراجع عنه كما قال في موضع آخر لو لم يكن لي ملجا في الدنيا ما بايعت يزيد.
خلاصة أهداف الحسين (عليه السلام) ومنهجه في التغيير:
1. استهدف الحسين (عليه السلام) هدفين أساسيين من نهضته:
«صفحة 27»
الأول: كسر الطوق الإعلامي الذي فرضه معاوية على نهضة علي الإحيائية لسنة النبي (صلى الله عليه وآله) وإحياء إمامة علي (عليه السلام) وولايته التي أسسها الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) فوصف عليا (عليه السلام) بانه أَلـحَد في دين الله تجب البراءة منه ومن شيعته، وبذلك سوغ لولاته ان يلاحقوا شيعة علي (عليه السلام) أينما كانوا. ولا ينكسر هذا الطوق الا بنشر الأحاديث النبوية في حق علي (عليه السلام) التي تمنحه ولاية كولاية النبي (صلى الله عليه وآله) وهو ولاية الله. ولا تنتشر هذه الأحاديث الا بإزالة الدولة التي تتبنى التعتيم على هذه الأحاديث والمعاقبة عليها.
الثاني: فسح المجال لمن يريد من أهل المدن ان يحيا وفق تجربة علي التي هي تجربة النبي في الحكم وتقوم على قاعدة لا إكراه في الدين والتعددية المذهبية وحرية التعبير وكفالة المواطن المتدين بالدين الإبراهيمي بغض النظر عن دينه الإبراهيمي مادام يؤمن بالتعايش السلمي. ولا يتأتَّ هذا الهدف إلا بزوال الدولة المركزية ورفع الضغط والإرهاب عن الناس وتركهم وما يعتقدون.
2.اختار الحسين (عليه السلام) مكّة لإعلان المشروع لأنه مكة اكبر مركز لتجمع المسلمين لإيصال الدعوة اليهم «اللهم ان هذا قبر ابن بنت نبيك قد اعذر في الدعوة».
3. أحيا الحسين (عليه السلام) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد ندب الله تعالى إليه:
﴿و لتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يدعونَ إِلَى الخَيرِ ويأمُرونَ بِالمَعروفِ وينهَونَ عَنِ المُنكَرِ وأولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾ آل عمران/104.
ومن يقتل وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المكر فقد فاز بالجنة لأنها وعد الله له:
«صفحة 28»
﴿إِنَّ اللهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يقاتِلونَ في سَبيلِ اللهِ فَيقتُلونَ ويقتَلونَ وعدا عَلَيهِ حَقًّا في التَّوراةِ والإِنجيلِ والقُرآنِ ومَن أَوفى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فاستَبشِروا بِبَيعِكُمُ الَّذي بايعتُم بِهِ وذلِكَ هو الفَوزُ العَظيمُ (111)
التّائِبونَ العابِدونَ الحامِدونَ السّائِحونَ الرّاكِعونَ السّاجِدونَ الآمِرونَ بِالمَعروفِ والنّاهونَ عَنِ المُنكَرِ والحافِظونَ لِحُدودِ اللهِ وبَشِّرِ المُؤمِنينَ (112)
ما كانَ لِلنَّبي والَّذينَ آمَنوا أَن يستَغفِروا لِلمُشرِكينَ ولَو كانوا أولي قُربى مِن بَعدِ ما تَبَينَ لَهُم أَنَّهُم أَصحابُ الجَحيمِ (113)﴾ التوبة/111ـ113.
كما ان القرآن يبشر القاتلين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة وبحبط عملهم في الدنيا والآخرة:
﴿إِنَّ الَّذينَ يكفُرونَ بِآياتِ اللهِ ويقتُلونَ النَّبيينَ بِغَيرِ حَقٍّ ويقتُلونَ الَّذينَ يأمُرونَ بِالقِسطِ مِنَ النّاسِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ (21)
أولئِكَ الَّذينَ حَبِطَت أَعمالُهُم في الدُّنيا والآخِرَةِ وما لَهُم مِن ناصِرينَ (22) ﴾ آل عمران/21ـ22.
4.جعل الحسين (عليه السلام) عنوان نهضته رفض البيعة ليزيد مهما كلفه الأمر، ليس لان يزيد لا يصلح شخصيا لمقام الحكم فقط بل لأجل ان حَصرَ الملك في بني أميه بالوصية من الأب الحاكم لأبنائه مخالف حتى لسيرة أبي بكر وعمر فلم يجعل كل واحد منهما الملك في أسرته، وهذا الشعار العام ينسجم معه كل مسلم على اختلاف مشربه ومنهجه.
5.اعتمد الحسين (عليه السلام) أهل العراق كقاعدة شعبية لحركته بوصفهم شعبا
«صفحة 29»
ميزت المِحنُ بصدق ولائه لعلي (عليه السلام) ومشروعه الإحيائي للسنة، وبوصفهم الذين استهدفهم معاوية لتغيير ولائهم ومحاصرتهم بشتى الوسائل لتم بما نقض معاوية كل عهوده التي أعطاهما للحسن (عليه السلام) وأهل العراق، وكانوا قد عرضوا على الحسين (عليه السلام) بعد شهادة الحسن (عليه السلام) وقتل حجر وأصحابه بالقيام ضد معاوية فأوصاهم الحسين (عليه السلام) بان يكونوا أخلاس بيوتهم لحين وفاة معاوية. فهم على موعد مع الحسين (عليه السلام) .
حوادث إحدى وسبعين سنة بعد الشهادة:
أصيبت الأمة بالذهول لسنتين /عشرون شهرا/. 61-63 بعد واقعة الطف وعاشت أسوأ أيامها وبدأت تغلي المشاعر في الخفاء وبخاصة حين تصلهم أخبار الواقعة وما صنعت الدولة مع ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) وبناته ولم يتنفس احد بموقف معلن لا من ابن الزبير ولا من غيره، والسجون ممتلئة بشيعة علي قبل مجيء الحسين (عليه السلام) إلى العراق.
ثم تحركت الأمة بدءا بأهل المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة حين ذهب ليجدد عهده بيزيد وإذا به يجده يشرب الخمر علانية وينادم القرود، فاخذ جائزته من يزيد هو وأولاده الثمانية ورجع إلى المدينة وأعلن خلعه، واستجاب له أهل المدينة، فبعث اليهم يزيد مُسرفَ بن عقبة مع جيش أهل الشام والتقى الجيشان في 27 ذي الحجة سنة 63هـ وانكسر أهل المدينة ودخل أهل الشام الحرم النبوي بخيولهم واستباحوا المدينة ثلاثة أيام. ثم اتجهوا إلى ابن الزبير في مكة وحاصروها وضربوها بالمنجنيق.
توفي يزيد في 14ربيع الأول سنة 63هـ وقام بالأمر بعده ولده معاوية
«صفحة 30»
ولكنه استقال من الخلاقة بعد أربعين يوما واختلف أهل الشام على رايتين الضحاك الفهري ومروان الأموي واقتتلوا على السلطة، وكسرت السجون في البصرة والكوفة، وبايعوا لابن الزبير واقتتل أهل خراسان واقتتل أهل اليمن، واقتتل أهل العراق.
وكانت الكوفة البلد الوحيد الذي شهد حربا أهلية بين خطين: خط لشيعة أهل البيت(عليهم السلام) الذين خرجوا من السجون وخط السلطة الأموية، واستطاع سليمان بن صرد ان يقاتل بني أميه ويواصل المختار من بعده ويؤسس دولة أحيت تجربة علي (عليه السلام) في الحكم ولكنها حوصرت من قبل الزبيريين وقادة الكوفيين الذين كانوا في الجيش الأموي الذين قتلوا الحسين (عليه السلام) وأسقطوها، ثم حاصر عبد الملك دولة ابن الزبير وأسفطها سنة 73هـ، ثم انتفض على الحجاج جنده من أهل البصرة عليه سنة 76هـ بقيادة عبد الله بن الجارود واستطاع ان يقضي عليها ثم ثار عليه جنده من أهل الكوفة بقيادة مطرَّف بن المغيرة واستطاع ان يقضي عليها ثم ثار عليه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس سنة 81هـ وخلع عبد الملك.
واستمرت الحروب بينه وبين الحجاج سنتين حتى استطاع القضاء عليها بجيش أهل الشام سنة 83هـ، وهكذا تضرمت الأرض تحت سلطان معاوية وولده يزيد وانتقلت السلطة إلى الفرع الآخر من بني أميه وهو الفرع المرواني وتضرمت الأرض نارا مدة عشرين سنة، لقد استجاب الله تعالى دعاء الحسين (عليه السلام) في الأمة التي خذلته فقد دعاهم في موسم الحج ولم يحبه سوى أهل الكوفة المخلصين بقيادة سليمان بن صرد والمختار قد نفذوا خطة الحسين (عليه السلام)
«صفحة 31»
في قتال بني أميه وإقامة دولة علي في الكوفة. وانتشر في الأشهر الثلاثين من حكمها الأحاديث النبوية وسيرة علي (عليه السلام) وخطبه إلى الجيل الجديد الذي حرم منها مدة اثنتي عشرة سنة.
ثم نهض زيد بن علي سنة 122 هـ على منهاج الحسين (عليه السلام) وحرك الأجواء من جديد. واستشهد (رحمه الله) وتحملت الكوفة بعده الكثير من العناء، ثم قدر لحركة بني العباس ان تسقط دولة بني أميه سنة 131-132هـ وانتقموا منهم شر انتقام.
نتائج نهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته:
1. أنفذت الكوفة من خطر تصفية وجود الشيعة فيها وعودتها قلعةً لشيعة علي (عليه السلام) وقيامها ببقية خطة الحسين (عليه السلام) في قتال بني أميه لتفهم الأمة ان طاعتهم ليست من الدين في شيء وتجديد تجربة علي (عليه السلام) في العدل والتثقيف والتعددية المذهبية.
2. أُنقذت الأحاديث النبوية في فضل أهل البيت(عليهم السلام) التي كانت معرضة لموت حملتها حين تمزقت الدولة الأموية وانتهت سيطرتها الفكرية في العراق والحجاز مدة عشرين سنة وتحرك المحدثون لإفراغ ما في صدورهم إلى الجيل الجديد.
3. بتر الله تعالى يزيد وذريته وانتقال الملك إلى بني مروان، وشفى علي بن الحسين (عليهما السلام) ونشر ذرية الحسين (عليه السلام) منه وبروز علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد(عليهم السلام) إعلاما للهداية وظهرت حركة بني هاشم بأجنحتها المختلفة تحمل نظرية الحركة السياسية على نهج الحسين (عليه السلام) .
«صفحة 32»
4. سقوط دولة بني أميه على يد الجناح العباسي من حركة بني هاشم وتكريس تجربة علي (عليه السلام) في التعددية المذهبية وبروز مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) في الكوفة وإظهار قبر علي (عليه السلام) وزيارته وزيارة قبر الحسين (عليه السلام) وإحياء خط علي في الفقه والعقيدة وتكوين العقل الفقهي الشيعي وتدوين الأصول الأربعمائة في ضوء صحيفة علي الجامعة في السنوات الخمسة الأولى من العهد العباسي في قبال المدارس الفقهية الأحرى.
لماذا الاستمرار في إحياء الذكرى بعد تحقق النتائج ؟
قد يقول قائل لماذا إذن استمرار إحياء الذكرى الحسينية وتأجيج المشاعر ؟
الجواب هناك عدة مسوغات:
الأول: كان اصل هدف النهضة هو فضح بني أميه لكي لا يتأثر المسلم ببدعهم وليعلم ان احترامهم أو الترضي عليهم ليس من الدين في شيء، وقد بقيت قطاعات من الأمة على جهلها بحقيقتهم وانهم يجب البراءة منهم ومن بدعهم في الدين، وليس من طريق لتوعيتهم الا بالاحتفاظ بظلامة الحسين غضة طرية ولا يكون ذلك الا من خلال إحياء العشرة الأولى من المحرم وزيارة الأربعين وقد كرس الأئمة التسعة جهدهم لربط الشيعة وجودهم مصيريا بالعزاء الحسيني. لتقام الحجة على تلك القطاعات وامتداداتهم في افق الزمن.
الثاني: ان أجواء الظلامة يهيج المشاعر ويهيئ النفس لكي تتجاوز عقدها الصعبة، ولكي تتربى وتتهيأ لخوض اعظم عملية تحرير في تاريخ البشر من
«صفحة 33»
الظلم يقودها ابن الحسين (عليه السلام) .
الثالث: شاء الله تعالى ان يجعل الحسين (عليه السلام) وارثا لجده إبراهيم في لياليه العشر وفجر عاشوراء ذي الحجة فقد برز من الحسين (عليه السلام) في هذه الليالي وفجر عاشورائها من التسليم لأمر الله والتوجه إليه بالعبادة والدعاء ما ساواها، وهكذا جعلها مثابة للناس وموسما لغفران الذنوب والاستزادة من الحسنات.
«صفحة 34»
النهضة الحسينية في ضوء الإعلام العباسي والأموي وعند أهل البيت (عليهم السلام) (1)
تمهيد:
كانت نهضة الحسين (عليه السلام) ضد بني أمية على عهد يزيد بن معاوية سنة إحدى وستين من الهجرة، وبأمر يزيد قُتِل وحُمِل رأسُه ورؤوسُ أصحابه مع نسائه أسرى إلى الشام، وكان للأمويين خطاب ورؤية خاصة عن الحسين (عليه السلام) ، وموقف من ذكرى مقتله تبناها إعلامهم ؛ لتبرير قتله وما صنعوه بأهل بيته من بعده.
وللعباسيين لما قامت دولتهم على أنقاض دولة بني أمية خطاب ورؤية أخرى عن الحسين (عليه السلام) وموقف من ذكرى شهادته وزيارته تبناها إعلامهم وجهاز دولتهم لتبرير موقفهم السلبي من ذرية علي (عليه السلام) وبخاصة ذرية الحسن والحسين (عليه السلام) وشيعتهم.
وفي قبال هاتين الرؤيتين هناك خطاب ورؤية أخرى وموقف آخر تبناه الأئمة التسعة من ذرية الحسين (عليه السلام) في أحاديثهم وتربيتهم لشيعتهم.
وفيما يأتي بيان مختصر عن هذه الخطابات والرؤى التاريخية الثلاث:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشر هذا البحث ضمن مجموعة كراسات المكتبة الحسينية الميسرة، عام 1433هـ/2011م، الكراس رقم3.
«صفحة 35»
رؤية الإعلام الأموي للنهضة الحسينية وذكرى عاشوراء
وخلاصتها:
1. ان الحسين (عليه السلام) ثار من أجل طلب الحكم والملك، ولم يكن من حقه ذلك لأنه خروج على الخليفة الشرعي يزيد بن معاوية وهو يستحق ما انتهت إليه حركته من الهلاك والنّكال.
روى الطبري قال لما دنا عمرو بن الحجاج (أحد قادة الجهاز الحاكم الأموي في الكوفة) من أصحاب الحسين (عليه السلام) كان يقول: يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام، فقال له الحسين (عليه السلام) : يا عمرو بن الحجاج أعلي تحرِّض الناس أنحن مرقنا من الدين وأنتم ثبتَُم عليه ؟ أما والله لتعلمن لو قد قُبِضت أرواحكم ومتم على أعمالكم أينا مرق من الدين ومن هو أولى بصلي النار.(1)
وفي كتاب الوليد بن يزيد بن عبد الملك (125-126هـ) إلى رعيته إشارة إلى ذلك، قال: «فتتابع خلفاء الله (يريد الخلفاء قبله) على ما أورثهم الله عليه من أمر أنبيائه، واستخلفهم عليه منه لا يتعرض لحقِّهم أحد إلا صرعه الله، ولا يفارق جماعتهم أحد إلا أهلكه الله، ولا يستخف بولايتهم ويتهم قضاء الله فيهم أحد إلا أمكنهم الله منه، وسلطهم عليه، وجعله نكالا وموعظة لغيره. وكذلك صنع الله بمن فارق الطاعة التي أمر بلزومها، والأخذ بها».(2)
وتتبنى الحركة الوهابية اليوم هذا النوع من التفسير مع تخفيف الخطاب:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري، ج 4 – ص 331.
(2) تاريخ الطبري ج: 7 ص: 223 سنة 125
«صفحة 36»
قال الشيخ الخضري المؤلف المصري في كتابه الدولة الأموية:
«وعلى الجملة فإن الحسين أخطأ خطأً عظيما في خروجه هذا الذي جرَّ على الأمة وبالَ الفُرقة والاختلاف وزعزع عماد إِلفتِها إلى يومنا هذا… غاية الأمر أن الرجل طلب أمرا لم يتهيأ له ولم يعد له عدته، فحيل بينه وبين ما يشتهي وقُتل دونه».(1)
وذكر أحمد العسيري وهو مؤلف حجازي نظير هذا الكلام ثم ختمه بكلام مؤلف مصري هو الدكتور أحمد شلبي(2) ولم ينسبه إليه قائلا: «وكانت هذه فتنة أيسر ما نقول عنها أنها وسعت باب الفرقة والتهمت الآلاف والملايين من المسلمين ولا يزال بابها مفتوحا حتى كتابة هذه السطور».(3)
و قال الشيخ عثمان الخميس:«لم يكن في خروج الحسين عليه السلام مصلحة لا في دين ولا دنيا ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه وهو قد هَمّ بالرجوع لولا أولاد مسلم، بل بهذا الخروج نال أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتلوه مظلوما شهيدا. وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ولكنه أمر الله تبارك وتعالى وما قدر الله كان ولو لم يشأ الناس. ولا يجوز لمن يخاف الله إذا تذكر قتل الحسين ومن معه رضي الله عنهم أن يقوم بلطم الخدود وشق
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الدولة الأموية الشيخ محمد الخضري /327، دار المعرفة بيروت 1418هجرية. والكتاب محاضرات في تاريخ الإسلام ألقيت على طلاب الجامعة المصرية بطلب من مجلس إدارة الجامعة المصرية ورأت إدارة الجامعة ان تجمع وتطبع.
(2) موسوعة التاريخ الإسلامي ج7/208ط7/1984/القاهرة.
(3) موجز التاريخ الإسلامي تأليف احمد محمود العسيري، 152 ط1، الدمام 1417هجرية.
«صفحة 37»
الجيوب والنوح وما شابه ذلك والواجب على المسلم العاقل إذا تذكر مثل هذه المصائب أن يقول كما أمره الله تعالى: ﴿الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون﴾».(1)
وقد تبنت مجلة النور التي تصدر في العراق هذا التعريف الأموي للحسين (عليه السلام) ونهضته حيث جاء فيها: «وهكذا استدرج الحسين الذي يبدو انه لم يكن محيطا بما يدار له في الخفاء»، ثم تواصل المجلة حديثها على لسان كاتب آخر لتدافع عن يزيد بشكل سافر فتقول: «من يقرأ تاريخ يزيد بعين الانصاف فسيجد انه رجل لا مطعن فيه لا في دينه ولا في أخلاقه ولا في رجاحة عقله ثم يذكر رواية رواها البخاري نسبها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بانه قال (أول جيش من أمتي يغزون مدينة القيصر مغفور له) وان البخاري روى ان انه اصبح متواترا أنه يزيد كان على رأس هذا الجيش»(2). ثم يسترسل الكاتب بذكر روايات تصف دين يزيد وحبه للعلم وانه كان من رواة حديث النبي (صلى الله عليه وآله) !(3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) عثمان الخميس، حقبة من التاريخ ص138. اقول: قال الشوكاني: «لا ينبغي لِمسلم أن يحط على مَن خرج مِن السلف الصالح مِن العترة وغيرهم على أئمة الجور، فإنهم فعلوا ذلك باجتهاد منهم، وهم أتقى لله وأطوع لسنة رسول الله مِن جماعة مِمَّن جاء بعدهم مِن أهل العلم، ولقد أفرط بعض أهل العلم كالكرامية ومَن وافقهم في الجمود.. حتى حكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه باغٍ على الخمير السِّكِّير الهاتك لِحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله، فيا لله العجب من مقالات تقشعر منها الجلود ويتصدع من سماعها كل جلمود» (نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار) ـ ج7 ص176.
(2) نقل الذهبي والعسقلاني وغيرهما أنَّ نوفل بن أبي الفرات قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فقال رجل: قال أمير المؤمنين يزيد، فأمِر به فضُرِب عشرين سوطًا. انظر الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج4 ص40. وابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ـ ج6 ص 228. والسيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص166.
(3) مجلة النور العدد 19.
«صفحة 38»
2. تبنّي إعلان الفرح وإظهار السرور بذكرى عاشوراء. ووضعت أحاديث تسن الصوم والتوسعة على العيال وإظهار الزينة من الاكتحال وغيره:
قال ابن كثير في تاريخه ج8/220: «وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام فكانوا يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الأطعمة ويظهرون السرور والفرح».
أقول: ليس من شك ان هذا الفعل كان من زمن بني أمية ولما زالت دولتهم بقيت العامة على أعرافها وثقافتها في دمشق وغيرها. ولما بنى المنصور بغداد لتكون بديلا عن عاصمة الأمويين أسكن فيها من يرغب من الوجوه والجيش والناس المعروفون بولايتهم للسلطان.
وفي عهد البويهيين لما أظهروا الحزن على الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء تغيضت العامة عليهم لأنها لم تكن تقدر على منع ذلك.
قال ابن خلدون ج3 ص425: «وفي ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة أُمِر الناس بإظهار الزينة والفرح لعيد الغدير من أعياد الشيعة وفى السنة بعدها أُمِر الناس في يوم عاشوراء أن يغلقوا دكاكينهم ويقعدوا عن البيع والشراء ويلبسوا المُسوح ويعلنوا بالنياحة… حزنا على الحسين ففعل الناس ذلك ولم يقدر أهل السنة على منعه لان السلطان للشيعة وأعيد ذلك سنة ثلاث وخمسين فوقعت فتنة بين أهل السنة والشيعة ونهب الأموال».
وقد بين أغلب علماء الحديث
«صفحة 39»
وأغلب الفقهاء من أهل السنة ان أحاديث التوسعة على العيال والاغتسال والاكتحال يوم عاشوراء موضوعة.
قال العيني في عمدة القاري ج5/347: «اختلق أعداء أهل البيت (عليه السلام) أحاديث في استحباب التوسعة على العيال يوم عاشوراء والاغتسال والخضاب والاكتحال».
وقال ابن الجوزي في الموضوعات ج2/112: «وقد تمذهب قوم من أهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ونحن براء من الفريقين».
وقال الشيرواني من فقهاء الشافعية (ت1118هـ) في حواشيه: «ويسن التوسعة على العيال في يوم عاشوراء ليوسع الله عليه السنة كلها كما في الحديث الحسن وقد ذكر غير واحد من رواة الحديث أنه جربه فوجده كذلك. وورد: من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه السنة كلها. وطرقه وإن كانت كلها ضعيفة لكن اكتسبت قوة بضم بعضها لبعض بل صحح بعضها ابن ناصر الدين وخطأ ابن الجوزي في جزمه بوضعه، وأما ما شاع فيه من الصلاة والإنفاق والخضاب والإدهان والاكتحال وطبخ الحبوب وغير ذلك فقال الشارح: موضوع مفترى قالوا الاكتحال فيه بدعة ابتدعها قتلة الحسين رضي الله تعالى عنه».(1)
وقال البكري الدمياطي (ت1310هـ): «وأما أحاديث الاكتحال في عاشوراء ففي النفحات النبوية في الفضائل العاشورية ـ للشيخ العدوي ـ ما نصه: قال العلامة الاجهوري: أما حديث الكحل، فقال الحاكم إنه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) حواشي الشرواني عبد الحميد ت 118هـ – الشرواني والعبادي ج 3 ص 455.
«صفحة 40»
منكر، وقال ابن حجر إنه موضوع، بل قال بعض الحنفية إن الاكتحال يوم عاشوراء، لما صار علامة لبغض آل البيت، وجب تركه. قال: وقال العلامة صاحب جمع التعاليق: يكره الكحل يوم عاشوراء، لان يزيد وابن زياد اكتحلا بدم الحسين هذا اليوم، وقيل بالإثمد، لتقر عينهما بفعله.
قال العلامة الاجهوري: ولقد سألت بعض أئمة الحديث والفقه عن الكحل و… ولبس الجديد وإظهار السرور، فقال: لم يرد فيه حديث صحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، ولا عن أحد من الصحابة، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين، وكذا ما قيل: إنه من اكتحل يومه لم يرمد ذلك العام، ومن اغتسل يومه لم يمرض كذلك».(1)
رؤية الإعلام العباسي للنهضة الحسينية وذكرى عاشوراء:
وخلاصتها:
أولا: ان الحسين (عليه السلام) ثار من أجل الحكم والملك وهو أولى به من يزيد بن معاوية وأنه قتل شهيدا مظلوما، غير انه اشتبه في أمرين:
1. اشتبه في تشخيص البلد والعُدَّة الشعبية التي ينطلق بها في الثورة على بني أمية باختياره الكوفة وأهلها والوثوق بوعودهم.
2. اشتبه أيضا باصطحاب عياله معه وقد نصحه ابن عباس بأن لا يأخذهم معه. ويجد الباحث ذلك واضحا في كتاب مقتل الحسين (عليه السلام) لأبي مخنف
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إعانة الطالبين – البكري الدمياطي ج 2 ص 301
«صفحة 41»
ت 158هـ. وأبو مخنف ممن ساير بني العباس في إعلامهم وأهدافهم(1).
ثانيا: شجب موقف الحزن والبكاء على الحسين (عليه السلام) وشجب زيارة الحسين يوم عاشوراء، وقد تجلى الموقف بوضوح على عهد المتوكل العباسي حين أمر بحرث قبر الحسين (عليه السلام) وإجراء الماء عليه ومعاقبة كل زائر.
قال المسعودي: وكان آل أبي طالب قبل خلافة المنتصر (247هـ) في محنة عظيمة وخوف على دمائهم، قد مُنعوا زيارة قبر الحسين والغري من أرض الكوفة، وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد، وكان الأمر بذلك من المتوكِّل سنة ست وثلاثين ومائتين وفيها أمر المعروف بـ (اذيريج) بالسير إلى قبر الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما وهدمه ومحو أرضه وإزالة أثره، وأن يعاقب من وجد به… ولم تزل الأُمور على ما ذكرنا إلى أن استخلف المنتصر سنة 247هجرية، فأمن الناس، وتقدَّم بالكفِّ عن آل أبي طالب، وترك البحث عن أخبارهم، وأن لا يمنع أحد زيارة الحائر لقبر الحسين رضي الله تعالى عنه، ولا قبر غيره من آل أبي طالب، وأمر بردِّ فدك إلى ولد الحسن والحسين، وأطلق أوقاف آل أبي طالب وترك التعرُّض لشيعتهم ودفع الأذى عنهم.(2)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر تفصيل اكثر في كتابنا الحسين (عليه السلام) في مواجهة الضلال الأموي ص 16.
(2) المسعودي، مروج الذهب ج4 ص51 – 52
«صفحة 42»
رؤية لأئمة التسعة من ذرية الحسين (عليه السلام) في النهضة وموقفهم من ذكرى عاشوراء:
1. ان الحسين (عليه السلام) وارث الأنبياء في وظيفتهم وهي الهداية، وقد نهض لينقذ المجتمع من ضلالة بني أمية حيث حرّفوا العقيدة بأهل البيت (عليه السلام) وبخاصة في علي (عليه السلام) حين ربوا الأمة على بغضه ولعنه بدلا من حبه وتولّيه مضافا إلى ذلك أحيوا بدع قريش المسلمة في الحج وغيره وفرضوها على الناس من جديد.
روى ابن قولويه بسنده عن أبي حمزة الثمالي، قال قال الصادق (عليه السلام) : «قل… اللهم إني أَشهَدُ أن هذا قبرُ ابنِ حبيبِك وصَفوتِك من خلقِك، وأنه الفائزُ بكرامتِك، أكرمتَه بكتابِك، وخصَصتَه وائتمَنتَه على وحيك، وأعطيتَه مواريثَ الأنبياء، وجعلته حجةً على خَلقِك، فأعذَرَ في الدعاء، وبذَل مُهجتَه فيكَ، ليستنقذَ عبادَك من الضَّلالة والجهالة، والعَمى والشَّكِ والارتياب، إلى باب الهدى.
السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله، السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي رسول الله وولي الله، السلام عليك يا وارث الحسن بن علي الزكي، السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين،
السلام عليك أيها الصِّدّيق الشهيد، السلام عليك أيها الوصي، السلام
«صفحة 43»
عليك أيها الوفي، أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وعبدت الله مخلِصا حتى أتاك اليقين، السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته»(1).
2. اتخاذ الأيام العشرة أيام حزن، وتعطيل العمل يوم عاشوراء، وإظهار الجزع والبكاء على الحسين (عليه السلام) وزيارته فيه عن قرب بالذهاب إلى كربلاء أو عن بعد عندما لا يتيسر الذهاب إلى قبره الشريف.
روى في البحار عن ابن قولويه قال: حدثنا أبي وجماعة، عن مشايخي، عن سعد ومحمد العطار والحميري جميعا عن ابن عيسى، عن ابن بزيع، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن علي عليه السلام، فان إتيانه يزيد في الرزق، ويمد في العمر، ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفروض على كل مؤمن يقر للحسين بالإمامة من الله»(2).
وفيه أيضا عن أمالي الصدوق عن ابن الوليد، عن الصفار، عن البرقي، عن ابن فضال، عن الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «مروا شيعتنا بزيارة الحسين ابن علي عليه السلام فإن زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع، وزيارته مفترضة على من أقر للحسين
ـــــــــــــــــــــــ
(1) رواه ابن قولويه في كتابه كامل الزيارات ص: 223 قال حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن الحسين العسكري ومحمد بن الحسن جميعا عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه علي بن مهزيار عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن مروان.
(2) بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج 89 ص 48.
«صفحة 44»
بالإمامة من الله عز وجل».(1)
وفيه أيضا عن ابن قولويه عن محمد بن جعفر، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن إبراهيم بن عقبة قال: كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام إن رأى سيدي أن يخبرني بأفضل ما جاء به في زيارة أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام وهل تعدل ثواب الحج لمن فاته ؟ فكتب صلى الله عليه وآله: «تعدل الحج لمن فاته الحج».(2)
وفيه أيضا عن الصدوق في أماليه عن ابن مسرور، عن ابن عامر، عن عمه، عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا عليه السلام:
«إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا.
إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، وأورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام».
ثم قال عليه السلام: «كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلى الله عليه»(3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق ص 1.
(2) المصدر السابق ص 32.
(3) المصدر السابق ج 44 ص 283.
«صفحة 45»
وروى الكليني بسنده عن محمد بن سنان، عن أبان، عن عبد الملك قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم تاسوعا وعاشورا من شهر المحرم فقال: «تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين (عليه السلام) وأصحابه رضي الله عنهم بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه رضي الله عنهم وأيقنوا أن لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصر ولا يمده أهل العراق ـ بابي المستضعف الغريب ـ ثم قال: وأما يوم عاشورا فيوم أصيب فيه الحسين (عليه السلام) صريعا بين أصحابه وأصحابه صرعى حوله [عراة] أفصوم يكون في ذلك اليوم ؟ ! كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوط عليه ومن ادخر إلى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقا في قلبه إلى يوم يلقاه وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده وشاركه الشيطان في جميع ذلك»(1).
3. ان الله تعالى قدّر نهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته من قبل وأخبر بها كل أنبيائه بدءا من آدم وكانوا يبكونه عند الاخبار. ولا زالت الكتب المقدسة تحتفظ ببقايا نصوص تؤكد ما ذكره أهل البيت (عليه السلام) في ذلك.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكليني، الكافي – ج4 ص147.
«صفحة 46»
الموازنة بين الرؤى الثلاث:
1. لا زالت الرؤية العباسية قائمة من خلال بقاء الكم الهائل من الروايات التي تفيض بها واشهر كتاب نهض بها، هو كتاب مقتل الحسين (عليه السلام) لابي مخنف وقد تبنت روايته ورواية من هو على نهجه في الرواية كالمدائني وغيره من الأخباريين كل الموسوعات التي ظهرت في العهد العباسي أمثال طبقات ابن سعد وانساب الأشراف للبلاذري وتاريخ الطبري ومن أخذ عنهم أمثال ابن عساكر في تاريخ دمشق فقد أخذ عن ابن سعد وابن الأثير في تاريخه وابن خلدون في تاريخه أخذا عن الطبري.
وان ابرز سمة لهذه الرؤية أمران:
الأمر الأول: النظر إلى الحسين (عليه السلام) على أنه شهيد سعيد والترحم عليه وأن قاتله يزيد وأبية معاوية ظلمة خالدين في النار يستحقون اللعنة، وأن الحسين (عليه السلام) وقع في اشتباهات وأخطاء في حركته أبرزها الوثوق بدعوة شيعته من الكوفيين ؛ واصطحابه عياله معه.
الأمر الثاني: شجب البكاء والزيارة لقبر الحسين (عليه السلام) .
2. أما الرؤية الأموية فقد انهارت بانهيار دولتهم وانقراض أدبياتهم وتراثهم الإعلامي، نعم بقيت بقية واشعاعات محدودة منها كما ذكرنا آنفا والسمة البارزة لبقاء هذه الرؤية ثلاثة أمور:
الأمر الأول: قول القائلين: ان خروج الحسين (عليه السلام) كان إفسادا وفتنة لا زالت قائمة.
الأمر الثاني: ثناؤهم على يزيد وأنه مغفور له لكونه راس الجيش الذي فتح
«صفحة 47»
القسطنطينية وقد رووا حديثا نسبوه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) انه أخبر بان هذا الجيش مغفور له.
الأمر الثالث: أضاف أصحاب تلك الرؤية ما تبناه العباسيون في أعلامهم من تحميل الذنب في قتل الحسين (عليه السلام) على أهل الكوفة واشتباه الحسين (عليه السلام) في الوثوق بهم واشتباهه في اصطحاب عياله معه.
3. أما رؤية الأئمة من ذرية الحسين (عليه السلام) فهي باقية كما هي بنصوصها التي ذكرنا طرفا منها آنفا ويزداد حملتها يوما بعد يوم ينتظرون التاسع من ذرية الحسين (عليه السلام) المؤيد من الله تعالى ينهض ليظهر الحق بتمامه ويقيم دولة العدل التاريخية المنشودة.
«صفحة 48»
كتاب أبي مخنف حول مقتل الحسين (عليه السلام) وحركة المختار(1)
قال فلهاوزن: وأَثبَتُ حجة … في تاريخ الشيعة طالما اتصل بالكوفة هو أبو مخنف، والطبري يكاد لا يعتمد على غيره في ذكر أخبارهم وما أطولها(2).
أقول:
الطبري ليس حجة حين يكثر من راو معين في موضوع معين، فلقد اكثَرَ في تاريخه من روايات سيف بن عمر في حروب الردة ومقتل عثمان وحرب الجمل، وتبين لدى التحقيق ان اكثر اخبار سيف في هذه المواضيع أما محرفة واما موضوعة(3).
والباحث في تاريخ الطبري يستطيع أن يكتشف أن الطبري كمؤرخ راعى في تأليفه لتاريخه أن يأتي منسجما مع السياسة العباسية، ولذا نراه يذكر الرواية العباسية الرسمية لقصة وفاة الإمام علي الرضا (عليه السلام) وهي: انه اكثر من أكل العنب فمات فجأة(4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) هذا البحث مستل من كتاب الحسين في مواجهة الضلال الأموي ، ص16، ط1،1426/2005.
(2) الخوارج والشيعة يوليوس فلهوزن ترجمه عن الألمانية الدكتور عبد الرحمن بدوي /113ط 3، الكويت 1978.
(3) انظر كتب العلامة العسكري: خمسون ومائة صحابي مختلق ثلاثة مجلدات، وعبد الله بن سبأ مجدان فانها مكرسة لدراسة اخبار سيف بن عمر وكشف الوضع والتحريف فيها.
(4) تاريخ الطبري 7/15. علق استاذنا العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري حين قرأ هذه الصفحة من الكتاب عند زيارته إلى العراق سنة 2003 وكان نازلا عندنا مدة تلك الزيارة: لا يوجد مؤرخ من المتقدمين والمـتأخرين اكثر جناية على الحق والحقيقة عالما عامدا مثل الطبري، فقد قال في ذكر ما جرى بين الصحابي البر أبي ذر والخليفة الداهية معاوية: (…ذكروا أمورا كثيرة كرهت ذكر اكثرها أما العاذرون معاوية فقد ذكروا قصة رواها…) وقال في ذكر ما جرى بين معاوية ومحمد بن أبي بكر… (لا تتحمل سماعها العامة)، أقول: فصلنا الحديث عن منهج الطبري في كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة والتاريخ.
«صفحة 49»
تُعدُّ كتب أبي مخنف لوط بن يحي الازدي (ت ما قبل 170هجرية) في مقتل الحسين (عليه السلام) وحركة التوابين وحركة المختار، من اقدم واشهر المصادر في موضوعه، وقد تبنى روايتها محمد بن سعد في الطبقات الكبرى، والطبري في التاريخ، وابن اعثم في الفتوح، والبلاذري في انساب الاشراف، وروى المسعودي طرفا منها في مروج الذهب، ثم أخذ ابن الأثير في كتابه الكامل، وابن كثير، وابن خلدون، والذهبي، برواية الطبري، لأنه أوردها كاملة، وعن هؤلاء أخذ المعنيون بالتاريخ ألإسلامي، من القدامى والمعاصرين شيعة كانوا أو سنة.
لم يكن أبو مخنف من القائلين بالنص على علي (عليه السلام) ، فهو ليس شيعيا بالمعنى الخاص للتشيع.
قال ابن أبي الحديد: وأبو مخنف من المحدثين وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار، وليس من الشيعة ولا معدودا من رجالها(1).
وأكَّد ذلك الشيخ المفيد في كتابه عن حرب الجمل وقد أورد اخبار حرب الجمل عن أبي مخنف والواقدي وغيرهما قال بعدها: فهذه جملة من اخبار البصرة، وسبب فتنتها، ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها، قد أوردناها على سبيل الاختصار، واثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 1/147.
«صفحة 50»
دون الخاصة، ولم نثبت في ذلك ما روته كتب الشيعة)(1).
هذا وقد عاصر أبو مخنف أربعة من الأئمة، وهم السجاد والباقر والصادق والكاظم(عليهم السلام) ، ولم يرو عن واحد منهم بشكل مباشر، نعم روى عن بعض أصحابهم بعض الروايات.
وقد وثَّقَ أبا مخنف في النقل عددٌ من أعلام الشيعة(2)، الا ان ذلك قابل للمناقشة، ونحن نتئِّد على الأقل، بل نرفض قبول فقرات مبثوثة في رواياته التي ترتبط بسيرة بعض الأئمة(عليهم السلام) أوسيرة شيعتهم في الكوفة أوعلاقة الأئمة بهم في الفترة الواقعة من سنة حكم علي (عليه السلام) سنة 35 هجرية وحروبه إلى مقتل المختار سنة 67هجرية، وذلك لأنها تعطي رؤية تخالف الثابت عن أهل البيت(عليهم السلام) ، أو الثابت من التاريخ عن شيعتهم في الكوفة وعلاقتهم بهم.
من قبيل: ان الحسين (عليه السلام) ندم على أخذ نسائه وبناته معه، وأنه تذكَّر نصيحة ابن عباس يوم العاشر لما ارتفعت أصواتهن يوم العاشر من المحرم عند احتدام القتال وسقوط القتلى(3).
أو أن يزيد قال لعلي بن الحسين لما أمر بإرجاعه والسبايا إلى المدينة:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الجمل ص225.
(2) انظر معجم رجال الحديث وقاموس الرجال.
(3) قال أبو مخنف: حدثني عبد الله بن عاصم قال حدثني الضحاك المشرقي قال: لما سمع أخوات الحسين كلام الحسين يخاطب القوم يوم العاشر صحن وبكين وبكى بناته، فارتفعت أصواتهن، فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي وعليا ابنه، وقال لهما: أسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن، قال: فلما ذهبا ليسكتاهن، قال: لا يبعد ابن عباس، قال: فظننا أنه إنما قالها حين سمع بكاؤهن لأنه قد كان نهاه أن يخرج بهن.(الطبري 4/321)وقال أبو مخنف: وحدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان: أن حسينا لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس وقال له: فإن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه (الطبري 4/287).
«صفحة 51»
لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا الا أعطيتها إياه، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت، ولو بهلاك بعض ولدي، ولكن الله قضى ما رأيت(1).
وهناك من الرواة من أسفَّ إلى اكثر من هذا كما فعل يزيد بن روح بن زنباغ الجذامي المعاصر لابي مخنف، يروي عن الغاز بن ربيعة الجرشى من حمير قال: والله إنا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زُحَر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية فقال له يزيد: ويلك ما وراءك وما عندك؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد، أوالقتال، فاختاروا القتال على الاستسلام، فَعَدَونا عليهم مع شروق الشمس، فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم، أخذوا يهربون إلى غير وزَر، ويلوذون منا بالآكام والحفر، لواذا كما لاذ الحمائم من صقر، فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جَزرَ جَزور، أونومةََ قائل حتى أتينا على آخرهم، فهاتيك أجسادهم مجردة، وثيابهم مرملة، وخدودهم معفرة، تصهرهم الشمس، وتسفي عليهم الريح، زوارهم العقبان والرخم… قال: فدمعت عين يزيد وقال: قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سمية أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه فرحم الله الحسين(2).
او أن شيعة علي في الكوفة أمثال سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري، ج 4 ص 353.
(2) تاريخ الطبري، ج 4 ص 351.
«صفحة 52»
وغيرهم كتبوا للحسين بالقدوم ثم خذلوه حتى قُتل، ثم ندموا بعد ذلك ونهضوا للأخذ بثأره. وغير ذلك.
أقول:
ان الرؤية السلبية عن شيعة الكوفة، رُسمت خطوطها من قبل أبي جعفر المنصور خاصة ضمن مخطط شامل لتطويق الكوفة وأهلها وتغيير الرؤية عن تاريخ علي والحسن والحسين(عليهم السلام) نكاية بالحسنيين الثائرين، حيث كان هوى الثوار من الكوفيين مع الحسنيين، وهوى من يرى العلم والحديث مع الإمام جعفر الصادق وآبائه الائمة(عليهم السلام) . ثم تحرك الاعلام العباسي من خلال روايات الرواة الذين سايروا العباسيين في مخططهم رغبة في دنياهم فوضعوا وحرفوا ما شاؤوا من الروايات.
أما كون هوى الكوفيين مع الحسنيين، فقد قال الطبري: لما ظهر محمد وإبراهيم ابنا عبد الله، أرسل أبو جعفر (المنصور) إلى (عمه) عبد الله بن علي، وهو محبوس عنده، ان هذا الرجل قد خرج، فان كان عندك رأي فأشر به علينا، وكان ذا رأى عندهم، فقال: ارتحل الساعة حتى تأتي الكوفة، فاجثُم(1) على أكبادهم فانهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارُهم، ثم احفُفها بالمسالح، فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه، أوأتاها من وجه من الوجوه، فاضرب عنقه(2).
واما كونهم في الفقه والحديث والعلم يتبعون للإمام جعفر الصادق وآبائه(عليهم السلام) فقد روى القاضي عياض(3) الحوار الذي دار بين أبي جعفر المنصور
ـــــــــــــــــــــــ
(1) جثُم يجثُم: لصق ولزم.
(2) تاريخ الطبري ج 6/194.
(3) انظر تفصيل ذلك في كتابنا المدخل إلى مصادر السيرة والتاريخ ص 470.
«صفحة 53»
ومالك بن انس حيث عرض عليه ان يجعله مرجعا فقهيا للدولة آنذاك،
قال مالك: قال فقلت له: ولأهل العراق قولا تعدَّوا فيه طورَهم.
فقال: أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفا ولا عدلا، وانما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم.
وفي رواية فقلت له: ان أهل العراق لا يرضون عِلمَنا. فقال أبو جعفر يضرب عليه عامَّتهم بالسيف، وتقطع عليه ظهورهم بالسياط(1).
وقد خطب المنصور في الكوفة سنة 144هجرية بعد ان قبض على عبد الله بن الحسن والد محمد وإبراهيم قبيل ان ينهضا ويثورا.
قال المسعودي: ولمـّا أخذ المنصور عبد الله بن الحسن وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته صعد المنبر بالهاشمية، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد (صلى الله عليه وآله) ، ثمَّ قال:
(يا أهل خراسان، أنتم شيعتنا وأنصارنا، وأهل دعوتنا، ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيرا منّا. إنَّ ولد أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلا هو والخلافة فلم نعرض لهم لا بقليل ولا بكثير.
فقام فيها علي بن أبي طالب (عليه السلام) فما أفلح، وحكَّم الحكمين، فاختلفت عليه الأمّة وافترقت الكلمة، ثمَّ وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه.
ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن علي (عليه السلام) ، فوالله ما كان برجل، عرضت عليه الأموال فقبلها، ودسَّ إليه معاوية إنّي أجعلك ولي عهدي، فخلع نفسه وانسلخ له ممّا كان فيه، وسلَّمه إليه، وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غدا أخرى، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وكان المنصور قبل ذلك قد قال لابي حنيفة: يا أبا حنيفة، ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيء له من مسائلك الصعاب (الكامل في الضعفاء لابن عدي 2/132).
«صفحة 54»
ثمَّ قام من بعده الحسين بن علي (عليهما السلام) ، فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة، أهل الشقاق والنِّفاق والإغراق في الفتن، أهل هذه المِدرة السوء،/وأشار إلى الكوفة/فوالله ما هي لي بحرب فأُحاربها، ولا هي لي بسلم فأُسالمها، فرَّق الله بيني وبينها/فخذلوه وأبرؤوا أنفسهم منه، فأسلموه حتّى قتل.
ثمَّ قام من بعده زيد بن علي، فخدعه أهل الكوفة وغرّوه، فلمّا أظهروه وأخرجوه أسلموه، وقد كان أبي محمد بن علي ناشده الله في الخروج وقال له: لا تقبل أقاويل أهل الكوفة، فإنّا نجد في علمنا أنَّ بعض أهل بيتنا يصلب بالكناسة، وأخشى أن تكون ذلك المصلوب، وناشده الله بذلك عمّي داود وحذَّره (رحمه الله) غدر أهل الكوفة، فلم يقبل، وتمَّ على خروجه، فقتل وصلب بالكناسة)(1).
ولما قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن (عليه السلام) ، أمر المنصور ان يطاف برأسه بالكوفة سنة 145 هجرية وخطب قائلا:
(يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى بلد انتم فيه…سبئية(2)،
خشبية(3)،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المسعودي: مروج الذهب ج3/301، وكانت بوادر التحسس من الكوفيين قبل ذلك، روى البلاذري في انساب الاشراف 3/150، قال: قال المدائني: (كتب أبو مسلم إلى أبي العباس: أن أهل الكوفة قد شاركوا شيعة أمير المؤمنين في الاسم، وخالفوهم في الفعل، ورأيهم في آل علي الذي يعلمه أمير المؤمنين، يؤتى فسادهم من قبلهم بإغوائهم إياهم وإطماعهم فيما ليس لهم، فالحظهم يا أمير المؤمنين بلحظة بوار، ولا تؤهلهم لجوارك، فليست دارهم لك بدار. وأشار عليه أيضا عبد الله بن علي بنحو من ذلك، فابتنى مدينته بالأنبار وتحول إليها وبها توفي).
(2) أي اتباع عبد الله بن سبأ الذي ادعي له انه مبتدع الوصية لعلي (عليه السلام) المشابهة لوصية موسى ليوشع (عليه السلام) الذي يترتب عليها البراءة ممن تجاوز على موقعه.
(3) في النهاية لابن «الأثير»: الخشبية: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد، ويقال لضرب من الشيعة: الخشبية. وفي «المشتبه» للذهبي: الخشبي هو الرافضي في عرف السلف. اقول وسيأتي في ترجمة المختار الروايات التي وضعوها في حقه للحط من شخصيته.
«صفحة 55»
قائل يقول: جاءت الملائكة، وقائل يقول: جاء جبريل…،
لَلَعجب لبني أمية وصبرهم عليكم، كيف لم يقتلوا مقاتلتكم ويسبوا ذراريكم، ويخربوا منازلكم.
أما والله يا أهل المَدَرَة الخبيثة لئن بقيتُ لكم لأذلنكم)(1).
أقول:
وفي ضوء ذلك كان من الضروري التحقيق في الرواية التاريخية التي ظهرت في هذه الفترة الخطيرة، سواء كانت رواية أبي مخنف أو رواية غيره، وتجزئة الرواية إلى أجزاء، واستبعاد الجزء الذي يلتقي مع الهدف الإعلامي للعباسيين ان لم يكن لدينا غيرها.
ان كُتّابا وباحثين معاصرين أمثال الشيخ محمود شاكر(2) والدكتور احمد شلبي(3) والشيخ الخضري ونظرائهم قد يكونون معذورين حين يعتمدون على رواية أبي مخنف دون ان يحققوا فيها بسبب خلفيتهم العقائدية التي تسوغ لهم قبول ذلك أو الأنس به، أما ان يعتمد الكاتب الشيعي الإمامي(4)على رواية أبي مخنف دون تحقيق أو دون تجزئة فليس معذورا(5).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انساب الاشراف 3/269.
(2) كاتب مصري ألف موسوعة في التاريخ الإسلامي في عدة مجلدات.
(3) كاتب مصري ألف موسوعة التاريخ الإسلامي في عدة مجلدات وطبعت طبعات عديدة أخر ما رايته هو الطبعة السابعة سنة 1984م وعنها ننقل في كتابنا هذا.
(4) قد يعترض البعض علينا باعتماد مرجع الشيعة في وقته الشيخ المفيد رحمه الله على رواية أبي مخنف في كتابه الإرشاد، او في كتابه الجمل، ولكنه اعتراض غير وارد لان الشيخ المفيد في الجمل يصرح انه انما أورد اخبار الجمل من مصادر غير إمامية لأجل الاحتجاج.
(5) اشرنا إلى طرف من هذا الموضوع في كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية، /469- 480، نرجو ان نوفق إلى تفصيلها في دراسة مستقلة.
«صفحة 56»
الوظيفة الإلهية للائمة الإثني عشر(عليهم السلام) (1)
الإمامة الإلهية لأهل البيت (عليهم السلام) لها نظير في الأمم السابقة:
إمامة أهل البيت الإلهية بعد النبي (صلى الله عليه وآله) التي يحصرها الشيعة بعلي (عليه السلام) والطاهرين من ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين(عليهم السلام) ، هي امتداد لإمامة النبي (صلى الله عليه وآله) الإلهية، نظير إمامة لوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، التي كانت امتدادا لإمامة إبراهيم الإلهية، ووارثة لها بأمر إلهي، كما في قوله تعالى ﴿ونَجَّيناهُ ولوطًا إِلَى الأَرضِ الَّتي بارَكنا فيها لِلعالَمينَ ٭ ووهَبنا لَهُ إِسحاقَ ويعقوبَ نافِلَةً وكُلًّا جَعَلنا صالِحينَ ٭ وجَعَلناهُم أَئِمَّةً يهدونَ بِأَمرِنا﴾ الأنبياء/71-73،
وهي أيضا نظير إمامة هارون وآل هارون الإلهية، التي هي امتداد لإمامة موسى الإلهية، المشار إليها في قوله تعالى ﴿ولَقَد آتَينا موسَى الكِتابَ فَلا تَكُن في مِريةٍ مِن لِقائِهِ وجَعَلناهُ هُدًى لِبَني إِسرائيلَ ٭ وجَعَلنا مِنهُم أَئِمَّةً يهدونَ بِأَمرِنا لَمّا صَبَروا وكانوا بِآياتِنا يوقِنونَ﴾ السجدة/23-24، وقوله تعالى ﴿وقالَ لَهُم نَبيهُم إِنَّ آيةَ مُلكِهِ أَن يأتيكُم التّابوتُ فيهِ سَكينَةٌ مِن رَبِّكُم وبَقيةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ موسَى وآلُ هارونَ تَحمِلُهُ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) هذا البحث مستل من كتاب الحسين في مواجهة الضلال الأموي ، ص24، ط1،1426/2005.
«صفحة 57»
المَلائِكَةُ إِنَّ في ذَلِكَ لَآيةً لَكُم إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾ البقرة/248، وقوله تعالى ﴿ولَقَد أَخَذَ اللهُ ميثاقَ بَني إِسرائيلَ وبَعَثنا مِنهُم اثنَي عَشَرَ نَقيبًا﴾ المائدة/12.
ويعتقد الشيعة تبعا للرواية عن الائمة(عليهم السلام) : انّ الشهداء على الناس في قوله تعالى ﴿وجاهِدوا في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هواجتَباكُم وما جَعَلَ عَلَيكُم في الدّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبيكُم إِبراهيمَ هوسَمّاكُم المُسلِمينَ مِن قَبلُ وفي هَذا ليكونَ الرَّسولُ شَهيدًا عَلَيكُم وتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ﴾ الحج/78 هم هؤلاء الإثنا عشر فقط، وقد جعلهم النبي (صلى الله عليه وآله) عدلَ القرآن بقوله (إني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعِترتي أهل بيتي). وان الآية الكريمة ﴿فَإِن يكفُر بِها هَؤُلاءِ فَقَد وكَّلنا بِها قَومًا لَيسوا بِها بِكافِرينَ، أولَئِكَ الَّذينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُم اقتَدِهِ﴾ الأنعام/89-90 تشير إليهم وإلى وظيفتهم. والكفر بالرسالة هو رفضها أو تحريفها. لقد وكل الله تعالى بدينه ورسالته بعد النبي (صلى الله عليه وآله) هؤلاء الاثني عشر من أهل بيته ليدافعوا عنها ويحفظوها في المجتمع إذا تعرضت لتحريفٍ ماحِقٍ يستلزم بطلان حجة الله تعالى على الناس.
التناظر التكويني بين الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) والأئمة من بني إسرائيل:
وقد شاءت حكمة الله تعالى ان يكون هناك تناظر تكويني بين الأئمة من أهل البيت والائمة من بني إسرائيل:
فجعل الله تعالى الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) اثني عشر، نظير جعل الأئمة من بني إسرائيل بعد موسى اثني عشر. قال تعالى ﴿ولَقَد أَخَذَ اللهُ ميثاقَ بَني إِسرائيلَ وبَعَثنا مِنهُم اثنَي عَشَرَ نَقيبًا﴾ المائدة/12. وقد اكد النبي (صلى الله عليه وآله) هذه المقارنة
«صفحة 58»
حين سئل عن عدد الأئمة من بعده قال: (عدة نقباء بني إسرائيل اثني عشر لا يضرهم من عاداهم).
وجعل اغلب أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله) من ذرية أخيه ووزيره وأول أوصيائه علي (عليه السلام) نظير جعله اغلب أوصياء موسى (عليه السلام) بعده في ذرية أخيه ووزيره هارون (عليه السلام) وهم (آل هارون)(1).
وجعل من بينهم من يتبوأ موقع الإمامة وهو دون العاشرة كالجواد والهادي والمهدي (عليه السلام) نظير يحيى الذي أوتي النبوة والكتاب وهو صبي.
وشاءت حكمة الله تعالى ان يجعل المهدي (عليه السلام) من آل محمد (صلى الله عليه وآله) نظيرا لعيسى من آل عمران من ناحية الاختلاف في ولادته والامتحان بغيبته، فقد اختلف بنو إسرائيل في ولادة المسيح بعد ان كانوا ينتظرونه جميعا للنصوص الثابتة عن أنبيائهم وفي كتبهم(2)، فآمنت طائفة لما ولد وأنكرت طائفة ذلك إلى اليوم. واختلفت أمة محمد (صلى الله عليه وآله) في ولادة المهدي المنتظر (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام) بعد ان اخبر النبي (صلى الله عليه وآله) عنه وبشَّر به(3) فآمنت طائفة لما ولد سنة 255 هجـ، وهي لا تزال مؤمنة به إلى اليوم وأنكرت طائفة ذلك إلى اليوم أيضا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قضية التناظر بين آل محمد (صلى الله عليه وآله) وآل عمران وآل هارون والحجج الإلهيين في الأمم الماضية مسألة ملفتة للنظر، جعلها الله تعالى من المعالم الهادية إلى حقانية حركة الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام) وبخاصة بعد ان أصبحت حركتهم(عليهم السلام) بما فيها غيبة المهدي (عليه السلام) واقعا تاريخيا ناجزا ثابتا تسهل مقارنته مع الواقع التاريخي لحركة الحجج في الأمم السابقة كما ذكرها القرآن الكريم والنصوص الموافقة له من أسفار التوراة والانجيل المتداولة وقد درسنا ذلك مفصلا وأعددناه في كتاب خاص.
(2) ذكرنا مصادر ذلك في موضعه في الحلقة الثانية من كتابنا شبهات وردود مصادر ذلك.
(3) روى أبوداود في سننه عن أبي الطفيل عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لو لم يبق من الدهر إلا يوم، لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا) وفيه أيضا عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة.) ج2/422 ط 1.
«صفحة 59»
وشاءت حكمة الله تعالى ان يجعل في الحجج من بعد محمد (صلى الله عليه وآله) في امته امرأة حجة وهي فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) كما جعل بعد موسى في امته امرأة حجة وهي مريم بنت عمران (عليها السلام) .
ما هي الوظيفة الإلهية لأهل البيت (عليهم السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ؟
يمكننا تلخيص وظيفة أهل البيت(عليهم السلام) بوصفهم أئمة إلهيين بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بأمرين أساسين هما:
الأمر الأول: المحافظة على سنة النبي (صلى الله عليه وآله) في المجتمع من الضياع والتحريف ومواجهة الضلالات والفتن الأساسية التي يخشى منها على الإسلام، وبالتالي مواصلة الهداية الخاصة، والشهادة والحجة على الناس التي أسسها النبي (صلى الله عليه وآله) ، قال الله تعالى ﴿فَإِن يكفُر بِها هَؤُلاءِ فَقَد وكَّلنا بِها قَومًا لَيسوا بِها بِكافِرينَ ٭ أولَئِكَ الَّذينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُم اقتَدِهِ﴾ الأنعام /89-90، ﴿مِلَّةَ أَبيكُم إِبراهيمَ هوسَمّاكُم المُسلِمينَ مِن قَبلُ وفي هَذا ليكونَ الرَّسولُ شَهيدًا عَلَيكُم وتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ﴾ الحج/78،
قال النبي (صلى الله عليه وآله) : «اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي».
الأمر الثاني: إعطاء سيرة وتجارب ومواقف معصومة هادية في الجانب الشخصي والاجتماعي والسياسي، كالدعوة والثورة والحكم والصلح والتعايش مع المخالفين بالرأي داخل المجتمع ألإسلامي، بحسب الموقع الذي يحتله المعصوم في المجتمع، إلى جنب ما أعطاه النبي (صلى الله عليه وآله) من مواقف معصومة هادية في الدعوة والثورة والحكم والصلح مع المجتمع المشرك بحسب المواقع التي تبوأها.
«صفحة 60»
نظرية الحكم الإسلامي في الفكر الإمامي الاثني عشري:
تقوم نظرية الحكم الإسلامي في الفكر الإمامي الاثني عشري على: النص والبيعة والشورى.
أما النص: فيعين المؤهلين الذين لهم حق الحكم بالاسم او بالمواصفات واشهر النصوص قوله تعالى في سورة المائدة الآية 44: ﴿إِنّا أَنزَلنا التَّوراةَ فيها هُدىً ونورٌ يحكُمُ بِها النَّبيونَ الَّذينَ أَسلَموا لِلَّذينَ هادوا والرَّبّانيونَ والأَحبارُ بِما استُحفِظوا مِن كِتابِ اللهِ وكانوا عَلَيهِ شُهَداءَ﴾. وهذا النص من أوضح النصوص واشملها في بيان ذلك والربانيون في الآية هي منزلة الأئمة(1).
أما البيعة: فتمكن المنصوص عليه من النهوض بالحكم فعلا، وسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة(عليهم السلام) توضح دور البيعة وأهميتها في التمكين والقدرة وليس في تأسيس الحق.
أما الشورى: فهي أسلوب ممارسة الحكم من الحاكم فيما لا نص فيه، وسيرة النبي والامام علي غنية بالشواهد على ذلك.
﴿إِنّا أَنزَلنا التَّوراةَ فيها هُدىً ونورٌ يحكُمُ بِها النَّبيونَ الَّذينَ أَسلَموا لِلَّذينَ هادوا والرَّبّانيونَ والأَحبارُ بِما استُحفِظوا مِن كِتابِ اللهِ وكانوا عَلَيهِ شُهَداءَ﴾ المائدة/44.
فالحكم في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) مختص به ومن يأذن له فيه.
وفي زمن أوصيائه(عليهم السلام) مختص بهم ومن يأذنوا له فيه.
وفي عصر الغيبة مختص بالفقهاء العدول.
ان مسالة إقامة الحدود في عصر الغيبة مسالة فقهية لا ربط بها بغيبة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وقد فصلنا البحث في الآية في كتابنا شبهات وردود.
«صفحة 61»
الإمام (عليه السلام) ، فلا تتعطل الأحكام عند غيبته نظير وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) ، وقد أفتى الشيخ المفيد (رحمه الله) منذ القرن الرابع الهجري انها للقادر من الفقهاء العدول في عصر الغيبة، قال في كتابه المقنعة:
(أما إقامة الحدود فهو إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى، وهم أئمة الهدى من آل محمد(عليهم السلام) ، ومن نصبوه لذلك من الأمراء والحكام، وقد فوضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان… ولهم أن يقضوا بينهم بالحق، ويصلحوا بين المختلفين في الدعاوى عند عدم البينات، ويفعلوا جميع ما جعل إلى القضاة في الإسلام لان الائمة(عليهم السلام) قد فوضوا إليهم ذلك عند تمكنهم منه بما ثبت عنهم فيه من الأخبار، وصح به النقل عند أهل المعرفة به من الآثار)(1).
المراحل التاريخية لعمل الأئمة (عليهم السلام) في مواجهة الفتن والضلالات الأساسية:
أخبر القرآن الكريم بوقوع انقلاب على الأعقاب وفتن وضلالات بعد النبي (صلى الله عليه وآله) : ﴿وما مُحَمَّدٌ إِلا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن ماتَ أَوقُتِلَ انقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم ومَن ينقَلِب عَلى عَقِبَيهِ فَلَن يضُرَّ اللهَ شَيئا وسَيجزي اللهُ الشّاكِرينَ﴾ آل عمران/144 وقوله ﴿لَتَركَبُنَّ طَبَقا عَن طَبَقٍ﴾ الانشقاق/19. واكَّد
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الشيخ المفيد المقنعة ص 810.
«صفحة 62»
النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك بأحاديث كثيرة، اختصر في بعضها وفصَّل في بعضها الأخر، ومما فصل فيه، إخباره (صلى الله عليه وآله) بانقلاب بني أمية ودولة بني مروان ومُدَّتهم، وانقلاب بني العباس على أهل البيت(عليهم السلام) وفتنة الدَّجّال في آخر الزمان والسفياني. وقد أكَّد النبي (صلى الله عليه وآله) ان النجاة من هذه الفتن وضلالاتها الناتجة عنها هو التمسك بالقرآن والعترة، ذكرهما مقترنين مرة كما في حديث الثقلين، وذكر أهل بيته عاصمين من الضلالة منفردين أخرى كما في حديث السفينة “مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى”.
روى إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي في (كتاب الغارات) عن إسماعيل بن أبان، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنصور بن عمرو، عن زر بن حبيش، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن أحمد بن عمران بن محمد بن أبي ليلى، عن أبيه، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش قال: خطب علي (عليه السلام) بالنهروان – إلى أن قام – فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين حدثنا عن الفتن، فقال: إن الفتنة ذا أقبلت شبهت، – ثم ذكر الفتن بعده إلى أن قال: فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزمان ؟ قال: انظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا، وإن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا، ولا تستبقوهم فتصرعكم البلية.
في كتاب سليم ص 156 رواها أبان عن سليم بن قيس بتفصيل اكثر قال صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس انا الذي فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها غيري، وأيم الله لو لم أكن فيكم لما قوتل أهل الجمل ولا أهل صفين ولا أهل النهروان وأيم الله لولا أن تتكلموا وتدعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لمن قاتلهم مستبصرا في ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه.
ومنها قوله عليه السلام سلوني عما شئتم قبل ان تفقدوني فو الله إني بطرق
«صفحة 63»
السماء اعلم بطرق الأرض.
ومنها قوله عليه السلام: أيها الناس انه وشيك ان تفقدوني إني مفارقكم مقتول ما ينتظر أشقاها ان يخضبها من فوقها، والذي فلق الحبة وبرء النسمة لا تسئلوني عن فئة تبلغ ثلاثمائة فما فوقها مما بينكم وبين قيام الساعة الا نبأتكم بسائقها وقائدها وناعقها وبخراب العرصات متى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيمة.
فقام رجل وقال: يا أمير المؤمنين حدثنا عن الفتن. فقال عليه السلام: ان الفتن إذا أقبلت وإذا أدبرت أسفرت، وان الفتن لها موج كموج البحر وإعصار كإعصار الريح تصيب بلدا وتخطئ الآخر فانظروا انظروا أهل بيت نبيكم فان لبدوا فالبدوا وان استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء.
ألا وإني وأبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا واعلمهم كبارا معنا راية الحق والهدى من سبقها مرق ومن خذلها محق ومن لزمها لحق.
انا أهل بيت من علم الله علمنا ومن حكم الله الصادق قبلنا ومن قول الصادق سمعنا فان تتبعونا تهتدوا ببصائرنا وان تتولوا عنا يعذبكم الله بأيدينا أو بما شاء.
انا أهل بيت بنا ميز الله الكذب وبنا يفرج الله الزمان الكلب وبنا ينزع الله ربق الذل من أعناقكم وبنا يفتح الله وبنا يختم الله فاعتبروا بنا وبعدونا وبهدانا وبهداهم وبسيرتنا وسيرتهم وميتتنا وميتتهم يموتون بالداء والقرح والدبيلة
«صفحة 64»
ونموت بالبطن والقتل والشهادة.
الا ان أخوف الفتن عليكم من بعدي فتنة بنى أمية ؟ انها فتنة عمياء صماء مطبقة مظلمة عمت فتنتها وخصت بليتها أصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها أهل باطلها ظاهرون على أهل حقها يملؤون الأرض بدعا وظلما وجورا وأول من يضع جبروتها ويكسر عمودها وينزع أوتادها الله رب العالمين وقاصم الجبارين.
«صفحة 65»
الحسين عليه السلام المظلوم الفاتح(1)
مفردات الواقع السياسي والاجتماعي الذي تحرك فيه الحسين (عليه السلام)
أولا: دولة معاوية القوية بجيشها وقوى أمنها الداخلي:
عُني معاوية خلال السنوات العشر الأولى من حكمه ببناء الجيش من خلال عودته إلى سياسة الفتوح، ثم بنى قوى الأمن الداخلي من خلال متابعة الخوارج واستطاع بعد ذلك ان يستفيد منها في تثبيت منهجه التربوي والثقافي الجديد والسيطرة على الإعلام ومؤسسات التربية الدينية والثقافية كالمساجد والكتاتيب والمؤسسات الاقتصادية والعسكرية تبنت هذه الدولة في إعلامها اليومي ومنهجها الفكري والثقافي لمدة عشر سنوات من سنة 50هج إلى سنة 60هج/ تربية الأمة على إسلام يبتني على ثلاثة أمور أساسية:
أ. البغض لعلي (عليه السلام) ولعنه على منابر المسلمين، وترويج الأحاديث الكاذبة في ذمه، والمنع من ذكر أي رواية عن النبي في فضله، ومعاقبة المخالف بالقتل
ـــــــــــــــــــــــ
(1) هذا البحث مستل من كتاب الحسين في مواجهة الضلال الأموي ، ص481، ط1،1426/2005.
«صفحة 66»
والتهجير والسجن وقطع الأيدي والنفي والحرمان من العطاء.
قال ابو عثمان الجاحظ(1): ان معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم العن أبا تراب ألحد في دينك وصد عن سبيلك، فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا أليما. وكتب بذلك إلى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر.
قال أبو جعفر الاسكافي (ت220)(2): ان معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جُعَلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير ومرة الهمداني والأسود بن يزيد ومسروق الأجدع وأبو وائل شقيق بن سلمة وأبو عبد الرحمن السُّلمي القارئ وقيس بن حازم وسعيد بن المسيب والزهري ومكحول وحريز بن عثمان وغيرهم(3).
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، انما وليي الله وصالح المؤمنين(4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) هو عمرو بن بحر xe “عمرو بن بحر الليثي اللغوي النحوي” الليثي البصري اللغوي النحوي، كان مائلا إلى النصب.
(2) قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج5/416:محمد بن عبد الله أبو جعفر الاسكافي xe “محمد بن عبد الله أبوجعفر الاسكافي” أحد المتكلمين من معتزلة البغداديين، له تصانيف معروفة وكان الحسين بن يزيد الكرابيسي صاحب الشافعي يتكلم معه ويناظره.
(3) شرح النهج ج4/56-110.
(4) رواه البخاري 5/2233 (الموسوعة الذهبية)، مسلم 1/197، مسند أحمد 4/203 وفيها (آل أبي فلان) قال في فتح الباري 10/423 قال: أبوبكر بن العربي في سراج المريدين: كان في أصل حديث عمرو بن العاص أن آل أبي طالب فغير آل أبي فلان، كذا جزم به. وتعقبه بعض الناس وبالغ في التشنيع عليه ونسبه إلى التحامل على آل أبي طالب، ولم يصب هذا المنكر فإن هذه الرواية التي أشار إليها، بن العربي موجودة في مستخرج أبي نعيم من طريق الفضل بن الموفق عن عنبسة بن عبد الواحد بسند البخاري عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص رفعه: أن لبني أبي طالب رحما أبلها ببلالها، وقد أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه أيضا لكن أبهم لفظ طالب وكأن الحامل لمن أبهم هذا الموضع ظنهم أن ذلك يقتضي نقصا في آل أبي طالب وليس كما توهموه كما سأوضحه إن شاء الله تعالى، قوله: ليسوا بأوليائي كذا للأكثر وفي نسخة من رواية أبي ذر: بأولياء فنقل بن التين عن الداودي أن المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم، أي فهومن إطلاق الكل وإرادة البعض، والمنفي على هذا المجموع لا الجميع، وقال الخطابي: الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين، ورجح بن التين الأول وهو الراجح، فإن من جملة آل أبي طالب عليا وجعفر، أوهما من أخص الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين، وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث لما نسب إلى بعض رواته من النصب وهو الانحراف عن علي وآل بيته، قلت: أما قيس بن أبي حازم xe “قيس بن أبي حازم” فقال: يعقوب بن شيبة تكلم أصحابنا في قيس فمنهم من رفع قدره وعظمه وجعل الحديث عنه من أصح الأسانيد حتى قال بن معين: هو أوثق من الزهري، ومنهم من حمل عليه وقال: له أحاديث مناكير، وأجاب من أطراه بأنها غرائب وافراده لا يقدح فيه، ومنهم من حمل عليه في مذهبه وقال: كان يحمل على علي ولذلك تجنب الرواية عنه كثير من قدماء الكوفيين، وأجاب من أطراه بأنه كان يقدم عثمان على علي فقط، قلت: والمعتمد عليه أنه ثقة ثبت مقبول الرواية وهومن كبار التابعين، سمع من أبي بكر الصديق فمن دونه، وقد روى عنه حديث الباب إسماعيل بن أبي خالد وبيان بن بشر وهما كوفيان ولم ينسبا إلى النصب، لكن الراوي عن بيان وهو عنبسة بن عبد الواحد أموي قد نسب إلى شيء من النصب، وأما عمرو بن العاص وان كان بينه وبين على ما كان فحاشاه أن يتَهم، وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصا في مؤمني آل أبي طالب وهو أن المراد بالنفي المجموع كما تقدم، ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبو طالب نفسه وهو إطلاق سائغ.
«صفحة 67»
روى ابو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله: (ان برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته) (فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفى أهل بيته). قال الباقر (عليه السلام) : وكان
«صفحة 68»
عُظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السلام) ، فقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن او نهب ماله او هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين(1).
ب. الولاء لمعاوية: ومن يجيء بعده من الحكام وتوصيفه بخليفة الله، واعتبار طاعته أعظم طاعات الله ومعصيته اعظم معاصي الله وترويج الأحاديث الكاذبة التي تحط من شخصية النبي بما يوافق الحكام، ومدح معاوية وإكرام فاعل ذلك بالعطاء والتشفيع والتولية والتوظيف في مرافق الدولة. روى الترمذي بسنده عن سعيد بن عبد العزيز (راوي شامي) عن ربيعة بن يزيد (راوي شامي) عن عبد الرحمن بن أبي عميرة (صحابي سكن الشام)(2) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لمعاوية: اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به(3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغه11/44.
(2) عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني، قال أبو حاتم وابن السكن: له صحبة، ذكره البخاري وابن سعد وابن البرقي وابن حبان وعبد الصمد بن سعيد في الصحابة، وذكره أبو الحسن بن سميع في الطبقة الأولى من الصحابة الذين نزلوا حمص وكان اختارها سكن الشام وحديثه عند أهلها، وأخرج الترمذي والطبراني وغيرهما من طريق سعيد بن عبد العزيز (الشامي) عن ربيعة بن يزيد (الشامي) عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني (وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم)أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: «اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب» لفظ الطبراني ولفظ الترمذي: اللهم اجعله هاديا مهديا واهدِ به، وأخرج بن قانع من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أنه سمعه يحدث عن يونس بن ميسرة (الشامي) عن عبد الرحمن بن أبي عميرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو اللفظ الثاني وأخرجه البخاري في التاريخ قال: قال لي أبو مسهر (فذكره بالعنعنة ليس فيه) وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره من طريق مروان عن سعيد فقال فيه: سمع عبد الرحمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم (الاصابة لابن حجر).
(3) جامع الترمذي 5/687، مسند احمد 4/216، مسند الشاميين 1/181، الآحاد والمثاني 2/358، المعجم الاوسط للطبراني 1/380، وقد رواه عن سعيد بن عبد العزيز عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن عبد الرحمن بن أبي عميرة.
«صفحة 69»
– ورووا انه قال: ائتمن الله على وحيه ثلاثة جبرئيل في السماء ومحمدا في الأرض ومعاوية بن أبي سفيان(1).
ج. السكوت على الظلم مهما بلغت شدته وقسوته من خلال ترويج أحاديث كاذبة تدعو إلى ذلك.
– فرووا عن النبي انه قال: تسمع وتطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك(2).
– وأنه قال: فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة فألزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك(3).
د. الطاعة المطلقة للخليفة واعتبارها رأس الطاعات.
– ورووا عن النبي انه قال: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية(4).
– وانه قال: ثلاثة لا تسأل عنهم رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصيا فلا تسأل عنه، وأمة (أو عبد) أبق من سيده، وامرأة غاب زوجها وكفاها مؤنة الدنيا فتبرجت وتمرجت بعده.(5) أقول المراد بالإمام في الرواية الحاكم الأعلى للمسلمين.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سير اعلام النبلاء للذهبي وتاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة معاوية.
(2) صحيح مسلم 3/1476.
(3) مسند أحمد5/403.
(4) صحيح مسلم 3/1476.
(5) الأدب المفرد /207، وفيه قال حدثنا عثمان بن صالح قال أخبرنا عبد الله بن وهب قال حدثنا أبوهانئ الخولاني عن أبى على الجنبي عن فضالة بن عبيد عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال …، مسند احمد 6/19، صحيح ابن حبان 10/422، المستدرك على الصحيحين 1/206، المعجم الكبير للطبراني 18/306.
«صفحة 70»
ثانيا: على أساس تلك السياسة صار الجيل الجديد في الأمة يبغض عليا ويلعنه.
نشأ على أساس تلك التربية والمنهج جيل جديد في الأمة ما بين سن الخامسة عشر وسن الخامسة والعشرين، وقد كان هذا الجيل المادة الأساسية للجيش وقوى الشرطة وبقية المواقع الاجتماعية والإدارية. أما معلموه فهم جماعة من الصحابة الذين حاربوا عليا في الجمل وصفين أو الذين أغراهم معاوية بالمال، وجماعة من التابعين الذين ساروا على منهجهم.
– من هؤلاء الصحابة مسلم بن عقبة المري(1) قائد جيش أهل الشام في واقعة الحرة في المدينة. قال في وصيته عند موته: اللهم انك تعلم اني لم اعص خليفة، قط، اللهم اني لم أعمل عملا أرجو به النجاة قط الا ما فعلت بأهل المدينة(2). وفي رواية اليعقوبي: اللهم ان عذبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قال ابن حجر في الاصابة: مسلم بن عقبة المري أبوعقبة الأمير من قبل يزيد بن معاوية على الجيش الذين غزوا المدينة يوم الحرة، ذكره بن عساكر وقال أدرك النبي وشهد صفين مع معاوية وكان على الرجالة، وعمدته في إدراكه أنه استند إلى ما أخرجه محمد بن سعد في الطبقات عن الواقدي بأسانيده قال: لما بلغ يزيد بن معاوية أن أهل المدينة أخرجوا عامله من المدينة وخلعوه وجه إليهم عسكرا، أمر عليهم مسلم بن عقبة المري (وهو يومئذ شيخ بن بضع وتسعين سنة فهذا يدل على أنه كان في العهد النبوي كهلا)وقد أفحش مسلم القول والفعل بأهل المدينة وأسرف في قتل الكبير والصغير حتى سموه مسرفا، وأباح المدينة ثلاثة أيام لذلك والعسكر ينهبون ويقتلون ويفجرون ثم رفع القتل وبايع من بقي على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية وتوجه بالعسكر إلى مكة ليحارب بن الزبير لتخلفه عن البيعة ليزيد، فعوجل بالموت فمات بالطريق وذاك سنة ثلاث وستين، واستمر الجيش إلى مكة فحاصروا ابن الزبير ونصبوا المنجنيق على أبي قبيس فجاءهم الخبر بموت يزيد بن معاوية وانصرفوا، والقصة معروفة في التواريخ.
(2) فتوح أعثم 5/301.
«صفحة 71»
معاوية وقتل أهل الحرة فاني إذن لشقي(1).
– ومن التابعين شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين، قال أبو اسحق: كان يصلي معنا ثم يقول: اللهم انك تعلم اني شريف فاغفر لي، قلت: كيف يغفر الله لك وقد اعنت على قتل ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ويحك فكيف نصنع؟ ان امراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم، ولو خالفناهم كنا شرا من هذه الحمر الشقاء(2).
ثالثا: شيعة علي (عليه السلام) يتعرضون للتصفية :
وهم طبقة من المحدِّثين فيهم مئات من الصحابة وآلاف التابعين لهم معتقد بعلي، قام على أساس أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وسيرته مع علي (عليه السلام) ، وكذلك قام هذا المعتقد على أساس أحاديث علي (عليه السلام) وسيرته في المجتمع خلال السنوات الخمس التي حكم فيها وهي سيرة أحيت المعطل من كتاب الله والمكتوم من سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وتذوق خلالها الناس كرامة الحياة التي يدعو الأنبياء إليها.
تركزت شيعة علي في الكوفة بصفتها البلد الذي شهد حركة علي الفكرية والتربوية والسياسية.
حمل شيعة علي (عليه السلام) كل ذكرياتهم عن علي وما تعلموه منه / وهو
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ اليعقوبي 2/251.
(2) لسان الميزان ترجمة شمر بن ذي الجوشن وفيه: شمر بن ذي الجوشن أبو السابغة الضبابي، عن أبيه وعنه أبو إسحاق السبيعي ليس بأهل للرواية فإنه أحد قتلة الحسين رضي الله تعالى عنه وقد قتله اعوان المختار. أقول: إنما صار ليس بأهل للرواية بعد قتله الحسين (عليه السلام) .
«صفحة 72»
كل الإسلام الذي جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) ، ووعاه علي وعيا تاما دون غيره من الصحابة/ونشروه في البقاع التي لم تعرف عن علي (عليه السلام) وسيرته وبخاصة الشام أيام سنوات الصلح بين الحسن ومعاوية.
صار الشيعة وبخاصة في العراق غرضا لخطة معاوية في التصفية والإبادة والتطويق بصفتهم العقبة الكؤود أمام منهجه التربوي الجديد، ومن هنا سجلت في الكوفة مظالم لم تسجل في غيرها من بلاد المسلمين:
تهجير خمسين ألف بعيالاتهم من الكوفة والبصرة إلى خراسان سنة 50 هجرية، كان فيهم الصحابي بريدة بن الحصيب والصحابي أبوبرزة الاسلمي وغيرهما ممن عرف بولائه لعلي(1).
قتل حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما بتلفيق تهمة الخروج على الدولة.
نفي صعصعة بن صوحان العبدي(2) وآمنة بنت الشريد زوجة عمرو بن الحمق(3) كان معاوية قد سجنها رهينة حتى يسلم زوجها نفسه ولما قتل نفاها إلى حمص وماتت بها وغيرهما.
قتل رشيد الهجري وميثم التمار وجويرية بن مسهر ونظرائهم.
قطع أيدي ثمانين حصبوه بالحجارة على لعنه عليا(4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) فتوح البلدان ج3 ص 507.
(2) الاصابة ترجمة صعصعة. وفيه ان الذي نفاه هو المغيرة ولكنا نرجح ان الذي نفاه بأمر معاوية هو ابن زياد لما ذكرناه من ان مرحلة القتل والنفي والتشريد بدئ بها في عهد زياد لا المغيرة.
(3) انساب الاشراف القسم الرابع الجزء الأول /273.
(4) تاريخ ابن الأثير 3/462. الطبري 5/235.
«صفحة 73»
قال سليم: اشتد البلاء بالأمصار كلها على شيعة علي وأهل بيته، وكان اشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة، واستعمل عليها زيادا، وجمع له العراقين، كان يتتبع الشيعة… فقتلهم على التهم والظن والشبه تحت كل كوكب وتحت كل حجر، ومدر، واحلأهم وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل منهم، وصلبهم على جذوع النخل، وسمل اعينهم، وطردهم وشردهم(1).
وكان آخر ما عزم على فعله زياد في الكوفة سنة ثلاث وخمسين هو ان جمع الناس فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرضهم على البراءة من علي (عليه السلام) (2) فمن أبى ذلك عرضه على السيف(3). ولكن الله تعالى قد سلط عليه الطاعون اشغله عنهم ومات بعدها بأيام(4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح النهج 15/43.
(2) مختصر تاريخ دمشق 9/88 ترجمة زياد.
(3) مروج الذهب للمسعودي 3/26. قال عبد الرحمن بن السائب: فإني لمع نفر من الأنصار والناس في أمر عظيم، قال: فهومت تهويمة (التهويم: ان يأخذ الرجل النعاس حتى يهتز الرأس) فرأيت شيئا مثل عنق العير أهدب اهدل (الاهدل: الساقط الشفة، وبعير هدِل إذا كان طويل المشفر مسترخيه) فقلت: ما أنت؟قال: أنا النقاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر فاستيقظت، فزعا، فقلت لأصحابي: هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا: لا، فأخبرتهم، قال: ويخرج علينا خارج من القصر فقال ان الأمير يقول لكم انصرفوا عني فاني عنكم مشغول، وإذا الطاعون قد ضربه.
فانشأ عبد الرحمن بن السائب يقول:
ما كان منتهيا عما أراد بنا
حتى تناوله النقاد ذوالرقبة
فاثبت الشق منه ضربة بتت
كما تناول ظلما صاحب الرحَبَة
قال المسعودي: يعني بصاحب الرحبة علي بن أبي طالب (عليه السلام) (مروج الذهب 3/26).
(4) قال البلاذري في انساب الاشراف ق4ج1/278: كان زياد عند معاوية وقد وقع الطاعون بالعراق، فقال له: اني أخاف عليك يا أبا المغيرة الطاعون فلما صار إلى العراق طعن فمكث شهرا فمات.
«صفحة 74»
حركة الواقع السياسي والاجتماعي
استطاع معاوية ان يحكم قبضته على حركة المجتمع لتحقيق أربعة أهداف هي:
1. القضاء على شيعة علي المنتشرين في البلاد الإسلامية وتحويل الكوفة بصفتها مركز التشيع لعلي إلى سابق عهدها قبل هجرة علي اليها مدينة موالية للخليفة سامعة مطيعة له.
2. تكوين أجيال جديدة توالي الأمويين بصفتهم أئمة الدين وحماته، وتبغض أهل البيت(عليهم السلام) وعليا (عليه السلام) بصفتهم أعداء الله ورسوله وتحفظ روايات كاذبة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في ذم علي وأهل بيته(عليهم السلام) وروايات كاذبة في الحط من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بما يوافق هوى الحكام ومدح معاوية وأهل بيته.
3. حصر الملك في ذريته وأسرته.
4. تحريف السنة النبوية وتفسير القرآن بما ينسجم مع الأهداف الآنفة الذكر.
التغيير المطلوب
مما لا شك فيه ان المطلوب إسلاميا في وضع سياسي واجتماعي كهذا هو تحقيق ثلاثة أمور وهي:
أ: كسر الطوق السياسي والاجتماعي المفروض على الحديث النبوي الصحيح في أهل البيت وعلي (عليه السلام) خاصة ليطرح أهل البيت(عليهم السلام) وعلي (عليه السلام) في الأمة من جديد امتدادا رساليا للنبي ومحورا للولاء ومصدرا مطهرا للتثقيف بعد الرسول.
«صفحة 75»
ب: إنقاذ شيعة الكوفة بصفتهم حملة علم علي (عليه السلام) وسيرته من حالة التصفية والاختناق والحصار الاجتماعي والسياسي التي يعيشونها.
ج: تفهيم الأمة ان السكوت على ظلم بني أميه ليس من الدين في شيء بل الدين يدعو إلى قتالهم والإطاحة بهم بصفتهم قد بلغوا القمة في الظلم والانحراف وإقامة حكومة إسلامية تستهدي تجربة علي (عليه السلام) وتجربة النبي (صلى الله عليه وآله)
الحسين (عليه السلام) هو الوحيد المعني بالتغيير المطلوب القادر عليه
ومما لا شك فيه أن الشخص الوحيد المعني بالتغيير المطلوب القادر عليه هو الحسين بن علي (عليه السلام) وذلك: لأنه سيد بني هاشم الذين يعيشون المحنة بعميدهم علي (عليه السلام) ، وهو مرجع شيعة أبيه وأخيه الممتحنين في العراق، ولأنه يتبوأ في المجتمع الإسلامي أرفع مقام اجتماعي وديني لكونه حفيد النبي (صلى الله عليه وآله) .
وفي قبال الحسين (عليه السلام) : هناك الخوارج وعبد الله بن الزبير، وكلاهما معني بتغيير السلطة والمنهج التربوي الذي يخص الولاء لبني أميه، أما فيما يرتبط بعلي وشيعته فهم والأمويون مدرسة واحدة وموقف واحد(1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أما عبد الله بن الزبير فموقفه من علي معروف بدءا من حرب الجمل وانتهاء بفترة حكمه، حيث اظهر بغض علي وتناوله في خطبه وتصدى له في بعضها محمد بن الحنفية وابن عباس، وتذكر المصادر التاريخية انه جمع الحطب ليحرقهم ان لم يبايعوه ثم نفاهم إلى الطائف. أما موقفه من شيعة علي فيكفي فيه ما صنعه بأصحاب المختار بعد قتل المختار حيث قتل منهم سبعة آلاف صبرا، منهم زوجة المختار إذ رفضت ان تتبرأ من المختار وسجنها مصعب ثم استشار أخاه عبد الله في شأنها فأمره بقتلها. أما الخوارج فموقفهم من علي وشيعته لا يحتاج إلى بيان.
«صفحة 76»
الحسين (عليه السلام) عُدَّة إلهية لتحقيق التغير المطلوب
كان الانقلاب الفكري الذي قام به معاوية والوضع الاجتماعي والفكري الذي انتجه خطيرا جدا، فهو يشبه إلى حد كبير الوضع الذي صنعه فرعون مع بني إسرائيل والمجتمع المصري ودين الله الذي جاء به يوسف من قبل، الوضع الذي اقتضت الحكمة الإلهية معه ان يبعث موسى لينقذ بني إسرائيل ويجدد دين يوسف ويقيم الحجة على المجتمع المصري ليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة. وكذلك الحال مع الوضع الذي صنعه معاوية مع أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) والمجتمع الإسلامي عامة وشيعة علي خاصة، ولما كانت النبوة قد ختمت بمحمد (صلى الله عليه وآله) اقتضت الحكمة الإلهية ان يقوم أوصياؤه (وهم ليسوا بأنبياء)بما كان يقوم به أوصياء الأنبياء الذين كانوا في الغالب أنبياء أيضا.
اقتضت الحكمة الإلهية ان يعرِّف النبي بأوصيائه من بعده ويعرِّف أيضا بأبرز ما يقومون به ويحدد الموقف منه لتعرف الأمة كيف تنظر إلى فعل هذا الوصي وكيف تتعامل معه، ومن ذلك أمر النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : ان يقاتل الناكثين والقاسطين والمفسدين من بعده، وقوله للزبير ستقاتل عليا وانت له ظالم(1)، وقوله لعائشة: تنبحها كلاب الحوأب(2) وقوله في الحسن (عليه السلام) : ان ابني
ـــــــــــــــــــــــ
(1) فتح الباري 13/51عن كتاب عمر بن شبة في أخبار البصرة: قال: أخرج ابن إسحاق من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن عبد السلام (ت145) رجل من حيه قال: خلا علي بالزبير يوم الجمل فقال: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وأنت لاوي يدي) لتقاتلنه وأنت ظالم له ثم لينصرن عليك؟قال: قد سمعت لا جرم لا أقاتلك.
(2) روى ابو يعلى في مسنده 8/282حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا محمد بن فضيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: مرت عائشة بماء لبني عامر يقال له: الحوأب، فنبحت عليه الكلاب، فقالت: ما هذا قالوا ماء لبني عامر، فقالت: ردوني ! ردوني !سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كيف بإحداكن إذا نبحت عليها كلاب الحوأب؟!
«صفحة 77»
هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين(1) وكذلك ومما لا شك فيه ان هذه الأقوال من النبي تفتح القلوب لفعل الوصي الذي يجيء في ظرف فتنة واختلاف وتشوش في الرؤية عند غالبية المسلمين. ومن ذلك قوله في الحسين (عليه السلام) : انه يقتل مظلوما وقد استقبل ولادته بذرف الدموع الساخنة عليه. وليس من شك يأتي قول النبي هذا وبكاؤه تأييدا لموقف الحسين وتصويبا لموقفه الذي يتألف من ركنين هما: رفضه لبيعة يزيد وخروجه بأهله إلى العراق ثم يحاصر هناك ويعرض عليه البيعة او الموت فيختار الموت على البيعة، في قبال من يحاول ان يضع اللوم على الحسين في عدم تقديره للظرف وتعريضه لنفسه ولأهل بيته لنكبة قل نظيرها في التاريخ(2).
خطة الحسين (عليه السلام) لتحقيق التغيير
ارتكزت خطة الحسين (عليه السلام) لتحقيق التغيير على أمرين أساسيين هما:
اولا: السكوت في عهد معاوية والعمل سرا
لنشر أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل البيت(عليهم السلام) ريثما يموت معاوية، نعم تذكر المصادر التاريخية ان معاوية بعث برسالة تهديد إلى الحسين (عليه السلام) بعد قتل حجر وتردد العراقيين على بيته، فبعث الحسين برسالة يرد فيها على معاوية. وكان
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المعجم الكبير للطبراني ج3 ص34.
(2) يراجع أمثال ابن العربي وصاحب كتاب أباطيل يجب ان تمحى من التاريخ، وايضا الذهبي في المنتقى 74.
«صفحة 78»
آخر نشاط سري نوعي في هذه المرحلة هو المؤتمر السري الذي عقده بحضور بني هاشم وعدد من الصحابة والتابعين قبل موت معاوية بسنة.
– كتب معاوية إلى الحسين (عليه السلام) : …فمتى تنكرني أنكرك ومتى تكدني أكدك فاتق الله في شق عصا هذه الأمة وان تردهم إلى فتنة.
فكتب إليه الحسين (عليه السلام) :… أما ما ذكرت انه رقي إليك عني فأنه انما رقاه إليك الملاقون المشاؤون بالنميمة… ما أردت لك حربا ولا عليك خلافا واني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن الإعذار فيه إليك والى أوليائك الفاسقين الملحدين حزب الظلمة.
الست القاتل حجر بن عدي أخا كنده وأصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستفضعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون الله لومة لائم؟ !
ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعدما أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة.. جرأة على الله واستخفافا بعهده.
ولعمري ما وفيت بشرط ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق، فقتلتهم من غير ان يكونوا قاتلوك ونقضوا عهدك، ولم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا.
فابشر يا معاوية بالقصاص وايقن بالحساب…
وليس الله بناس لأخذك بالظنه، وقتلك أولياءه على التهم، ونفيك إياهم من دورهم إلى دار الغربة.(1)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) رجال الكشي ترجمة عمرو بن الحمق، طبقات ابن سعد ترجمة الإمام الحسين، انساب الاشراف ترجمة معاوية، مختصر تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين.
«صفحة 79»
– قال سليم بن قيس: لما كان قبل موت معاوية بسنة، حج الحسين بن علي وعبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن جعفر، فجمع الحسين بني هاشم، ثم رجالهم ونساءهم ومواليهم ومن حج من الأنصار ممن يعرفه الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، ثم ارسل رسلا: لا تدعون أحدا حج العام من أصحاب رسول اللّه صلى الّه عليه وآله المعروفين بالصلاح والنسك الا اجمعوهم لي، فاجتمع إليه بمنى اكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين، ونحومن مائتي رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فقام فيهم خطيبا، وقال: أما بعد فإن هذا الطاغية قد فعل ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم اسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا فاني أتخوف ان يدرَسَ(1) هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب، واللّه متم نوره ولوكره الكافرون.
وما ترك شيئا مما انزله الله فيهم من القرآن الا تلاه وفسره، ولا شيئا مما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أبية وأخيه وامه وفي نفسه وأهل بيته الا رواه… وكل ذلك يقول أصحابه، اللّهم نعم وقد سمعنا وشهدنا ويقول التابعي: اللهم قد حدثني به من أثق به وأئتمنه من الصحابة فقال: أنشدكم الله الا حدثتم به من تثقون به وبدينه(2).
ثانيا: التحرك العلني للحسين (عليه السلام) بعد موت معاوية
وكانت خطواته الأساسية ثلاث هي:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) دروس الشيء: انمحاؤه.
(2) كتاب سليم بن قيس (تحقيق محمد باقر الانصاري ص321).
«صفحة 80»
أولا: الإعلان عن عدم إعطاء بيعة ليزيد وإن كلفه ذلك حياته:
وذلك لان بيعته تعني إقرار المنهج التحريفي للاسلام الذي نهض به بنو أمية وتعني إقرارهم على منع نشر الحديث الصحيح في أهل البيت وعلي (عليه السلام) .
– قال (عليه السلام) : لولم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد(1). وهو في ذلك نظير جده النبي (صلى الله عليه وآله) حين قال لعمه أبي طالب (يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان أترك هذا لأمر ما تركته حتى يظهره الله أوأهلك دونه)(2) والقضية واحدة عند النبي (صلى الله عليه وآله) وعند الحسين (عليه السلام) ، قريش تريد من النبي (صلى الله عليه وآله) ان يترك دعوة التوحيد ويقر عبادة الأصنام، وبنو أمية تريد من الحسين ان يترك أحاديث جده في أهل بيته الذين عينهم بأمر الله تعالى حججا على الناس تموت وتحل بدلها أحاديث كاذبة قيلت على لسانه في بني أميه والخلفاء منهم على انهم حجج الله وأئمة الهدى.
ثانيا: الانطلاق من مكة في الحركة:
وذلك بصفتها المكان الوحيد الذي يقصده المسلون من كل الأقطار للعمرة والحج، والحسين (عليه السلام) بأمس الحاجة إلى مكان كهذا من أجل كسر الطوق المفروض على الحديث الصحيح هذا مضافا إلى تحركه على اخيار الأمة القادمين من الآفاق لطلب نصرتهم. وقد بقي في مكة أربعة اشهر /شعبان ورمضان وشوال وذو القعدة، وأيام من ذي الحجة /التف حوله المعتمرون والقادمون للحج يسمعون منه حديثه عن جده في فضل أبية او في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) فتوح ابن أعثم ج5/31، مقتل الخوارزمي.
(2) الطبري ج3 ص67.
«صفحة 81»
فضله او في جهاد الظالمين أو فيما سوف يرتكب منه وقتله مظلوما بشط الفرات.
قال الطبري: فاقبل الحسين حتى نزل مكة فأقبل أهلها يختلفون إليه ويأتونه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق. وقال ابن كثير: فعكف الناس على الحسين يفدون إليه ويقدمون عليه ويجلسون حواليه ويستمعون كلامه حين سمعوا بموت معاوية وخلافة يزيد واما ابن الزبير فإنه لزم مصلاه عند الكعبة وجعل يتردد في غبون(1) ذلك إلى الحسين في جملة الناس ولا يمكنه ان يتحرك بشيء مما في نفسه مع وجود الحسين لما يعلم من تعظيم الناس له وتقديمهم إياه(2).
أقول: بقي الحسين (عليه السلام) في مكة شهر شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة وثمانية أيام من ذي الحجة، ومما لا شك فيه ان الحسين في هذه الفترة وفي حلقاته مع المعتمرين وأهل الآفاق كان قد كسر الطوق الذي فرضه معاوية على الحديث النبوي الصحيح في علي وأهل بيته او في ذم بني أميه او في بيان أحكام متعة الحج وغير ذلك، وبدأ يذكِّر الناس ويسمِع من لم يسمَع منهم أحاديث النبي في تفسير القرآن وفي فضل أبية علي وفي فضله وفصل أخيه الحسن وفي ذم بني أميه ونزوهم على منبر الرسول وفي الموقف الصحيح عند ظهور الظلم والبدع وغير ذلك.
من قبيل: حديث الغدير، وحديث الدار، وحديث المنزلة، وحديث الثقلين، وحديث الكساء، وحديث رؤيا النبي والشجرة الملعونة في القرآن، وغيرها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) غبن الرجل يغبنه غبنا: مر به وهو مائل فلم يره ولم يفطن له (لسان العرب مادة غبن).
(2) البداية والنهاية 8/151.
«صفحة 82»
ومن قبيل قوله (صلى الله عليه وآله) : من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله(1).
ثم يذكِّرهم بجرائم بني أمية ومخالفاتهم لأحكام الله وسنة رسوله وتعطيلهم الحدود وقتلهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر كحجر بن عدي وعمرو بن الحمق وغيرهم ونفي الأخيار والنساء كصعصعة بن صوحان العبدي وآمنة بنت الشريد زوجة عمرو بن الحمق بعد ان كانت رهينة الحبس لحين يسلم زوجها نفسه.
ويقول لهم: ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غَير(2). ويقول لهم: إلا ترون أن الحق لا يعملُ به والى الباطل لا يتَناهى عنه لَيرغبَ المؤمن في لقاء الله، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما(3).
ويقول لهم: إني أدعوكم إلى إحياء معالم الحق وإماتة البدع(4).
ثم يذكرهم بقول النبي فيه: حسين مني وأنا من حسين(5)، احب الله من أحب حسينا(6)، وبقوله (صلى الله عليه وآله) فيه وفي أخيه: الحسن والحسين سبطان من
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري 5/403.
(2) تاريخ الطبري 5/403.
(3) تاريخ بن عساكر14/217 عن الزبير بن بكار، تاريخ الطبري 5/404.
(4) الاخبار الطوال للدينوري 231.
(5) مسند احمد ج4 ص173.
(6) مسند احمد ج4 ص173.
«صفحة 83»
الاسباط(1)، الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة(2).
ولابد انه (صلى الله عليه وآله) قد ذكرهم وأخبرهم بما اعلنه النبي (صلى الله عليه وآله) منذ ولادة الحسين (عليه السلام) بانه تقتله الفئة الباغية(3)، ظلما وعدوانا.
ثم يقول لهم: وأيم الله لوكنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم ووالله لَيعتَدُنَّ علي كما اعتدت اليهود في السبت(4). ويقول لهم: كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن مني اكراشا جوفا وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت ويوفينا أجور الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته(5).
لقد كان الحسين يحدث بهذا وأمثاله سرا وعلانية في جومن الاستضعاف والخوف والإرهاب، يبصِّر المسلمين ويستنهض هممهم ويطلب نصرتهم، ويذكِّرهم بتكليفهم الشرعي، نظير ما كان يصنعه جده رسول الله في مكة يوم استضعفته قريش وعذبت أصحابه فقتل من قتل وسجن من سجن وتشرد من تشرد.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) التاريخ الكبير للبخاري ج8 ص415.
(2) مسند احمد ج3 ص3.
(3) ذخائر العقبى ج9 ص190 وفي مجمع الزوائد ومعجم الطبراني قال النبي: واها لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف بقتل خلفي وخلف الخلف. وأحاديث النبي في قتل الحسين في المصادر السنية والشيعية بل والكتابية كثيرة جدا.
(4) الطبري 4/ 289 ابن الأثير 4/ 38 الناقص من طبقات ابن سعد1/ 433عن معاوية بن قرة، تاريخ ابن عساكر 14/216عن معاوية بن قرة، وابن كثير 8/، أقول: وذلك لما قتلوا يحيى (عليه السلام) . وفي فتوح أعثم 5/ 42 ان الحسين قال لعبد الله بن عمر: أما علمت ان من هوان الدنيا على الله ان راس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل … فلم يعجل عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر، ثم قال له: اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي.
(5) اللهوف لابن طاووس.ص38.
«صفحة 84»
وليس من شك ان هذه الحركة التبليغية العلنية من الحسين (عليه السلام) تقوم على أساس ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) من تبليغ حديثه إلى الناس وما أمر به الله ورسوله من إظهار العلم عند ظهور البدع، وقد تخير لها الحسين (عليه السلام) بتوقيت الهي خاص لظرفها المناسب، وهي تعني في الوقت نفسه ان السلطة الأموية في الشام سوف لن تسكت على مثل هذه الحركة بل سيكون موقفها منها هو العمل على القضاء عليها بكل وسيلة ممكنة وبأقسى ما يتصور من العقوبة لتكون للآخرين نكالا وعبرة.
ثالثا: الهجرة إلى الكوفة:
الكوفة بصفتها البلد الممتحن وفيها بقية تلاميذ علي (عليه السلام) وحملة خطبه وأحاديثه وأقضيته وأخبار سيرته والخطة هي ان يهاجر اليها وينطلق بأهلها في مواجهة الأمويين وتطويق انحرافهم والإطاحة بهم.
جاء إلى الحسين (عليه السلام) (وهو في مكة) ثلة من وجوه الشيعة الكوفيين: برير الهمداني وعابس بن حبيب الشاكري الهمداني (1) وشوذب مولى عابس(2) وحجاج بن مسروق الجعفي ويزيد بن مغفل المذحجي الجعفي (3) والصحابي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) من أصحاب علي (عليه السلام) واشترك في حروبه وكان من وجوه الشيعة التحق بالحسين في مكة ثم قدم معه، كان من أشجع الناس.
(2) اشترك مع علي (عليه السلام) في حروبه وكان من وجوه الشيعة وأخذ عنه أهل الكوفة العلم والحديث صحب مولاه عابسا الى مكة بعد قدوم مسلم وجاء معه من مكة إلى كربلاء
(3) كان قد أدرك النبي وشهد القادسية في عهد عمر وكان احد الشجعان من الشيعة والشعراء المجيدين وكان من أصحاب علي حارب معه في صفين وبعثه في حرب الخريت وكان مع الحسين في مجيئه من مكة.
«صفحة 85»
أنس بن الحارث وغيرهم انهى عددهم الذهبي إلى ستين شيخا(1) وبقوا مع الحسين حماية له إضافة إلى بني هاشم.
أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة يتحرك لتهيئة الأجواء وأمره ان ينزل على هانيء بن عروة شيخ مذحج اهم وأقوى شخصية اجتماعية وسياسية في الكوفة(2) وكتب مسلم للحسين يخبره ان الأجواء مهيأة لقدومه.
نمي الخبر إلى يزيد فعزل النعمان بن بشير خوفا من ان لا يقدِم على الحسين (عليه السلام) (3) وضم الكوفة إلى عبيد الله بن زياد وطلب منه الذهاب اليها ومواجهة حركة مسلم واستطاع ابن زياد ان يسيطر على الحركة الشعبية الكامنة في الخفاء بواسطة قوى الشرطة والامن الداخلي الموالية للنظام،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قال الذهبي ج3ص305: فسار (الحسين) في آله، وفي ستين شيخا من أهل الكوفة في عشر ذي الحجة. فسار في آله، وفي ستين شيخا من أهل الكوفة في عشر ذي الحجة.
(2) قال ابن حجر في الاصابة: هانئ بن عروة xe “هانئ بن عروة” بن الفضفاض بن نمران بن عمرو بن قماس بن عبد يغوث المرادي ثم الغطيفي مخضرم سكن الكوفة وكان من خواص علي ولما بايع أهل الكوفة مسلم بن عقيل بن أبي طالب للحسين بن علي نزل على هانئ المذكور فلما قدم عبيد الله بن زياد قتل مسلم بن عقيل وقتل هانئ بن عروة وهو بن بضع وتسعين سنة فيكون أدرك من الحياة النبوية فوق الأربعين. وتحت عنوان عروة بن الفضفاض قال: وكان ابنه هانئ بن عروة من رؤساء أهل الكوفة وهو الذي نزل مسلم بن عقيل بن أبي طالب عنده لما أرسله الحسين بن على لأخذ البيعة على أهل الكوفة فقبض عبد الله بن زياد عليهما فقتلهما وفي ذلك يقول الشاعر فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلى هانئ في السوق وابن عقيل وكان من معالم قوته الاجتماعية انه قال لابن زياد لما انكشف أمره قد أمنتك على نفسك ومالك (الإمامة والسياسة 2/5، العقد الفريد 4/377) وفي رواية قال له هانئ: يا بن أخي انه قد جاء حق هو أحق من حقك وحق أهل بيتك (طبقات ابن سعد المفقود 1/460) فضرب ابن زياد وجهه بعصا بيده ثم قدمه فضرب عنقه.
(3) طبقات ابن سعد المفقود 1/459.
«صفحة 86»
ثم ألقى القبض على هانيء ومسلم وقتلهما وزج في السجون آلاف(1) من المستضعفين على الشبهة والظنة وقطع الطرق المؤدية إلى الكوفة(2) بالجيش والشرطة الذين رُبّوا على الولاء لبني أميه والطاعة للنظام منذ عشرين سنة.
بعث يزيد إلى مكة من يقتل الحسين (عليه السلام) غيلة ويصل الخبر إلى الحسين ويقترن ذلك مع وصول كتاب مسلم الذي يخبر فيه ان الأجواء مهيأة للحسين (عليه السلام) .
خرج الحسين يوم الثامن من ذي الحجة من مكة خوفا من ان يغتال في الموسم او يقتل في الحرم وتستباح به حرمة الحرم(3)، وقد حاول والي مكة منعه من الخروج ولم يفلح.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قدر الدكتور الخربوطلي المصري في كتابه المختار بن عبيد الثقفي (74 –79) ان عدد الذين سجنهم ابن زياد يبلغ اثني عشر ألفا من الشيعة منهم المختار نفسه ثم اطلق ونفي إلى الحجاز.
(2) قال ابن سعد في الجزء المفقود 1/466: وجعل الرجل والرجلان والثلاثة يتسللون إلى حسين من الكوفة فبلغ ذلك عبيد الله فخرج فعسكر بالنخيلة واستعمل على الكوفة عمر بن حريث وأخذ الناس بالخروج إلى النخيلة وضبط الجسر فلم يترك أحدا يجوزه.
(3) روى الطبري5/386 قال هشام عن عوانة بن الحكم عن لبطة بن الفرزدق بن غالب عن أبيه قال: حججت بأمي فأنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم في أيام الحج وذلك في سنة ستين إذ لقيت الحسين بن علي خارجا من مكة معه أسيافه وأتراسه فقلت: لمن هذا القطار فقيل: للحسين بن علي فأتيته فقلت: بأبي وأمي يا بن رسول الله ما أعجلك عن الحج فقال: لو لم أعجل لأخذت. وروى البسوي في كتاب المعرفة والتاريخ/532 كتاب ابن عباس إلى يزيد بعد قتل والحسين وواقعة الحرة جاء فيه: فما انس من الاشياء فلست بناس اطرادك حسينا (رضي الله عنه) من حرم رسول الله إلى حرم الله وتسييرك إليه الرجال لتقتله في الحرم فما زلت بذلك وعلى ذلك حتى أشخصته إلى العراق فخرج خائفا يترقب فتزلزلت به خيلك عداوة لله ولرسوله ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وفي رواية اليعقوبي 2/247: فما زلت بذلك كذلك حتى أخرجته من مكة إلى ارض الكوفة تزأر به خيلك وجنودك زئير الأسد عداوة منك لله ولرسوله ولأهل بيته ثم كتبت إلى ابن مرجانة ان يستقبله بالخيل والأسنة والسيوف.
«صفحة 87»
دخل الحسين ارض العراق وتحاصره طلائع جيش النظام بقيادة الحر بن يزيد الرياحي ولا تدعه يدخل الكوفة ولا يخرج عن ارض العراق وانتهى المطاف بحصره في كربلاء واجتمعت عليه كتائب جيش النظام الأموي بقيادة عمر بن سعد وعرضوا عليه البيعة وتسليم نفسه للسلطة او يقاتلوه.
اختار الحسين (عليه السلام) الموت على البيعة او التسليم وهو شعاره منذ اليوم الأول من حركته وكذلك كان موقف من معه من أهل بيته وأصحابه من الكوفيين من الذين صحبوه من مكة ومن الذين استطاعوا الفرار من الكوفة واللحاق به أمثال عمرو بن خالد الصيداوي(1) وأبي الشعثاء يزيد بن زياد بن مهاصر البهدلي الكندي(2) وحبيب بن مظاهر الاسدي ومسلم بن عوسجة الاسدي(3) وأبي ثمامة الصائدي(4) ونافع بن هلال الجملي وغيرهم(5).
قتل الحسين وأصحابه وأهل بيته جميعا بعد معركة غير متكافئة وقطعت رؤوسهم وسيرت إلى الكوفة مع عيال الحسين ومن هناك سيروا إلى الشام.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) خرج من الكوفة بعد قتل مسلم هو ومولاه سعد بن مجمع بن عبد الله وابنه عائذ ودليلهم الطرماح قال ابن الأثير في الكامل: لما رآهم الحر حجزهم فقال له الحسين هؤلاء أصحابي ولأمنعنهم مما أمنع منه نفسي فكف عنهم الحر.
(2) خرج من الكوفة إلى الحسين فصادفه في الطريق قبل ان يلاقيه الحر.
(3) كان هو وحبيب مع مسلم بن عقيل ثم خرج مع حبيب بعد قتل مسلم والتحقا بالحسين (عليه السلام) .
(4) كان من أصحاب علي (عليه السلام) الذين شهدوا معه مشاهده كلها وبعده صحب الحسن (عليه السلام) ثم بقي في الكوفة إلى ان هلك معاوية ثم بعد ان اجتمع مع من اجتمع من وجوه الشيعة في دار سليمان بن صرد خرج مع نافع بن هلال بعد قتل مسلم والتحق بالحسين (عليه السلام) .
(5) ويذكر الطبري 5/354 عن أبي مخنف قال: خرج يزيد بن نبيط وهومن عبد القيس إلى الحسين (عليه السلام) وكان له بنون عشرة فقال: أيكم يخرج معي فانتدب معه ابنان له: عبد الله وعبيد الله، فتقدى في الطريق حتى انتهى إلى حسين (عليه السلام) فدخل في رحله بالأبطح ثم أقبل معه حتى أتى فقاتل معه فقتل معه هو وابناه.
«صفحة 88»
معالم التغيير بعد شهادة الحسين (عليه السلام)
لئن شاء الله تعالى ان يقتل الحسين (عليه السلام) بعد خمسة شهور من حركته الهادية فقد شاء أيضا ان يتحرك الواقع السياسي والاجتماعي بعد الحسين (عليه السلام) بالاتجاه الذي يخدم الأهداف التي تحرك الحسين (عليه السلام) لها وقتل من أجلها ثم يتحقق كل ما أراد تحقيقه وبيان ذلك كما يلي:
أولا:
تفهمت الأمة ان الطاعة المطلقة للخليفة ليست من الدين في شيء وان الدين يدعو مجاهدة سلطة بني أميه والإطاحة بهم ومن ثم نهضت ثائرة تحت لواء هذا القائد أوذاك من مختلف الاتجاهات وقد استمرت الثورات عليهم حتى سقطوا على يد بني العباس ولم تعد سلطة بعد ذلك تتبنى لعن علي والتربية على بغضه.
ثانيا:
تنفس الشيعة /الصحابة والتابعون/ من جديد في الكوفة بشكل عام حين ارتفع الضغط الخاص عليهم مدة عشر سنوات تقريبا بعد موت يزيد أيام بيعتها لابن الزبير (64-67)، وأيام المختار بشكل خاص لمدة سنة ونصف (14ربيع الأول 66-14رمضان 67) حين استطاعوا ان يطهِّروا المجتمع الكوفي من قتلة الحسين (عليه السلام) – الذين كانوا يمثلون قمة الانحراف وبؤرة الفساد فيه – ويعيدوا التثقيف الصحيح باتجاه علي (عليه السلام) وأهل بيته، وعلى الرغم من قصر مدة حكم المختار وقتله على يد مصعب الزبيري وقتل سبعة آلاف شيعي صبرا بعده بضمنهم عمرة بنت النعمان بن بشير زوجة المختار لأنها لم
«صفحة 89»
تتبرأ من زوجها المختار، ثم ظلم الحجاج وتتبعه لشيعة علي بقيت الكوفة قلعة صامدة على التشيع أبية على الترويض مما اضطر الحجاج في حركة ابن الأشعث (سنة 80-83) ان يستعين بجيش شامي للقضاء عليها، ولم يسكن الكوفة بعد ذلك خوفا على جيش أهل الشام من التأثر بفكرهم فبنى واسط خاصة لهم واستطاع الأئمة من ذرية الحسين وبخاصة الباقر والصادق (عليه السلام) ان يثقفوا قواعدهم الشعبية الكوفية من جديد وبذلك عادت الكوفة كسابق عهدها أيام علي قلعة للتشيع ورواية أهل البيت(عليهم السلام) .
ثالثا:
تصدعت وحدة الدولة وغابت السلطة المركزية(1) لبني أميه التي كانت تلاحق المحدِّثين الصادقين ولم تسترجع سيطرتها كاملة الا بعد خمس وعشرين سنة من قتل الحسين وبذلك كُسِر الطوق المفروض على الحديث الصحيح، وطرح علي والمطهرون من ذريته من جديد أئمة هداة في المجتمع. وذلك حين انطلق خلال هذه الفترة بقية الصحابة والتابعين من شيعة علي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) استقل ابن الزبير في مكة والمدينة والعراق، ثم ثار المختار في الكوفة واقتطعها عن ابن الزبير مدة سنة ونصف /من 14ربيع الأول سنة 66 إلى 14رمضان سنة67/ثم رجعت له بعد قتل المختار علي يد مصعب وأهل البصرة وجيش المهلب وفلول الجيش الذي قتل الحسين (عليه السلام) /.
اختلف أهل الشام وصاروا رايتين راية تدعو لابن الزبير وراية تدعو لمروان واقتتلوا بسبب ذلك ثم غلبة مروان، واقتتل أهل خراسان لسنين ثم بيعتهم أخيرا لعبد الملك.
استقل نجدة الخارجي في اليمن ثم قتل نجدة من قبل أصحاب ابن الزبير.
قتل عبد الله بن الزبير من قبل أصحاب عبد الملك بن مروان وصفا الملك لبني أمية من جديد.
ثار العراقيون من جديد بقيادة ابن الأشعث (81-85). واستقر الملك لعبد لبني أميه لمدة أربعين سنة تقريبا وأزعج مرة أخرى من قبل العراقيين بقيادة زيد وقتل سنة 122، ثم مات هشام سنة125 ولم يستقر الملك لبني أميه بعد ذلك إذ اختلفت كلمتهم ثم زالت دولتهم علي يد بني العباس سنة 132.
«صفحة 90»
وغيرهم في المدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام وخراسان وغيرها ينشرون حديث النبي في أهل بيته كل حسب استطاعته وبقدر ما تسمح له ظروفه.
فمن الصحابة في المدينة أم سلمة ت61 وابو سعيد الخدري ت 64، وعبد الله بن عباس ت68 بالمدينة ومكة والطائف وتوفي بها وله نيف وسبعون سنة وجابر بن عبد الله الأنصاري ت74 عن 94 سنة وسلمة بن الأكوع ت74 وسهل بن سعد الساعدي ت91.
وفي الكوفة سليمان بن صرد قتل سنة 66 وزيد بن ارقم ت 68 وعدي بن حاتم ت67 والبراء بن عازب ت72 وعامر بن واثلة ت 110 بمكة منفيا من الكوفة منذ تولى الحجاج الكوفة وهو آخر من توفى من الصحابة.
وفي البصرة: مالك بن الحويرث ت74 وأنس بن مالك أخذ يحدث بفضائل علي لما أصابته دعوة علي (عليه السلام) ت 90،
وفي مرو وخراسان: بريدة بن الحصيب ت 62، وابو برزة الاسلمي ت64.
وفي الشام: واثلة بن الاسقع ت85 وهو آخر من مات من الصحابة بدمشق.
ومن التابعين وهم بقية أصحاب علي واغلبهم كوفيون أمثال: الحارث الأعور الهمداني ت65، سعد بن حذيفة بن اليمان (من رجال عهد المختار) والأصبغ بن نباتة (ت بعد سنة70) وحبة بن جوين ت76، أبي البختري قتل 82، زاذان ت82، زر بن حبيش ت81، عبد الله بن الحارث بن نوفل ت84، عبد الرحمن بن أبي ليلى ق 82، فضالة بن أبي فضالة (ت 70-80)، كميل
«صفحة 91»
بن زياد (قتله الحجاج 82)، قيس بن عباد (قتله الحجاج 83)، وزيد بن وهب الجهني (ت84 وقيل 96) ومسلم بن صبيح ت100،
ومنهم بصريون مثل أبي الاسود الدؤلي ت وخِلاس الهَجَري(1)
ومنهم مدنيون أمثال: عمر بن أبي سلمة ت83، وإياس بن سلمة بن الاكوع ت119، ويزيد بن أميه (ت 70-80).
ولولا هذه السنوات الخمس والعشرين من غياب من السلطة المركزية التي انتجتها حركة الحسين وشهادته لما استطاع أولئك الصحابة والتابعون من نشرهم حديث النبي في بيان منزلة علي وأهل بيته أوذم بني أميه او نشرهم حديث علي وخطبه التي نجدها اليوم في كتب الحديث والتاريخ لدى عامة المسلمين.
ولولا انتشار أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته لما استطاع الأئمة من ذرية الحسين ان ينشروا سنة النبي برواية علي (عليه السلام) .
خلاصة
قال الله تعالى: ﴿يا أَيها الَّذينَ آمَنوا كونوا أَنصارَ اللهِ كَما قالَ عيسَى ابنُ مَريمَ لِلحَواريينَ مَن أَنصاري إِلَى اللهِ قالَ الحَواريونَ نَحنُ أَنصارُ اللهِ فَآمَنَت طائِفَةٌ مِن بَني إِسرائيلَ وكَفَرَت طائِفَةٌ فَأَيدنا الَّذينَ آمَنوا عَلَى عَدوهِم فَأَصبَحوا ظاهِرينَ﴾ الصف/14.
وروى البخاري ان أعرابيا قال للنبي (صلى الله عليه وآله) : الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر ويقاتل ليرى مكانه في سبيل الله، فقال: من قاتل لتكون كلمة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كان من شرطة علي (عليه السلام) ت وله صحيفة كتبا عنه يحدث بها، توفي قبيل المائة بتقدير الذهبي نقلا عن ابن حجر في تهذيب التهذيب.
«صفحة 92»
الله هي العليا فهوفي سبيل الله.(1)
وجه الحسين (عليه السلام) أصحابه في المرحلة السرية من حركته في مواجهة الانقلاب الفكري لمعاوية (50-59) ليواصلوا نشر الأحاديث النبوية الصحيحة في علي وأهل البيت(عليهم السلام) بين من يثقون به من الناس، وكان آخر نشاط نوعي في هذا السبيل هو المؤتمر السري الذي عقده الحسين (عليه السلام) في مكة في موسم الحج لسنة 59 هجرية، أي قبل موت معاوية بسنة، وحضره عدد كبير من الصحابة والتابعين، وكانت المادة الأساسية في هذا المؤتمر هي خطاب الحسين (عليه السلام) الذي أطلع المؤتمرين آنذاك على خطورة الوضع الفكري والسياسي ثم حثهم على نشر الحقائق الدينية في علي وأهل البيت(عليهم السلام) وقد استهل خطابه بقوله: اني خفت دروس هذا الأمر (أي أمر ولاية أهل البيت).
اعلن الحسين (عليه السلام) بعد موت معاوية عن حركته التبليغية ليقاوم بدعتين سادتا وانتشرتا انتشارا مطبقا:
الأولى: التربية العامة على بغض علي ولعنه والبراءة منه، ورواية الأحاديث الكاذبة في ذمه والطعن عليه ومعاقبة من يظهر خلافه لهذه السياسة.
الثانية: التربية العامة على الولاء المطلق للخليفة والتقرب إلى الله بطاعته ومحبته، ورواية الأحاديث الكاذبة في فضل بني أمية وإكرام من يتجاوب مع هذه السياسة.
اختار الحسين (عليه السلام) مكة قاعدة ينطلق منها في حركته تلك، يحيط به بنو هاشم لحمايته من اجل ان يقوم بممارسته التبليغية ونشر أحاديث النبي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري (المختصر) 3/1137.
«صفحة 93»
في علي (عليه السلام) ، الممارسة التي تعاقب الدولة عليها بعقوبة الاعدام كما يقال بلغة العصر. وتحرك الحسين (عليه السلام) على أخيار المسلمين القادمين من مختلف البلاد الإسلامية لأداء العمرة والحج يحدِّث الجيل الجديد منهم بما حرَّمت الدولة الحديث به فلم يسمعوه، ويستنهض الجيل القديم ويذكِّّرهم بتكليفهم الشرعي إزاء ظهور البدع، ومن ثم يطلب النصرة من الجميع ليحموه من دولة الضلال، لكي يواصل هو وأخيار الصحابة والتابعين تبليغ أحاديث جده وسنته للامة.
تجاوب مع الحسين (عليه السلام) وجوه شيعة أبيه في العراق، وبخاصة في الكوفة الممتحنة في السنوات السابقة من النظام الأموي، وبايعوه على النصرة ودعوه إلى البلد لينهض به في مقاومة بني أميه كما نهض جده النبي بأهل المدينة لمقاومة قريش، وشاء الله تعالى أن تنكشف الحركة في الكوفة وتُسحق في مهدها، ويسجن أنصار الحسين فيها ويقتل هانئ أبرز وجه في الكوفة وأقواه سياسيا واجتماعيا، ويقتل بعده مسلم بن عقيل، وتُقطع الطرق المؤدية إلى الكوفة لقطع الطريق على المختفين من أنصار الحسين (عليه السلام) من ان يلحقوا به، ويطوق الركب الحسيني القادم من مكة خوفا من أن تُستحل حرمتها به حيث كان يزيد قد دس الرجال ليقتلوا الحسين غيلة في الموسم.
عرض جيش الدولة على الحسين (عليه السلام) ان يسلم نفسه للسلطة وأبى الحسين ومن معه ذلك، وجرت معركة غير متكافئة، وقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه ورفعت رؤوسهم على الرماح وداست الخيل صدر الحسين (عليه السلام) وأخذت نساوه وأطفاله أسرى إلى الشام.
«صفحة 94»
صفا الجو ليزيد وبني أميه سنتين تقريبا بعد قتل الحسين، وقدروا انهم أطفأوا النور الحسيني، وان زلزال الخطر عليهم وعلى خطتهم زال إلى غير رجعة، وما دَرَوا ان القيام المخلص لله والقتل في سبيله، هومن اعظم الوسائل التي يتألق بها نور الهداية، ويستحكم بها الزلزال على المنحرفين، وتظهر معالمه جلية واضحة في كل البلاد الاسلامية.
– فقد ثار أهل المدينة على يزيد بعد سنتين (63هجرية) من قتل الحسين (عليه السلام) .
– واعلن أهل مكة تمردهم في غضون ذلك.
– وعاجل الله تعالى يزيد فأماته مبكرا، واستقال ولده معاوية الثاني، ومات بعد استقالته بأيام، وتمزقت الدولة الأموية شر ممزق.
– فاقتتل أهل الشام بينهم من أجل الملك وصاروا رايتين راية تدعو لابن الزبير وأخرى تدعو لمروان ثم صفا الأمر لمروان بن الحكم بعد وقعة مرج راهط، التي أهلكت آلاف الناس، ومن بعده لابنه عبد الملك.
– واقتتل أهل خراسان، قال المدائني لما مات يزيد بن معاوية، وثب أهل خراسان بعمالهم، فأخرجوهم وغلب كل قوم على ناحية، ووقعت الفتنة، وغلب عبد الله بن حازم على خراسان، ووقعت الحرب(1) وأقرَّ عبد الله بن الزبير عبد الله بن خازم على خراسان، وكاتَبَه عبد الملك ليبايع له فرفض، فثار عليه وكيع بن الدورقية وقتله(2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري 5/546.
(2) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن السمال بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم السلمي أبوصالح البصري أمير خراسان، يقال: له صحبة ورواية، روى عنه سعد بن عثمان الرازي وسعيد بن الأزرق، قال أبو أحمد العسكري: كان من أشجع الناس، ولي خراسان عشر سنين، وافتتح الطبسين (تثنية طبس، قصبة ناحية بين نيسابور واصبهان تسمى قهستان) مراصد الاطلاع، ثم ثار به أهل خراسان فقتلوه وكان الذي تولى قتله وكيع بن الدورقية، وحمل رأسه إلى عبد الملك بن مروان، وقال خليفة ابن خياط قام بأمر الناس في وقعة قازن بباذغيس (ناحية تشمل على قرى اعمال هراة ومرو) وكتب إلى بن عامر بالفتح فأقره على خراسان حتى قتل عثمان، وقال صالح بن الرحبية: قتل سنة 71، وقال السلامي في تاريخه لما وقعت فتنة بن الزبير كتب إليه بن خازم بطاعته فأقره على خراسان، فبعث إليه عبد الملك بن مروان يدعوه إلى طاعته فلم يقبل، فلما قتل مصعب بعث إليه عبد الملك برأسه فغسله وصلى عليه ثم ثار عليه، وكيع بن الدورقية وغيره فقتلوه. وبمعنى ذلك حكى أبو جعفر الطبري وزاد وكان قتله في سنة 72.
«صفحة 95»
– وفي البصرة روى أبو مخنف قال: وثب الناس بعبيد الله بن زياد وكسر الخوارج أبواب السجون، وخرجوا منها(1)، وقادهم نافع بن الازرق ومن بعده عبيد الله بن الماحوز، وجرت بينهم وبين أهل البصرة حروب كثيرة، ثم هزمهم المهلب بن أبي صفرة عن الاهواز.
– وفي الكوفة وثب رؤساء الجيش والشرط، بعمرو بن حريث خليفة ابن زياد ومدير شرطته، وكان هواهم مع ابن الزبير، فأخرجوه من القصر واصطلحوا على عامر بن مسعود بن أمية الجمحي القرشي، وبايعوا لابن الزبير ثم كسرت السجون وخرج الشيعة.
– واقتتل أهل اليمن فيما بينهم كذلك.
– وكان البلد الوحيد الذي وجدت فيه حركة تحمل خط الحسين (عليه السلام) ونهجه، هو الكوفة بزعامة سليمان بن صرد ثم بزعامة المختار الثقفي، ولكن عبد الله بن الزبير لا يحتمل ذلك وبخاصة وان الكوفة كانت تابعة له، فبعث
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري 5/567 عن أبي مخنف.
«صفحة 96»
أخاه مصعب بأهل البصرة وبقايا الجيش الذي قاتل الحسين (عليه السلام) الذي خرج من الكوفة فارا من المختار، وطوق الكوفة وقتل المختار، وقتل بعد ذلك زوجة المختار لأنها لم تتبرأ منه ومعها ستة آلاف صبرا ممن كان مع المختار في القصر.
– ولئن استطاع عبد الملك بعد عشرين سنة ان ينتصر على المعارضة والثوار في أنحاء البلاد الإسلامية، وان يستعيد وحدة الدولة الأموية وفرض السياسة التي اختطها معاوية من جديد، فإنَّ حرارة الزلزال في الكوفة، والمغتربين من أبناءها في خراسان لم تكن قد انتهت، فكانت ثورة زيد في الكوفة، وكان قدره فيها كقدر جده الحسين (عليه السلام) ان يكون وقودا وزيتا للثائرين، ثم كانت ثورة العباسيين بالكوفيين المغتربين ومن معهم من أهل خراسان، وانهار على ايديهم الحكم الأموي والأطروحة الأموية للاسلام، المبني على لعن علي (عليه السلام) إلى غير رجعة، حيث لم يجيء حكم بعد ذلك يتبنى لعن علي (عليه السلام) إلى اليوم ولن يجيء إلى آخر الدنيا.
– وانتشرت الأحاديث النبوية التي عمل بنو أمية على طمسها وكتمانها وتحريفها، واهتدى بها من أراد الهداية من الأمة، وهي محفوظة في كتب المسلمين جميعا إلى اليوم.
– وايد الله تعالى الحسين تأييدا خاصا حين بتر نسل يزيد فلا يوجد اليوم من ينتسب إليه، وبارك الله تعالى في نسل الحسين فهو يملأ الدنيا، ورزقه منهم تسعة أئمة هدى اسباطا، اعلام هداية، نشروا ما كان يحمله الحسين من تراث نبوي كتبه علي (عليه السلام) بيده الكريمة الطاهرة، واملاه النبي(صلى الله عليه وآله) من فيه الشريف
«صفحة 97»
المطهر، والتف حولهم شيعة يأخذون عنهم هذا التراث الإلهي، ويحملون ظلامة الحسين (عليه السلام) غضة طرية كل عام في عاشوراء، ليهتدي بهديها من شاء من الناس.
«صفحة 98»
من الغدير إلى عاشوراء(1)
أولا: ولاية علي (عليه السلام) يوم الغدير في 18 من ذي الحجة سنة 10هـ ضمانة الهداية والعمل بالسنة النبوية:
يمثل النص على علي (عليه السلام) بالولاية في حادثة الغدير اللبنة الأخيرة في بناء المجتمع الإسلامي على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وذلك حين بين (صلى الله عليه وآله) لأمته ولاية علي (عليه السلام) كما قال تعالى: ﴿اليومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي ورَضيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دينا﴾ وكونها امتدادا لولاية الله وولاية رسوله وضمانة لمن أراد ان يحافظ على طاعة النبي (صلى الله عليه وآله) ومن ثم المحافظة على الهداية وعدم الوقوع في الضلال، قال تعالى ﴿قُل أَطيعوا اللهَ واطيعوا الرَّسولَ فان تَولَّوا فانَّما عَلَيهِ ما حُمِّلَ وعَلَيكُم ما حُمِّلتُم وان تُطيعوهُ تَهتَدوا وما عَلَى الرَّسولِ إِلا البَلاغُ المُبينُ﴾ النور/54، والضمير في قوله تعالى ﴿وان تُطيعوهُ تَهتَدوا﴾ يعود إلى الرسول وبخلاف ذلك فانهم ان يعصوه يضلوا ويهلكوا، قال تعالى ﴿ فَكَيفَ إِذا جِئنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ وجِئنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهيدا (41) يومَئِذٍ يودُّ الَّذينَ كَفَروا وعَصَوا الرَّسولَ لَو تُسَوى بِهِمُ الأَرضُ﴾ النساء/41-42.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشرة الحسين وارث، العدد الاول 1435هـ.
«صفحة 99»
ومن هنا كانت فريضة الولاية يوم الغدير لعلي (عليه السلام) افضل الفرائض.
روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية.
قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل ؟
فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن…
ثم قال ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إن الله عز وجل يقول: «من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا» أما لو ان رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان، ثم قال: أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته».
وقوله (عليه السلام) (ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه الخ): أي ان الطريق لمعرفة هذه العبادات على وجهها الصحيح هو الإمام مضافا إلى ان اعتقاد الولاية هو بنفسه شرط في قبول العمل كالنية شرط في صحة الصلاة مثلا، والسر في ذلك انها مما أمر به الرسول (صلى الله عليه وآله) ثم الإمام (عليه السلام) هو باب مدينة علم الرسول فلا يعرف علم الرسول (صلى الله عليه وآله) الا من خلاله ولا يأمر الا بما أمر به الرسول.
«صفحة 100»
ثانيا: الانقلاب على الأعقاب بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) إعراضٌ عن ولاية علي (عليه السلام) ومن ثم تضييعٌ لسنة النبي (صلى الله عليه وآله) واتباع سنن أخرى حلت محلها وهي سيرة الشيخين وتربية مسلمة الفتوح عليها (11-26هـ).
يكشف الحوار في السقيفة بين أبي بكر والأنصار بشكل واضح حالة الانقلاب على الأعقاب حين قال لهم أبو بكر:
“لن يعرف هذا الأمر الا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا.
ولم تعرف العرب هذا الأمر الا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا”. (مسند احمد 1/56).
ومراده من ذلك: ان العرب تدين لقريش في أمر الدين، فهم افضلهم دارا وهي مكة، وافضلهم نسبا لأنهم صريح إسماعيل.
وليس من شك ان هذه الميزة لقريش قد كانت في الجاهلية وقد انتحلت لقب (آل الله) بعد موت عبد المطلب وقد كان هذا اللقب خاصا به منذ قصة الفيل.
ولما جاء الإسلام هدم مكانة قريش الدينية التي حرفت دين إبراهيم ورفع من شان محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) ؛ قال النبي (صلى الله عليه وآله) « إن الله عز وجل اختار العرب ثم اختار منهم النضر بن كنانة ثم اختار منهم قريشا ثم اختار من قريش بني هاشم ثم اختارني من بني هاشم » وقال تعالى ﴿إِنَّما يريدُ اللهُ ليذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ويطَهِّرَكُم تَطهيرا﴾ الأحزاب/33. وأوجب محبة أهل بيته (عليهم السلام) وقرن اتّباعهم باتّباع كتاب الله وجعل ذلك أمانا من الضلالة.
«صفحة 101»
ومن الواضح ان منطق السقيفة قد تجاوز أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ورجع يحتج باستحقاق قريش للإمامة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بمكانتها في الجاهلية، وهذا هو الانقلاب المشار إليه في قوله تعالى ﴿و ما مُحَمَّدٌ إِلا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفان ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم ومَن ينقَلِب عَلى عَقِبَيهِ فَلَن يضُرَّ اللهَ شَيئا وسَيجزي اللهُ الشّاكِرينَ﴾ آل عمران/144، بصيغة الاستفهام الإنكاري للتوبيخ، ومعنى انقلبتم على أعقابكم أي ارتددتم ورجعتم إلى خلفكم وهي الجاهلية، أي صرتم أهل جاهلية، وقد اخبرنا النبي (صلى الله عليه وآله) انهم سوف ينقلبون بعده ويرتدون على أدبارهم القهقرى فيحلؤون عن حوض الكوثر فلا يخلص منهم الا كهمل النًّعم. وقد روي عنه (صلى الله عليه وآله) :
(يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس لو تعلمون ما نجاكم الله منه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها الآخرة شر من الأولى) (مسند احمد 3/489)
وروى علي (عليه السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) :
(كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتخذونها سنة، فإذا غير منها شيء قيل: قد غيرت السنة وقد أتى الناس منكرا).
لقد بويع الخليفتان من قريش ورفعا شعار (حسبنا كتاب الله) في قبال السنة النبوية حيث تصرفوا فيها باجتهاداتهم منعا وكتمانا وتغييرا وسمي ذلك ب (سيرة الشيخين) وبويع عثمان على التقيد بها. وفتحت البلاد شرقا وغربا على ذلك.
«صفحة 102»
قال الإمام علي (عليه السلام) يشرح ما جرى بعد النبي (صلى الله عليه وآله) :
(إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع وأحكام تبتدع يخالف فيها حكم اللّه يتولّى فيها رجال رجالا، الا انّ الحقّ لو خلص لم يكن اختلاف، ولو انّ الباطل خلص لم يخف على ذى حجى، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجتمعان فيجلّلان معا فهنا لك يستولى الشّيطان على أوليائه، ونجا الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى.
(انّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: كيف أنتم اذا لبستكم فتنة يربو فيها الصّغير ويهرم فيها الكبير يجرى النّاس عليها ويتّخذونها سنّة فاذا غير منها شيء قيل قد غيرت السّنّة وقد أتى النّاس منكرا، ثمّ تشتدّ البلية وتسبى الذُّرية.
ثمّ اقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصّته وشيعته فقال:
(قد عملت الولاة قبلى أعمالا خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم متعمّدين لخلافه ناقضين لعهده مغيرين لسنّته).
و كان من ابرز معالم تغيير السنة: المنع من نشر أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته (عليهم السلام) ، والنهي عن السؤال عن تفسير القرآن تحريم متعة الحج ومتعة النساء ومعاقبة المخالف وتغيير مقام إبراهيم، وامضاء التطليقات الثلاث بتطليقة واحدة، وإحداث الطبقية في المناكح، والعطاء، وحصر الحكم ببطون قريش، وفسح المجال لمسلمة أهل الكتاب ان يبثوا قصص التوراة ومواعظهم بين المسلمين، ومسائل أخرى كثيرة.
وكان نتيجة ذلك: ان جَهِلَ مسلمةُ الفتوح أهل البيت(عليهم السلام) ، وسنن النبي (صلى الله عليه وآله) ،
«صفحة 103»
وتولوا الخلفاء من قريش بصفتهم انهم يقودون إلى الله، وتثقفوا بثقافة التوراة التي نقلها اليهم مُسلمة أهل الكتاب حين فسح لهم المجال الخلفاء من قريش وهي ثقافة قد أصابها الكثير من التحريف.
ثالثا: نهضة علي (عليه السلام) الإحيائية للسنة النبوية وهداية النصف الشرقي من مسلمة الفتوح إلى سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وولاية علي (عليه السلام) (سنة 27 إلى 40هجرية):
قال الإمام علي (عليه السلام) «أيها الناس، أنا الذي فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها غيري. وأيمُ الله لو لم أكن فيكم لما قوتلَ أهلُ الجمل ولا أهلُ صفين ولا أهلُ النهروان. وأيم الله لولا أن تتكلموا وتدعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وآله لمن قاتلهم مستبصرا في ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه».
(الفتنة) هي التي أشار اليها النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله (كيف أنتم إذا لبستكم فتنة…).
وقوله (عليه السلام) (ولم يكن ليجترئ عليها غيري) أي لم يكن الأنصار ولا مسلمة الفتوح ليستطيعوا ان يقفوا أمام عملية تعطيل السنن وتحريفها من قبل قريش الحاكمة باسم الإسلام ولا مسلمة الفتوح من قبيل تحريم متعة الحج والعقوبة عليها، فانه ليس يقدر ان يحيي متعة الحج ويعلن للامة انها سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وان التحريم رأي شخصي من عمر ثم عثمان الا علي (عليه السلام) الذي عينه النبي (صلى الله عليه وآله) وليا على الأمة بأمر الله تعالى ؛ وجعل ولايته كولايته (صلى الله عليه وآله) . الذي كلفه بالنهضة لإحياء سنته من بعده وهداية مسلمة الفتوح إليها، روي عن ابن عباس، قال: لما نزلت ﴿إِنَّما أَنتَ مُنذِرٌ ولِكُلِّ قَومٍ هادٍ﴾ وضع (صلى الله عليه وآله) يده على صدره، فقال:
«صفحة 104»
«أنا المنذر ولكل قوم هاد»، وأومأ بيده إلى منكب علي، فقال: «أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي».
وقوله (وأيم الله لو لم أكن فيكم لما قوتل أهل الجمل ولا أهل صفين ولا أهل النهروان): والسر في ذلك ان الذي يقود معركة الجمل هي أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير وصحابة قرشيون آخرون كان مسلمة الفتوح يرونهم أولياء نعمتهم في الدين، وكذلك أهل صفين أما أهل النهروان فهم القراء وأصحاب الجباه السود من العبادة ولكنهم بالقياس إلى علي (عليه السلام) فانه اكثر عبادة منهم، واسبقهم طرا إلى التصديق بالنبي (صلى الله عليه وآله) ، مضافا إلى ذلك فان عليا كانت لديه عهود من النبي بقتال هذه الأصناف. وقد اخبر القرآن بذلك في قوله تعالى ﴿ يا أَيها الَّذينَ آمَنوا مَن يرتَدَّ مِنكُم عَن دينِهِ فَسَوفَ يأتي اللهُ بِقَومٍ يحِبُّهُم ويحِبّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكافِرينَ يجاهِدونَ في سَبيلِ اللهِ ولا يخافونَ لَومَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضلُ اللهِ يؤتيهِ مَن يشاءُ واللهُ واسِعٌ عَليمٌ﴾ المائدة/ 54، وقوله (من يرتد منكم عن دينه) أي من ينقلب على عقبيه، وهم الذين قال عنهم النبي (صلى الله عليه وآله) في أحاديث الحوض «فيحلؤون عن الحوض فأقول أي رب أصحابي فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك انهم لا يزالون مرتدين على ادبارهم القهقرى…» قوله (فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه) قال الطبرسي في مجمع البيان “هم أمير المؤمنين علي عليه السلام وأصحابه، حين قاتل من قاتله من الناكثين، والقاسطين، والمارقين، وروي ذلك عن عمار، وحذيفة، وابن عباس، وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليه السلام”.
قوله (مستبصرا في ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه) (ضلالتهم) هي تغييرهم للسنة النبوية بتحريمهم متعة الحج ومتعة النساء وتغييرهم مكان
«صفحة 105»
مقام إبراهيم وغيرها وبدعهم في صلاة التراويح والطلاق والوضوء والصلاة وغيرها. و(الهدى الذي عليه علي (عليه السلام) وأصحابه) هو عملهم بالسنة النبوية وتقيدهم بها.
قال مالك الاشتر يخطب في أصحابه في معركة صفين يحثهم على الاستبسال والقتال: “إن هؤلاء القوم والله لن يقارعوكم إلا عن دينكم، ليطفئوا السنة، ويحيوا البدعة، ويدخلوكم في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة”. (ابن مزاحم المنقري، وقعة صفين ص251)
وقوله (لن يقارعوكم الا عن دينكم) أي يقاتلونكم لأجل ان يردوكم عن دينكم القهقرى ويدخلوكم في ضلالتهم التي اخرجكم الله منها، وقوله (بحسن البصيرة) يشير إلى قوله تعالى ﴿قَد جاءَكُم بَصائِرُ مِن رَبِّكُم فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ ومَن عَمي فَعَلَيها وما أَنا عَلَيكُم بِحَفيظٍ﴾ الأنعام/104، وقد ابصر أصحاب علي (عليه السلام) الحق مع علي (عليه السلام) لان شعاره «ما كنت لأدع سنة رسول الله لقول احد من الناس» واولئك شعارهم حسبنا كتاب الله مفصولا عن السنة وقد غيروها باجتهاداتهم وآرائهم.
نجح علي (عليه السلام) في إحياء السنة النبوية حين نهض سنة 27هـ وإحياء حج التمتع وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته(عليهم السلام) وانكشف للناس في النصف الشرقي من البلاد الاسلامية مدى مخالفة السلطة القرشية لسنة النبي (صلى الله عليه وآله) ، وصارت الكوفة مركز هذه النهضة الإحيائية، وبرز علي (عليه السلام) في النصف الشرقي من مجتمع مسلمة الفتوح إماما ووليا هاديا كما نصبه النبي (صلى الله عليه وآله) في الغدير يدعو إلى سنة النبي (صلى الله عليه وآله) ، وبرز معاوية في الشام قائدا يدعو إلى سيرة الشيخين وتطبيقات عثمان لها.
«صفحة 106»
رابعا: 41 هـ ـ 50 هـ صلح الإمام الحسن (عليه السلام) يعالج الانشقاق الأموي ويهدي النصف الغربي من مسلمة الفتوح إلى سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وولاية علي (عليه السلام)
استشهد علي (عليه السلام) على يد الخوارج وبايع أهل العراق الحسن بن علي سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الكتاب والسنة، وبايع أهل الشام معاوية على سيرة الشيخين وتطبيقات عثمان لها. ثم عرض معاوية على الإمام الحسن (عليه السلام) صيغة من الصلح هي ان يبقى كل واحد على بلده وان يجمد القتال، ورأى الإمام الحسن (عليه السلام) انَّ اجابة معاوية على ذلك سوف يكرس الانشقاق في الأمة، ويبقى أهل الشام على جهلهم بسنة النبي (صلى الله عليه وآله) وولاية علي (عليه السلام) الهادية، ولم يجد الحسن (عليه السلام) طريقا لتفهيم أهل الشام بذلك الا بتوحيد الدولة ليختلط الناس مع بعضهم البعض مع أمان الجميع، وليس من طريق إلى تحقيق ذلك الا بتنازله المشروط عن الحكم لمعاوية، ومن ثم عرض على معاوية ان يسلمه حكم العراق لتكون الأمة موحدة بشرط ان يحكم بالكتاب والسنة فقط دون سيرة الشيخين، وان يكون الحكم للحسن (عليه السلام) من بعده وان حدثَ حدثٌ بالحسن فيكون الأمر للحسين (عليه السلام) وليس لمعاوية ان يعهد إلى احد من بعده، وشروط أخرى تضمن لشيعة علي (عليه السلام) حقوقهم. وطار معاوية فرحا بذلك.
وتحقق الأمان للناس عشر سنوات وصار كل واحد منهم يتعبد بالطريقة التي يعتقد بها، فهناك من يحج حج التمتع وهناك من يمتنع عنه فيحج حج الافراد، وعرف وجوه أهل الشام من خلال استضافات معاوية لوجوه شيعة علي (عليه السلام) في العراق وحواراته معهم في بلاطه كما عرف عامة أهل الشام من
«صفحة 107»
خلال مواسم الحج والعمرة واختلاطهم مع العراقيين أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته(عليهم السلام) . منها حديثه (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله». وحديث المنزلة. وحديث الكساء. كما عرفوا أخبار حج التمتع التي حاولت السلطات القرشية والإعلام الأموي الكاذب التعتيم عليها ووصف حركة علي (عليه السلام) باتجاه إحياء حج التمتع بالإفساد في الدين، وعرفوا أنَّ عليا قد أحيا الحج الذي جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وهو حج التمتع. كما عرفوا أخبارًا أخرى كثيرة تتصل بسنن النبي (صلى الله عليه وآله) التي عملت قريش المسلمة على تغييرها أو التعتيم عليها.
وعرفوا وصف ضرار له بل سمعوه منه في بلاط معاوية حين طلب منه أن يصفه قائلا: “كان واللهِ بعيدَ المدى، شديدَ القِوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه، وتنطِقُ الحِكمَةُ من نواحيه، يستوحشُ من الدنيا وزَهرتها، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه، غزيرَ العَبرة، طويلَ الفكرة، يعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر، ومن الطعام ما خَشُن. كان فينا كأحِدِنا، يجيبُنا إذا سألناه، وينبئُنا إذا استفتيناه، ونحن واللهِ مع تقريبِه إيانا وقُربِه منّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. يعظِّم أهلَ الدين ويقرِّب المساكين. لا يطمع القَوي في باطله، ولا ييأَسُ الضعيفُ من عدله، وأشهدُ لقد رأيتُه في بعض مواقفه، وقد أرخى الليلُ سدولَه، وغارت نجومُه، قابضا على لحيته، يتململُ تململَ السَّليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غُرّي غيري، أبي تَعرضَّتِ أم إلي تَشوفتِ. هيهات هيهات قد باينتُك ثلاثا لا رجعة لي فيها، فعُمرك قصير وخطرك حقير. آه من
«صفحة 108»
قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق”. وشهدوا من معاوية بعد هذا الوصف نزف دموعه على لحيته وقوله: رحم الله أبا حسن كان والله كذلك. وسمعوا جواب ضرار حين سأله معاوية: عن حزنه على علي. قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها (ابن عبد البر في الاستيعاب، ج2ص52). وشهد معاوية للعراقيين بالوفاء لعلي وبفقههم وجرأتهم.
وهكذا تجانست رؤية المسلمين لعلي (عليه السلام) من خلال انتشار الأحاديث النبوية فيه ومن خلال سيرته العملية التي أحيا فيها سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وصار مسلمة الفتوح متساوين في ذلك مع مجتمع الصحابة سنة عشر هجرية يوم الغدير ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
وخلاصة الأمر في مفاصل الفترة الزمنية الآنفة 10هـ الى 50هـ:
1. ان المسلمين في غدير خم /وهم مائة ألف أو يزيدون/ في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 10 للهجرة قد سمعوا مباشرة وصية النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله: (يوشك ان ادعى فأجيب اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ثم قال الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ثم أخذ بيد علي فرفعها وقال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه). وفهموا منها ان وليهم الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وان طاعة علي (عليه السلام) هي طاعة النبي (صلى الله عليه وآله) وان طاعة النبي (صلى الله عليه وآله) هي طاعة الله عز وجل، وبعبارة أخرى ان القرآن يدعو إلى طاعة أوامر الله عز وجل ولا تعرف الكثير منها الا من خلال سنة النبي (صلى الله عليه وآله) فيجب إطاعة النبي (صلى الله عليه وآله) وبها تكون
«صفحة 109»
الهداية، وان إدامة هذه الهداية تتم باتباع علي (عليه السلام) ، لان عليا (عليه السلام) باب مدينة العلم المتقيد حرفيا باتباع أوامر النبي (صلى الله عليه وآله) مع طهارته المنصوص عليها، ومن ثم كان النبي (صلى الله عليه وآله) يدعو لمن يتبع عليا (عليه السلام) بان يتولاه الله عز وجل ولمن يخالف عليا (عليه السلام) بان يعاديه الله عز وجل، كما عرفوا ان الإسلام قد هدم الطبقية الدينية القرشية ورفع شعار (ان أكرمكم عند الله اتقاكم) وساوى بينهم في الحقوق المدنية، فالكل سواء في العطاء والمؤمن كفئ المؤمنة فلا اعتبار للأحساب والأنساب.
2. في أواخر صفر سنة 11هجرية أي بعد سبعين يوما من واقعة الغدير نقضت قريش المسلمة ومن معها من الأنصار عهد النبي (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) بصفته الولي بعده بنص منه (صلى الله عليه وآله) واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة والنبي (صلى الله عليه وآله) بعد لما يدفن يتداولون من يكون خلفا له وغلبت قريش الأنصار بقول أبي بكر: (ان هذا الأمر لن تعرفه العرب في غير قريش) مع ان الإسلام جاء بهدم مكانة قريش في الجاهلية وشيد بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وعترته، وهكذا ارتدوا على ادبارهم القهقرى إلى الجاهلية وغيروا سنن النبي (صلى الله عليه وآله) وفتحت البلاد شرقا غربا على الضلال، وتربى مُسلمة الفتوح على تولي سيرة الشيخين بدلا من سنة النبي (صلى الله عليه وآله) ونُسي أمر أهل بيته(عليهم السلام) ، فبرزت الطبقية الدينية من جديد لقريش وأضيفت اليها الطبقية السياسية وصار الذي يليهم في الفضل هم العرب وجعلوهم جنود الفتح وولوهم الولايات الصغرى وتركوا الأعمال الخدمية والمهنية لأهل المدن بشكل عام.
3. نهض علي (عليه السلام) سنة 27هجرية واحيا حج التمتع وحديث الغدير ثم
«صفحة 110»
بويع في 18 من ذي الحجة سنة 35هـ بعد ان قتلت قريش الخليفة عثمان لاختلافها معه وانشقاقها عليه. وألغى الطبقية بين الناس وساوى بينهم في العطاء والزواج، والمسلمون حيثما كانوا هم طبقة واحدة: اكرمهم عند الله اتقاهم.
4. اجتمعت قريش واتباعها على حرب علي (عليه السلام) في الجمل وصفين والنهروان، واستشهد علي (عليه السلام) وقد انفتح النصف الشرقي من البلاد الاسلامية على علي (عليه السلام) بصفته إمام الهدى يهدي إلى سنة النبي (صلى الله عليه وآله) فاخذ بقوله من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا وصارت الكوفة مركز الهداية، وبقيت الشام مركز الضلالة وقد رفع معاوية شعار سيرة الشيخين مع لعن علي (عليه السلام) والبراءة منه مع أحاديث كذب وضعها القصاصون لتكريس رؤية ان عليا (عليه السلام) وشيعته مفسدون في الدين والدين يهدر دماءهم ويحل أموالهم، ثم حول معاوية جيش الشام إلى سرايا تغير على أطراف الكوفة تنهب وتقتل وتشرد.
5. استشهد علي (عليه السلام) سنة 40 هجرية، وبايع أهل العراق وأهل الحجاز واليمن وإيران وما والاها ولده الحسن (عليه السلام) بصفته الإمام الهادي بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ، وبايع أهل الشام وأهل مصر وما والاها معاوية / بصفته ثقة عمر وعثمان /على سيرة الشيخين، ثم بادر معاوية في عرض الصلح على الحسن (عليه السلام) وحقن الدماء بان يحكم كل أطراف البلاد التي بايعته ورأى الحسن (عليه السلام) ان ذلك سوف يكرس الانشقاق في الأمة وجهلها بسنة النبي (صلى الله عليه وآله) وأحاديثه (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) مضافا إلى تكريس الطبقية الدينية والسياسية فعرض الحسن (عليه السلام) على معاوية صيغة أخرى تجعل الحكم واحدا على الكتاب والسنة فقط، وعلى ذِكرِ علي (عليه السلام) وترك لعنه وأمان الناس، وحريتهم في التعبد، والرواية عن
«صفحة 111»
النبي (صلى الله عليه وآله) . واستجاب معاوية عشر سنوات وصار مسلمة الفتوح في الشرق والغرب سنة 50هـ كمجتمع الصحابة سنة 10هجرية بلحاظ حديث الغدير ومعرفة ولاية علي الهادية إلى سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وان الخلفاء كانوا قد غيروا سنن النبي (صلى الله عليه وآله) عن عمد.
6. استطاع علي (عليه السلام) بنهضته مدة ثمان سنوات وحكومته مدة خمس سنوات وابنه الحسن (عليه السلام) بصلحه مدة عشر سنوات أي مدة ثلاث وعشرين سنة ان ينشرا سنة النبي (صلى الله عليه وآله) في مجتمع مسلمة الفتوح ويحررا الناس من الطبقية المقيتة لقريش المسلمة ويعالجا فتنتها، كما نشر النبي (صلى الله عليه وآله) سنته في مجتمع الصحابة خلال ثلاث وعشرين سنة ويعالج فتنة قريش المشركة وطبقيتها الدينية بعد موت عبد المطلب حين غيرت دين إبراهيم.
وصار علي (عليه السلام) في مجتمع مسلمة الفتوح رمزا للهداية إلى سُنة النبي (صلى الله عليه وآله) كما كان موقعه زمن النبي (صلى الله عليه وآله) شريك النبي في رمزية الهداية إلى دين إبراهيم (الا ان موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته) (انا من رسول الله كالصنو من الصنو والذراع من العضد).
خامسا: 50 إلى 60هـ معاوية يغدر بالحسن (عليه السلام) ويفرض سيرة الشيخين ويضل الجيل الجديد من الأمة عن سنة النبي (صلى الله عليه وآله) ويربيه على لعن علي (عليه السلام) بوصفه ملحدا في الدين وعلى تولي بني أميه بوصفهم هداة إلى الله.
لم يكن معاوية لتخفى عليه أهداف الحسن (عليه السلام) من وراء الصلح، ولكنه اضمر الغدر ثم إحياء سيرة الشيخين في الحكم مع إضافة لعن علي (عليه السلام)
«صفحة 112»
وطمس ذكره الا بسوء مع رفع شأن معاوية ويزيد ووصفهم انهم الهداة بعد الخلفاء الثلاثة.
ولم يطِق معاوية نجاح خطة الحسن (عليه السلام) وظهور آثارها خلال عشر سنوات في الأمة كلها فقد برز الحسن في مدينة جده مرجعا دينيا وإماما في عمل الخير لا يدانيه احد في عصره، قال محمد بن إسحاق: ما بلغ احد من الشرف بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بلغ الحسن بن علي (عليهما السلام) . كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق فما يمر احد من خلق الله الا جلس إجلالا له فاذا علم قام ودخل بيته فيمر الناس. ونزل عن راحلته في طريق مكة فمشى فما من خلق الله احد الا نزل ومشى حتى سعد بن أبي وقاص فقد نزل ومشى إلى جنبه. (المجلسي، بحار الانوار ج43 ص254 نقلا عن المناقب) لقد أحيا الحسن (عليه السلام) سيرة أبية علي (عليه السلام) وتميزه في العلم وكل اعمال الخير الذي كان يقول (ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير).
وأدرك معاوية انه اذا توفي وتسلم الحسن (عليه السلام) بعده حكم الأمة سوف لن يبقى له ولا للثلاثة من قبله اثر في المجتمع الا الذكر السيئ، فقرر معالجة الموقف، وليس أمامه الا الغدر بالحسن (عليه السلام) فدس له السم ثم نقض شروطه شرطا شرطا واحيا سيرة الشيخين في الحكم وأعاد لعن علي (عليه السلام) في الأمة بصفته مفسدا في الدين، ويريد به سيرة الخليفتين التي أدخلت في الدين قهرا على الأمة، وهو واقع حال نهضة علي (عليه السلام) فقد كشف للامة ان سيرة الشيخين هي آراء شخصية خالف بها الشيخان سنة النبي (صلى الله عليه وآله) فتخلى عنها من تخلى زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وبقي من شاء ان يبقى عليها، واي إفساد في دين الخليفتين اكثر
«صفحة 113»
من هذا واستعار معاوية دور علي (عليه السلام) الإحيائي للسنة، فتقمصه في إحياء سيرة الشيخين واصفا عليا (عليه السلام) بما كان علي يصف الخلفاء من قبله به، قال أبو عثمان الجاحظ أن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إن أبا تراب الحد في دينك، وصد عن سبيلك فالعنوه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا أليما وكتب بذلك إلى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشاربها على المنابر) (شرح النهج 4/56).
واضاف إلى ذلك المنع من نشر فضائل علي (عليه السلام) ومعاقبة الممتنع اشد عقوبة، ووضع أحاديث في فضائل الشيخين وعثمان ومعاوية ويزيد.
قال المدائني: كتب معاوية إلى قضاته وولاته في الامصار ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي (عليه السلام) الذين يروون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة. ثم كتب ايضا: انظروا من قامت عليه البينة انه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان. ثم كتب كتابا آخر من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة فاقتلوه !. ثم كتب: (أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته) ثم كتب إلى عُمّاله: (إنَّ الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشا في كل مِصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني له في الصحابة فإنَّ هذا أحبُّ إلىَّ وأقرُّ لعيني وأدحض لِحُجَّة أبي تراب وشيعته وأشدُّ عليهم من مناقب عثمان وفضله). فقُرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها. حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان
«صفحة 114»
فقبلوه ورووها وهم يظنون إنها حق، ولو علموا إنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها. (ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة ج11ص45ـ46). وتربى على ذلك الجيل الجديد من المسلمين شرق الأرض وغربها الا من رحم ربك.
وأخيرا فرض على الأمة بيعة ولده يزيد خليفة يقودهم إلى الله ويشفع لهم عنده مستعيرا ما جرى في غدير خم من تعيين علي (عليه السلام) إماما وهاديا وشفيعا يقودهم إلى الله ونصب خيمة لبيعته.
تربى الجيل الجديد من عمر 15 سنة إلى عمر ثلاثين سنة على ان أئمة الهدى هم الخلفاء الثلاثة من قريش ثم معاوية مقرونا بلعن علي بوصفه رمز الضلالة. ثم انضاف اليهم يزيد سنة 56هـ حين أخذت له البيعة من غالبية الناس من كل الأعمار.
صار معاوية بذلك نظير السامري في بني إسرائيل حين صنع لهم العجل وقال لهم هذا إلهكم واله موسى. كذلك معاوية قال للامة هذا يزيد خليفتكم خليفة الله عليكم وعليكم وعلى الحسين (عليه السلام) مبايعته ومن مات من دون بيعته مات ميتة جاهلية. ولم يكن عند يزيد إثارة من علم ولا سابقة من جهاد ولا تأييد الهي ليكون قائدا إلى الله، بل حب أبية له دفعه إلى ترشيحه لهذا الموقع (قال معاوية وقد ضربه اللقو أخشى ان تكون عقوبة عجلت لي ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي).
وقد انبأ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن فتنة بني أميه بما عنده من اخبار نبوية عنها بكلمات كثيرة منها:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (الا وان اخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة: عمت خطتها، وخصت بليتها، وأصاب البلاء من
«صفحة 115»
ابصر فيها، واخطأ البلاء من عمي عنها…. ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية، وقطعا جاهلية، ليس فيها منار هدى، ولا علم يرى نحن أهل البيت منها بمنجاة). (نهج البلاغة /الخطبة 93).
وقال (عليه السلام) : «و إِنَّهُ سَياتي عَلَيكُم مِن بَعدي زَمانٌ- لَيسَ فيهِ شَيءٌ أَخفَى مِنَ الحَقِّ- ولا أَظهَرَ مِنَ الباطِلِ- ولا أَكثَرَ مِنَ الكَذِبِ عَلَى اللهِ ورَسولِهِ- ولَيسَ عِندَ أَهلِ ذَلِكَ الزَّمانِ سِلعَةٌ أَبورَ مِنَ الكِتابِ- إِذا تُلي حَقَّ تِلاوتِهِ- ولا أَنفَقَ مِنهُ إِذا حُرِّفَ عَن مَواضِعِهِ- ولا في البِلادِ شَيءٌ أَنكَرَ مِنَ المَعروفِ- ولا أَعرَفَ مِنَ المُنكَرِ- فالكِتابُ يومَئِذٍ وأَهلُهُ طَريدانِ مَنفيانِ- وصاحِبانِ مُصطَحِبانِ في طَريقٍ واحِدٍ لا يؤويهِما مُؤو- فالكِتابُ وأَهلُهُ في ذَلِكَ الزَّمانِ في النّاسِ ولَيسا فيهِم- ومَعَهُم ولَيسا مَعَهُم- لِأَنَّ الضَّلالَةَ لا توافِقُ الهُدَى وإِنِ اجتَمَعا- فاجتَمَعَ القَومُ عَلَى الفُرقَةِ- وافتَرَقوا عَلَى الجَماعَةِ كانَّهُم أَئِمَّةُ الكِتابِ- ولَيسَ الكِتابُ إِمامَهُم- فَلَم يبقَ عِندَهُم مِنهُ إِلّا اسمُهُ- ولا يعرِفونَ إِلّا خَطَّهُ وزَبرَهُ- ومِن قَبلُ ما مَثَّلوا بِالصّالِحينَ كُلَّ مُثلَةٍ- وسَمَّوا صِدقَهُم عَلَى اللهِ فِريةً وجَعَلوا في الحَسَنَةِ عُقوبَةَ السَّيئَةِ.» .
سادسا: 60 إلى 61 هـ نهضة الحسين (عليه السلام) لإحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهداية الجيل الذي أضله معاوية. وتحرير الكوفة من سيطرة بني أميه لتنطلق بمشروع علي (عليه السلام) من جديد.
كان الحسين (عليه السلام) هو المعد الهيا في مواجهة فتنة معاوية وضلالته كما كان أبوه علي (عليه السلام) من قبل معد الهيا ليقف إمام ضلالة قريش المسلمة حين قال (عليه السلام) (أنا فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها غيري).
وفي الزيارة قال الإمام الصادق (عليه السلام) :
«صفحة 116»
«اللهم إني أشهد ان هذا الحسين وليك وابن وليك وصفيك وابن صفيك الفائز بكرامتك، أكرمته بالشهادة… وأعطيته مواريث الأنبياء وجعلته حجة على خلقك، فأعذر في الدعاء ومنح النصح وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة، وقد توازر عليه من غرته الدنيا وباع حظه بالأرذل الأدنى وشرى آخرته بالثمن الأوكس وتغطرس وتردى في هواه وأسخطك وأسخط نبيك وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار المستوجبين للنار فجاهدهم فيك صابرا محتسبا، حتى سفك في طاعتك دمه واستبيح حريمه، اللهم ! فالعنهم لعنا وبيلا وعذبهم عذابا أليما».
وتفصيل ذلك في بحث قادم ان شاء الله تعالى.
«صفحة 117»
الظاهرة الحسينية قراءة وصفية دلالية(1)
الظاهرة الحسينية:
نريد بـ (الظاهرة الحسينية): الحركة الحسينية في المجتمع الإسلامي منذ خروج الحسين (عليه السلام) مع أهل بيته من المدينة ليلا، لليلتين بقيتا من رجب، هو وأهل بيته ووصولهم إلى مكة في الثالث من شعبان، ثم خروجهم من مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة ستين هجرية ثم وصوله إلى كربلاء في الليلة الأولى من المحرم سنة إحدى وستين هجرية وتنامي قطعات الجيش الأموي خلال الليالي العشر إلى ثلاثين ألف أو يزيدون، والحسين (عليه السلام) ورجاله من أهل بيته وأصحابه سبعون معهم النساء والأطفال، ثم قتلهم قتل اجتثاث واستئصال يوم العاشر من المحرم، وحز رؤوسهم ورفعها على الرماح وتسيير النساء والأطفال في موكب تقشعر من الجلود إلى الكوفة ثم إلى الشام التي كانت آنذاك عاصمة الدولة الإسلامية، وقد أخذت زينتها وزخرفها ؛ كل ذلك من اجل استئصال إمامة علي (عليه السلام) الإلهية، والأحاديث النبوية بحقه، والجماعة التي حملت العلم بالكتاب والسنة عن طريقه.
هذا هو الوجه الأول للظاهرة، وهو وجه إصرار أعداء الحسين (عليه السلام) على استئصال الحسين (عليه السلام) واستئصال رسالته وأنصاره من المجتمع المسلم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشر هذا البحث ضمن مجموعة كراسات المكتبة الحسينية الميسرة، عام 1433هـ/2011م، الكراس رقم7.
«صفحة 118»
أما وجهها الثاني فهو التجمع البشري الذي نشأ بعد تلك الواقعة والذي ضم تسعة أئمة هداة من ذرية الحسين (عليه السلام) بكوا الحسين (عليه السلام) بكاءً خاصا بخلاف ما يتعامل الناس مع مصائبهم من الصبر والكف عن البكاء، ثم تأثر بهم صفوة من الناس مالت اليهم، وتعاطفت معهم، فأخذت العلم عنهم، وبكت الحسين (عليه السلام) لبكائهم.
ثم استمر هذا التجمع بعد اولئك الأئمة التسعة يبكي الحسين (عليه السلام) بالشكل الذي علموهم إياه، يبكونه سنويا وفي الأيام العشرة من شهر المحرم، وبخاصة يوم العاشر منه حيث يكون قمة حزنهم وبكائهم، هذا التجمع البشري الحزين الذي يضم مختلف الأعمار من كلا الجنسين ومن مختلف المواقع الاجتماعية والعلمية وفي مختلف الأماكن الشيعية بل وفي مختلف بقاع الدنيا حيث يوجد فيها شيعة، تجمع يظهر على السطح واضحا في الليالي العشر من المحرم متوشحا بالسواد، ومنشدا للمراثي الحزينة بحق الحسين (عليه السلام) ، ثم يثور كبركان من مشاعر الحزن وفيضان الدموع بشكل خاص يوم العاشر منه.
هذا هو الوجه الثاني للظاهرة، وهو وجه استمرار ذكر الحسين (عليه السلام) بالخير والمحبة واستمرار رسالته، وكثرة ذريته وأنصاره في قبال انحسار وجود أعدائه حتى لا يكاد يجد الباحث شخصا ينتسب إلى معاوية او يزيد، ولا يجد الباحث أيضا شخصا بين المسلمين اليوم يلعن الحسين (عليه السلام) أو يلعن أباه عليا (عليه السلام) كما كان يفعل الملايين منهم زمن معاوية ويزيد وبأمرهما.
ونحن في هذا البحث نريد ان نصف الظاهرة بوجهيها وصفا اكثر تفصيلا، ثم نحاول قراءتها قراءة دلالية على غرار ما نقوم به حين نقرأ الظاهرة الكونية أو
«صفحة 119»
الظاهرة القرآنية قراءة دلالية، وهي قراءة تتسع للدلالة على إثبات وجود الله تعالى ورعايته لأصفيائه وعلى صدق نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) ، وإمامة أهل البيت (عليه السلام) في المجتمع ألإسلامي.
الوجه الأول للظاهرة الحسينية: وجه إصرار أعداء الحسين (عليه السلام) على استئصال الحسين (عليه السلام) واستئصال رسالته وأنصاره.
وتتضح أبعاد هذا الوجه بالحديث عن ثلاثة أمور:
الأول: الحسين بن علي ابن فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله) : الذي عرضه النبي (صلى الله عليه وآله) على انه من أصفياء الله. وكان لهذا الاصطفاء معالم كثيرة منها انه احد أفراد آية التطهير ﴿إِنَّما يريدُ اللهُ ليذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ويطَهِّرَكُم تَطهيرا﴾ الأحزاب/33،
وأحد أفراد آية المباهلة ﴿فَمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعالَوا نَدعُ أَبناءَنا وأَبناءَكُم ونِساءَنا ونِساءَكُم وأَنفُسَنا وأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَتَ اللهِ عَلَى الكاذِبينَ﴾ آل عمران/61
وأحد أفراد المودة ﴿قُل لا أَسئَلُكُم عَلَيهِ أَجرا إِلا المَودَّةَ في القُربى ومَن يقتَرِف حَسَنَةً نَزِد لَهُ فيها حُسنا إِنَّ اللهَ غَفورٌ شَكورٌ﴾ الشورى/23.
وانتهت إليه وراثة علم الكتاب الإلهي ﴿ثُمَّ أَورَثنا الكِتابَ الَّذينَ اصطَفَينا مِن عِبادِنا فَمِنهُم ظالِمٌ لِنَفسِهِ ومِنهُم مُقتَصِدٌ ومِنهُم سابِقٌ بِالخَيراتِ بِإِذنِ اللهِ ذلِكَ هو الفَضلُ الكَبيرُ﴾ فاطر/32، العلم الذي كتبه علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) فصلنا الحديث في ذلك في كتابنا: المنهج القرآني في إثبات إمامة أهل البيت في القرآن.
«صفحة 120»
وكان له شيعة هم شيعة أبيه، ومركزهم الكوفة، وقد حملوا العلم عن علي (عليه السلام) ، وهم مستضعفون من سنة خمسين إلى سنة ستين من معاوية رأس بني أميه. وكانت فترة إمامته عشر سنوات، وهي سنوات محنة الشيعة بل محنة الإسلام بعد وفاة الحسن (عليه السلام) زمن معاوية وقد سكت زمن معاوية متجرعا الغصص ونهض عليه السلام معلنا نهضته في مكة رافضا بيعته ليزيد إحياء لسنة النبي (صلى الله عليه وآله) التي كتمت وضيعت وحرفت.
الثاني: بنو أمية الذين طرحوا انفسهم، زورا وكذبا بعد وفاة الحسن (عليه السلام) سنة خمسين هجرية، انهم ورثة لخاتم الأنبياء وخلفاء الله تعالى وائمة هداة يقودون الناس إلى الله تعالى، وتبنوا العمل على محو سنة النبي (صلى الله عليه وآله) الصحيحة واستبدالها بسنة كاذبة نسبوها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كذبا وزورا، وفرضوا على الناس ان يلعنوا عليا (عليه السلام) وان يتبرؤوا منه. ووضعوا أحاديث على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) تسوغ لهم ذلك، وقد كرَّس بنو أميه كل قدراتهم التي تتمتع بها دولتهم الواسعة لتربية الناس والنشء الجديد على هذين الهدفين انتهجوا سياسة الترهيب والترغيب بكل قوتهم فامتلأت السجون والمنافي فضلا عن عدد هائل ممن عارضهم ووقف في وجه أطروحتهم تلك.
الثالث: يوم عاشوراء سنة إحدى وستين هجرية الذي أقدم فيه أعداء الحسين (عليه السلام) على قتل الحسين (عليه السلام) واستئصال ذريته إذ قتلوا حتى الطفل الرضيع، ولم يبق من ذرية الحسين (عليه السلام) ؛ الا علي بن الحسين (عليه السلام) بسبب مرضه الذي أقعده عن القتال، والذي كان يحسبه كل من رآه يوم العاشر انه ميت لما به، وداسوا بخيولهم جسد الحسين (عليه السلام) مبالغةً في إهانته، ورفعوا رؤوس القتلى
«صفحة 121»
على الرماح، وسيروا النساء أسرى إلى الشام عاصمة الدولة الاسلامية آنذاك. وفي قبال ذلك برز يزيد حاكما منتصرا وتزينت الشام لهذا النصر وحسِب الناظر إلى الأمويين آنذاك ان الدنيا كلها معقودة لهم.
الوجه الثاني للظاهرة الحسينية: وجه الانبعاث والتجّذر.
بعد ستين سنة من يوم عاشوراء شهد الواقع التاريخي أربعة أمور شكلت الوجه المنبعث والفياض للظاهرة الحسينية وهي:
الأمر الأول: انهيار دولة بني أميه فلم تبق لهم باقية فقد مُزِّقوا شرَّ ممزَّق وورِث غيرُهم كل ما بنوه وجمعوه من أموال، وانقطعت ذرية يزيد فلم يبق احد ينتسب إليه. واقترنت اللعنة باسمه واسم أبية واسم امه هند. وانتهت أطروحتهم على انهم خلفاء الله إلى غير رجعة كما انتهت أطروحتهم في لعن علي (عليه السلام) . فلم يظهر كيان سياسي بعدهم يتبنى لعن علي (عليه السلام) حتى في دولتهم الثانية في الأندلس والتي امتدت ثلاثة قرون تقريبا (138-422).
الأمر الثاني: انتشار أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في فضائل علي (عليه السلام) وعودة ذكره بخير في كل الأمة.
الأمر الثالث: بروز بيت الحسين (عليه السلام) من جديد من خلال ولده علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين الذي شكل ظاهرة ملفتة للنظر في عدة مستويات:
المستوى الأول: شفاؤه من مرض مميت حتما، وهو مرض الذرَب (مرض يفسد المعدة المسمى بالإسهال)، وهو مرض اذا أصاب الكبير في الصيف واستمر عدة أيام فانه يودي بحياة المريض، وقد كانت حالة علي بن الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء هي الضعف الشديد، وفقدان الوزن إذ كان ابن
«صفحة 122»
ثلاث وعشرين سنة، ولكن الناظر يراه اصغر من سنه، وهذا المرض أقعده عن القتال، وكان متزوجا وله الباقر وقد شهد كربلاء مع والده وهو ابن اربع سنوات، وقد أراد شمر قتله فقيل له دعه لما به، ثم شافاه الله تعالى من مرضه بعد ذلك.
المستوى الثاني: إنجابه ستة أولاد هم محمد الباقر (عليه السلام) ، وعبد الله الباهر وعمر الأشرف، وزيد، والحسين الأصغر، وعلي. وعن طريقهم تفرع نسل الحسين (عليه السلام) وانتشر في الدنيا بشكل لافت للنظر.
المستوى الثالث: بروز علي بن الحسين (عليه السلام) (1) علَما في الأمة في العبادة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قال أبو بكر بن البرقي ونسل الحسين بن علي كله من قبل علي الأصغر وأمه أم ولد وكان أفضل أهل زمانه (تهذيب الكمال ترجمة علي بن الحسين).وروى عن زيد بن أسلم قال ما جالست في أهل القبلة مثله يعني علي بن حسين (تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر ج 14 ص 373).وهو عند سعيد بن المسيب: أورع من رآه. وقد روي أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك أو الوليد فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين عليه إزار ورداء أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى له الناس عنه حتى يستلمه هيبة له وإجلالا فغاظ ذلك هشاما فقال رجل من أهل الشام لهشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فأفرجوا له عن الحجر فقال هشام لا أعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق وكان حاضرا ولكني أعرفه فقال الشامي من هو يا أبا فراس فقال الفرزدق قصيدته المشهورة:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا بن خير عباد الله كلهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت
عن نيلها عربُ الأقوام والعجمُ
يكاد يمسكه عرفان راحته
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضي من مهابته
فما يكلم إلا حين يبتسم
بكفه خيزران ريحها عبق
من كف أروع في عرنينه شمم
مشتقة من رسول الله نبعته
طابت عناصره والخيم والشيم
ينجاب نور الهدى عن نور غرته
كالشمس ينجاب عن إشراقها العتم
حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا
حلو الشمائل تحلو عنده نعم
هذا بن فاطمة إن كنت جاهله
بجده أنبياء الله قد ختموا
الله فضله قدما وشرفه
جرى بذاك له في لوحه القلم
فليس قولك من هذا بضائره
العُرب تعرفُ من أنكرتَ والعجم
عم البرية بالإحسان فانقشعت
عنه الغيابة والإملاق والعدم
كلتا يديه سحاب عم نفعهما
يستوكفان ولا يعروهما العدم
سهل الخليقة لا يخشى بوادره
يزينه اثنان حسن الخلق والكرم
لا يخلف الوعد ميمون نقيبته
رحب الفناء أريب حين يعتزم
من معشر حبهم دين وبغضهم
كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم
ويسترب به الإحسان والنعم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم
في كل بر ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
وغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم وقال اعذر أبا فراس فلو كان عندنا أكثر منها لوصلناك بها فردها وقال يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله وما كنت لأرزأ عليه شيئا فردها إليه وقال بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك فقبلها.
(العرنين اعلى الانف بين العينين)، (الخيم بكسر الخاء السجايا لا واحد لها).
«صفحة 123»
والعلم، ومن بعده ولده الباقر (عليه السلام) بشكل اعظم إذ عرف عنه انه كان يبقر العلم بقرا ومنه لُقِّب بالباقر(1)، ومن بعده برز ولده الصادق (عليه السلام) (2) وبخاصة السنوات
ـــــــــــــــــــــــ
(1) فقد قال الذهبي فيه: أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام. وكان سيد بني هاشم في زمانه اشتهر بالباقر من قولهم بقر العلم يعني شقه فعلم أصله وخفيه (تذكرة الحفاظ 1/124).
وقال محمد بن المنكدر ما رأيت أحدا يفضُل على علي بن الحسين حتى رأيت ابنه محمدا.(و محمد بن المنكدر بن عبد الله القرشي أبو عبد الله وهم اخوة ثلاثة أبو بكر ومحمد وعمر وكان محمد من سادات قريش وعباد أهل المدينة وقراء التابعين مات سنة ثلاثين ومائة وقد نيف على السبعين وكان يصفر لحيته ورأسه بالحناء). وقال ابن سعد في ترجمة الباقر (عليه السلام) : كان ثقة كثير الحديث. وقال ابن البرقي: كان فقيها فاضلا.
(2) وقد قال ابن حجر فيه: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق صدوق فقيه إمام. قال إبراهيم بن محمد الرماني أبو نجيح سمعت حسن بن زياد يقول سمعت أبا حنيفة وسئل من أفقه من رأيت فقال ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد. لما أقدمه المنصور الحيرة بعث إلي فقال يا أبا حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيء له من مسائلك تلك الصعاب فقال فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إلي أبو جعفر فأتيته بالحيرة فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلمت وأذن لي أبو جعفر فجلست ثم التفت إلى جعفر فقال يا أبا عبد الله تعرف هذا قال نعم هذا أبو حنيفة ثم أتبعها قد أتانا ثم قال يا أبا حنيفة هات من مسائلك سل أبا عبد الله فابتدأت أسأله قال فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرج منها مسألة ثم قال أبو حنيفة أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
«صفحة 124»
132-136هجرية إذ ظهر بشكل مرجع عام في الأمة الاسلامية حيث كان يحضر درسه أربعة آلاف تلميذ تقريبا حملوا عنه العلم الذي كتبه علي (عليه السلام) وورثه الحسن (عليه السلام) ثم الحسين (عليه السلام) ثم علي بن الحسين (عليه السلام) ثم الباقر (عليه السلام) ثم الصادق (عليه السلام) ، وكتب أربعمائة تلميذ من تلاميذ الصادق (عليه السلام) عنه (عليه السلام) أربعمائة رسالة وكتاب في الفقه خاصة.
الأمر الرابع: بروز شيعة علي (عليه السلام) الذين عمل الأمويون على تصفيتهم من جديد كفئة ظاهرة في المجتمع المسلم، تحمل العلم الذي كتبه علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) برواية الصادق حفيد الحسين (عليه السلام) ، وتحيي عاشوراء بالحزن والبكاء سنويا.
تفسير الظاهرة الحسينية في وجهها المنبعث المتنامي:
ليس من شك ان جانب البقاء والانبعاث في الظاهرة الحسينية المتمثل بعناصرها الأربعة الآنفة الذكر لا يمكن تفسيره الا بعامل التأييد الإلهي والرعاية الإلهية للحسين (عليه السلام) وهذه الرعاية أخذت شكلين:
الشكل الأول: الرعاية الإلهية بفعل الهي مباشر. وهو واضح جدا في مسألة
«صفحة 125»
انقطاع نسل يزيد وبني أميه وكثرة نسل الحسين (عليه السلام) في الوقت الذي كانت فيه ظروف يزيد تقتضي كثرة النسل وظروف الحسين تقتضي استئصال النسل. وهذه المسألة من مختصات الله تعالى فهو الذي يهب الذكور والإناث ﴿لِلَّهِ مُلكُ السَّماواتِ والأَرضِ يخلُقُ ما يشاءُ يهَبُ لِمَن يشاءُ إِناثا ويهَبُ لِمَن يشاءُ الذُّكورَ﴾ الشورى/49، وكذلك الشفاء من المرض ﴿و إِذا مَرِضتُ فَهو يشفينِ﴾ الشعراء/80، وقد كان علي بن الحسين (عليه السلام) في مرضه الذي أقعده عن القتال يوم عاشوراء لا يرتجى شفاؤه منه ويحسبه الناظر إليه انه من الأموات.
الشكل الثاني: الرعاية الإلهية عن طريق فعل السنن الإلهية في حركة التاريخ. وهذا النوع الثاني من الرعاية الإلهية يجعل الظاهرة الحسينية في مصاف ظاهرة انتصار الأنبياء على مكذبيهم المذكورة في القرآن عبر القصص الكثيرة بل وتعد الظاهرة الحسينية تعد من أوضح المصاديق الحية لهذه السنن. وفيما يلي بعض هذه السنن:
1. سنة إهلاك الظالمين واستخلاف المستضعفين في الله:
كما حصل مع نوح وهود وصالح وغيرهم وسنة إهلاك الظالمين وفتح الطريق للمستضعفين ليكونوا وجودا ظاهرا كما حصل مع قوم موسى وأصحاب عيسى (عليه السلام) .
قال تعالى:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(59)قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ(60)قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ(61)أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ(62)أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ
«صفحة 126»
وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(63)فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ(64)وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ(65)قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ(66)قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ(67)أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ(68)أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(69)قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(70)قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ(71)فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ(72)﴾ الأعراف/95ـ72
وقال تعالى
﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ(61)قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ(62)قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ(63)وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ(64)فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ(65)فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ(66)وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ(67)كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ(68)﴾ هود/61ـ68
«صفحة 127»
وفي قصة موسى (عليه السلام) :
قال تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلاَئِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(103)﴾ الأعراف/103
وقال تعالى:
﴿فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ(136)وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ(137)﴾ الأعراف/136ـ137
وفي قصة عيسى (عليه السلام) :
قال تعالى:
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(52)رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ(53)وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ(54)إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(55)فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ(56)وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(57)﴾ آل عمران/52ـ57.
وقال تعالى:
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ(14)﴾ الصف/14.
«صفحة 128»
وفي قصة أصحاب القرية والمرسلين:
قال تعالى:
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ(13)إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ(14)قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ(15)قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ(16)وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ(17)قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ(18)قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ(19)وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20)اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(22)أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ(23)إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ(24)إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ(25)قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26)بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ(27)وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ(28)إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ(29)يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ(30)أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ(31)وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ(32)وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ(33)﴾ يس/13ـ33
2. سنة ابقاء إمامة الهدى في أهل بيت النبي المؤسس:
في بيت نوح وإبراهيم:
وقال تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ(26)﴾ الحديد/26
«صفحة 129»
وقال تعالى:
﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ(71)وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ(72)فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ(73)إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ(74)وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ(75)وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ(76)وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ(77)وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ(78)سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ(79)إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(80)إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ(81)ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ(82)وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ(83)إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(84)إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ(85)أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ(86)فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ(87)فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ(88)فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ(89)فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ(90)فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ(91)ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ(92)فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ(93)فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ(94)قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ(95)وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ(96)قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ(97)فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الأَسْفَلِينَ(98)﴾ الصافات/71ـ98
وقال تعالى:
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(83)وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(84)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ(85)وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ(86)وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ(87)ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ(88)أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ(89)﴾ الأنعام/83ـ89
«صفحة 130»
وفي بيت محمد (صلى الله عليه وآله) :
قال تعالى:﴿أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ(89)أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ(90)﴾ الأنعام/89ـ90
وقال تعالى:
﴿وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ(167)لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الأَوَّلِينَ(168)لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ(169)فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(170)وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ(171)إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ(172)وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ(173)فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ(174)وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ(175)أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ(176)فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ(177)وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ(178)وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ(179)سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ(180)وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ(181)وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِينَ(182)﴾ الصافات/167ـ182
وقال تعالى:
﴿وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً(60)﴾ الإسراء/60
وقال تعالى:
﴿أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ(17)وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(18)الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ(19)أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ(20)﴾ هود/17ـ20
«صفحة 131»
وقال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا(96)﴾ مريم/96.
وقال تعالى:
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ(20)إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ(21)أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ(22)﴾ آل عمران/20ـ22.
الظاهرة الحسينية وأصول الدين الثلاثة التوحيد والنبوة وإمامة علي (عليه السلام) :
1. التوحيد والظاهرة الحسينية:
التوحيد هو الإيمان بان الله تعالى مدبر الظواهر الكونية وخلقها لصالح الانسان. ومن هنا صارت مسرحا للتفكير الذي يقود إلى الإيمان بالله تعالى، وكذلك الحال في الظاهرة الحسينية فهي تدبير الهي لصالح الحسين (عليه السلام) حين حفظ ولد الحسين (عليه السلام) وشفاه من مرضه المميت ثم رزقه الذرية التي تملأ الدنيا. وفي قبال ذلك بتر نسل عدو الحسين، فهذه القضية مسرح للتفكير الذي يقود إلى الإيمان بالله تعالى.
2. النبوة:
حقيقة النبوة هي الاخبار التفصيلي بالمغيبات. والعلم بالغيب ينحصر بالله تعالى، ومن هنا تكون علامة صدق نبوة نبي هو الاخبار بالغيب التفصيلي
«صفحة 132»
ثم وقوع هذا الغيب كما اخبر النبي (صلى الله عليه وآله) ، وقد تواتر لدى المسلمين ان النبي محمد (صلى الله عليه وآله) اخبر بقتل ولده الحسين (عليه السلام) بشاطئ الفرات مظلوما عطشانا. وفيما يلي نموذج من تلكم الروايات.
قال ابن كثير قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، ثنا شراحيل بن مدرك، عن عبدالله بن نجيي، عن أبيه أنه سار مع علي – وكان صاحب مطهرته(1) – فلما جاؤوا نينوى وهو منطلق إلى صفين. فنادى علي: صبرا أبا عبدالله، صبرا أبا عبدالله، بشط الفرات قلت: وماذا تريد ؟ قال: « دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان فقلت: ما أبكاك يا رسول الله ؟ قال: بلى، قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال فقال: هل لك أن أشمك من تربته ؟ قال: فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا». قال ابن كثير تفرد به أحمد(2).
وروى نصر بن مزاحم عن سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن كثير عن أبيه: أن عليا أتى كربلاء فوقف بها، فقيل يا أمير المؤمنين، هذه كربلاء. قال: ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى مكان فقال: هاهنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال: هاهنا مهراق دمائهم(3).
وروى الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عبد الله بن الحكم بن أبي زياد وأحمد بن يحيى الصوفي قالا ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هاني بن هاني عن علي رضي الله تعالى عنه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المطهرة هي إناء ماء الوضوء.
(2) البداية والنهاية مجلد: 8 /217 , مسند أحمد 1/85 , الآحاد والمثاني 1/ 308.
(3) وقعة صفين / 142
«صفحة 133»
قال ليقتلن الحسين قتلا وإني لأعرف التربة التي يقتل فيها قريبا من النهرين.
وروى أيضا قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو الأعمش عن سلام أبي شرحبيل عن هرثمة قال كنت مع علي رضي الله تعالى عنه بنهر كربلاء فمر بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ منه قبضة فشمها ثم قال يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب(1).
أقول: قوله (سبعون ألفا) تحريف والصحيح هو سبعون وهم أنصار الحسين (عليه السلام) الذين قتلوا معه.
وروى محمد بن سعد وغيره من غير وجه عن علي بن أبي طالب أنه مر بكربلاء عند أشجار الحنظل وهو ذاهب إلى صفين، فسأل عن اسمها فقيل كربلاء، فقال: كرب وبلاء، فنزل وصلى عند شجرة هناك ثم قال: يقتل ههنا شهداء هم خير الشهداء …، يدخلون الجنة بغير حساب – وأشار إلى مكان هناك – فعلموه بشيء فقتل فيه الحسين(2).
وقد روى نصر بن مزاحم رواية هرثمة بتفصيل أكثر قال: حدثني مصعب بن سلام، قال أبو حيان التميمي، عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علي بن أبى طالب غزوة صفين، فلما نزلنا بكربلاء صلى بنا صلاة، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المعجم الكبير 3 / 110، 111.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد.
«صفحة 134»
واها لكِ أيتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب. فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته وهي جرداء بنت سمير، وكانت شيعة لعلى فقال لها زوجها هرثمة: ألا أعجبك من صديقك أبى الحسن ؟ لما نزلنا كربلاء رفع إليه من تربتها فشمها وقال: واها لك يا تربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب وما علمه بالغيب ؟ فقالت: دعنا منك أيها الرجل، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا. فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه، قال: كنت فيهم في الخيل التي بعثت إليهم، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها، والقول الذي قاله، فكرهت مسيري، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين، فسلمت عليه، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسين: معنا أنت أو علينا ؟ فقلت: يا ابن رسول الله. لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي أخاف عليهم من ابن زياد. فقال الحسين: فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال: فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله(1).
وروى الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن يحيى بن أبي سمينة ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن ميمون بن مهران عن شيبان بن مخرم وكان عثمانيا (وفي رواية ابن عساكر: وكان عثمانيا يبغض عليا (عليه السلام) ) قال: إني لَمَعَ علي رضي الله تعالى عنه إذ أتى كربلاء فقال يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلا شهداء بدر فقلت بعض كذباته وثم رجل حمار ميت فقلت لغلامي خذ رجل هذا الحمار فأوتدها في مقعده وغيبها فضرب الدهر ضربة فلما قتل الحسين بن علي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وقعة صفين / 140.
«صفحة 135»
رضي الله تعالى عنهما انطلقت ومعي أصحاب لي فإذا جثة الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه على رجل ذاك الحمار وإذا أصحابه ربضة حوله(1).
أقول:
مراده برِجل الحمار عظم الساق، ويظهر من الرواية أن شيبان بن مخرم بقي على عثمانيته ثم التحق بالجيش الذي سيره ابن زياد لقتل الحسين ولم ينتفع بما يحمله من رواية علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) التي شهد صدقها وتحققها كما لم ينتفع هرثمة بن سليم الآنف الذكر حيث سمع من علي (عليه السلام) الرواية نفسها وشهد صدقها وتحققها وجاء إلى الحسين وحدثه بها ونصحه الحسين بأن لا يشهد القتال إذا لم يكن ناصرا له ولا معينا لعدوه وعمل هرثمة بهذه النصيحة حيث فر ولم يشهد القتال. أما كون جثة الحسين وأصحابه على رجل ذلك الحمار فلا يبعد أن تكون من مبالغات شيبان أو الراوي عنه وهو ميمون بن مهران وكان يبغض عليا (عليه السلام) ويحمل عليه.
و رواية أنس بن مالك رواها الطبراني 3/106، ورواية عائشة رواها الطبراني أيضا، ورواية أم سلمة رواها احمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2/782 والحاكم في المستدرك 4/440 ورواية أنس بن الحارث رواها ابن كثير في البداية والنهاية: 8 /217.
3. الإمامة:
حقيقة الإمامة هي منصب الهي لهداية الناس، ويكون بتعيين الهي ثم يورث بأذن الهي ﴿و إِذِ ابتَلى إِبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماما قالَ ومِن ذُرّيتي قالَ لا ينالُ عَهدي الظّالِمين﴾ البقرة/124، وقد جعل الله تعالى نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله) إماما، وكانت إمامته نظير إمامة إبراهيم (عليه السلام) ثم أورثها النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المعجم الكبير للطبراني 3/111.
«صفحة 136»
في حديث الغدير (من كنت مولاه فعلي مولاه).
وقد مارس علي (عليه السلام) إمامته الإلهية، وهدى الناس إلى سنة نبيهم بعد ان عتمت عليها وكتمتها وحرفت بعضها حكومة قريش كما صنعت ذلك في متعة الحج. وانتشرت السنة النبوية التي كتبها علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، وجاء بنو أميه وعرضوا انفسهم على انهم ورثة الإمامة الإلهية للنبي (صلى الله عليه وآله) ، وعرضوا عليا (عليه السلام) على انه ملحد في الدين وفرضوا على الناس ان يتبرؤوا منه ويسبوه ولاحقوا شيعته وقتلوهم، وكان آخر ما صنعوه هو قتلهم الحسين قتل استئصال وإفناء يوم العاشر من المحرم، وصفا الجو تماما لبدعتهم في الإمامة اثنين وعشرين شهرا وخطب الجمعات تشيد بهم وتلعن عليا والحسن والحسين(عليهم السلام) من خلال الأحاديث الكاذبة.
ثم زلزل الله تعالى الأرض من تحتهم وبدأت مسيرة الوعي التي أوجدتها نهضة الحسين وظلامته باتجاهين الأول اتجاه عام وهو التمرد على بني أميه والعمل على الإطاحة بهم، والاتجاه الثاني البراءة من إمامة بني أميه والانفتاح على إمامة علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين(عليهم السلام) من جديد، وبرز الحسين منقذا لإمامة آبائه الإلهية التي أسسها الله ورسوله لهم، ومؤسسا لإمامة أبنائه التسعة الذين بشر بهم النبي (صلى الله عليه وآله) .
وشهدت الأمة حركة جديدة في المجتمع تبدأ بالحسين (عليه السلام) وارث الأنبياء وأبية علي (عليه السلام) وأخيه الحسن (عليه السلام) وامه الزهراء (عليه السلام) ، ثم ليكون الحسين (عليه السلام) ميراثا لتسعة من بنيه شهد لهم الواقع بإمامتهم الفكرية والدينية واستحقاقهم للإمامة السياسية، كما جاء النص عليهم من جدهم النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقد تطابق النص مع الواقع، وبذلك صارت الظاهرة حقلا لإثبات الإمامة الإلهية لأهلها
«صفحة 137»
بالحسين (عليه السلام) ؛ لان نهضة الحسين (عليه السلام) استهدفت إحياء إمامة علي (عليه السلام) وإمامة الحسن (عليه السلام) الإلهية التي استهدف بنو أميه ليس فقط استبدالها بإمامتهم بل وقرن ذكر علي باللعن تدينا، وقد نجح الحسين (عليه السلام) عبر نهضته وظلامته في تحقيق هدفه فصار علي (عليه السلام) يذكر بالخير من جديد، وصار بنو أميه يذكرون باللعن من جديد لعنهم الله ورسوله والمؤمنون بما صنعت ايدهم. ثم صار الحسين (عليه السلام) وتسعة من بنيه رموزا هادية إلى دين محمد (صلى الله عليه وآله) وإمامة أهل البيت(عليهم السلام) الهادية بشكل لا نظير له.
«صفحة 138»
أهل الكوفة بين حقد الأمويين والعباسيين وثناء أهل البيت(عليهم السلام) (1)
قال الخليفة المنصور:
«يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى بلد انتم فيه…
لَلَعجب لبني أمية وصبرهم عليكم، كيف لم يقتلوا مقاتلتكم ويسبوا ذراريكم، ويخربوا منازلكم.
أما والله يا أهل المَدَرَة الخبيثة لئن بقيتُ لكم لأذلنكم».(2)
وكتب معاوية إلى ولاته كما في رواية المدائني: «أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته». و«ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة»(3).
قال المدائني: «فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا (عليه السلام) ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته. وكان أشدَّ الناس بلاءً حينئذ أهلُ الكوفة ؛ لكثرة من بها من شيعة علي (عليه السلام) فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمَّ إليه البصرة… فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم وقَطَّع
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشر هذا البحث ضمن مجموعة كراسات المكتبة الحسينية الميسرة، عام 1433هـ/2011م، الكراس رقم8.
(2) انساب الاشراف 3/269،
(3) شرح ابن أبي الحديد ج3 ص15ـ16.
«صفحة 139»
الأيدي والأرجل وسَمَّلَ العيون وصلَّبهم على جذوع النخل وطردهم وشرَّدهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم».
وقال مصعب بن الزبير لما لقيه عبد الله بن عمر واعترض عليه مؤنبا أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة «من أهل الكوفة كانوا محصورين مع المختار) في غداة واحدة.
فقال مصعب: إنهم كانوا كفرة سحرة».
كلام عثمان المري والي الوليد على المدينة: «والله ما سبرت عراقيا قط فوجدت عنده دينا. وإن أفضلهم حالا عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول…
إن البلدان مصرها عمر بن الخطاب وهو مجتهد على ما يصلح رعيته، فجعل يمر عليه من يريد الجهاد فيستشيره: الشام أحب إليك أم العراق ؟ فيقول:
الشام أحب إلي، إني رأيت العراق داء عضالا وبها فرخ الشيطان،… وأني لأراني سأفرقهم في البلدان ثم أقول لو فرقتهم لأفسدوا من دخلوا عليه مع جدل وحجاج، وكيف ولم وسرعة وجيف(1) في الفتنة».
وقال ابن المعتز العباسي وقد نظم سياسة آبائه في الكوفة:
واستمع الآن حديث الكوفة
مدينة بعينها معروفة
كثيرةُ الأديان والأئمة
وهمُّها تشتيتُ أمر الأمة
وأخذوا وقتلوا عليا
العادل، البر، التقي الزكيا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الوجيف: سرعة السير. كتاب العين.
«صفحة 140»
وقتلوا الحسين، بعد ذاكا
فأهلكوا أنفسهم إهلاكا
وجحدوا كتابهم إليه
وحرفوا قرآنهم عليه
ثم بكوا من بعده وناحوا
هلا، كذاك يفعل التمساح
فقد بقوا في دينهم حيارى
لا يهودٌ هم ولا نصارى
والمسلمون منهمُ براءُ
رافضةٌ ودينهم هباءُ
فبعضهم قد جَحَدَ الرسولا
وغلَّطوا في فعله جبريلا
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لأهل الكوفة:
«انتم الأنصار على الحق، والإخوان في الدين، والجنن يوم البأس، والبطانة دون الناس».(1)
وقال (عليه السلام) : «الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء، والذي نفسي بيده لينتصرَنَّ الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز».(2)
وقال علي بن الحسين (عليه السلام) : «يأهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار».(3)
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «ان الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها الا أهل الكوفة».(4)
وقال (عليه السلام) أيضا مخاطبا لجماعة من أهل الكوفة:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قال ابن أبي الحديد: الجَنَن: جمع جُنَّة، وهى ما يستر به. وبطانة الرجل: خواصه وخالصته الذين لا يطوي عنهم سره.
(2) معجم البلدان 4/492.
(3) الوسائل ج1/368عن الكافي ورواه الصدوق أيضا.
(4) البحار 60/209.
«صفحة 141»
«أما إنه ليس بلد من البلدان اكثر محبا لنا من أهل الكوفة.
إن الله هداكم لأمر جهله الناس،
أحببتمونا وأبغضنا الناس،
وصدقتمونا وكذبنا الناس،
واتبعتمونا وخالفنا الناس.
فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا»(1).
نتيجتان من نتائج النهضة الحسينية:
هناك نتائج كثيرة تحققت بالنهضة الحسينية نذكر منها ابرز نتيجتين:
الأولى: فضح بني أميه في دعواهم خلافة النبي (صلى الله عليه وآله) والإمامة الإلهية التي تقود إلى الله فان خلافة مثل هذه لو كانت صحيحة لما صنعت ما صنعت مع الحسين (عليه السلام) بعد قتله من التمثيل به ورفع رأسه ورؤوس أصحابه على الرماح وتسييرهم مع سبي نسائه بين الجنود من بلد إلى بلد إلى الشام، فان هذا الموقف جعل كل مسلم يبلغه الخبر يتألم ويراجع نفسه وأقل ما تنتجه هذه الحادثة هو البراءة من بني أميه والترحم على الحسين (عليه السلام) حتى ولو لم يكن متفقا مع الحسين (عليه السلام) في منهجه الإصلاحي، فان ابن الزبير كان منهجه ان يسير بسيرة الشيخين وكان عدوا لعلي (عليه السلام) ولا يحبه، ومع ذلك لما بلغه خبر مقتل الحسين (عليه السلام) قام خطيبا وقال (رحم الله حسينا وأخزى قاتل الحسين (عليه السلام) …
لقد اختار الحسين (عليه السلام) الميتة الكريمة على الحياة الذميمة …
ـــــــــــــــــــــــ
(1) البحار ج25 ص 215.
«صفحة 142»
أفبعد الحسين (عليه السلام) نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهدا ؟
لا ولا نراهم لذلك أهلا.
أما والله لقد قتلوه، طويلا بالليل قيامه، كثيرا في النهار صيامه، أحق بما هم فيه منهم وأولى به في الدين والفضل.
أما والله ما كان يبدِّل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شرب الحرام، ولا بالمجالس في حِلق الذكر الركض في تطلاب الصيد /يعرِّض بيزيد/ فسوف يلقون غيا).
الثانية: انتشار أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) التي تدعو إلى إمامة أهل بيته وأولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم التسعة من ذرية الحسين(عليهم السلام) ؛ وذلك بسبب تمزق وحدة الدولة بعد موت يزيد واقتتال أهل الشام على الملك وكذلك اقتتال أهل خراسان وأهل اليمن، وكان ذلك اجابة لدعاء الحسين (عليه السلام) (للهم اجعل باسهم بينهم). ولم يستقر الأمر لبني مروان الا سنة 83هـ.
الكوفيون يقتلون قتلة الحسين (عليه السلام) ويحاربون أهل الشام ويحيون سيرة علي (عليه السلام) :
خرج الشيعة بعد موت يزيد من السجون وكانوا اكثر من عشرة آلاف وقد سجنوا على الظن والتهم قبل قتل الحسين (عليه السلام) ومجيئه إلى العراق. واستطاعوا بقيادة سليمان بن صرد والمحتار ان ينهضوا ويؤسسوا دولة في الكوفة على منهج علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهو المنهج الذي أشار إليه الحسين (عليه السلام) في نهضته (وأسير بسيرة جدي وأبي علي) وقد قتلوا قتلة الحسين (عليه السلام) ممن كان في جيش أهل الشام الذي حاصر الحسين، وشردت وجوههم ومنهم شبث بن
«صفحة 143»
ربعي وحجار بن ابجر وابن الأشعث إلى البصرة، واقنعوا مصعبا بان يسحب جيشه من قتال الخوارج ويتجهوا إلى الكوفة واستطاعوا ان يحاصروا المختار ويسقطوا دولته وقتل شهيدا رحمة الله عليه مع سبعة آلاف من الأبرياء الذي كانوا محاصرين في قصر الإمارة في الكوفة.
مصعب بن الزبير يكفر أهل الكوفة:
وشوه الإعلام الزبيري سيرة المختار حين روج انه ادعى النبوة وان أنصاره كفرة ولذلك ساغ قتلهم.
قال عبد الله بن عمر لمصعب بن الزبير لما لقيه: نعم أنت القاتل سبعة آلاف(1) من أهل القبلة في غداة واحدة، عش ما استطعت. فقال مصعب: إنهم كانوا كفرة سحرة.
وأفتى عبد الله بن الزبير في زوجة المختار التي لم تتبرأ منه ان تقتل، فقتلت ورميت على المزبلة.
الحجاج وعبد الملك بن مروان يكفران أهل الكوفة
ولما نجح عبد الملك في القضاء على دولة ابن الزبير ولى الحجاج العراق سنة 75هـ واستمر عشرين سنة يحكم العراق
وثار العراقيون عليه في البصرة والكوفة، وكانت اشد الثورات عليه ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، ولم يستطع الحجاج ان يقضي عليها الا بعد ان استعان بجيش الشام، ثم بني مدينة واسط لأهل الشام لكي لا يختلطوا مع
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج2/20 انهم كانوا ثمانية آلاف.
«صفحة 144»
الكوفيين ويتأثرون بفكرهم.
وكان الحجاج قاسيا على أهل الكوفة، فقد خطب فيهم بعد قتل ابن الأشعث قائلا:
(… إنكم أهل بغي وخلاف وشقاق ونفاق، طالما اوضعتم في
الضلال وسننتم سنن البغي…
يا أهل العراق ان الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم منكم والعصب والأعضاء والأطراف…
ثم التفت إلى أهل الشام الذين معه فقال لهم:
يا أهل الشام انا لكم كالظليم(1) المحافظ على فراخه، ينفي عنهن القذر ويباعد المدر ويحرسهن من الذباب، انتم العُدَّة والجُنَّة ان حارب محارب وجانب مجانب(2).
وكتب عبد الملك إلى الحجاج: أن أدع الناس إلى البيعة، فمن أقر بالكفر فخل سبيله إلا رجلا نصب راية أو شتم أمير المؤمنين)(3).
وأجلس مصقلة بن كرب بن رقبة العبدي إلى جنبه وكان خطيبا فقال اشتم كل امرئ بما فيه ممن كنا أحسنا إليه، فاشتمه بقلة شكره ولؤم عهده ومن علمت منه عيبا فعبه بما فيه وصغِّر إليه نفسه، وكان لا يبايعه أحد إلا قال له أتشهد انك قد كفرت فإذا قال نعم بايعه وإلا قتله.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الظليم ذَكَر النعامة.
(2) انساب الاشراف 7/345، شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد ج 1 ص 344، والخطبة في البيان والتبيين 2: 138، العقد 4: 115، نهاية الارب 7: 245.
(3) تاريخ خليفة بن خياط العصفري ص 217.
«صفحة 145»
وكتب عبد الملك إلى الحجاج أيضا: ان جمِّر(1) أهل العراق وتابع عليهم البعوث واستعن عليهم بالفقر فانه جند الله الأكبر ففعل ذلك بهم سنتين. ثم أعطاهم بعد ذلك عطاءهم(2).
كلام عثمان المري والى الوليد على المدينة:
وفي عهد الوليد بن عبد الملك أيضا كانت السياسة نفسها. فهذا عثمان بن حيان المري والي الوليد على المدينة أخذ عبيدة بن رباح ومنقذ العراقي في أناس من أهل العراق فحبسهم، ثم بعث بهم في جوامع(3) إلى الحجاج بن يوسف ولم يترك بالمدينة أحدا من أهل العراق تاجرا ولا غير تاجر من كل بلد إلا أخرجوا في الجوامع… وخطب على المنبر وهو يقول: أيها الناس إذا وجدنا أهل غش لأمير المؤمنين في قديم الدهر وحديثه وقرضوا إليكم من لا يزيدكم إلا خبالا،
(أهل العراق هم أهل الشقاق والنفاق وهم والله عش النفاق وبيضته التي أنفلقت عنه.
والله ما سَبَرتُ عراقيا قط فوجدت عنده دينا.
وإن أفضلهم حالا عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول وما هم لهم بشيعة إنهم لأعداء لهم ولغيرهم.
ولكن لما يريد الله من سفك دمائهم والتقرب إليه بذلك منهم وإني والله لا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) التجمير: ترك الجند في مواجهة العدو وحبسهم عن العود إلى اهلهم.
(2) انساب الاشراف 7/358.
(3) جوامع مفرده جامعة
«صفحة 146»
أؤتى بأحد منكم أكرى أحدا منهم منزلا ولا أنزله إلا هدمت منزله وأحللت به ما هو أهله.
إن البلدان مصرها عمر بن الخطاب وهو مجتهد على ما يصلح رعيته، فجعل يمر عليه من يريد الجهاد فيستشيره: الشام أحب إليك أم العراق ؟ فيقول:
الشام أحب إلي إني رأيت العراق داء عضالا وبها فرخ الشيطان،… وأني لأراني سأفرقهم في البلدان ثم أقول لو فرقتهم لأفسدوا من دخلوا عليه مع جدل وحجاج، وكيف ولم وسرعة وجيف(1) في الفتنة فإذا خبروا عند السيف لم يخبر منهم طائل.
ولم يصلحوا على عثمان ولقي منهم الأمرين وكانوا هم أول الناس فتق هذا الفتق ونقضوا عرى الإسلام عروة عروة وانفلوا البلدان.
والله إني لأتقرب إلى الله بكل ما افعل بهم لما أعرف من رأيهم ومذاهبهم…
ثم يزيد بن معاوية فلم يصطلحوا.
ووليهم رجل الناس جلدا يعني عبد الملك فبسط عليهم السيف وأخافهم فاستقاموا له أحبوا أو كرهوا وذلك أنه خَبَرَهم فعرَفهم)(2).
نهضة زيد بن علي وصنيع يوسف بن عمر بعد قتله بأهل الكوفة:
ونهض زيد بن علي لإنقاذ الكوفة من ظلم بني أميه سنة 122هـ.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الوجيف: سرعة السير. كتاب العين.
(2) تاريخ دمشق 38/344.
«صفحة 147»
قال البلاذري: وكتب زيد إلى أهل الآفاق كتبا يصف فيها جور بني أمية وسوء سيرتهم ويحضهم على الجهاد ويدعوهم إليه وقال: لا تقولوا خرجنا غضبا لكم ولكن قولوا خرجنا غضبا لله ودينه.
وكان (زيد) إذا بويع قال: أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء على أهله ورد المظالم وإقفال الُمجَمَّرة ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب.
قال البلاذري: ولما فرغ يوسف من أمر زيد صعد منبر الكوفة فشتم أهلها وقال: (يا أهل المِدرَة الخبيثة والله ما يقعقع لي بالشِّنآن ولا تُقرن بي الصعبة، لقد هممت أن أخرب بلدكم وأن أحربكم بأموالكم، والله ما أطلت منبري إلا لأسمعكم عليه ما تكرهون، فإنكم أهل بغي وخلاف، ولقد سألت أمير المؤمنين أن يأذن لي فيكم ولو فعل لقتلت مقاتلتكم وسبيت نساءكم إن يحيى بن زيد(1) ليتنقل في حجال نسائكم كما كان أبوه يفعل وما فيكم مطيع إلا حكيم بن شريك المحاربي، والله لو ظفرت بيحياكم…)(2).
قال البلاذري: وبعث يوسف بن عمر إلى أم امرأة لزيد أزدية فهدم دارها وحملت إليه فقال لها أزوجتِ زيدا ؟ قالت: نعم زوجته وهو سامع مطيع ولو خطب إليك إذ كان كذلك لزوجته. فقال شُقّوا عليها ثيابها فجلدها بالسياط وهي تشتمه وتقول: ما أنت بعربي تعرّيني وتضربني لعنك الله، فماتت تحت السياط ثم أمر بها فأُلقيت في العراء فسرقها قومها ودفنوها في مقابرهم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ترجم البلاذري ليحيى بن زيد وحركته ومقتله في الجوزجان في ج3/453-458.
(2) انساب الأشراف ج3 /448-450.
«صفحة 148»
وأخذ امرأة قوت زيدا على أمره فأمر بها أن تقطع يدها ورجلها… وضرب عنق زوجها. وضرب امرأة أشارت على أمها أن تؤوي ابنة لزيد خمسمائة سوط. وهدم دورا كثيرة.
وأُتي يوسف بعبد الله بن يعقوب السلمي من ولد عتبة بن فرقد وكان زوجَ ابنته من يحيى بن زيد فقال له يوسف: ائتني بابنتك قال وما تصنع بها جارية عاتق(1) في البيت. قال أقسم لتأتيني بها أو لأضربنَّ عنقك، وقد كان كتب إلى هشام يصف طاعته، فأبى أن يأتيه بابنته فضرب عنقه، وأمر العريف أن يأتيه بابنة عبد الله بن يعقوب فأبى فأمر به فدُقَّت يده ورجله.
العباسيون يحذون حذو بني أميه مع أهل البيت (عليهم السلام) والكوفة:
لم تستقر الأمور لبني أميه بعد قتل زيد فقد نشطت حركة المعارضة بقيادة بني هاشم وعقدوا مؤتمر الأبواء سنة 129 هـ وبايعوا لمحمد بن عبد الله بن الحسن المعروف بذي النفس الزكية، وكان ممن بايعه الجناح العباسي، وكان له تنظيمه الخاص وقد انشق عن بني هاشم في السر منذ سنة 100 هـ وكان يعمل لصالحه الخاص، وقد جاء في كلام مؤسس الانشقاق محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يوصي دعاته:
(أما أهل الكوفة فميلهم إلى ولد علي بن أبي طالب،
واما أهل البصرة فعثمانية. واما أهل الشام فسفيانية مروانية. واما أهل
ـــــــــــــــــــــــ
(1) العاتق: الجارية أول ما أدركت.
«صفحة 149»
الجزيرة فخوارج. واما أهل المدينة فقد غلب عليهم حب أبي بكر وعمر ومنهم من يميل إلى الطالبيين، ولكن أهل خراسان قوم فيهم الكثرة والقوة والجلَد وفراغ القلوب من الأهواء فبعث إلى خراسان)(1).
وفي كلام له أيضا في حضور الدعاة ونزاع بينهم قال: (ان أهل الشام أعوان الظالمين، وآفة هذا الدين، وقد ابتعثوا بنصرة بني أمية، وأغري أكثر أهل العراق بمشايعة بني أبي طالب، وقد خصنا الله بأهل خراسان، فهم أنصارنا وأعواننا وذخائرنا).
وقدر لبني العباس ان يسقط حكم بني أمية على ايديهم بجيوش الخراسانيين وكان اغلبهم ذرية العراقيين المهجرين زمن زياد سنة 50هـ.
واحتكر العباسيون الحكم لأنفسهم وأداروا ظهرهم لمحمد بن عبد الله بن الحسن (عليه السلام) وفي أعناقهم بيعة له، وثار محمد بن عبد الله بن الحسن في المدينة واستطاع المنصور الدوانيقي ان يخمد الثورة ويقضي عليها ويقتل محمدا، ثم ثار إخوة إبراهيم بالبصرة وتحرك بجيوشه إلى الكوفة وكان الخليفة أبو جعفر المنصور قد اعتصم بها.
قال الطبري: لما ظهر محمد وإبراهيم ابنا عبد الله، أرسل أبو جعفر (المنصور) إلى (عمه) عبد الله بن علي، وهو محبوس عنده، ان هذا الرجل قد خرج فان كان عندك رأي فأشر به علينا، وكان ذا رأى عندهم، فقال ارتحل الساعة حتى تأتي الكوفة، فاجثُم(2) على أكبادهم فانهم شيعة أهل هذا البيت
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انساب الاشراف.
(2) جثُم يجثُم: لصق ولزم.
«صفحة 150»
وأنصارُهم، ثم احفُفها بالمسالح فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه، أو أتاها من وجه من الوجوه، فاضرب عنقه.(1)
وجاء سهم طائش في المعركة وأصاب إبراهيم وهكذا قدر للعباسيين ان يستقر حكمهم.
أقول:
ومن ثم اتجهت الدولة لبناء بغداد لتكون خالصة للعباسيين في الولاء، ووضعت سياسة اعلامية خاصة لتبرير ما صنعه العباسيون مع أولاد عمهم الحسنيين قتلا وسجنا وتشريدا وشوهت سيرة الحسن الاب الذي ينتسب إليه الحسنيون، وشوهت الكوفة قلعة النصرة لعلي (عليه السلام) والوفاء له بشهادة معاوية العدو اللدود لعلي (عليه السلام) حين قال لبعض الوفود العراقية التي زارت الشام في سنوات الصلح، (هيهات يا أهل العراق والله لوفاؤكم له بعد موته اعجب إلي من حبكم له في حياته) ليصبح العراقيون من خلال الاعلام أهل غدر وشقاق وخذلان في زمن علي (عليه السلام) ثم ليكونوا قتلة الحسين (عليه السلام) أيام الحسين (عليه السلام) ، ووضعت كثير من الاخبار على لسان علي والحسن والحسين وزينب(عليهم السلام) .
خطب المنصور في الكوفة سنة 144هجرية بعد ان قبض على عبد الله بن الحسن والد محمد وإبراهيم قبيل ان ينهضا ويثورا.
قال المسعودي: ولمـّا أخذ المنصور عبد الله بن الحسن وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته صعد المنبر بالهاشمية، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري ج 6/194.
«صفحة 151»
على محمد (صلى الله عليه وآله) ، ثمَّ قال:
(يا أهل خراسان، أنتم شيعتنا وأنصارنا، وأهل دعوتنا، ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيرا منّا. إنَّ ولد أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلا هو والخلافة فلم نعرض لهم لا بقليل ولا بكثير.
فقام فيها علي بن أبي طالب (عليه السلام) فما أفلح، وحكَّم الحكمين، فاختلفت عليه الأمّة وافترقت الكلمة، ثمَّ وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه.
ثمَّ قام بعدَهُ الحسن بن علي (عليه السلام) ، فوالله ما كان برجل، عرضت عليه الأموال فقبلها، ودسَّ إليه معاوية إنّي أجعلك ولي عهدي، فخلع نفسه وانسلخ له ممّا كان فيه، وسلَّمه إليه وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غدا أخرى، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه.
ثمَّ قام من بعده الحسين بن علي (عليهما السلام) ، فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة أهل الشقاق والنِّفاق والإغراق في الفتن، أهل هذه المِدرة السوء، /وأشار إلى الكوفة/فوالله ما هي لي بحرب فأُحاربها، ولا هي لي بسلم فأُسالمها، فرَّق الله بيني وبينها/فخذلوه وأبرؤوا أنفسهم منه، فأسلموه حتّى قتل.
ثمَّ قام من بعده زيد بن علي، فخدعه أهل الكوفة وغرّوه، فلمّا أظهروه وأخرجوه أسلموه، وقد كان أبي محمد بن علي ناشده الله في الخروج وقال له: لا تقبل أقاويل أهل الكوفة فإنّا نجد في علمنا أنَّ بعض أهل بيتنا يصلب بالكناسة، وأخشى أن تكون ذلك المصلوب، وناشده الله بذلك عمّي داود وحذَّره (رحمه الله) غدر أهل الكوفة، فلم يقبل، وتمَّ على خروجه، فقتل
«صفحة 152»
وصلب بالكناسة)(1).
ولما قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أمر المنصور ان يطاف برأسه بالكوفة سنة 145 هجرية وخطب قائلا:
(يا أهل الكوفة عليكم لعنة الله وعلى بلد انتم فيه… سبئية(2)، خشبية(3)، قائل يقول: جاءت الملائكة، وقائل يقول جاء جبريل…، لَلَعجب لبني أمية وصبرهم عليكم، كيف لم يقتلوا مقاتلتكم ويسبوا ذراريكم، ويخربوا منازلكم.
أما والله يا أهل المَدَرَة الخبيثة لئن بقيتُ لكم لأذلنكم)(4).
وفي سنة 148 قرر الخليفة العباسي ان يجعل مالك بن انس مرجعا فقيها للامة في قبال الإمام الصادق الذي التف أهل العراق حوله وأخذوا بعلمه وفقهه.
وبعث المنصور إلى مالك بن انس قال القاضي عياض(5) قال مالك بن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المسعودي: مروج الذهب ج3/301، وكانت بوادر التحسس من الكوفيين قبل ذلك روى البلاذري في انساب الاشراف 3/150، قال قال المدائني: (كتب أبو مسلم إلى أبي العباس: أن أهل الكوفة قد شاركوا شيعة أمير المؤمنين في الاسم، وخالفوهم في الفعل، ورأيهم في آل علي الذي يعلمه أمير المؤمنين، يؤتى فسادهم من قبلهم بإغوائهم إياهم واطماعهم فيما ليس لهم، فالحظهم يا أمير المؤمنين بلحظة بوار، ولا تؤهلهم لجوارك، فليست دارهم لك بدار. وأشار عليه أيضا عبد الله بن علي بنحو من ذلك فابتنى مدينته بالأنبار وتحول اليها وبها توفي).
(2) اي اتباع عبد الله بن سبأ الذي ادعي له انه مبتدع الوصية لعلي (عليه السلام) المشابهة لوصية موسى ليوشع (عليه السلام) الذي يترتب عليها البراءة ممن تجاوز على موقعه.
(3) في «النهاية» لابن الأثير: الخشبية: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد، ويقال لضرب من الشيعة: الخشبية. وفي « المشتبه» للذهبي: الخشبي: هو الرافضي في عرف السلف.
(4) انساب الاشراف 3/269،
(5) انظر تفصيل ذلك في كتابنا المدخل إلى مصادر السيرة والتاريخ ص 470
«صفحة 153»
انس: فقلت له أي للمنصور يا أمير المؤمنين: ولأهل العراق قولا تعدَّوا فيه طورَهم.
فقال: أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفا ولا عدلا، وانما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم.
وفي رواية فقلت له: ان أهل العراق لا يرضون عِلمَنا. فقال أبو جعفر يضرب عليه عامَّتهم بالسيف وتقطع عليه ظهورهم بالسياط(1).
تخطيط المنصور في الكوفة كتخطيط معاوية:
دس المنصور السم للإمام الصادق (عليه السلام) ، واضطر الإمام الكاظم ان يخفي إمامته سنين، ولوحق أصحاب الإمام الصادق، بل ضعَّفوا روايته وشوهت أجبار الوصية لعلي (عليه السلام) قائلين انها من وضع يهودي من صنعاء اسلم اسمه عبد الله بن سبأ، وكانت سنوات الخليفة المنصور كسنوات معاوية في تشويه التاريخ وملاحقة الشيعة.
الطبري مؤرخ جمع روايات كتابه في ضوء هدف العباسيين ورضا العامة الموالية لمعاوية:
ومن المؤرخين الذي سايروا الإعلام العباسي أبو مخنف المعروف، كتب في مقتل الحسين (عليه السلام) ، وهو الكتاب المشهور وقد اعتمده الاعلام العباسي والمؤرخون العامة فيما بعد وسرى الاعتماد عليه إلى كثير من الخطباء.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وكان المنصور قبل ذلك قد قال لابي حنيفة: يا أبا حنيفة، ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيء له من مسائلك الصعاب الكامل في الضعفاء لابن عدي 2/132
«صفحة 154»
قال فلهاوزن: وأَثبَتُ حجة … في تاريخ الشيعة طالما اتصل بالكوفة هو أبو مخنف، والطبري يكاد لا يعتمد على غيره في ذكر أخبارهم وما أطولها(1).
أقول:
الطبري مؤرخ عباسي راعى في جمع روايات موسوعته التاريخ من مصادر كتبها مؤلفوها لتحقق أهداف الاعلام العباسي ورضا العامة التي توالي معاوية فقد ذكر الرواية العباسية الرسمية لقصة وفاة الإمام علي الرضا (عليه السلام) وهي: انه اكثر من أكل العنب فمات فجأة(2) ولم يذكر غيرها، وذكر في الخلاف بين معاوية وابي ذر رواية سيف التي تدين أبا ذر لان العامة لا تتحمل ذكر الروايات الأحرى وفيها طعن بمعاوية.
وقد اكثَرَ الطبري في تاريخه من روايات سيف بن عمر ت 191هـ في حروب الردة ومقتل عثمان وحرب الجمل، وتبين لدى التحقيق ان اكثر اخبار سيف في هذه المواضيع أما محرفة أو موضوعة(3). وهو الذي اختلق فكرة ان التشيع أساسه عبد الله بن سبا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الخوارج والشيعة يوليوس فلهوزن ترجمه عن الألمانية الدكتور عبد الرحمن بدوي /113ط 3، الكويت 1978.
(2) تاريخ الطبري 7/15. علق استاذنا العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري حين قرأ هذه المعلومة من كتابنا الإمام الحسين في مواجهة الضلال الأموي عند زيارته إلى العراق سنة 2003 وكان نازلا عندنا مدة تلك الزيارة: لا يوجد مؤرخ من المتقدمين والمـتأخرين اكثر جناية على الحق والحقيقة عالما عامدا مثل الطبري فقد قال في ذكر ما جرى بين الصحابي البر أبي ذر والخليفة الداهية معاوية (… ذكروا أمورا كثيرة كرهت ذكر اكثرها أما العاذرون معاوية فقد ذكروا قصة رواها…) وقال في ذكر ما جرى بين معاوية ومحمد بن أبي بكر… (لا تتحمل سماعها العامة) اقول: فصلنا الحديث عن منهج الطبري في كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة والتاريخ.
(3) انظر كتب العلامة العسكري: خمسون ومائة صحابي مختلق ثلاثة مجلدات، وعبد الله بن سبأ مجدان فإنها مكرسة لدراسة اخبار سيف بن عمر وكشف الوضع والتحريف فيها.
«صفحة 155»
كتاب أبي مخنف في مقتل الحسين (عليه السلام) وحركة المختار مكرس للرؤية العباسية في أهل الكوفة:
تُعدُّ كتب أبي مخنف لوط بن يحي الازدي ت ما قبل 170هجرية في مقتل الحسين (عليه السلام) وحركة التوابين وحركة المختار، من اقدم واشهر المصادر في موضوعه، وقد تبنى روايتها محمد بن سعد في الطبقات الكبرى، والطبري في التاريخ، وابن اعثم في الفتوح، والبلاذري في انساب الاشراف، وروى المسعودي طرفا منها في مروج الذهب، ثم أخذ ابن الأثير في كتابه الكامل، وابن كثير، وابن خلدون، والذهبي، برواية الطبري، لأنه أوردها كاملة، وعن هؤلاء أخذ المعنيون بالتاريخ ألإسلامي، من القدامى والمعاصرين شيعة كانوا أو سنّة.
لم يكن أبو مخنف من القائلين بإمامه علي (عليه السلام) والنص عليه من النبي (صلى الله عليه وآله) فهو ليس شيعيا بالمعنى الخاص للتشيع.
قال ابن أبي الحديد: وأبو مخنف من المحدثين وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار، وليس من الشيعة ولا معدودا من رجالها(1).
وأكَّد ذلك الشيخ المفيد في كتابه عن حرب الجمل وقد أورد اخبار حرب الجمل عن أبي مخنف والواقدي وغيرهما قال بعدها: فهذه جملة من اخبار البصرة، وسبب فتنتها، ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها، قد أوردناها على سبيل الاختصار، واثبتنا ما أثبتنا من الاخبار عن رجال العامة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 1/147.
«صفحة 156»
دون الخاصة، ولم نثبت في ذلك ما روته كتب الشيعة)(1).
هذا وقد عاصر أبو مخنف أربعة من الأئمة، وهم السجاد والباقر والصادق والكاظم(عليهم السلام) ، ولم يرو عن واحد منهم بشكل مباشر الا رواية واحدة عن الإمام الصادق (عليه السلام) في عدد الطعنات بالحسين وقد جاءت مخالفة لرواية احد أصحاب الإمام الصادق الثقات في العدد.، نعم روى عن بعض اصحابهم بعض الروايات.
وقد وثَّقَ أبا مخنف في النقل عددٌ من اعلام الشيعة(2)، الا ان ذلك قابل للمناقشة، ونحن نحتاط على الأقل بل ونرفض قبول فقرات مبثوثة في رواياته التي ترتبط بسيرة بعض الائمة(عليهم السلام) أو سيرة شيعتهم في الكوفة أو علاقة الأئمة بهم في الفترة الواقعة من سنة حكم علي (عليه السلام) سنة 35هجرية وحروبه إلى مقتل المختار سنة 67هجرية، وذلك لأنها تعطي رؤية تخالف الثابت عن أهل البيت(عليهم السلام) ، أو الثابت من التاريخ عن شيعتهم في الكوفة وعلاقتهم بهم.
من قبيل: ان الحسين (عليه السلام) ندم على أخذ نسائه وبناته معه، وأنه تذكَّر نصيحة ابن عباس يوم العاشر لما ارتفعت أصواتهن يوم العاشر من المحرم عند احتدام القتال وسقوط القتلى.(3)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الجمل ص 225.
(2) انظر معجم رجال الحديث وقاموس الرجال.
(3) قال أبو مخنف حدثني عبد الله بن عاصم قال حدثني الضحاك المشرقي قال: لما سمع أخوات الحسين كلام الحسين يخاطب القوم يوم العاشر صحن وبكين وبكى بناته فارتفعت أصواتهن فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي وعليا ابنه، وقال لهما: أسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن، قال: فلما ذهبا ليسكتاهن، قال: لا يبعد ابن عباس، قال: فظننا أنه إنما قالها حين سمع بكاؤهن لأنه قد كان نهاه أن يخرج بهن. الطبري 4/321 وقال أبو مخنف وحدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان: أن حسينا لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس وقال له فإن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه الطبري 4/287.
«صفحة 157»
أو أن يزيد قال لعلي بن الحسين (عليه السلام) لما أمر بإرجاعه والسبايا إلى المدينة: لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا الا أعطيتها إياه، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت، ولو بهلاك بعض ولدي، ولكن الله قضى ما رأيت(1).
وهناك من الرواة من أسفَّ إلى اكثر من هذا كما فعل يزيد بن روح بن زنباغ الجذامي المعاصر لابي مخنف، يروي عن الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير قال: والله إنا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زُحَر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية فقال له يزيد: ويلك ما وراءك وما عندك ؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد، أو القتال، فاختاروا القتال على الاستسلام، فَعَدَونا عليهم مع شروق الشمس، فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم، أخذوا يهربون إلى غير وزَر، ويلوذون منا بالآكام والحفر، لواذا كما لاذ الحمائم من صقر، فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جَزرَ جَزور، أو نومةََ قائل حتى أتينا على آخرهم، فهاتيك أجسادهم مجردة، وثيابهم مرملة، وخدودهم معفرة، تصهرهم الشمس، وتسفي عليهم الريح، زوارهم العقبان والرخم… قال: فدمعت عين يزيد
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري، ج 4 ص 353.
«صفحة 158»
وقال: قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سمية أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه فرحم الله الحسين(1).
أو أن شيعة علي في الكوفة أمثال سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وغيرهم كتبوا للحسين بالقدوم ثم خذلوه حتى قُتل، ثم ندموا بعد ذلك ونهضوا للأخذ بثأره.
أقول:
وفي ضوء ذلك كان من الضروري التحقيق في الرواية التاريخية التي ظهرت في فترة الخمسين سنة من حكم المنصور وولده وما بعدها سواء كانت رواية أبي مخنف أو رواية غيره وتجزئة الرواية إلى اجزاء واستبعاد الجزء الذي يلتقي مع الهدف الإعلامي للعباسيين ان لم يكن لدينا غيرها.
ان كتابا وباحثين معاصرين أمثال الشيخ محمود شاكر(2) والدكتور احمد شلبي(3) والشيخ الخضري ونظرائهم قد يكونون معذورين حين يعتمدون على رواية أبي مخنف دون أن يحققوا فيها بسبب خلفيتهم العقائدية التي تسوغ لهم قبول ذلك أو الأنس به، أما أن يعتمد الكاتب الشيعي الإمامي(4)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري، ج 4 ص 351.
(2) كاتب مصري ألف موسوعة في التاريخ الإسلامي في عدة مجلدات.
(3) كاتب مصري ألف موسوعة التاريخ الإسلامي في عدة مجلدات وطبعت طبعات عديدة أخر ما رايته هو الطبعة السابعة سنة 1984م وعنها ننقل في كتابنا هذا.
(4) قد يعترض البعض علينا باعتماد مرجع الشيعة في وقته الشيخ المفيد رحمه الله على رواية أبي مخنف في كتابه الإرشاد، او في كتابه الجمل، ولكنه اعتراض غير وارد لان الشيخ المفيد في الجمل يصرح انه انما أورد اخبار الجمل من مصادر غير إمامية لأجل الاحتجاج.
«صفحة 159»
على رواية أبي مخنف دون تحقيق او دون تجزئة فليس معذورا(1).
لقد شحن كتاب أبي مخنف بأخبار تشوه الكوفيين وتجعلهم المسؤولين عن دعوة الحسين (عليه السلام) إلى الكوفة وعن خذلانه وقتله، وكذلك تشوه من سيرة المختار والثوار معه وتسميه التوابين ليكفروا عن خذلانهم للحسين، في الوقت الذي كان هؤلاء في السجون، قبل مجيء الحسين (عليه السلام) إلى العراق.
أهل البيت(عليهم السلام) يؤكدون أن أهل الشام هم قتلة الحسين (عليه السلام) :
وتأتي روايات أهل البيت(عليهم السلام) لتؤكد ان قتلة الحسين (عليه السلام) هم أهل الشام، وان أهل الكوفة أوفياء في نصرتهم لأهل البيت.
في الكافي (ج 4 / 147) سئل أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) عن صوم يوم تاسوعاء فقال::
(تاسوعا يومٌ حوصِرَ فيه الحسين (عليه السلام) وأصحابه بكربلاء، واجتمع عليه خيلُ أهلِ الشام وأناخوا عليه، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها،
واستضعفوا فيه الحسين عليه السلام وأصحابه وأيقنوا أنه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمده أهل العراق(2)، بأبي المستضعف الغريب).
وفي أمالي الطوسي (667)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن صوم يوم عاشورا فقال:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) اشرنا إلى طرف من هذا الموضوع في كتابنا المدخل إلى دراسة مصادر السيرة النبوية، /469- 480، نرجو ان نوفق إلى تفصيلها في دراسة مستقلة.
(2) لأنهم ما بين سجين ومختف، فضلا عن قطع الطرق ووضع المراصد فيها.
«صفحة 160»
(ذاك يومُ قُتِلَ الحسين (عليه السلام) فان كنت شامتا فصم.
ثم قال:
(إن لآل أمية لعنهم الله ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام نذرا إن قتل الحسين عليه السلام وسلِم من خرج إلى الحسين، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم في الناس، واقتدى بهم الناس جميعا لذلك، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك اليوم).
ونصوص التاريخ تؤيد ذلك:
قال الطبري: وكان معاوية حين أجمع عليه أهل العراق بعد علي عليه السلام يخرج من الكوفة المستغرب في أمر على وينزل داره المستغرب في أمر نفسه من أهل الشأم وأهل البصرة وأهل الجزيرة وهم الذين يقال لهم النواقل في الأمصار(1).
اقول: روى البلاذري قال: سير زياد بأمر معاوية خمسا وعشرين ألفا من الكوفة ومن البصرة مثلهم إلى خراسان.
ومن ذلك يتبين ان الكوفة قد طعمها معاوية بعدد لا يستهان به من أهل الشام الموالين له. وكان هؤلاء وأهل الجزيرة وأهل البصرة هم مادة الجيش الذي خرج إلى قتال الحسين فضلا عن الحمراء مرتزقة الجيش الفارسي الذين اعتمدهم زياد في بناء جهاز شرطته الداخلية في الكوفة.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري، ج2 – ص 500 – 501
«صفحة 161»
وفي رواية الشيخ الصدوق قال (وحال بنو كلاب بين الحسين وبين الماء… واقبل عدو الله سنان بن انس الأيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على راس الحسين عليه السلام…)(1).
قال ابن خلدون: (وأما بنو كلاب بن ربيعة فمنهم بنو الضباب الذين منهم شمر بن ذي الجوش بن الأعور بن معاوية قاتل الحسين بن علي وكانت بلاد بنى كلاب حمى ضرية(2) والربذة في جهات المدينة وفدك والعوالي وحمى ضرية، ثم انتقل بنو كلاب إلى الشام فكان لهم في الجزيرة الفراتية صيت وملك وملكوا حلب وكثيرا من مدن الشأم)(3).
طرف من كلمات أهل البيت (عليه السلام) في الكوفيين:
كان علي (عليه السلام) يخاطب الكوفيين: انتم الأنصار على الحق، والإخوان في الدين،.
وكان يقول: الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء، والذي نفسي بيده لينتصرَنَّ الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز(4).
وقال أيضا وهو بالكوفة: ما أشد بلايا الكوفة لا تسبوا أهل الكوفة فوالله إن فيهم لمصابيح الهدى وأوتاد ذكر… والله ليدقن الله بهم جناح كفر لا ينجبر
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الأمالي للشيخ الصدوق /266.
(2) ضرية بئر بالحجاز ينسب إليها حمى ضرية في طريق مكة من البصرة ونجد.
(3) تاريخ ابن خلدون – ابن خلدون – ج 2 ق1 – ص 311 – 312
(4) معجم البلدان 4/492.
«صفحة 162»
أبدا، إن مكة حرم إبراهيم والمدينة حرم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والكوفة حرمي ما من مؤمن إلا وهو من أهل الكوفة أو هواه لينزع إليها(1).
وروى حنان بن سدير عن أبيه قال: دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حمّاما بالمدينة فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا من القوم ؟ فقلنا من أهل العراق، فقال وأي العراق ؟ قلنا كوفيون، فقال مرحبا بكم يأهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار، فسألنا عنه فإذا هو علي بن الحسين(2).
وعن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال: ان الله عرض ولايتنا على أهل الامصار فلم يقبلها الا أهل الكوفة(3).
وعن عبد الله بن الوليد قال: دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه،
فسألنا: من انتم ؟
فقلنا: من أهل الكوفة.
فقال: أما إنه ليس بلد من البلدان اكثر محبا لنا من أهل الكوفة.
إن الله هداكم لأمر جهله الناس، أحببتمونا وأبغضنا الناس، وصدقتمونا وكذبنا الناس، واتبعتمونا وخالفنا الناس. فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا.
وقال أيضا وقد جاءه رجل قال بعت ضياعي وضربت على كل شيء لي ذهبا وفضة وقلت انزل مكة فقال لا تفعل فان أهل مكة يكفرون بالله جهرة،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ مدينة دمشق – ابن عساكر – ج 1 – ص 297
(2) الوسائل ج1/368عن الكافي ورواه الصدوق أيضا.
(3) البحار 60/209.
«صفحة 163»
فقلت ففي حرم رسول الله فقال هم شر منهم قلت فأين انزل قال عليك بالعراق الكوفة فان البركة منها على اثني عشر ميلا هكذا هكذا والى جانبها قبر ما اتاه مكروب قط ولا ملهوف قط الا فرج الله عنه(1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) البحار 60/209.
«صفحة 164»
«صفحة 165»
«صفحة 166»
من قتل الحسين عليه السلام(1)
منافقو أهل الكوفة وجيش أهل الشام هم الذين حاصروا الحسين (عليه السلام) وقتلوه:
روى ثقة الإسلام الكليني في الكافي (4/147) عَن أَبانٍ عَن عَبدِ الملِكِ قالَ سالتُ أَبا عَبدِ اللهِ (عليه السلام) عَن صَومِ تاسوعاءَ وعاشوراءَ مِن شَهرِ المُحَرَّمِ فَقالَ: «تاسوعاءُ يومٌ حوصِرَ فيهِ الحُسَينُ (عليه السلام) وأَصحابُهُ رَضي اللهُ عَنهُم بِكَربَلاءَ واجتَمَعَ عَلَيهِ خَيلُ أَهلِ الشّامِ وأَناخوا عَلَيهِ وفَرِحَ ابنُ مَرجانَةَ وعُمَرُ بنُ سَعدٍ بِتَوافُرِ الخَيلِ وكَثرَتِها واستَضعَفوا فيهِ الحُسَينَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِ وأَصحابَهُ رَضي اللهُ عَنهُم.
و أَيقَنوا أَن لا يأتي الحُسَينَ عليه السلام ناصِرٌ ولا يمِدَّهُ أَهلُ العِراقِ بِأَبي المُستَضعَفُ الغَريبُ».
وفي أمالي الطوسي(ص667) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن صوم يوم عاشورا فقال: «ذاك يومُ قُتِلَ فيه الحسين (عليه السلام) فان كنت شامتا فصم».
ثم قال: «إن لآل أمية لعنهم الله ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام نذرا إن قتل الحسين عليه السلام وسلِم من خرج إلى الحسين، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشرة فجر عاشوراء العدد الاول 1436هـ.
«صفحة 167»
فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم في الناس، واقتدى بهم الناس جميعا لذلك، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك اليوم».
أقول: رواية الكافي صريحة بان الذي قتل الحسين (عليه السلام) هم خيل أهل الشام، وهؤلاء هم الموالون لمعاوية من أهل الشام الذين نقل معاوية سكنهم إلى الكوفة ليسكنوا دور أبناء عمومتهم الموالين لعلي (عليه السلام) الذين سيرهم معاوية بعوائلهم إلى خراسان.
قال الطبري: وكان معاوية حين أجمع عليه أهل العراق بعد علي (عليه السلام) (1) يخرج من الكوفة المستغرب في أمر علي (عليه السلام) وينزل داره المستغرب في أمر نفسه من أهل الشأم وأهل البصرة وأهل الجزيرة وهم الذين يقال لهم النواقل في الأمصار(2).
قال البلاذري في فتوح البلدان (3/507) ثم ولى زياد بن أبي سفيان الربيع بن زياد الحارثي سنة إحدى وخمسين خراسان، وحول معه من أهل المصرين (الكوفة والبصرة) زهاء خمسين ألفا بعيالاتهم. وكان فيهم بريدة بن الحصيب الأسلمي أبو عبد الله، وأسكنهم دون النهر. ولما بلغ (الربيع) مقتل حجر بن عدي الكندي غمه ذلك، فدعا بالموت فسقط من يومه، ومات سنة ثلاث وخمسين.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أقول كان ذلك بعد وفاة الحسن (عليه السلام) .
(2) الطبري: تاريخ الطبري ج 2 ص 500، قال ياقوت في معجم الأدباء 19/289 في ترجمة هشام بن محمد بن السائب الكلبي في ذكر كتبه: كتاب النواقل فيه نواقل قريش وكنانة وأسد وتميم وقيس واياد وربيعة، كتاب المناقلات.
«صفحة 168»
وفي تاريخ ابن خلدون (3/14) (وكان) زياد قد ولى الربيع بن زياد الحارثي على خراسان سنة إحدى وخمسين وبعث معه من جند الكوفة والبصرة خمسين ألفا فيهم بريدة بن الحصيب وأبو برزة الأسلمي من الصحابة.
خطة معاوية بعد شهادة الحسن (عليه السلام) ملاحقة شيعة علي (عليه السلام) في كل بلدة، وتفريغ العشائر الكوفية خاصة من الشيعة وتسييرهم إلى خراسان باسم الجهاد وملئها بشيعة عثمان من أخواتها من عشائر أهل الشام:
ليس من شك ان الذين سيّرهم معاوية إلى خراسان هم جنود من عشائر همدان وكندة ومَذحِج وبني اسد وغيرها ممن عرف بولائه لعلي (عليه السلام) واسكن مكانهم جنودا من العشائر نفسها من الشام التي والت معاوية وحاربت معه عليا (عليه السلام) في صفين.
قال الطبري(4/9) في ذكر صفين: وبات علي (عليه السلام) ليلته يعبىء الناس حتى إذا أصبح زحف بهم، وخرج إليه معاوية في أهل الشام فجعل يقول: من هذه القبيلة ومن هذه القبيلة ؟ يعنى قبائل أهل الشام حتى إذا عرفهم ورأى مراكزهم
قال للأزد: اكفوني الأزد. وقال لخثعم: اكفوني خثعما.
وأمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام، إلا قبيلة ليس منهم بالشام أحد، مثل بجيلة لم يكن بالشام منهم إلا عدد يسير، فصرفهم إلى لخم (الاخبار الطوال للدينوري/181).
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج (4/58) قال نصر جعل معاوية على
«صفحة 169»
كندة دمشق حسان بن حوى السكسكي، وعلى كندة حمص يزيد بن هبيرة السكوني، وعلى سائر اليمن يزيد بن أسد البجلي، وعلى حمير وحضر موت اليمان بن غفير، وعلى مَذحِج الأردن المخارق بن الحارث الزبيدي، وعلى همدان الأردن حمزة بن مالك الهمداني.
اقول: وهكذا فان الكوفة منذ سنة 51 هـ قد تشكل جيشها من صنفين من الناس:
الصنف الأول: جند الشام الموالين لمعاوية من القبائل الشامية المناظرة لأخواتها في الكوفة (كندة، بنو اسد، مَذحِج، تميم، الازد، خثعم همدان، هوازن…) وكان هؤلاء لا يقل عددهم عن خمس وعشرين ألف مقاتل في الكوفة سنة إحدى وخمسين وقد تضاعف عددهم بعد عشر سنين من خلال اطفالهم الذين اصطحبوهم معهم من الشام والجزيرة. وهذا لوحده يعبر عن احتلال غير مباشر للكوفة من قبل الشام.
الصنف الثاني: وهم الموالون للشيخين وعثمان ومعاوية من شيوخ القبائل الكوفية واتباعهم المناظرة لأخواتها في الشام من زمن علي (عليه السلام) وقد كانت لهؤلاء مساجد خاصة بهم معروفة وقد نهى علي (عليه السلام) عن الصلاة فيها (الكافي 3/490) نظير نهي القرآن عن الصلاة في مسجد ضرار، وهذه المساجد هي:
مسجد الأشعث بن قيس الكندي في حي كندة(1).
مسجد الصحابي جرير بن عبد الله البجلي في حي بجيلة(2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الأشعث بن قيس شيخ كندة العام، وهو راس منافقي الكوفة في عهد علي (عليه السلام) .
(2) قبيلة بجيلة هم ولد ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر، وجرير هذا صحابي عاش في الكوفة، طلب من علي (عليه السلام) . ان يبعثه إلى معاوية في أمر بيعته وجرى له كلام مع الاشتر قال نصر اجتمع جرير والأشتر عند علي (عليه السلام) . فقال الأشتر: يا أخا بجيلة إنّ عثمان اشترى منك دينك بهمدان، والله ما أنت بأهل أن تمشي فوق الأرض حيا، إنما أتيتهم لتتّخذ عندهم يدك بمسيرك إليهم ثمّ رجعت إلينا من عندهم تهدّدنا بهم، وأنت والله منهم، ولا أرى سعيك إلّا لهم، ولئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحبسنك وأشباهك في محبس لا تخرجوا منه حتّى تستبين هذه الأمور، ويهلك الله الظالمين. قال: ولمّا سمع جرير ذلك لحق بقرقيسا وبها مات سنة 54هـ. ولحق به أناس من قيس فسرّ من قومه ولم يشهد صفين من قيس غير تسعة عشر، وفي شرح نهج البلاغة للمعتزلي أنّ الأشعث بن قيس الكندي وجرير بن عبد الله البجلي يبغضانه وهدم علي عليه السّلام دار جرير بن عبد الله، قال إسماعيل بن جرير: هدم علي عليه السّلام دارنا مرّتين.
«صفحة 170»
مسجد شبث بن ربعي التميمي في حي تميم(1).
مسجد سماك بن مخرمة الاسدي(2)
في حي بني اسد(3).
وقد اختار زياد ومن بعده ولده عبيد الله قادة الجيش ورؤساء الأرباع من هؤلاء منذ سنة خمسين.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كان مؤذن سجا ح ثم، تراجع وكان مع علي (عليه السلام) في صفين ثم كان راسا في الخوارج ثم تراجع ثم كان من الشهود الزور على حجر ثم كان ممن كتب إلى الحسين (عليه السلام) . بنصرته ثم قاتله في كربلاء.
(2) قال أبو الفرج في الاغاني (11/ 167) بنى سماك مسجد سماك في أيام عمر، وكان عثمانيا، وأهل تلك المحلَّة إلى اليوم كذلك. فيروي أهل الكوفة أنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) . لم يصلّ فيه، وأهل الكوفة إلى اليوم يجتنبونه. وقال السمعاني في الانساب (2/272) وسماك هذا خرج هاربا من علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقصد الجزيرة قال اليعقوبي (2/187) وبلغ عليا أن معاوية قد استعد للقتال، واجتمع معه أهل الشأم، فسار علي في المهاجرين والأنصار، حتى أتى المدائن، ثم صار إلى الجزيرة، فلقيه بطون تغلب والنمر بن قاسط، فسار معه منهم خلق عظيم، ثم سار إلى الرقة، وجل أهلها العثمانية الذين هربوا من الكوفة إلى معاوية، فغلقوا أبوابها، وتحصنوا، وكان أميرهم سماك ابن مخرمة الأسدي، فغلقوا دونه الباب، فصار إليهم الأشتر مالك بن الحارث النخعي، فقال: والله لتفتحن، أو لأضعن فيكم السيف ! ففتحوا، وأقام بها أمير المؤمنين يومه. قال البدري: وقد رجع هؤلاء بأمر معاوية إلى الكوفة في جملة من نقلهم سنة إحدى وخمسين إلى الكوفة واسكنهم دور الاسديين الذين سيرهم معاوية إلى خراسان.
(3) وقد جددت هذه المساجد فرحها عند قتل الحسين (عليه السلام) انظر الكليني في الكافي (3/490).
«صفحة 171»
وفي قبال ذلك لم يبق من شيعة علي (عليه السلام) في الكوفة معروف بعد تسيير خمس وعشرين ألف بعوائلهم إلى خراسان وملاحقة من بقي منهم وعرضهم على لعن علي (عليه السلام) أو إنزال العقوبة، وكانت خطة الحسين (عليه السلام) بعد قتل حجر(رضي الله عنه) سحب البقية الباقية منهم من الساحات العامة وحثهم على التزام بيوتهم منصرفين إلى العبادة اقتداء به (عليه السلام) لحين موت معاوية وقد عقد الحسين (عليه السلام) لرؤسائهم قبل موت معاوية بسنتين مؤتمر مكة الأول لبيان تكليفهم وتوضيح الخطة العامة للعمل بشكل سري مع فتح بابه لاستقبال الزوار العراقيين من شيعته. وكان هؤلاء الممحصون عدته في نهضته لفتح باب الجهاد ضد بني أميه ولتحرير الكوفة من الاحتلال الأموي وإحباط خطة معاوية فيها.
والذي جرى في كربلاء سنة 61هـ من محاصرة الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه وقتلهم ومنعهم من الماء وقطع راسه الشريف ورؤوس أهل بيته وأصحابه وتقاسمها بينهم وحمل نسائه سبايا إلى الشام انما كان من قبل خيل بني أميه من كندة الشام وهمدانها وتميمها وهوازنها (كلابها) وبنو اسدها(1)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) روى الشيخ الصدوق في الأمالي /266 قال (وحال بنو كلاب بين الحسين وبين الماء… واقبل عدو الله سنان بن انس الايادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على راس الحسين عليه السلام…). و«بنو كلاب» هم بنو كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة… بن قيس بن عيلان (راجع معجم قبائل العرب: 543 و989 ونهاية الإرب: 273 و372). قال ابن خلدون: (وأما بنو كلاب بن ربيعة فمنهم بنو الضباب الذين منهم شمر بن ذي الجوش بن الأعور بن معاوية قاتل الحسين بن علي وكانت بلاد بنى كلاب حِمى ضرية (ضرية بئر بالحجاز ينسب إليها حمى ضرية في طريق مكة من البصرة ونجد) والربذة في جهات المدينة وفدك والعوالي وحمى ضرية،) ثم انتقل بنو كلاب إلى الشام فكان لهم في الجزيرة الفراتية صيت وملك وملكوا حلب وكثيرا من مدن الشام). تاريخ ابن خلدون – ابن خلدون ج2 ص 311. قال الواقدي في فتوح الشام 1/14 (إن أبا بكر دعا عمرو بن العاص فسلم إليه الراية وقال قد وليتك على هذا الجيش يعني أهل مكة والطائف وهوازن وبني كلاب فانصرف إلى ارض فلسطين وكاتب أبا عبيدة وأنجده إذا أرادك ولا تقطع أمرا الا بمشورته أمض بارك الله فيك وفيهم) وفي بغية الطلب لابن العديم (1/112) (باب في ذكر بالس، فهي مدينة على شط الفرات صغيرة وهي أول مدن الشام من العراق إليها وهي مدينة كانت في أول الإسلام عامرة جدا وهي أول مدن جند قنسرين والغالب على أهل البلد بنو كلاب وبريتها نزلها قديما بنو فزارة).
«صفحة 172»
معهم جملة من رؤساء وأفراد عشائر الكوفة المتمرسين على النفاق من زمن علي (عليه السلام) كقيس ومحمد ابني الأشعث الكندي وشبث بن ربعي التميمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي وغيرهم ولم يكن هؤلاء شيعة لعلي (عليه السلام) تماما بل كانوا شيعة آل أبي سفيان وجندهم وأنصارهم.
وبنهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته احبط الله مخطط معاوية فدمرت دولته وأطروحته وعادت الكوفة إلى ما كانت على عهد علي والحسن (عليهما السلام) تحمل الولاء لعلي (عليه السلام) وتعمل بمنهج الكتاب والسنة وتقتدي بأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) .
«صفحة 173»
النهضة الحسينية رؤى معاصرة عرض وتقييم(1)
تمهيد:
هذا مختصر لبحث استعرضت فيه اربع رؤى أساسية تتداولها الساحة الإسلامية في تحليل (أهداف ودوافع وغايات نهضة الحسين (عليه السلام) وحركته) ثم علَّقتُ عليها بشكل مختصر بما أراه مفيدا ثم ختمتُ ذلك برؤية خامسة هي حصيلة دراساتي حول النهضة الحسينية اقدِّر انها اكثر استيعابا لهدف النهضة الحسينية، فان استطاعت ان تفتح أمام القارئ الكريم آفاقا جديدة وزادت من إيمانه واعتقاده بالدور الرسالي للحسين (عليه السلام) فهو حسبي من البحث وهو من توفيق الله تعالى، وان كانت الأحرى فهو بقصوري وتقصيري واسأله الله تعالى ان يعفو عني.
الرؤية الأولى:
مفادها:
ـ ان الحسين (عليه السلام) نهض ليقيم الحكم الإسلامي استجابة لدعوة الكوفيين.
ـ وانه لو لم يطلب منه الكوفيون ذلك لما قرر إعلان الامتناع عن البيعة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشر هذا البحث ضمن مجموعة كراسات المكتبة الحسينية الميسرة، عام 1433هـ/2011م، الكراس رقم6.
«صفحة 174»
والتحرك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل كان يسلك المنهج الذي سلكه أيام خلافة معاوية حيث كان الحسين (عليه السلام) يقول له (ما أريد لك حربا ولا عليك خلافا).
ـ إن حصول التغيرات المفاجئة في الكوفة، وسجن أنصار الحسين (عليه السلام) ، ومحاصرة قافلته في الطريق جعلته يتراجع عن مشروعه في استلام الحكم ويبدي استعداده لبيعة يزيد حيث طلب من عمر بن سعد قائد الجيش المحاصر له ان يسمح له بالذهاب إلى الشام ليبايع يزيد أو ان يرجع إلى المكان الذي جاء منه أو يسيروه إلى أي ثغر من ثغور المسلمين، فلم يستجب له ابن زياد القائد الأعلى للجيش، وخيره بين التسليم أو القتل فاختار الحسين (عليه السلام) القتل والموت بشرف.
ـ ان شهادته كانت حالة غير متوقعة له أساسا، وغير نافعة بل هي نكبة وكارثة. غير انه اختار الموت بشرف ليعلم العالم ويدرك ان معرفة الإسلام لا تحصل الا من خلال أفكار الحسين بن علي (عليه السلام) وفي إطار وجود ابن النبي (صلى الله عليه وآله) ، وليس بقالب يزيد، وحتى يدرك العالم ان الإسلام قد اخرج من تعاليمه ابنا بارا يقف بصلابة دفاعا عن الانسانية والعدالة ويقدم الغالي والنفيس في سبيل الحرية والتحرر والتقوى والفضيلة بنفس طيبة خاصة.
تبنى هذه الرؤية المعاصر الشيخ الصالحي نجفي آبادي في كتابه الذي كتبه باللغة الفارسية (شهيد جاويد) اي (الشهيد الخالد) وقد اثار كتابه يوم ظهر زوبعة من النقد بسبب رؤيته التي خالف فيها بعض الثوابت الشيعية بل الاسلامية وهي ان الحسين (عليه السلام) لم يكن يعلم بانه سوف يقتل في نهضته تلك.
«صفحة 175»
تعليقنا حول قضيتين:
الأولى: حول أصل الرؤية، فهي أساسا رؤية الإعلام العباسي والإعلام الأموي قبل الشيخ الصالحي مع ملاحظة ان الإعلام الأموي كان يعرض الحسين (عليه السلام) على انه خارجي مرق عن الدين يستحق القتل، أما الإعلام العباسي فكان يعرض الحسين (عليه السلام) على انه ثائر من حقه الحكم ومَن أولى به منه في ذلك الوقت ؟ ولكنهم لا يعتقدون بعصمته وانه اشتبه في خروجه بعياله ووثوقه بالكوفيين. أما الشيخ الصالحي فيعتقد بعصمة الإمام الحسين (عليه السلام) ويثق بالكوفة ثقة عالية جدا، ويرى ان الحسين (عليه السلام) كان يثق بهم أيضا ولكنها المفاجئات غير المتوقعة. وسيأتي الحديث عن هذه الثقة هل هي في محلها أو لا ؟
الثانية: حول رأيه ان الحسين (عليه السلام) لم يكن يعلم بانه سوف يستشهد في تلك النهضة، وان النصوص التي تتحدث عن علم الحسين (عليه السلام) بشهادته مسبقا ضعيفة الأسانيد فسيأتي ان الأمر ليس كذلك بل هي اخبار متواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهي من شواهد نبوته، فضلا عن ان خبر شهادة الحسين (عليه السلام) كان مما تناقله الأنبياء وبقيت نصوصه إلى اليوم في أسفار العهد القديم والجديد عند اليهود والمسيحيين.
أما بقية إثاراته فجوابها في الرؤى الآتية.
«صفحة 176»
الرؤية الثانية:
خلاصتها
ان حركة الإمام الحسين (عليه السلام) :
ـ كانت مبادرة إلى نهضة وانتفاضة وانقلاب وثورة (لتغيير الأوضاع) على أساس (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بمنطق الشهيد والشهادة.
ـ ولم تكن رد فعل لـ (طلب بني أميه من الحسين (عليه السلام) ان يبايع)،
ـ ولا رد فعل لـ (طلب الكوفيين من الحسين (عليه السلام) ان يأتي ويتسلم الحكم في الكوفة) إذ لم يكن الكوفيون أهلا لحسن الظن على هذا المستوى،
وهذه الرؤية هي ما تبناه الشهيد مطهري في كتابه (الملحمة الحسينية)، والشيخ غفاري في كتابه (تحقيق في تاريخ عاشوراء) ردا على كتاب الشيخ صالحي:
تعليقنا على مسألتين:
الأولى: قوله (ان حركة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطق الشهيد والشهادة).
اقول:
بل كانت حركة الإمام الحسين (عليه السلام) على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطق القادر على تغيير المنكر باليد واللسان العالم بشهادته في نهضته تلك وقد اعد عدته لتغيير المنكر، وهذه العدة هم: بنو هاشم الأبناء، وبقية شيعة أبية في الكوفة. وسيأتي تفصيل الحديث عن هذه العدة في الرؤية الخامسة.
«صفحة 177»
الثانية: قوله (لم يكن الكوفيون أهلا لحسن الظن على هذا المستوى).
اقول:
بل كانوا أهلا، إذ برهنوا على استعدادهم للتضحية والثبات على ولاية علي (عليه السلام) حين قاموا بوجه ولاة معاوية عندما أعادوا لعن علي (عليه السلام) بعد موت الحسن (عليه السلام) سنة 50 هجرية واستمرت المواجهة باللسان ثلاث سنوات أفرزت آلاف المعتقلين والمهجرين والمنفيين مع تسميل العيون، وقطع الأيدي، وقتل حجر وأصحابه سنة 53 هجرية، ثم أمر الحسين (عليه السلام) بعد ذلك بقية شيعة أبية ان يكونوا أحلاس بيوتهم، حفاظا عليهم ليوم قادم، وسيأتي تكملة الحديث عن هذا الموضوع في تعليقنا على الرؤية الثالثة.
الرؤية الثالثة:
خلاصتها:
ـ ان الأمة زمن الحسن (عليه السلام) قد أصيبت بمرض (الشك) بمبدئية الصراع بين علي (عليه السلام) ومعاوية، ومن ثم أقدم الحسن (عليه السلام) على الصلح بشروط لكي يفضح معاوية ويزول شك الأمة بمبدئية علي (عليه السلام) .
ـ ولما اتضحت الحقيقة للامة وعرفت الحق والباطل كانت قد أصيبت بمرض آخر هو (فقدان الإرادة) وعدم الاستعداد للتضحية، وتصدى الحسين (عليه السلام) ليستشهد وتهز شهادته ضمير الأمة فتتحرك لتجاهد بني أميه، ورفع شعار الحكم ألإسلامي ؛ من اجل ان يكون للشهادة هدف صالح تتحرك الأمة نحوه.
«صفحة 178»
ومن الواضح ان نهضة الحسين (عليه السلام) في هذه الرؤية هي أيضا نهضة شاملة وبمنطق الشهادة، وهذه الرؤية في روحها العامة هي روح الرؤية الثانية نفسها ما عدى فيما يتصل بالحسن (عليه السلام) . وقد تبناها المرجع الراحل الشهيد محمد باقر الصدر رحمه لله وحملها بعده تلاميذه السيد الحائري في كتابه (الإمامة وقيادة المجتمع) والسيد الهاشمي في محاضراته، وشهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم وغيرهم(1).
وخلاصة ما كتبوه هو:
(ان الأمة كانت زمن معاوية بن أبي سفيان مصابة بمرض (الشك) بمعنى انها كانت تشك في طبيعة الصراع بين علي (عليه السلام) ومعاوية، وبـ (الصلح) الذي اقدم عليه الحسن (عليه السلام) كشفت الأمة حقيقة معاوية وزيف شعاراته وزال مرض الشك بقيادة وحقانية علي (عليه السلام) وولده الحسن (عليه السلام) وصارت تعرف الحق وأهله والباطل وأهله، ولكنها أصيبت بمرض آخر وهو (فقدان الإرادة) أو (فقدان الضمير) وهذا المرض لا علاج له الا بان يقدم الحسين (عليه السلام) على التضحية بنفسه وأهل بيته وأصحابه لكي يهز الضمائر الميتة ويبعث الشجاعة والإرادة فيها وهذا ما حدث فعلا. وقد أثّرت شهادة الحسين (عليه السلام) اثرها حين حدثت الانتفاضات والثورات التي انتهت بانهيار حكم بني أميه وظل دم الحسين (عليه السلام) محركا للثوار وملهما لشيعة آل البيت في كل حين. وعلى ذلك فشهادة الحسين (عليه السلام) كانت انتصارا كبيرا للإسلام وقد حققت أهدافها العظيمة.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نقل لي الشهيد المهندس الشيخ حسين باقر رحمه الله سنة 1979وكان يتابع نظرية عمل الأئمة (عليه السلام) لدى الشهيد الصدر ان السيد الشهيد كان يفكر بأطروحة أخرى غير ان القدر لم تسمح له لكي يكتب أطروحته الجديدة ولا ان يبين معالمها الجديدة.
«صفحة 179»
أما ظواهر النصوص التي أُثرت عن الحسين (عليه السلام) ويشير فيها انه يريد ان يسير بسيرة جده وأبية علي (عليه السلام) فقد وجهها الشهيد الصدر كما يروي السيد الحائري قائلا: ان الحسين (عليه السلام) حينما كان هدفه من الشهادة هو ان يهز ضمير الأمة ويشحذ إرادتها فلا فائدة عندئذ من عنونة عمله بالشهادة فقد لا يكون عنوان الشهادة كافيا بمفرده تحقيق ذلك إذ قد يقال ان الحسين (عليه السلام) ذهب لينتحر(1), أما لو رأت الأمة ان الحسين (عليه السلام) تحرك نحو هدف إقامة النظام الإسلامي الأصلح عندئذ تدرك الأمة ان السعي للهدف الذي ضحى من اجله الحسين (عليه السلام) يعد من أقدس الواجبات ويستحق التضحية. ولهذا خرج الحسين (عليه السلام) معلنا الثورة على يزيد، واتضح من خلال مجموع كلماته (عليه السلام) انه كان يريد تصحيح الأوضاع المنحرفة وتشييد نظام صالح تقام فيه الشريعة وتصان فيه الحقوق ويحكمه الأخيار , وحقا ان الإمام الحسين (عليه السلام) خرج من اجل هذه الأهداف ولكنه كان يعلم مسبقا انه لا يستطيع تحقيقها وانه سيقتل وتسبى نساؤه ومع ذلك خرج ليؤكد مبدأ الشهادة من اجل الأهداف الصالحة وقد تحقق كما بينا).
تعليقنا في قضيتين:
الأولى: كون الأمة قد أصيبت بمرض الشك.
الثانية: كون الأمة في عهد الحسين (عليه السلام) كانت تعرف الحق وتعرف الباطل ولكنها غير مستعدة للوقوف بوجه الباطل لان ذلك يكلفها كثيرا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كما عبر بذلك الحجة الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه ثورة الإمام الحسين.
«صفحة 180»
ونعلق هنا على القضية الأولى تاركين التعليق على القضية الثانية للرؤية الرابعة والخامسة.
أما التعليق على القضية الأولى فنلخصه في عدة مسائل:
المسألة الأولى:
هل الأمة التي أصيبت بمرض (الشك) يراد بها أهل العراق أو أهل الشام ؟
وبالتأكيد ان الرؤية لا تريد (أهل الشام) ؛ لان الشاميين أساسا لم يكونوا يعرفون عن علي (عليه السلام) شيئا حتى يشكوا في مبدئية الصراع بين علي (عليه السلام) ومعاوية بل كانوا معبَّئين من خلال الاعلام الأموي على ان الحق مع معاوية وان عليا (عليه السلام) مسؤول عن قتل خليفة المسلمين عثمان الذي يعتقدون بحرمته وقدسيته.
إذن تريد الرؤية ب (الأمة) التي شكَّت بمبدئية الصراع بين علي (عليه السلام) ومعاوية (أهل العراق).
وتنطلق هذه الرؤية من وجود عدد كبير من الروايات التاريخية التي تنسب إلى علي (عليه السلام) وانه كان يتذمر من العراقيين، وانهم لم يكونوا يستجيبون له حين كان يطلب منهم مواجهة الغارات التي شنَّها معاوية على أطراف البلاد.
و روايات أخرى نسبت إلى الحسن (عليه السلام) إذ أبدى عدم ثقته بأهل الكوفة.
«صفحة 181»
ونحن نرى ان هذه الروايات وضعت على أيام أبي جعفر المنصور والخلفاء العباسيين من أبنائه، لتطويق الكوفة التي كانت مع الحسنيين الثائرين وقد فصلنا فيها في كراسة أهل الكوفة.
المسالة الثانية:
أننا اذا استبعدنا الروايات المشهورة في تقييم موقف الكوفيين فما هي الرؤية الصحيحة وما هي الخلفية التي تسندها ؟
والجواب: هو ان الكوفيين انفتحوا على علي (عليه السلام) بشكل خاص منذ سنة 28 هجرية حين نهض بمشروع إحياء سنة النبي (صلى الله عليه وآله) في حج التمتع، وتحرك معه أبو ذر وعمار والمقداد ونظراؤهم في نشر أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في حق علي (عليه السلام) وأهل البيت، وهي حركة انطلقت في المجتمع الإسلامي من مكة وفي موسم الحج واستمرت مدة سبع سنوات نفي خلالها أبو ذر وأوذي عمار وغيرهما من الصحابة، ونفي مالك الاشتر وكميل بن زياد ونظراؤهما إلى الشام.
ثم تأكد هذا الانفتاح واتسعت روافده الفكرية من خلال انبعاث وقائع تاريخ علي (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله) حين بويع وارتفع الحضر من السلطة عن نشر اخبار تلك الوقائع، وهي وقائع وأحاديث تجعل عليا (عليه السلام) اقرب الناس إلى النبي (صلى الله عليه وآله) واكثرهم جهادا وتضحية بين يديه وأعمقهم موقعا من الإسلام ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) .
ثم انتشار اخبار ظلامته في عهد الخلافة القرشية الأولى وهذا يستدر التعاطف بشكل خاص.
ثم اخبار بيعته بعد قتل عثمان، تلك البيعة التي لا يشبهها الا استقبال أهل المدينة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما جاء مهاجرا إليهم حين استقبله الصغير والكبير والرجل والمرأة.
«صفحة 182»
ثم اخبار حركة قريش المسلمة /طلحة والزبير وعائشة ومعاوية وأهل الشام لنقض بيعته، وقتالها له في الجمل وفي صفين، دون أي حدث ومنكر منه، وتأييد النبي (صلى الله عليه وآله) له في هاتين المعركتين حين قال للزبير (ستقاتل عليا وانت له ظالم)، وحين أشار إلى عائشة بذلك أيضا وذكر لها علامة (نباح كلاب أهل الحوأب لها) وقد صممت على الرجوع لما نبحتها كلاب الحوأب، ولكنهم جاؤوا لها بأربعين رجل يشهدون لها ان المكان ليس الحوأب وهي أول شهادة زور في تاريخ الإسلام، وحين قال (صلى الله عليه وآله) (يا عمار تقتلك الفئة الباغية آخر شرابك ضياح من لبن)، وكان عمار يقاتل مع علي (عليه السلام) وكانت فئة معاوية هي الفئة الباغية.
كل هذه الأمور تزيد من قناعة الناس بعلي (عليه السلام) ولا تنتج شكا به الا ان يكون الكوفيون شعبا دون بقية الشعوب في تلقي الحقائق والتفاعل معها، نعم هناك نفوس مريضة محدودة تبقى على ولاءاتها السابقة ومنهم الخوارج،
وقد امتحن الله تعالى إيمان الكوفيين بعلي (عليه السلام) في معركة النهروان، حيث ان الطرف الآخر في المعركة هم إخوان وآباء أفراد جيش علي (عليه السلام) وأساتذة لبعضهم في القرآن، واقدموا عليهم وقتلوهم مع علي (عليه السلام) فاكرمهم الله تعالى بآية عظيمة وهي قصة ذي الثدية التي أشار اليها النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: (تمرق على حين اختلاف من أمتي مارقة يقتلها خير الناس آيتهم رجل مثدن اليد)، وطلب علي (عليه السلام) ان يبحثوا عنه في القتلى فوجدوه بعد يأس وكبَّر علي (عليه السلام) وكبَّر العسكر كله وتوج ذلك كله رجوع الشمس أمام جيشه بدعوته بعد عبوره بابل فضلا عن ذلك السيرة المشرقة لعلي (عليه السلام) في العدل وفي التعليم، وفي
«صفحة 183»
مواعظه البليغة التي لا ترقى اليها موعظة بعد مواعظ الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) .
المسألة الثالثة:
ان الدراسة الفاحصة للمجتمع الإسلامي سنة 40 هجرية، وهي السنة التي اضطلع فيها الحسن (عليه السلام) بمهمة الإمامة الإلهية من جانب، وبمهمة القيادة السياسية للعراق والبلدان التي كان يحكمها علي (عليه السلام) من جانب آخر، تبين لنا ان هناك ثلاث مشكلات كانت تعاني منها الأمة الاسلامية:
الأولى: مشكلة عدم الأمان في عموم الطرق بين الولايات الاسلامية هذه المشكلة خلقها معاوية، بسبب غاراته على أطراف علي (عليه السلام) . هذه الغارات بدأها معاوية بعد فشل التحكيم. ويعضد ذلك بقية الخوارج داخل المجتمع العراقي. الذين يعدون العدة لمعاودة نشاطهم التخريبي والارهابي والافسادي داخل المجتمع وقد قتل علي (عليه السلام) من قبل بعض هذه الحلقات الارهابية..
الثانية: مشكلة انشقاق معاوية الذي استحكم وسالت دماء آلاف الابرياء بسببه، وانتهى ببيعة الشاميين لمعاوية على الحكم بسيرة الشيخين، وهو انشقاق ينطوي على تعدد القبلة والكتاب فيما لو استمر.
الثالثة: مشكلة جهل أهل الشام بسنة النبي (صلى الله عليه وآله) في الحكم، وبحديثه في فضائل علي (عليه السلام) فضلا عن الجهل التام بأخبار سيرته المشرقة التي أحيت سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) ، ثم التعبد بلعنه والبراءة منه بسبب الاعلام الأموي الكاذب.
فضلا عن هذه المشكلات فإن هناك خطر الروم البزنطيين الذي كان يهدد الجبهة الشمالية الغربية للمسلمين.
وقد تقدم معاوية بأطروحة للصلح تقتضي التعايش السلمي، وتجميد
«صفحة 184»
الغارات وأمان الطرق بين الولايات. وليس من شك ان أطروحة معاوية لا تحقق سوى الأمان لفترة مؤقتة، أما مشكلة الانشقاق ومشكلة جهل أهل الشام فهما على حالهما بل تكرسهما.
وكان أمام الحسن (عليه السلام) :
ـ ان يقبل الدعوة إلى السلم تطبيقا لقوله تعالى ﴿و إِن جَنَحوا لِلسَّلمِ فاجنَح لَها وتَوكَّل عَلَى اللهِ إِنَّهُ هو السَّميعُ العَليمُ﴾ الأنفال/61 وإذا استجاب لها يكون قد كرَّس انشقاق معاوية، وجهل أهل الشام بموقع علي (عليه السلام) في الإسلام.
ـ أو يرفض الدعوة إلى السلم فيقال عنه انه يرغب في سفك الدماء.
ـ أو يتقدم بأطروحة أخرى للسلم تحل المشكلات الثلاث، وهي منحصرة بطريقة واحدة فقط تتلخص بأن يتنازل الحسن (عليه السلام) لمعاوية ليكون رئيسا فعليا لكل البلاد الاسلامية بشروط معينة:
منها: ان يعمل معاوية بالكتاب والسنة، وان لا يلزم الناس بسيرة الشيخين بل يتركهم أحرارا يختارون ما يشاؤون، وهذا يعني انه ليس للحاكم ان يعاقب إنسانا على أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر باللسان أو باليد. وهذا الشرط ينبه أهل الشام ان سيرة الشيخين ليست من الدين بل هي رأي شخصي للخليفتين.
ومنها: ان يترك لعن علي (عليه السلام) وان يذكره بخير. وهذا الشرط يهيئ أهل الشام ان يسمعوا الذكر الطيب لعلي (عليه السلام) على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) مما كانوا جاهلين به. فضلا عن انه يهيئهم لاستقبال اخبار السيرة المشرقة لعلي (عليه السلام) في الكوفة.
ومنها: أمان شيعة علي (عليه السلام) الذين قاتلوا معه في الجمل وصفين. وهذا
«صفحة 185»
الشرط يتيح لهم حرية الحركة والتنقل بين الناس، ويكون ذلك سببا لانتشار اخبار سيرة علي (عليه السلام) ، وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في حقه التي وعوها وصارت رسالة بالنسبة لهم، يتحدثون بها في كل مكان يحلون فيه.
ومنها: ان يكون الحكم بعد معاوية للحسن (عليه السلام) فان حدث بالحسن (عليه السلام) حدث فليس لمعاوية ان يعهد إلى احد من بعده بل يترك قضية الحكم للامة تبايع من شخصته النصوص النبوية إماما هاديا لا يجوز للامة ان تتجاوزه فتبايع شخصا آخر غيره تجعله حاكما على إمام الهدى. وهذا الشرط يجعل الأمة مالكة لزمام أمرها، فقد بايع أهل العراق الحسن (عليه السلام) إذ يعتقدون ان النص قام عليه وبايع أهل الشام معاوية لاعتقادهم انه أولى بالخليفة عثمان وكونه ثقة الخليفة الثاني والثالث، ثم فسح الحسن (عليه السلام) بأطروحته المجال لمعاوية ان يحكم الأمة كلها على وفق الشروط التي اشترطها، وكذلك ينبغي له ان يفسح المجال للحسن (عليه السلام) ان يحكم الأمة فاذا مات الحسن (عليه السلام) ومعاوية رجع الأمر إلى الأمة تبايع من يشير إليه الكتاب والسنة وليس غير الحسين (عليه السلام) رجلا تشير إليه النصوص.
ان أطروحة الحسن في الصلح تفرض نفسها على معاوية، وليس له الا ان يستجيب لها، لأنها تحقق السلم وتزيد عليه مكاسب لا يحلم بها معاوية إذ تسلم حسب هذه الأطروحة النصف الشرقي من البلاد الاسلامية له ولم يكن يحلم بذلك تماما، ولكن قبوله لهذا المكسب الجديد الذي يسيل له لعابه سوف يخلق له مشكلتين أساسيتين هما:
1. افتضاحه أمام أهل الشام حين يعطي الأمان لكل أهل العراق وفيهم
«صفحة 186»
قَتلَة عثمان كما روج اعلامه لذلك.
2. اطلاع أهل الشام على أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليه السلام) وعلى حديثه (صلى الله عليه وآله) في بني أميه.
وكلا المشكلتين لهما حل جاهز في ذهنية معاوية:
أما المشكلة الأولى، فما ايسر معالجتها عنده، إذ سوف يبين لأهل الشام ان مع السلم سيادة أهل الشام على أهل العراق، وهو أمر لم يحلم به أهل الشام أيضا، وهو ان تكون بلادهم مركز الدولة الاسلامية المترامية في أطرافها.
أما المشكلة الثانية، فقد ادخر لها معاوية الغدر ونقض العهد، وهو ما وشجت عليه أصوله يوم نقض ابوه عهد النبي (صلى الله عليه وآله) في الحديبية بعد سنتين من إبرامه معه.
استجاب معاوية لأطروحة الحسن (عليه السلام) وبذلك استطاع الحسن (عليه السلام) ان يعالج مشكلات الأمة الثلاث افضل معالجة:
أولا: توحد شقي الأمة، وامتزج بعضهما مع البعض الآخر. واعادت هيبة الأمة واستطاع معاوية ان يصالح الروم في السنة الأولى ثم يحاربهم في السنة الثانية وينتصر عليهم.
ثانيا: وعرف أهل الشام أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في حق علي (عليه السلام) وعرفوا سيرته المشرقة.
ثالثا: وعاش شيعة علي (عليه السلام) عشر سنوات في أمان تام وحرية ينشرون ما عرفوه من سيرة علي (عليه السلام) ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر،. عاش الناس حرية حقيقية كتلك التي عاشوها زمن علي (عليه السلام) ، فالسلطة لا تضغط
«صفحة 187»
على المواطن لتفرض رأيها عليه، ويستطيع كل مواطن ان يعبر عما يجول في خاطره إزاء السلطة ولا يخشى العقوبة على مخالفتها في رأيها، تحمل معاوية ذلك ولما عاتبه أصحابه على تلك الحرية لخصومه كان يقول لهم (انّا لا نحول بين الناس وبين ألسنتهم ما داموا لا يحولوا بيننا وبين ملكنا).
وقد يثار أمام هذه الرؤية للصلح احتمال ان يخون معاوية وينقض الشروط مع الحسن (عليه السلام) ؟.
وجواب هذا الاحتمال ان ذلك بالتأكيد لم يغب عن الإمام الحسن (عليه السلام) ولا عن أصحابه، وكونه ابرز خطر محتمل تنطوي عليه الأطروحة الحسنية للصلح، وهو في نفسه خطر عظيم ؛ لان معاوية سوف ينتقم من شيعة علي (عليه السلام) ، كما انه سوف يعمل على رفع الخلافة إلى مستوى اعلى من مستواها التنفيذي ليجعل منها موقعا تشريعيا إلى جانب موقعها التنفيذي، كما صنعت خلافة قريش المسلمة ذلك، ثم يضيف إلى ذلك لعن علي (عليه السلام) ، ليشفي غيظه منه ويربي أهل الشام وأجيال الأمة الجديدة على تلك البدعة، وهذا معناه تحريف الإسلام وعودة الحالة الفرعونية في الأمة الاسلامية.
وقد تحقق هذا الاحتمال، وعمل معاوية عشر سنوات جاهدا لتكريس هذه الأطروحة.
ان الحسن (عليه السلام) عمل وفق خطة إلهية كانت قد ادخرت الحسين (عليه السلام) لإنقاذ الأمة من محنتها الجديدة كما سيأتي بيانه في الرؤية الخامسة.
«صفحة 188»
الرؤية الرابعة:
مفادها:
ـ ان الحسين (عليه السلام) نهض ليستشهد.
ـ ان الحسين (عليه السلام) ربط نهضته واستشهاده بشعار بطلان الخلافة حين نهض ضدها ورفض بيعتها هذه الخلافة التي كانت سببا في ضياع الإحكام الاسلامية وتحريفها.
ـ كما رفع شعار صحة أمر إمامة أهل البيت(عليهم السلام) التي هي مفتاح معرفة الأحكام الاسلامية.
ـ وكان الحسين (عليه السلام) بل الأمة على علم بشهادته اخبرها بذلك النبي (صلى الله عليه وآله) .
ـ وقد انهار اللباس الديني للخلافة، وتجرأت الأمة على الثورة بوجهها، وانهارت على ايديهم , واستطاع الأئمة من ذرية الحسين (عليه السلام) من خلال تعاطف الأمة معهم والتفافهم حولهم ان ينشروا أحكام الإسلام ويحيوا سنة النبي (صلى الله عليه وآله) .
وقد تبنى هذه الرؤية العلامة العسكري في كتابه معالم المدرستين، وتفصيل ذلك في كلماته التالية:
قال: [ان (الخلافة) كانت قد أصبحت مقدسة في زمن معاوية ويزيد بالشكل الذي لو بويع الحسين (عليه السلام) على الحكم لما استطاع ان يعيد إلى المجتمع الاحكام الاسلامية التي بدلها الخلفاء وغيروها باجتهاداتهم، كما لم يستطع الإمام علي (عليه السلام) ان يفعل ذلك بالنسبة إلى اجتهادات الخلفاء الثلاثة من قبله حين حاول ان يعيد الأمة الاسلامية إلى سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) ، ولكان
«صفحة 189»
على الحسين (عليه السلام) ان يقر اجتهادات معاوية على حالها بما فيها لعن أبية الإمام علي (عليه السلام) على جميع منابر المسلمين بالإضافة إلى اجتهادات الخلفاء السابقين].
[فضلا عن ذلك فان الخلافة كانت قد روضت الناس على فكرة ان الخروج على الخليفة شق لعصا المسلمين ومروق من الدين , وكون الدين هو ما يراه الخليفة , وان التدين أساسه طاعة الخليفة) , (ويتضح من ذلك ان المشكلة يوم ذاك لم تكن مشكلة تسلط الحاكم الجائر كي يعالج بتبديله بحاكم عادل بل كانت مشكلة ضياع الاحكام الاسلامية.
وفي ضوء ذلك فان بيعة الحسين (عليه السلام) ليزيد تمنحه الشرعية بكونه ممثلا لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وانه طاعته وطاعة نظرائه الخلفاء واجبة على كل حال وهذا معناه القضاء على شريعة جده.
ومن هنا كان مشروع الحسين (عليه السلام) هو ان يرفض بيعة يزيد مع دعوة إلى القيام المسلح ضده وضد مشروع الخلافة لتغييرها مقرونا ذلك بطرح إمامة أهل البيت وإحياء سيرة جده النبي (صلى الله عليه وآله) وأبية علي (عليه السلام) .
وهكذا كان أمره في المدينة وفي مكة , وعرض نفسه على المعتمرين والوافدين لحج بيت الله من كل فج عميق، وهو يروي لهم سيرة جده، وانحراف الخليفة عن تلك السيرة، ويخوفهم معصية الله، ويحذرهم عذابه يوم القيامة طالبا منهم نصرته وحمايته من الخلافة التي أهدرت دمه، لأنه لم يبايع ].
[باشر الحسين (عليه السلام) القيام المسلح بأخذه البيعة ممن بايعه على ذلك ثم في
«صفحة 190»
قتال سفيره مسلم ثم في توجهه إلى العراق ,
وكان بإمكان جماهير الحجيج ان يلتحقوا به بعد الحج بركبه المتمهل في السير.
وكان بإمكان أهل الحرمين والعراقيين وسائر البلاد الاسلامية ان يلبوا دعوته حين استنصرهم.
ولكنهم جميعا اشتركوا في خذلانه وان تفرد أهل الكوفة بحمل العار في دعوته وتلبيته ثم قتلهم إياه]. (خلاصة معالم المدرستين/٤٠٥ ـ ٤٢٧).
[واتخذ الحسين (عليه السلام) الشهادة طريقا لتحقيق هدفه , فقد كان من آثار مقتله ثورات المسلمين على حكم آل أميه بدءا بثورة أهل الحرمين وانتهاء بثورة العباسيين حيث انهارت الدولة الأموية ,
والى جانب ذلك استطاع أئمة أهل البيت ان يجددوا شريعة جدهم سيد الرسل بعد اندراسها ونشطت مدرستهم في نشر أحكام الإسلام].
تعليقنا على قضيتين:
الأولى: الإشارة إلى أمر جديد تميزت به رؤية العلامة العسكري عن الرؤيتين السابقتين وبخاصة الرؤية الثالثة وهذا الأمر الجديد يتمثل (بكون المشكلة يوم ذاك لم تكن مشكلة تسلط الحاكم الجائر فقط كي يعالج بتبديله بحاكم عادل، بل كانت مشكلة تحريف وضياع الاحكام الاسلامية بسبب الخلافة المتسترة بلباس الدين).
والحق مع العلامة العسكري في هذه المسالة حيث ان جيلا كاملا في الأمة من عمر 15 سنة إلى عمر 25 سنة لا يعرف شيئا من الاحكام الاسلامية
«صفحة 191»
الصحيحة ولا الأحاديث النبوية الصحيحة. أي ان هذا الجيل في شرق البلاد الاسلامية الواسعة وغربها جيل مسلم، ولكنه ضال لا يعرف وليا لله يقوده إلى الله تعالى غير الخليفة الأموي وأسلافه الخلفاء الثلاثة، ويتعامل مع تشريعات الخلافة الأولى وتعاليم معاوية على انها جزء من الدين، ولا يعرف عدوا لله غير علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وانه كان مفسدا في الدين يجب لعنه والبراءة منه. بينما رؤية الشهيد الصدر لم تتطرق إلى هذا الأمر الخطير بل ركزت الرؤية على ان الأمة كانت تعرف الحق من الباطل وتعرف ان الدين يدعو إلى الثورة ضد بني أميه ولكنها ضعيفة الإرادة غير مستعدة للتضحية.
الثانية: تسجيل ملاحظة على قوله (لو بويع الحسين (عليه السلام) على الحكم لما استطاع ان يعيد إلى المجتمع الاحكام الاسلامية التي بدلها الخلفاء وغيروها باجتهاداتهم، كما لم يستطع الإمام علي (عليه السلام) ان يفعل ذلك بالنسبة إلى اجتهادات الخلفاء الثلاثة من قبله حين حاول ان يعيد الأمة الاسلامية إلى سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) , ولكان على الحسين (عليه السلام) ان يقرّ اجتهادات معاوية على حالها بما فيها لعن أبية الإمام علي (عليه السلام) على جميع منابر المسلمين بالإضافة إلى اجتهادات الخلفاء السابقين).
والحق ان هذا القول تصعب الموافقة عليه بل ليس صحيحا، إذ لم تكن من سياسة علي (عليه السلام) حين بسطت له الأمور ان يفرض رأيه على الناس بل تركهم وشأنهم حين تكون المسألة تخص الفرد، فلم يستخدم سلطانه لفرض متعة الحج على الناس ولا المنع من ممارسة صلاة التراويح مع أن رأيه فيها هو الحق، ولكنه تركها لقناعة الأفراد، وليعيد للامة المناخ السياسي الذي أسسه
«صفحة 192»
النبي (صلى الله عليه وآله) الذي يتحمل تعددية الآراء فيما يتعلق بشؤون الفرد ليعمل كل بما يعتقد ويرى الم يقر النبي (صلى الله عليه وآله) أهل الذمة على عباداتهم يمارسونها بحرية في كنائسهم ؟.
ولعن الإمام علي (عليه السلام) ليس من قبيل مسالة صلاة التراويح التي هي مسألة فردية وان بدت في شكل جماعة، أما مسألة لعن علي (عليه السلام) فهي ترتبط بمصدر التشريع وقيادة المجتمع إلى الله تعالى وهي اهم قضية في الرسالة وتتصل بعموم السائرين إلى الله تعالى وليست مسالة تخص أفرادا معدودين.
لقد استطاع علي (عليه السلام) ان ينشر كل الثقافة الاسلامية التي يعتقد بها، ويعتقد بها حملتها من الصحابة، إذ لم يقيد أحدا منهم بان يروي أمرا دون غيره، أما ان يحمل كل فرد مسلم على ان يعمل بما يراه علي (عليه السلام) صحيحا فلم يكن من سياسة علي (عليه السلام) كما بينا.
الرؤية الخامسة:
تتفق مع الرؤية القائلة: ان نهضة الحسين (عليه السلام) كانت على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليست على أساس دعوة الكوفيين لاستلام الحكم.
وتتفق مع الرؤية القائلة: ان الحسين (عليه السلام) كان على علم بشهادته حين اقدم على النهضة، وهذه الحقيقة تعرف بها الأمة من خلال أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) ، بل يعرف أهل الكتاب ذلك أيضا من خلال اخبار أنبياءهم لهم، ومن خلال كتابهم الذي يتداولونه.
وكذلك تتفق مع الرؤية القائلة: ان يوم عاشوراء كان فتحا، وكل خير في
«صفحة 193»
هذه الأمة من هداية أو إصلاح كالوصول إلى عقيدة صحيحة أو التحرر من عقيدة منحرفة أو التحرر من نظام سياسي تجاوز الحد في طغيانه، فهو من هذه الوقفة المظفرة للحسين (عليه السلام) وصحبه رضوان الله عليهم.
وتختلف الرؤية مع غيرها وبخاصة مع ما طرحه الباحث الألماني (ماربين) في كتابه (السياسة الحسينية) وتبناه بعض المفكرين الإسلاميين: (ان الحسين (عليه السلام) أراد ان يصنع مشهدا مأساويا من واقعة كربلاء وانه قد اعدَّ مقدمات تلك الشهادة التراجيدية إعدادا خاصا ؛ ليتمكن من تحريك عواطف الناس وتوظيفها حد الإمكان ضد بني أميه ولصالح بني هاشم، ولم يكن يطمح سوى ان يقتل في تلك الواقعة وقد اختار افضل وسيلة لإنجاز تلك المهمة وهي الظهور بمظهر المظلوم الغريب حتى تأخذ الواقعة موقعها المؤثر في القلوب على احسن وجه).
ان الصحيح هو ان يقال:
ان الحسين (عليه السلام) كان تكليفه الشرعي ان ينهض للإصلاح برفض بدعة معاوية الذي أحيا بدع قريش المسلمة وكان علي (عليه السلام) قد وقف في وجهها، وأضاف معاوية أمرا جديدا عليها وهو ان تكون خلافة النبي (صلى الله عليه وآله) في قريش ثم بني أميه مضافا إلى لعن علي (عليه السلام) بصفته ملحدا في الدين، ثم رفع الحسين شعار إحياء سيرة جده النبي (صلى الله عليه وآله) وأبية علي (عليه السلام) وان ولايته هي ولاية النبي (صلى الله عليه وآله) وهي ولاية الله تعالى، وهكذا فان الإصلاح يتم بمقومين الأول العودة إلى الإمامة الإلهية الهادية بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وهي علي (عليه السلام) وأهل بيته المعصومين (عليه السلام) ورفض إمامة قريش الأموية التي ادعت مقام خلافة النبي (صلى الله عليه وآله) والإمامة الهادية لنفسها متمثلة في بيت معاوية وربت النشء على البراءة من علي
«صفحة 194»
(عليه السلام) بوصفها ملحدا في الدين.
ووقف الحسين (عليه السلام) عند شعاره لا يبايع يزيد ولم يتراجع عنه حتى حينما حوصر وعياله معه وخير بين اثنتين اختار ان يقتل على ان يبايع ويحيا ذليلا، ودافع عن نفسه اشد دفاع، وانتقمت منه بنو أميه اشد انتقام وحاولت المبالغة في إذلاله بان سيرت أسرته سبايا مع راسه ورؤوس أصحابه في مشهد تقشعر له الأبدان، وكان الهدف من اصطحاب الحسين (عليه السلام) نساءه معه خشيته من أبقاهم في مكة فيؤخذوا رهائن للضغط عليه كما أخذوا من قبل آمنة بنت الشريد زوجة عمرو بن الحمق الخزاعي. وكانت هذه الظلامة بسبب شعارها الإلهي فاتحة هادية لحركة الهدى إلى الأبد وحفظت تراث النبوة الخاتمة وتراث النبوات الأولى.
«صفحة 195»
المجالس الحسينية تأسيس الأئمة من ذرية الحسين (عليه السلام) (1)
مجالس العزاء في محرم أهم معلم للشيعة:
يشهد المجتمع الشيعي أيام العشرة الأولى ولياليها بشكل خاص من شهر المحرم في كل سنة حركة غير اعتيادية من النشاط العاطفي والفكري تتمثل بإقامة آلاف المآتم على الحسين (عليه السلام) ، بل مئات الآلاف. وقد ارتبط الشيعة مصيريا بهذه المآتم فأصبحت من أهم معالم وجودهم الاجتماعي منذ فجر تأريخهم، وقد تحملوا من أجل المحافظة عليها شتى ألوان الاضطهاد.
تفسيران خاطئان لظاهرة البكاء على الحسين (عليه السلام) :
تعرضت ظاهرة العزاء والبكاء على الحسين (عليه السلام) قديما لتفسير خاطئ من خصوم الشيعة. فقال ابن تيمية(2) ونظراؤه من قبل وبعد أنها من بدع الشيعة التي خالفوا فيها السنة النبوية في أمر المصيبة التي تقضي بالصبر والاسترجاع وتنهى عن الجزع، ولا زال هذا الكلام يرفع بوجه الشيعة كلما يحل موسم المحرم وينهضون بمراسم العزاء.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشر هذا البحث ضمن مجموعة كراسات المكتبة الحسينية الميسرة، عام 1433هـ/2011م، الكراس رقم1.
(2) أنظر سؤال في يزيد بن معاوية لابن تيمية مجلة المجمع العلمي بدمشق/38 ص673.
«صفحة 196»
وجاء العلمانيون حديثا فقالوا: أن ظاهرة البكاء على الحسين (عليه السلام) نوع من التأثر بمخلفات وعادات الشعوب الشرقية القديمة.
الأئمة (عليهم السلام) من ذرية الحسين (عليه السلام) يؤسسون المآتم الحسينية:
إن كلام ابن تيمية الحنبلي امتداد لكلام الحنابلة قديما، وجوابنا لـهم جميعا هو أن المؤسس لظاهرة الحزن والبكاء على الحسين (عليه السلام) هم الأنبياء وسيدهم وخاتمهم محمد (صلى الله عليه وآله) ثم الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) ، وليس للشيعة في ذلك إلا شرف الإتباع والاقتداء.
وقد تواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله) إخبارُه بقتل الحسين (عليه السلام) وحزنُه وبكاؤه عليه منذ ولادته(1).
وتواترت الاخبار عن الأئمة ان الحسين (عليه السلام) بكاه الأنبياء من قبلُ، وفي كتب أهل الكتاب الدينية نصوص واضحة في ذلك(2).
كانت إحدى أهم مسؤوليات الأئمة التسعة من ذرية الحسين (عليه السلام) هي تربية شيعتهم على الحزن والبكاء على الحسين (عليه السلام) وأثرت عنهم نصوص كثيرة جدا.
منها ما رواه ابن قولويه في كتابه كامل الزيارات بسنده عن الحسن بن محبوب، عن العلا بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول:
«أَيما مُؤمِنٍ دَمَعَت عَيناهُ لِقَتلِ الحُسَينِ حَتَّى تَسيلَ عَلَى خَدَّيهِ بَوأَهُ اللهُ بِها
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ذكرنا طرفا من هذه الأخبار في كراسة الرد على التفسير العلماني لظاهرة البكاء.
(2) انظر كراسة الحسين (عليه السلام) وارث إبراهيم فقد ذكرنا فيها نموذجا من هذه النصوص.
«صفحة 197»
غُرَفا يسكُنُها أَحقابا وأَيما مُؤمِنٍ دَمَعَت عَيناهُ حَتَّى تَسيلَ عَلَى خَدِّهِ فيما مَسَّنا مِنَ الأَذَى مِن عَدونا في الدُّنيا بَوأَهُ اللهُ مُبَوأَ صِدقٍ.
و أَيما مُؤمِنٍ مَسَّهُ أَذًى فينا فَدَمَعَت عَيناهُ حَتَّى تَسيلَ عَلَى خَدِّهِ مِن مَضاضَةِ ما أوذي فينا صَرَفَ اللهُ عَن وجهِهِ الأَذَى وآمَنَهُ يومَ القيامَةِ مِن سَخَطِهِ والنّارِ»(1).
وفي كامل الزيارات أيضا بسنده عَن: مالِكٍ الجُهَني عَن أَبي جَعفَرٍ الباقِرِ (عليه السلام) قالَ:
«مَن زارَ الحُسَينَ (عليه السلام) يومَ عاشوراءَ حَتَّى يظَلَّ عِندَهُ باكيا لَقي اللهَ عَزَّ وجَلَّ يومَ القيامَةِ بِثَوابِ أَلفَي أَلفِ حَجَّةٍ وأَلفَي أَلفِ عُمرَةٍ وأَلفَي أَلفِ غَزوةٍ وثَوابُ كُلِّ حَجَّةٍ وعُمرَةٍ وغَزوةٍ كَثَوابِ مَن حَجَّ واعتَمَرَ وغَزا مَعَ رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) ومَعَ الأَئِمَّةِ الرّاشِدينَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِم.
قالَ قُلتُ جُعِلتُ فِداكَ فَما لِمَن كانَ في بُعدِ البِلادِ وأَقاصيها ولَم يمكِنهُ المَصيرُ إِلَيهِ في ذَلِكَ اليومِ
قالَ إِذا كانَ ذَلِكَ اليومُ بَرَزَ إِلَى الصَّحراءِ أَو صَعِدَ سَطحا مُرتَفِعا في دارِهِ وأَومَأَ إِلَيهِ السَّلامَ واجتَهَدَ عَلَى قاتِلِهِ بِالدُّعاءِ وصَلَّى بَعدَهُ رَكعَتَينِ يفعَلُ ذَلِكَ في صَدرِ النَّهارِ قَبلَ الزَّوالِ.
ثُمَّ ليندُبِ الحُسَينَ (عليه السلام) ويبكيهِ ويأمُرُ مَن في دارِهِ بِالبُكاءِ عَلَيهِ ويقيمُ في دارِهِ مُصيبَتَهُ بِإِظهارِ الجَزَعِ عَلَيهِ ويتَلاقَونَ بِالبُكاءِ بَعضُهُم بَعضا بِمُصابِ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه – ص 201.
«صفحة 198»
الحُسَينِ (عليه السلام) .
فَأَنا ضامِنٌ لَهُم إِذا فَعَلوا ذَلِكَ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ جَميعَ هَذا الثَّوابِ.
فَقُلتُ جُعِلتُ فِداكَ وأَنتَ الضّامِنُ لَهُم إِذا فَعَلوا ذَلِكَ والزَّعيمُ بِهِ.
قالَ أَنا الضّامِنُ لَهُم ذَلِكَ والزَّعيمُ لِمَن فَعَلَ ذَلِكَ.
قالَ قُلتُ فَكَيفَ يعَزّي بَعضُهُم بَعضا
قالَ يقولونَ عَظَّمَ اللهُ أُجورَنا بِمُصابِنا بِالحُسَينِ (عليه السلام) وجَعَلَنا وإياكُم مِنَ الطّالِبينَ بِثَأرِهِ مَعَ وليهِ الإمامِ المَهدي مِن آلِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) .
فَإِنِ استَطَعتَ أَن لا تَنتَشِرَ يومَكَ في حاجَةٍ فافعَل فَإِنَّهُ يومٌ نَحسٌ لا تقضَىفيهِ حاجَةُ مُؤمِنٍ وإِن قُضيت لَم يبارَك لَهُ فيها ولَم يرَ رُشدا ولا تَدَّخِرَنَّ لِمَنزِلِكَ شَيئا فَإِنَّهُ مَنِ ادَّخَرَ لِمَنزِلِهِ شَيئا في ذَلِكَ اليومِ لَم يبارَك لَهُ فيما يدَّخِرُهُ ولا يبارَكُ لَهُ في أَهلِهِ».
ثم ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في رواية معاوية بن وهب قال: «كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام) ».
وفي رواية جميل بن دراج عن معتب مولى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول لداود بن سرحان:
«يا داود أبلغ موالي عني السلام، وأنى أقول: رحم الله عبدا اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا فان ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله تعالى بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فانَّ في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس بعدنا من ذاكَرَ بأمرنا ودعا
«صفحة 199»
إلى ذكرنا»(1).
ورواية الفضيل بن يسار قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) :
«يا فضيل تجلسون وتتحدثون ؟ قال نعم سيدي، قال يا فضيل هذه المجالس أُحِبُّها أحيو أمرنا رحم الله امرءا أحيا امرنا»(2).
وفي كتاب كامل الزيارات بسنده عن أبي هارون المكفوف، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: أنشدني فأنشدته، فقال: لا، كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره، قال: فأنشدته:
أُمرُر على جَدَث الحسين
فقل لأعظمه الزكية
يا أعظما لا زلتِ من
وطفاء(3) ساكبة روية
و إذا مررتَ بقبره
فأطِل به وقفَ المطية
و ابك المطهّرَ للمطهّر
و المطهّرةَ النّقية
كبكاء معولةٍ أتت
يوما لواحدها المنية
قال: فرأيت دموعه تتحدّر على خدّيه، وارتفع الصّراخ والبكاء من داره، حتى أمره بالإمساك فأمسك.
قال أبو هارون:
قال: فلما ان سكتنَ.
قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين (عليه السلام) فأبكى عشرة فله الجنة ثم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة ط.آل البيت، الحر العاملي ج16 ص348 الحسن بن محمد الطوسي في (مجالسه) عن أبيه.
(2) كامل الزيارة باب 33 ص104 ـ 106.
(3) وطفاء ساكبة روية أي سحابة غزيرة المطر تروى الأرض بمائها.
«صفحة 200»
جعل ينقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد فقال من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة، ثم قال: من ذكره فبكى فله الجنة.
وفي الأمالي للشيخ الصدوق قالَ: قالَ الرِّضا (عليه السلام) :
«إِنَّ المُحَرَّمَ شَهرٌ كانَ أَهلُ الجاهِليةِ يحَرِّمونَ فيهِ القِتالَ فاستُحِلَّت فيهِ دِماؤُنا وهُتِكَت فيهِ حُرمَتُنا وسُبي فيهِ ذَرارينا ونِساؤُنا وأُضرِمَتِ النّيرانُ في مَضارِبِنا وانتُهِبَ ما فيها مِن ثِقلِنا ولَم تُرعَ لِرَسولِ اللهِ حُرمَةٌ في أَمرِنا
إِنَّ يومَ الحُسَينِ أَقرَحَ جُفونَنا وأَسبَلَ دُموعَنا وأَذَلَّ عَزيزَنا بِأَرضِ كَربٍ وبَلاءٍ أَورَثَتنا الكَربَ والبَلاءَ إِلَى يومِ الِانقِضاءِ فَعَلَى مِثلِ الحُسَينِ فَليبكِ الباكونَ فَإِنَّ البُكاءَ عَلَيهِ يحُطُّ الذُّنوبَ العِظامَ.
ثُمَّ قالَ (عليه السلام) : كانَ أَبي إِذا دَخَلَ شَهرُ المُحَرَّمِ لا يرَى ضاحِكا وكانَتِ الكَآبَةُ تَغلِبُ عَلَيهِ حَتَّى يمضي مِنهُ عَشَرَةُ أَيامٍ فَإِذا كانَ يومُ العاشِرِ كانَ ذَلِكَ اليومُ يومَ مُصيبَتِهِ وحُزنِهِ وبُكائِهِ ويقولُ هو اليومُ الَّذي قُتِلَ فيهِ الحُسَينُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ.
وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) والأمالي للصدوق أيضا بسنده عن الرَّيانِ بنِ شَبيبٍ قالَ دَخَلتُ عَلَى الرِّضا (عليه السلام) في أَولِ يومٍ مِنَ المُحَرَّمِ فَقالَ لي يا ابنَ شَبيبٍ أَ صائِمٌ أَنتَ فَقُلتُ لا فَقالَ إِنَّ هَذا اليومَ هو اليومُ الَّذي دَعا فيهِ زَكَريا رَبَّهُ عَزَّ وجَلَّ فَقالَ رَبِّ هَب لي مِن لَدُنكَ ذُرّيةً طَيبَةً إِنَّكَ سَميعُ الدُّعاءِ فاستَجابَ اللهُ لَهُ وأَمَرَ المَلائِكَةَ فَنادَت زَكَريا وهو قائِمٌ يصَلّي في المِحرابِ أَنَّ اللهَ يبَشِّرُكَ بيحيى فَمَن صامَ هَذا اليومَ ثُمَّ دَعا اللهَ عَزَّ وجَلَّ استَجابَ اللهُ لَهُ كَما استَجابَ لِزَكَريا (عليه السلام) .
«صفحة 201»
ثُمَّ قالَ يا ابنَ شَبيبٍ إِنَّ المُحَرَّمَ هو الشَّهرُ الَّذي كانَ أَهلُ الجاهِليةِ فيما مَضَى يحَرِّمونَ فيهِ الظُّلمَ والقِتالَ لِحُرمَتِهِ فَما عَرَفَت هَذِهِ الأُمَّةُ حُرمَةَ شَهرِها ولا حُرمَةَ نَبيها لَقَد قَتَلوا في هَذا الشَّهرِ ذُرّيتَهُ وسَبَوا نِساءَهُ وانتَهَبوا ثَقَلَهُ فَلا غَفَرَ اللهُ لَهُم ذَلِكَ أَبَدا.
يا ابنَ شَبيبٍ إِن كُنتَ باكيا لِشَيءٍ فابكِ لِلحُسَينِ بنِ عَلي بنِ أَبي طالِبٍ (عليه السلام) فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَما يذبَحُ الكَبشُ وقُتِلَ مَعَهُ مِن أَهلِ بَيتِهِ ثَمانيةَ عَشَرَ رَجُلًا ما لَهُم في الأَرضِ شَبيهونَ ولَقَد بَكَتِ السَّماواتُ السَّبعُ والأَرَضونَ لِقَتلِهِ ولَقَد نَزَلَ إِلَى الأَرضِ مِنَ المَلائِكَةِ أَربَعَةُ آلافٍ لِنَصرِهِ فَوجَدوهُ قَد قُتِلَ فَهُم عِندَ قَبرِهِ شُعثٌ غُبرٌ إِلَى أَن يقومَ القائِمُ فَيكونونَ مِن أَنصارِهِ وشِعارُهُم يا لَثاراتِ الحُسَينِ.
يا ابنَ شَبيبٍ لَقَد حَدَّثَني أَبي عَن أَبيهِ عَن جَدِّهِ أَنَّهُ لَمّا قُتِلَ جَدّي الحُسَينُ أَمطَرَتِ السَّماءُ دَما وتُرابا أَحمَرَ.
يا ابنَ شَبيبٍ إِن بَكَيتَ عَلَى الحُسَينِ حَتَّى تَصيرَ دُموعُكَ عَلَى خَدَّيكَ غَفَرَ اللهُ لَكَ كُلَّ ذَنبٍ أَذنَبتَهُ صَغيرا كانَ أَو كَبيرا قَليلًا كانَ أَو كَثيرا.
يا ابنَ شَبيبٍ إِن سَرَّكَ أَن تَلقَى اللهَ عَزَّ وجَلَّ ولا ذَنبَ عَلَيكَ فَزُرِ الحُسَينَ (عليه السلام) يا ابنَ شَبيبٍ إِن سَرَّكَ أَن تَسكُنَ الغُرَفَ المَبنيةَ في الجَنَّةِ مَعَ النَّبي (صلى الله عليه وآله) فالعَن قَتَلَةَ الحُسَينِ.
يا ابنَ شَبيبٍ إِن سَرَّكَ أَن يكونَ لَكَ مِنَ الثَّوابِ مِثلَ ما لِمَنِ استُشهِدَ مَعَ الحُسَينِ فَقُل مَتَى ما ذَكَرتَهُ يا لَيتَني كُنتُ مَعَهُم فَأَفوزَ فَوزا عَظيما.
يا ابنَ شَبيبٍ إِن سَرَّكَ أَن تَكونَ مَعَنا في الدَّرَجاتِ العُلَى مِنَ الجِنانِ فاحزَن لِحُزنِنا وافرَح لِفَرَحِنا وعَلَيكَ بِولايتِنا فَلَو أَنَّ رَجُلًا تَولَّى حَجَرا لَحَشَرَهُ اللهُ
«صفحة 202»
مَعَهُ يومَ القيامَةِ».
أما شبهة العلمانيين فجوابها باختصار:
إن المهم في كل ممارسة دينية هو أن يكون لها سند تشريعي صحيح، فإذا ما وجد فسوف لن يضرها وجود نظير لـها في الشرائع الأخرى، أو لدى الشعوب الأخرى كما لم يضر شعيرة الحج والصلاة والصيام والزكاة في الإسلام وجود نظائر لـها في الشرائع الأخرى، فلا يقول أحد ان المسلمين في صلاتهم وصيامهم وحجهم متأثرون بالمسيحيين واليهود.
وقد ذكرنا آنفا الروايات التي تدل على شرعية العزاء الحسيني.
زيارة عاشوراء المروية عن الإمام الباقر (عليه السلام) :
كامل الزيارات: حَكيمُ بنُ داودَ وغَيرُهُ عَن مُحَمَّدِ بنِ موسَى الهَمداني عَن مُحَمَّدِ بنِ خالِدٍ الطَّيالِسي عَن سَيفِ بنِ عَميرَةَ وصالِحِ بنِ عُقبَةَ مَعا عَن عَلقَمَةَ بنِ مُحَمَّدٍ الحَضرَمي ومُحَمَّدِ بنِ إِسماعيلَ عَن صالِحِ بنِ عُقبَةَ عَن:
مالِكٍ الجُهَني عَن أَبي جَعفَرٍ الباقِرِ (عليه السلام) قالَ مَن زارَ الحُسَينَ (عليه السلام) يومَ عاشوراءَ حَتَّى يظَلَّ عِندَهُ باكيا لَقي اللهَ عَزَّ وجَلَّ يومَ القيامَةِ بِثَوابِ أَلفَي أَلفِ حَجَّةٍ وأَلفَي أَلفِ عُمرَةٍ وأَلفَي أَلفِ غَزوةٍ وثَوابُ كُلِّ حَجَّةٍ وعُمرَةٍ وغَزوةٍ كَثَوابِ مَن حَجَّ واعتَمَرَ وغَزا مَعَ رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) ومَعَ الأَئِمَّةِ الرّاشِدينَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِم
قالَ: قُلتُ: جُعِلتُ فِداكَ فَما لِمَن كانَ في بُعدِ البِلادِ وأَقاصيها ولَم يمكِنهُ
«صفحة 203»
المَصيرُ إِلَيهِ في ذَلِكَ اليومِ قالَ إِذا كانَ ذَلِكَ اليومُ بَرَزَ إِلَى الصَّحراءِ أَو صَعِدَ سَطحا مُرتَفِعا في دارِهِ وأَومَأَ إِلَيهِ السَّلامَ واجتَهَدَ عَلَى قاتِلِهِ بِالدُّعاءِ وصَلَّى بَعدَهُ رَكعَتَينِ يفعَلُ ذَلِكَ في صَدرِ النَّهارِ قَبلَ الزَّوالِ ثُمَّ ليندُبِ الحُسَينَ (عليه السلام) ويبكيهِ ويأمُرُ مَن في دارِهِ بِالبُكاءِ عَلَيهِ ويقيمُ في دارِهِ مُصيبَتَهُ بِإِظهارِ الجَزَعِ عَلَيهِ ويتَلاقَونَ بِالبُكاءِ بَعضُهُم بَعضا بِمُصابِ الحُسَينِ (عليه السلام) . فَأَنا ضامِنٌ لَهُم إِذا فَعَلوا ذَلِكَ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ جَميعَ هَذا الثَّوابِ.
فَقُلتُ: جُعِلتُ فِداكَ وأَنتَ الضّامِنُ لَهُم إِذا فَعَلوا ذَلِكَ والزَّعيمُ بِهِ ؟
قالَ: أَنا الضّامِنُ لَهُم ذَلِكَ والزَّعيمُ لِمَن فَعَلَ ذَلِكَ.
قالَ: قُلتُ: فَكَيفَ يعَزّي بَعضُهُم بَعضا ؟
قالَ: يقولونَ عَظَّمَ اللهُ أُجورَنا بِمُصابِنا بِالحُسَينِ (عليه السلام) وجَعَلَنا وإياكُم مِنَ الطّالِبينَ بِثَأرِهِ مَعَ وليهِ الإمامِ المَهدي مِن آلِ مُحَمَّدٍ(عليهم السلام) .
فَإِنِ استَطَعتَ أَن لا تَنتَشِرَ يومَكَ في حاجَةٍ فافعَل فَإِنَّهُ يومٌ نَحسٌ لا تُقضَى فيهِ حاجَةُ مُؤمِنٍ وإِن قُضيت لَم يبارَك لَهُ فيها ولَم يرَ رُشدا ولا تَدَّخِرَنَّ لِمَنزِلِكَ شَيئا فَإِنَّهُ مَنِ ادَّخَرَ لِمَنزِلِهِ شَيئا في ذَلِكَ اليومِ لَم يبارَك لَهُ فيما يدَّخِرُهُ ولا يبارَكُ لَهُ في أَهلِهِ.
فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ كُتِبَ لَهُ ثَوابُ أَلفِ أَلفِ حَجَّةٍ وأَلفِ أَلفِ عُمرَةٍ وأَلفِ أَلفِ غَزوةٍ كُلُّها مَعَ رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وكانَ لَهُ ثَوابُ مُصيبَةِ كُلِّ نَبي ورَسولٍ وصِدّيقٍ وشَهيدٍ ماتَ أَو قُتِلَ مُنذُ خَلَقَ اللهُ الدُّنيا إِلَى أَن تَقومَ السّاعَةُ.
قالَ صالِحُ بنُ عُقبَةَ الجُهَني وسَيفُ بنُ عَميرَةَ قالَ عَلقَمَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَضرَمي فَقُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ (عليه السلام) عَلِّمني دُعاءً أَدعو بِهِ في ذَلِكَ اليومِ إِذا أَنا زُرتُهُ مِن قَريبٍ ودُعاءً أَدعو بِهِ إِذا لَم أَزُرهُ مِن قَريبٍ
«صفحة 204»
وأَومَأتُ إِلَيهِ مِن بُعدِ البِلادِ ومِن داري
قالَ فَقالَ يا عَلقَمَةُ إِذا أَنتَ صَلَّيتَ الرَّكعَتَينِ بَعدَ أَن تومِئَ إِلَيهِ بِالسَّلامِ وقُلتَ عِندَ الإيماءِ إِلَيهِ وبَعدَ الرَّكعَتَينِ هَذا القَولَ فَإِنَّكَ إِذا قُلتَ ذَلِكَ فَقَد دَعَوتَ بِما يدعو بِهِ مَن زارَهُ مِنَ المَلائِكَةِ وكَتَبَ اللهُ لَكَ بِها أَلفَ أَلفِ حَسَنَةٍ ومَحا عَنكَ أَلفَ أَلفِ سَيئَةٍ ورَفَعَ لَكَ مِائَةَ أَلفِ أَلفِ دَرَجَةٍ وكُنتَ كَمَنِ استُشهِدَ مَعَ الحُسَينِ بنِ عَلي (عليه السلام) حَتَّى تُشارِكَهُم في دَرَجاتِهِم لا تُعرَفُ إِلا في الشُّهَداءِ الَّذينَ استُشهِدوا مَعَهُ وكُتِبَ لَكَ ثَوابُ كُلِّ نَبي ورَسولٍ وزيارَةِ كُلِّ مَن زارَ الحُسَينَ بنَ عَلي (عليه السلام) مُنذُ يومَ قُتِلَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِ.
تَقولُ:
السَّلامُ عَلَيكَ يا أَبا عَبدِ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا ابنَ رَسولِ اللهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا خيرَةَ اللهِ وابنَ خيرَتِهِ السَّلامُ عَلَيكَ يا ابنَ أَميرِ المُؤمِنينَ وابنَ سَيدِ الوصيينَ السَّلامُ عَلَيكَ يا ابنَ فاطِمَةَ سَيدَةِ النِّساءِ السَّلامُ عَلَيكَ يا ثارَ اللهِ وابنَ ثارِهِ والوترُ المَوتورُ السَّلامُ عَلَيكَ وعَلَى الأَرواحِ الَّتي حَلَّت بِفِنائِكَ عَلَيكُم مِنّي جَميعا سَلامُ اللهِ أَبَدا ما بَقيتُ وبَقي اللَّيلُ والنَّهارُ يا أَبا عَبدِ اللهِ لَقَد عَظُمَتِ المُصيبَةُ بِكَ عَلَينا وعَلَى جَميعِ أَهلِ السَّماواتِ فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسَّسَت أَساسَ الظُّلمِ والجَورِ عَلَيكُم أَهلَ البَيتِ ولَعَنَ اللهُ أُمَّةً دَفَعَتكُم عَن مَقامِكُم وأَزالَتكُم عَن مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها ولَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتكَ ولَعَنَ اللهُ المُمَهِّدينَ لَهُم بِالتَّمكينِ مِن قِتالِكُم.
يا أَبا عَبدِ اللهِ إِنّي سِلمٌ لِمَن سالَمَكُم وحَربٌ لِمَن حارَبَكُم إِلَى يومِ القيامَةِ فَلَعَنَ اللهُ آلَ زيادٍ وآلَ مَروانَ ولَعَنَ اللهُ بَني أُمَيةَ قاطِبَةً ولَعَنَ اللهُ ابنَ مَرجانَةَ ولَعَنَ اللهُ عُمَرَ بنَ سَعدٍ ولَعَنَ اللهُ شِمرا ولَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسرَجَت وأَلجَمَت وتَهَيأَت لِقِتالِكَ،
يا أَبا عَبدِ اللهِ بِأَبي أَنتَ وأُمّي لَقَد عَظُمَ مُصابي بِكَ فَأَسأَلُ اللهَ الَّذي أَكرَمَ مَقامَكَ أَن يكرِمَني بِكَ ويرزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمامٍ مَنصورٍ مِن آلِ مُحَمَّدٍ ص،
«صفحة 205»
اللهُمَّ اجعَلني وجيها بِالحُسَينِ (عليه السلام) عِندَكَ في الدُّنيا والآخِرَةِ،
يا سَيدي يا أَبا عَبدِ اللهِ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ وإِلَى رَسولِهِ وإِلَى أَميرِ المُؤمِنينَ وإِلَى فاطِمَةَ وإِلَى الحَسَنِ وإِلَيكَ صَلَّى اللهُ عَلَيكَ وسَلَّمَ بِموالاتِكَ والبَراءَةِ مِمَّن قاتَلَكَ ونَصَبَ لَكَ الحَربَ ومِن جَميعِ أَعدائِكُم وبِالبَراءَةِ مِمَّن أَسَّسَ الجَورَ وبَنَى عَلَيهِ بُنيانَهُ وأَجرَى ظُلمَهُ وجَورَهُ عَلَيكُم وعَلَى أَشياعِكُم بَرِئتُ إِلَى اللهِ وإِلَيكُم مِنهُم وأَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ثُمَّ إِلَيكُم بِموالاتِكُم وموالاةِ وليكُم والبَراءَةِ مِن أَعدائِكُم ومِنَ النّاصِبينَ لَكُمُ الحَربَ والبَراءَةِ مِن أَشياعِهِم وأَتباعِهِم إِنّي سِلمٌ لِمَن سالَمَكُم وحَربٌ لِمَن حارَبَكُم موالٍ لِمَن والاكُم وعَدو لِمَن عاداكُم
فَأَسأَلُ اللهَ الَّذي أَكرَمَني بِمَعرِفَتِكُم ومَعرِفَةِ أَوليائِكُم ورَزَقَني البَراءَةَ مِن أَعدائِكُم أَن يجعَلَني مَعَكُم في الدُّنيا والآخِرَةِ وأَسأَلُهُ أَن يبَلِّغَني المَقامَ المَحمودَ لَكُم عِندَ اللهِ وأَن يرزُقَني طَلَبَ ثارِكُم مَعَ إِمامٍ مَهدي ناطِقٍ لَكُم وأَسأَلُ اللهَ بِحَقِّكُم وبِالشَّأنِ الَّذي لَكُم عِندَهُ أَن يعطيني بِمُصابي بِكُم أَفضَلَ ما أَعطَى مُصابا بِمُصيبَةٍ، أَقولُ إِنّا لِلهِ وإِنّا إِلَيهِ راجِعونَ يا لَها مِن مُصيبَةٍ ما أَعظَمَها وأَعظَمَ رَزيتَها في الإسلامِ وفي جَميعِ السَّماواتِ والأَرَضينَ، اللهُمَّ اجعَلني في مَقامي هَذا مِمَّن تَنالُهُ مِنكَ صَلَواتٌ ورَحمَةٌ ومَغفِرَةٌ.
اللهُمَّ اجعَل مَحياي مَحيا مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ومَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ.
اللهُمَّ إِنَّ هَذا يومٌ تَنزِلُ فيهِ اللَّعنَةُ عَلَى آلِ زيادٍ وآلِ أُمَيةَ وابنِ آكِلَةِ الأَكبادِ اللَّعينِ بنِ اللَّعينِ عَلَى لِسانِ نَبيكَ في كُلِّ مَوطِنٍ ومَوقِفٍ وقَفَ فيهِ نَبيكَ (صلى الله عليه وآله) .
اللهُمَّ العَن أَبا سُفيانَ ومُعاويةَ، وعَلَى يزيدَ بنِ مُعاويةَ اللَّعنَةُ أَبَدَ الآبِدينَ اللهُمَّ فَضاعِف عَلَيهِمُ اللَّعنَةَ أَبَدا لِقَتلِهِم الحُسَينَ
اللهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيكَ في هَذا اليومِ وفي مَوقِفي هَذا وأَيامِ حَياتي بِالبَراءَةِ مِنهُم وبِاللَّعنِ عَلَيهِم وبِالموالاةِ لِنَبيكَ وأَهلِ بَيتِ نَبيكَ (صلى الله عليه وآله)
ثُمَّ تَقولُ مِائَةَ مَرَّةٍ
اللهُمَّ العَن أَولَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلَى ذَلِكَ اللهُمَّ العَنِ العِصابَةَ
«صفحة 206»
الَّتي حارَبَتِ الحُسَينَ (عليه السلام) وشايعَت وبايعَت عَلَى قَتلِهِ وقَتلِ أَنصارِهِ اللهُمَّ العَنهُم جَميعا
ثُمَّ قُل مِائَةَ مَرَّةٍ
السَّلامُ عَلَيكَ يا أَبا عَبدِ اللهِ وعَلَى الأَرواحِ الَّتي حَلَّت بِفِنائِكَ وأَناخَت بِرَحلِكَ عَلَيكُم مِنّي سَلامُ اللهِ أَبَدا ما بَقيتُ وبَقي اللَّيلُ والنَّهارُ ولا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهدِ مِن زيارَتِكُم
السَّلامُ عَلَى الحُسَينِ وعَلَى عَلي بنِ الحُسَينِ وأَصحابِ الحُسَينِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِم أَجمَعينَ
ثُمَّ تَقولُ مَرَّةً واحِدَةً
اللهُمَّ خُصَّ أَولَ ظالِمٍ ظَلَمَ آلَ نَبيكَ بِاللَّعنِ ثُمَّ العَن أَعداءَ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الأَولينَ والآخِرينَ اللهُمَّ العَن يزيدَ وأَباهُ والعَن عُبَيدَ اللهِ بنَ زيادٍ وآلَ مَروانَ وبَني أُمَيةَ قاطِبَةً إِلَى يومِ القيامَةِ
ثُمَّ تَسجُدُ سَجدَةً تَقولُ فيها:
اللهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمدَ الشّاكِرينَ عَلَى مُصابِهِم الحَمدُ لِلَّهِ عَلَى عَظيمِ رَزيتي فيهِم اللهُمَّ ارزُقني شَفاعَةَ الحُسَينِ يومَ الورودِ وثَبِّت لي قَدَمَ صِدقٍ عِندَكَ مَعَ الحُسَينِ وأَصحابِ الحُسَينِ الَّذينَ بَذَلوا مُهَجَهُم دونَ الحُسَينِ (عليه السلام)
قالَ يا عَلقَمَةُ إِنِ استَطَعتَ أَن تَزورَهُ في كُلِّ يومٍ بِهَذِهِ الزّيارَةِ مِن دَهرِكَ فافعَل فَلَكَ ثَوابُ جَميعِ ذَلِكَ إِن شاءَ اللهُ تَعالَى.
«صفحة 207»
تفسير العلمانيين لظاهرة البكاء على الحسين (عليه السلام) والرد عليه(1)
علمانيون يفسرون ظاهرة البكاء على الحسين (عليه السلام) :
ربط الباحثون العلمانيون المتأثرون بالفكر الاستشراقي بين البكاء الجماعي على الحسين (عليه السلام) في العهد الإسلامي والبكاء الجماعي على تموز واوزيريس آلهة العهود القديمة قبل الإسلام فقالوا: «أن ظاهرة البكاء على الحسين نوع من التأثر بمخلفات وعادات الشعوب الشرقية القديمة».
قال الدكتور الشيبي:
«كان البويهيون باعتناقهم التشيع الاثني عشري يحاولون أن يستقلوا عن الزيديين أولا وأن يكون لهم عصبية من العراقيين تحميهم وتثبت ملكهم… لهذا لم يكتفوا بإحياء المناسبات الشيعية وإنما زادوا ذلك مبالغة باختراع مراسيم جديدة للاحتفال بذكرى قتل الحسين…ولم يعهدها الزيديون. وبدأت في سنة 352/963 مواكب العزاء في لونه الجديد الذي وردت نظائره في التاريخ القديم وخصوصا في العراق وقد تطورت فيما بعد حتى اتخذت طابعا مسرحيا في أيام الصفويين. إن مراسيم العزاء التي ظهرت أيام البويهيين كانت لها سابقة نهض بها أبو مسلم الخراساني. ويبدو أن هذا الحزن الجماعي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشر هذا البحث ضمن مجموعة كراسات المكتبة الحسينية الميسرة، عام 1433هـ/2011م، الكراس رقم2.
«صفحة 208»
لم يكن تقليدا عربيا خالصا بقدر ما كان عرفا عراقيا محليا كامنا ينتظر أن تدب فيه الحياة من جديد بفعل الظروف المناسبة.
لقد كانت اقدم اشارة في التاريخ إلى الحزن الجماعي المنظم(1) فيما يبدو هي تلك التي ترد في ملحمة جلجامش التي يرجع زمنها (إلى نهاية العهد المسمى في تاريخ حضارة وادي الرافدين باسم جمدة نصر(في حدود 3200ق م) والى اوائل العصر الحضاري المسمى بعصر فجر السلالات (في حدود بداية الالف الثالث ق.م)(2)، وذلك في مخاطبة جلجامش للإلهة عشتار لما عرضت عليه الزواج: (من اجل تموز حبيب صباك قد قضيت بالبكاء سنة بعد سنة). وقد شرح الاستاذ طه باقر هذه الإشارة بقوله: (يشير هذا إلى العادة القديمة الخاصة بالندب والبكاء على تموز اله الخضار والربيع حيث اعتقدوا فيه انه كان ينزل إلى العالم الاسفل في كل خريف ويعود إلى الحياة مع بشائر الربيع(3).
وقد حكى لنا الدكتور حبيب ثابت قصة الاحتفال الحزين بذكرى وفاة تموز بقوله: (أما الشعراء البابليون فقد صوروه راعيا مات في زهرة شبابه، فنزلت عشتروت إلى جهنم تلاقيه وتعيد له الحياة عابرة الابواب السبعة من مساكن الموتى. وفي اليوم الثاني من الشهر الرابع من السنة البابلية، الذي يقابل في عرفنا اليوم اول تموز، كانوا في بابل يغنون قصائد الشعراء المنظومة لذكرى
ـــــــــــــــــــــــ
(1) فيما يتصل بالنوح الجماعي المنظم على تموز وانتقاله إلى اقطار العالم القديم الأحرى وكذا بكاء مردوخ ومراسيمه والمواكب السنوية التي كانت ترافقه يحيل الشيبي إلى الاستاذ طه باقر في كتابه(مقدمة تاريخ الحضارات القديمة)، ط2، بغداد 1375/195، 1/228، 252-3، 262.
(2) ملحمة جلجامش ترجمة الاستاذ طه باقر، ط4/110.
(3) هامش أيضا ص110 الهامش./107.
«صفحة 209»
موته، فدعي الشهر تموز من اجل ذلك)(1).
وقد تطورت هذه المراسيم في العراق نفسه فوجه هذا البكاء عند البابليين إلى الإله مردوك في اليوم السابع من نيسان وذلك اثناء احتفالاتهم بأعياد رأس السنة التي كانت تستغرق اثني عشر يوما تبدأ بأول نيسان. وكانت احتفالات هذا اليوم تتمثل في (دراما محزنة لموت الاله مردوك وصعوده إلى السماء، فالإله يجرح في هذا اليوم ويموت ويبحث الناس عنه في كل مكان مولولين وناحبين)(2).
ويذكر الدكتور الامين الذي اقتبسنا منه هذا النص ان هذه الاحتفالات وصلت إلى القبائل الهندية الأوروبية(3) وهي إشارة تتطلب زيادة في الإيضاخ.
ويبدو ان هذا التقليد انتشر إلى سائر انحاء العالم القديم ولم يقتصر على موضع معين أو على قبائل، لقد دخل هذا التقليد الحياة الاسرائيلية على صورة بدعة كشفها الرب لبني إسرائيل لما اطلع حزقيال نبي الاسرائيليين اثناء السبي البابلي (ت 571. ق م) على (مدخل باب بيت الرب الذي من جهة الشمال، وإذا نسوة جالسات يبكين على تموز)(4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) عشتروت وادونيس، ملحمة شعرية للدكتور حبيب ثابت، دار مجلة الاديب، بيروت 1948 مقدمة الشاعر، ص 20.
(2) اكيتو أو اعياد رأس السنة البابلية، بحث للدكتور محمود الامين، مجلة كلية الآداب، الجزء الخامس لسنة 1962، ص148.
(3) أيضا ص 132-133.
(4) الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر حزقيال، الاصحاح 8 الآية 14.
«صفحة 210»
ووصل تموز إلى مصر الفرعونية واتخذ له اسم اوزيريس(1) والى اليونانية وعبر عنه بأدونيس(2) آخذا من الفينيقيين الذين سموه (ادون أو ادوناي) أي السيد(3). وكانت النساء في لبنان (تبكي كل عام موت ادونيس ويرخينَ شعورَهن)(4). (ولكي يتذكرنََ موته، كنَّ يزرعنَ على الاحواض في السطوح بقلا وشعيرا وتمرا ويحرقن البخور فوق المذابح، وكانوا يدفنون في الهياكل تماثيل تشبه ادونيس وتقوم من القبر في اليوم الخامس لدفنها ويعيدون قيامها)(5) وتلك تفصيلات تذكر بالمسيح وقيامته.
وقد لاحظ آدم متز انه (سرى كثيرا مما كان يقال لإثارة العواطف في يوم جمعة الآلام عند المسيحيين إلى يوم عاشوراء)(6) فذكر عن القمي نصًّا(7) حروفه /عن النبي يخاطب أم سلمة) (اذا نظرتِ إلى السماء حمراء، كأنها دم عبيط، ورأيتِ الشمس على الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة، فاعلمي ان سيد الشهداء قد قتل)(8) دون ان يورد مثيلا له من التراث المسيحي.
ان هذا الوصف الذي يتصل بالمسيح في رأي آدم متز يعود بنفسه القهقرى
ـــــــــــــــــــــــ
(1) عشتروت وادونيس ص20.
(2) ايضا ص 20، 21 وانظر أيضا الأدب اليوناني القديم للدكتور عبد الواحد وافي، دار المعارف بمصر ص 135-141 وكذلك اساطير الحب والجمال عند الاغريق للأستاذ دريني خشبة، مطبعة الرسالة في مصر، ص 66-57.
(3) أيضا ص 20-21.
(4) ايضا ص 20-21.
(5) أيضا ص 20-21.
(6) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري1/82.
(7) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري 1/82.
(8) انظر علل الشرائع لابن بابوية القمي، ايران 1377. 1/218.
«صفحة 211»
إلى أسطورة ادونيس التي يعتري الحزن لحلول أوانها المظاهر الطبيعية اعتراءه الناس حتى انه ليبكي الحسين يوم قتله (الوحوش في الفلوات والحيتان في البحر والطير في السماء ويبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض ومؤمنو الجن والإنس وجميع ملائكة السموات والأرضين ورضوان ومالك وحملة العرش وتمطر السماء دما ورمادا)(1). ومع تشريق هذا التقليد الحزين وتغريبه، بقى في العراق عند (الحرانية الكلدانيين المعروفين بالصابئة)(2) ودخل ضمن احتفالاتها الدينية التي منها واحد يقع في النصف من تموز ويسمى عيد البوقات (معناه النساء المبكيات). وقد شرح ابن النديم ذلك بقوله (وهو تموز، عيد يعمل لتموز الإله، ويبكي النساء عليه كيف قتله ربه وطحن عظامه في الرحى، ثم ذراها في الريح)(3).
وكان الخرمية الذين ثاروا على العباسيين في مطلع القرن الثالث الهجري احدث الطوائف الأجنبية التي وجدنا عندها آثارا من هذا التقليد، فلقد ذكر عنهم انه (كان لهم في الجاهلية نبي اسمه شروين ويفضلونه على الأنبياء ومتى ناحوا على ميت اخذوا باسمه ندبة ونياحا تفجعا عليه)(4). وذكرت مصادر أخرى ان شروين هذا كان في رأي الخرمية من اب زنجي وأميرة فارسية»(5).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) علل الشرائع للقمي 1/218.
(2) الفهرست لابن النديم، مصر 1348، ص242-456.
(3) أيضا ص 449. ومما يذكر ان السنة عند الصابئة تبدأ في اول نيسان. كما عند سكان العراق القدماء. (انظر ص 447).
(4) التبصير في الدين الاسفرايني، مصر 1940، ص 80.
(5) الفرق بين الفرق للبغدادي، القاهرة 1940، ص 52.
«صفحة 212»
انتهى كلام الشيبي(1).
وقال فاضل الربيعي في مقاله (نواح الأقنعة الفجيعة الجماعية من تموز حتى كربلاء): «إن التقاليد البويهية ـ الإيل خانية هي التي أحيت التعزية بالحسين في شكل مجالس شعبية طوال الأيام العشرة من محرم بحيث تختم بمشهديه تصور حادثة القتل الكربلائي مع ما يرافق هذا من نواح وبكاء وضرب على الوجوه والأجساد … ستستلم هذه المسرحة للقصة بصيغتها الراهنة متضمنة الشكل القديم الإيزيروسي والتموزي … ويبدو أن الفاطميين في مصر حوالي (549 هـ) قد أحيوا أيضا وعلى نطاق واسع هذا الشكل من المناحة الجماعية مستلهمين الأصل الإيزيروسي».(2)
وقال فراس سواح الكاتب السوري بهذا الاتجاه في كتابه (لغز عشتار): «والذي يفصل فيه الحديث عن حركة طقوس البكاء على تموز بين الشعوب ثم انتقالها إلى المسيحيين ثم إلى الشيعة قال: وبعد المسيحية تسللت مراثي الإله الميت إلى الإسلام في طقوس عاشوراء ذكرى مقتل سيدنا الحسين بن علي. وتبدو طقوس كربلاء لناظرها اليوم مشهدا لم تغير منه ألوف السنين شيئا. وبينما يقوم المحتفلون بلطم خدودهم وشد شعورهم وضرب أنفسهم بسلاسل الحديد حزنا على الحسين الشهيد تلتقي صرخة التفجع التي يطلقونها في عنان السماء (يا فتى يا حسين) بصرخة عشتار النائحة وصرخة العذراء الثكلى».(3)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الصلة بين التشيع والتصوف ج1.
(2) الناقد العدد 69/5-14.
(3) فراس سواح، لغز عشتار/309.
«صفحة 213»
الرد على التفسير العلماني والاستشراقي:
وتعليقنا على هذا الكلام كما يلي:
أولا: إن المهم في كل ممارسة دينية هو أن يكون لها سند تشريعي صحيح فإذا ما وجد فسوف لن يضرها وجود نظير لها في الشرائع الأخرى أو لدى الشعوب الأخرى كما لم يضر شعيرة الحج والصلاة والصيام والزكاة وجود نظائر لها في الشرائع الأخرى.
وقد ذكرنا آنفا الروايات التي تدل على شرعية العزاء الحسيني.
ثانيا: إن القرآن الكريم قد بين حقيقة مهمة في الشرائع الإلهية وهي أن أصولها وأحكامها العامة واحدة فضلا عن وحدة المعتقد كما في قوله تعالى:
﴿شَرَعَ لَكُم مِن الدّينِ ما وصَّى بِهِ نوحًا والَّذي أَوحَينا إِلَيكَ وما وصَّينا بِهِ إِبراهيمَ وموسَى وعيسَى﴾ الشورى/13.
ومن هنا نجد التشابه قائما بين القرآن والتوراة في الأحكام العامة فضلا عن أحكام تفصيلية من قبيل (السن بالسن والعين بالعين) ونجد الحكم نفسه في شريعة حمورابي وهي بقية شريعة إبراهيم كما ذهبنا إليه في بحوثنا عن التاريخ القديم، وفي ضوء ذلك فإن المناحات الجماعية المشار إليها وبطلها المركزي/وهو شخصية واحدة وإن تعددت أسماؤه/من المحتمل جدا أنها شرعت دينيا لأمة قتل فيها ظلما إنسان مقدس شبيه بالحسين (عليه السلام) أريد لظلامته ان تبقى حية مؤثرة لمدة طويلة لتؤدي دورها في التوعية والتربية، ثم غيرها كثرة التحريف والبدع التي أضيفت إليها.
ولا يبعد أنها كانت في إحدى الأمم قبل عهد إبراهيم عليه السلام بل
«صفحة 214»
قبل نوح ومن المحتمل أن يكون هذا الشخص هو هابيل الذي قتله أخوه ظلما وعدوانا كما ذكر القرآن ذلك. وليس من شك أن النبوات الأولى كان مقرها العراق وبخاصة القسم الجنوبي منه. هذا ومن الجدير بالذكر أن الآثار المصرية قد احتفظت بصورة أوضح لهذه الشخصية مما قدمته الآثار البابلية.
وفيما يلي خلاصة ما جاء في موسوعة الآثار المصرية تحت لفظة أوزريس:
«قالوا هو اشهر معبودات المصريين القدماء ولم يقدسه المصريون فحسب بل غزا أفئدة الكثيرين من شعوب حوض البحر المتوسط وخاصة في بلاد الإغريق والرومان وهما في أوج حضارتهما. كان لقبه (عظيم إقليمه). مثل الراعي الحكيم الذي ما كاد يجلس على العرش حتى حرر الناس من حياة الهمجية وعلمهم الزراعة وشرع لهم القوانين وحثهم على التقوى واحترام الآلهة، ومن ثم جاس أرجاء البلاد لينشر الحضارة بين الناس أجمعين. وتستمر القصة الدينية فتقول: (كان نجاح اوزيريس دافعا لأخيه (ست) على ان يدبر له مؤامرة لاغتياله. لقد أخذت عقيدة (اوزيريس) تتملك افئدة المصريين منذ اواخر الاسرة الخامسة من الدولة القديمة، فاعتنقوها بعد ان ذاقوا الامرين من قسوة سلطان فراعنتهم الذين حبسوا خيرات الدنيا الفانية ونعيمها على انفسهم ولم يسمحوا الا بقدر منها منحوه لأصحاب الحظوة لديهم. ولكن قبل ان تنتهي أيام الدولة القديمة اصبح كل مصري يمنى نفسه بنعيم الخلد في دولة اوزيريس رب الموتى، بل اعتقد مصريو الدولة الوسطى ان الموت سيحول كلا منهم إلى (اوزيريس) ففي رحابه يتمتع الجميع بنعيم الحياة لا فرق بين غني وفقير أو بين شخص ينتمي إلى الأسرة الحاكمة وآخر من عامة الشعب».
«صفحة 215»
ثالثا: وفضلا عن ذلك أيضا يمكننا القول: إن الأصل في تلك المناحات التاريخية هو البكاء على الحسين (عليه السلام) ثم غيرت هويتها بفعل الإضافات فيما بعد وذلك لما ورد من نصوص تشير إلى أن الأنبياء قد أخبروا أممهم بقتل الحسين (عليه السلام) وأنهم بكوه نظير ما ورد من نصوص في التراث الإسلامي الشيعي والسني على السواء تؤكد على أن النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) قد أخبر أمته بقتل الحسين (عليه السلام) حين ولد وحين كان صبيا يحبو أمامه مرارا كما بكاه مرارا أيضا، ويؤكد ذلك كله أيضا وجود نصوص كثيرة في العهد القديم تتحدث عن قتل الحسين (عليه السلام) وتتفجع له.
اخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بقتل الحسين (عليه السلام) :
وفيما يلي جملة من الأخبار والنصوص الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك.
روى الشيعة والسنة على السواء أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) بقتل الحسين (عليه السلام) ، ونحن نوردها فيما يلي من كتب السنة إلا فيما فيه تفصيل فقد رويناه من طريق نصر بن مزاحم وهو شيعي زيدي:
1. رواية الإمام علي (عليه السلام) :
روى أحمد بن حنبل قال: حدثنا محمد بن عبيد، ثنا شراحيل بن مدرك، عن عبدالله بن نجيي، عن أبيه أنه سار مع علي ـ وكان صاحب مطهرته ـ فلما جاؤوا نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي:
صبرا أبا عبدالله، صبرا أبا عبدالله، بشط الفرات قلت: وماذا تريد ؟ قال:
«صفحة 216»
دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان فقلت: ما أبكاك يا رسول الله ؟ قال: بلى، قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال فقال: هل لك أن أشمك من تربته ؟ قال: فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا.(1).
قال ابن كثير وروى محمد بن سعد: عن علي بن محمد، عن يحيى بن زكريا، عن رجل عن عامر الشعبي، عن علي (عليه السلام) مثله(2).
روى نصر بن مزاحم عن سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن كثير عن أبيه: أن عليا أتى كربلاء فوقف بها، فقيل يا أمير المؤمنين، هذه كربلاء قال:
«ذات كرب وبلاء».
ثم أومأ بيده إلى مكان فقال:
«هاهنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال: هاهنا مهراق دمائهم».(3)
وروى الطبراني في المعجم الكبير 3/110 قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عبد الله بن الحكم بن أبي زياد وأحمد بن يحيى الصوفي قالا ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هاني بن هاني عن علي رضي الله تعالى عنه قال: «ليقتلن الحسين قتلا وإني لأعرف التربة التي يقتل فيها قريبا من النهرين» وروى أيضا 3/111 قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو الأعمش عن سلام
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مسند أحمد 1/85، الآحاد والمثاني 1/308.
(2) البداية والنهاية مجلد:8/217.
(3) وقعة صفين/142.
«صفحة 217»
أبي شرحبيل عن هرثمة قال كنت مع علي رضي الله تعالى عنه بنهر كربلاء فمر بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ منه قبضة فشمها ثم قال: «يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حسابّ».
أقول: قوله (سبعون ألفا) تحريف والصحيح هو سبعون وهم أنصار الحسين (عليه السلام) الذين قتلوا معه.
روى محمد بن سعد وغيره من غير وجه عن علي بن أبي طالب أنه مر بكربلاء عند أشجار الحنظل وهو ذاهب إلى صفين، فسأل عن اسمها فقيل كربلاء فقال:
«كرب وبلاء».
فنزل وصلى عند شجرة هناك ثم قال: «يقتل ههنا شهداء هم خير الشهداء، يدخلون الجنة بغير حساب»
ـ وأشار إلى مكان هناك ـ فعلَّموه بشيء فقتل فيه الحسين.
وقد روى نصر بن مزاحم رواية هرثمة بتفصيل أكثر قال: حدثني مصعب بن سلام، قال أبو حيان التميمي، عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علي بن أبي طالب غزوة صفين، فلما نزلنا بكربلاء صلى بنا صلاة، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال: «واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب».
فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته وهى جرداء بنت سمير، وكانت شيعة لعلي فقال لها زوجها هرثمة: ألا أعجبك من صديقك أبي الحسن ؟ لما نزلنا كربلاء رفع إليه من تربتها فشمها وقال: واها لك يا تربة، ليحشرن منك
«صفحة 218»
قوم يدخلون الجنة بغير حساب وما علمه بالغيب ؟ فقالت: دعنا منك أيها الرجل، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.
فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن على وأصحابه، قال: كنت فيهم في الخيل التي بعثت إليهم، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها، والقول الذي قاله، فكرهت مسيري، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين، فسلمت عليه، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسين: معنا أنت أو علينا ؟ فقلت: يا ابن رسول الله. لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي أخاف عليهم من ابن زياد. فقال الحسين: فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال: فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله(1).
وروى الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن يحيى بن أبي سمينة ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة
عن عطاء بن السائب عن ميمون بن مهران عن شيبان بن مخرم
وكان عثمانيا (وفي رواية ابن عساكر: وكان عثمانيا يبغض عليا (عليه السلام) ) قال: إني لمع علي رضي الله تعالى عنه إذ أتى كربلاء فقال:
«يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلا شهداء بدر».
فقلت بعض كذباته، وثم رجل حمار ميت فقلت لغلامي خذ رجل هذا الحمار فأوتدها في مقعده وغيبها، فضرب الدهر ضربة فلما قتل الحسين بن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وقعة صفين/140.
«صفحة 219»
علي رضي الله تعالى عنهما انطلقت ومعي أصحاب لي فإذا جثة الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه على رجل ذاك الحمار وإذا أصحابه ربضة حوله(1).
أقول: مراده برجل الحمار عظم الساق، ويظهر من الرواية أن شيبان بن مخرم بقي على عثمانيته ثم التحق بالجيش الذي سيره ابن زياد لقتل الحسين (عليه السلام) ولم ينتفع بما يحمله من رواية علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) التي شهد صدقها وتحققها كما لم ينتفع هرثمة بن سليم الآنف الذكر حيث سمع من علي (عليه السلام) الرواية نفسها وشهد صدقها وتحققها وجاء إلى الحسين (عليه السلام) وحدثه بها ونصحه بأن لا يشهد القتال إذا لم يكن ناصرا له ولا معينا لعدوه وعمل هرثمة بهذه النصيحة حيث فر ولم يشهد القتال. أما كون جثة الحسين (عليه السلام) وأصحابه على رجل ذلك الحمار فلا يبعد أن تكون من مبالغات شيبان أو الراوي عنه وهو ميمون بن مهران وكان يبغض عليا (عليه السلام) ويحمل عليه.
2. رواية أنس بن مالك:
روى الطبراني 3/106 حدثنا بشر بن موسى ثنا عبد الصمد بن حسان المروذي وحدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ومحمد بن محمد التمار البصري وعبدان بن أحمد قالوا ثنا شيبان بن فروخ قالا ثنا عمارة بن زاذان الصيدلاني قالا ثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال استأذن ملك القطر ربه عز وجل أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له فجاءه وهو في بيت أم سلمة فقال يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد فبينما هم على الباب إذ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المعجم الكبير للطبراني 3/111.
«صفحة 220»
جاء الحسين ففتح الباب فجعل يتقفز على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يلتثمه ويقبله.
فقال له الملك: تحبه يا محمد ؟
قال: نعم.
قال: أما إن أمتك ستقتله وإن شئت أن أريك من تربة المكان الذي يقتل فيها.
قال فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه فأتاه بسهلة حمراء فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها.
قال: ثابت كنا نقول إنها كربلاء(1).
3. رواية عائشة:
وروى الطبراني أيضا 3/107 قال حدثنا أحمد بن رشدين المصري ثنا عمرو بن خالد الحراني حدثنا بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه فنزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منكب ولعب على ظهره فقال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبه يا محمد ؟ قال: يا جبريل وما لي لا أحب ابني ؛ قال: فإن أمتك ستقتله من بعدك ؛ فمد جبريل عليه السلام يده فأتاه بتربة بيضاء فقال في هذه الأرض يقتل ابنك هذا يا محمد واسمها الطف فلما ذهب
ـــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أحمد في مسنده 3/242، 3/265، وابن حبان في صحيحه 15/142، وأبو يعلى في مسنده 6/129كلهم عن عمارة بن زاذان الصيدلاني عن ثابت البناني عن أنس بن مالك.
«صفحة 221»
جبريل عليه السلام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والتربة في يده يبكي فقال: يا عائشة إن جبريل عليه السلام أخبرني أن الحسين ابني مقتول في أرض الطف وإن أمتي ستفتتن بعدي.
ثم خرج إلى أصحابه فيهم علي وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمار وأبو ذر رضي الله تعالى عنهم وهو يبكي فقالوا ما يبكيك يا رسول الله فقال أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه.
4. رواية أم سلمة:
المنتخب من مسند عبد بن حميد/442 عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه قال: قالت: أم سلمة كان النبي صلى الله عليه وسلم نائما في بيتي فجاء حسين يدرج ؛ قالت: فقعدت على الباب فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه قالت ثم غفلت في شيء فدب فدخل فقعد على بطنه قالت فسمعت نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت فقلت يا رسول الله والله ما علمت به، فقال:
إنما جاءني جبريل عليه السلام وهو على بطني قاعد فقال لي: أتحبه ؟
فقلت: نعم.
قال: إن أمتك ستقتله، ألا أريك التربة التي يقتل بها !
قال فقلت: بلى.
قال فضرب بجناحه فأتاني بهذه التربة.
«صفحة 222»
قالت: فإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول يا ليت شعري من يقتلك بعدي.
فضائل الصحابة 2/782 حدثنا إبراهيم بن عبد الله نا حجاج نا حماد عن أبان عن شهر بن حوشب عن أم سلمة، قالت: كان جبريل عليه السلام عند النبي صلى الله عليه وسلم والحسين معي فبكى فتركته فدنا من النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال جبريل: أتحبه يا محمد ؟
فقال: نعم.
فقال: أن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها فأراه إياه فإذا الأرض يقال لها كربلاء.
المستدرك 4/440 أخبرناه أبو الحسين علي بن عبد الرحمن الشيباني بالكوفة ثنا أحمد بن حازم الغفاري ثنا خالد بن مخلد القطواني قال حدثني موسى بن يعقوب الزمعي أخبرني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال أخبرتني أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرة الأولى ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها فقلت ما هذه التربة يا رسول الله ؟
قال: أخبرني جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق للحسين، فقلت لجبريل أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها.
«صفحة 223»
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه(1).
5. رواية أنس بن الحارث:
روى ابن كثير قال أبو القاسم البغوي: حدثنا محمد بن هارون، أبوبكر، ثنا إبراهيم بن محمد الرقي وعلي بن الحسن الرازي قالا: ثنا سعيد بن عبد الملك أبو واقد الحراني، ثنا عطاء بن مسلم، ثنا أشعث بن سحيم، عن أبيه قال: سمعت أنس بن الحارث يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن ابني ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهد منكم ذلك فلينصره».
قال: فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل مع الحسين، قال: ولا أعلم رواه غيره(2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3/109 وفي 23/308 وفي 23/308 عن عبد الله بن وهب زمعة وكذلك رواه صاحب الآحاد والمثاني في 1/310 كلهم عن أم سلمة وكذلك رواها عن أم سلمة صالح بن أربد والمطلب بن عبد الله بن حنطب وشقيق بن سلمة وعبد الله بن سعيد بن هند وشهر بن حوشب.
(2) البداية والنهاية مجلد:8/217.
«صفحة 224»
فجر عاشوراء التاريخ والمستقبل(1)
﴿و الفَجرِ 1 ولَيالٍ عَشرٍ 2 والشَّفعِ والوترِ 3 واللَّيلِ إِذا يسرِ 4 هَل في ذلِكَ قَسَمٌ لِذي حِجرٍ 5﴾
تبوأ (فجر عاشوراء) في تاريخ البشرية مرات عديدة موقعا مفصليا في مسيرة الهدى والضلال يهمنا منها ثلاث هي:
الأولى: فجر عاشوراء آل إبراهيم (عليه السلام) في ذي الحجة سنة 2180ق. م وقد كشف عن اعلى درجات التسليم لله تعالى من عباده الأصفياء، جاء الحدث فيها لتوضيح الموقف من الممارسة الخاطئة التي ابتكرها أئمة الضلالة وضعاف النفوس بتقديم اطفالهم وبناتهم قرابين للأصنام فقدم النموذج الفريد بشاب يستطيع ان يهرب من أبية ومن يعرف بأمره يعذره في الهرب ان أصر الاب على الأمر ولكن التجربة الفريدة هي ان الوالد الذي أراه ربه في النوم كانه يذبح ولده وفهم منها انه تكليف الهي وطلب من ولده ان ينظر هل يستجيب أم يرفض وإذا رفض فلا سلطان له عليه، انها الممارسة العبادية الواعية، بخلاف عادة تقديم الآباء اطفالهم أو بناتهم فانها ممارسة عبادية
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مقال نشر في مجلة فجر عاشواء العدد المزدوج 4و5 سنة 1438هـ.
«صفحة 225»
جاهلية لان الاطفال والبنات لا حول لهم ولا قوة إزاء آبائهم. ولم يرد اللهُ تعالى ان يذبح الأبُ ولدَه المطيع حقيقةً، بل كان اختبارا من الله تعالى لهما معا ليكشف عن أهليتهما للإمامة الهادية وقيادة الناس إلى الله تعالى، وفدى الله تعالى إسماعيل بكبشٍ عظيمٍ في اروع مشهد يكشف عن التدخل الإلهي المحسوس ومنع تكوينيا من وقوع الذبح بمشهد كبش وحشي عظيم ينزل من اعلى الجبل يقصد التجمع البشري المحيط بإبراهيم (عليه السلام) وإسماعيل وينام إلى جنب إسماعيل (عليه السلام) ليكون بدلا عنه، مشهد يقطع العذر على اي منافق يخطر بباله ان مشهد الذبح كان صوريا، وتحول مشهد الحزن بهذا التدخل الإلهي إلى السرور وأعلنت إمامة إبراهيم (عليه السلام) وإمامة ولده إسماعيل (عليه السلام) والأمة المسلمة من ذريته ابد الدهر ﴿ وإِذ يرفَعُ إِبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيتِ وإِسماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ (127) رَبَّنا واجعَلنا مُسلِمَينِ لَكَ ومِن ذُرّيتِنا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ. . . (128) رَبَّنا وابعَث فيهِم رَسولا مِنهُم يتلوا عَلَيهِم آياتِكَ ويعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكمَةَ ويزَكّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ (129) ﴾ البقرة/127-129، ثم رزق الله إبراهيم إسحاق نبيا ومن وراء إسحاق يعقوب(عليهم السلام) ثم آل يعقوب يرثون الإمامة المؤقتة انتهت بنبوة عيسى لتتواصل إمامة الأمة المسلمة في ذرية إسماعيل (عليه السلام) التي انتهت إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) أئمة ابد الدهر.
الثاني: فجر عاشوراء آل محمد (صلى الله عليه وآله) في محرم سنة 60هجرية وقد كشف عن اعلى درجات الثقة بوعد الله له بالفتح بعد الشهادة، كما في كتاب الحسين (عليه السلام) يوم العاشر إلى بني هاشم «أما بعد فمن لحق بي منكم استشهد ومن تخلف لم يدرك الفتح»، لقد فتح الله تعالى على الحسين (عليه السلام) وحقق له كل
«صفحة 226»
أهداف نهضته بعد شهادته. كلف الله تعالى الحسين (عليه السلام) بواسطة جده النبي (صلى الله عليه وآله) في رؤيا أراه الله تعالى إياها إذ أراه بني أميه ينزون على منبره يبينون للناس دين محمدٍ (صلى الله عليه وآله) مقلوبا، دينا مبنيا على ولاية بني أميه وهي الشجرة الملعونة في القرآن/ ولعن علي (عليه السلام) / وهو إمام الهدى بنص من الله ورسوله/، واسندوا ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كذبا، وصدقت نبوءة علي (عليه السلام) فيهم:
«وإِنَّه سَيأتي عَلَيكُم مِن بعدي زمانٌ ليس فيه شيءٌ أخفى مِنَ الحقِّ ولا أظهرَ مِنَ الباطلِ ولا أكثرَ مِنَ الكذبِ على اللِه ورسولهِ وليس عند أهل ذلك الزمان أنفَقُ بيعا ولا أغلى ثمنا مِنَ الكتابِ إذا حُرِّفَ عَن مواضعِه، ولا في البلادِ شيءٌ أنكرَ مِنَ المعروفِ، ولا أعرفَ مِنَ المنكرِ… فلم يبقَ عندهم منه إلا اسمُه ولا يعرِفونَ إلا خطَّه وزَبرَه».
فكان تكليف الله تعالى للحسين (عليه السلام) بواسطة جده النبي (صلى الله عليه وآله) هو القيام ضد بني أميه حتى الشهادة «اخرج بقوم إلى الشهادة لا شهادة لهم الا معك» قال تعالى ﴿فَإِن يكفُر بِها هؤُلاءِ فَقَد وكَّلنا بِها قَوما لَيسوا بِها بِكافِرينَ﴾ الأنعام/89. فكانت فجر عاشوراء آل محمد (صلى الله عليه وآله) حزنا ابد الدهر وفتحا ابد الدهر ، لقد تم تحرير دين النبي من ضلالات بني أميه لمن أراد ان يتدين بدين النبي، وتحررت الكوفة مركز مشروع علي في إحياء السنة النبوية من سيطرة بني أميه وتحطمت أصنامهم المعنوية فيها ورجعت تصدر للامة ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ولعن بني أميه ابد الدهر.
الثالث: فجر عاشوراء ظهور المهدي (عليه السلام) التاسع من ذرية الحسين (عليه السلام) الثاني عشر من أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله) ويكشف عن تحقق وعد الله بوراثة الأرض لأصفيائه ودينهم، قال تعالى ﴿ولَقَد كَتَبنا في الزَّبورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يرِثُها
«صفحة 227»
عِبادي الصّالِحونَ﴾ الأنبياء/105 ﴿وعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكُم وعَمِلوا الصّالِحاتِ لَيستَخلِفَنَّهُم في الأَرضِ كَما استَخلَفَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم ولَيمَكِّنَنَّ لَهُم دينَهُمُ الَّذي ارتَضى لَهُم ولَيبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنا يعبُدونَني لا يشرِكونَ بي شَيئا﴾ النور/55 وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا من ولدى يواطئ اسمه اسمى يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما». ان فجر عاشوراء ظهور المهدي (عليه السلام) هو فجرُ ايذانٍ بالحرب على أئمة الضلالة وأهل الجور الراضين بقتل الحسين (عليه السلام) وشيعته، الحرب عليهم لكسر الطوق عن أهل الحق واجتثاث أهل الباطل من على وجه الأرض وتخليص البشرية من ضلالتهم وجَورِهم. «أين الطالب بذحول الأنبياء وأولاد الأنبياء، أين المعدُّ لقطع دابر الظلمة، اين المرتقبُ لإزالة الأمت والعِوج». وهو يوم سرور بالمهدي (عليه السلام) في جو من الحزن على الحسين (عليه السلام) (1).
وقد أشار الله تعالى الى الفجر الأول والليالي التي سبقته، وشفعه الموتور، وفجره الثالث يوم الظهور:
• ففي قوله تعالى: ﴿والفجر وليال عشر﴾ اشارة إلى الفجر الأول فجر آل إبراهيم (عليه السلام) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) روى الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب عن ابن زرارة عن البزنطي عن أبان عن كثير النواء عن أبي جعفر عليه السّلام قال: “لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح عليه السّلام من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم، وقال أبو جعفر عليه السّلام أتدرون ما هذا اليوم ؟هذا اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وحواء عليه السّلام، وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى فرعون وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليه السّلام وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس عليه السّلام وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم عليه السّلام وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليه السّلام”. وفي كتب الفقه تفصيل لمسالة الصوم في يوم عاشوراء.
وفي ضوء الرواية يتضح ان يوم عاشوراء يوم الحوادث المفصلية في تاريخ النبوات والبشر:
1. فجر عاشوراء الأول يوم توبة الله على ادم واصطفائه نبيا.
2. فجر عاشوراء الثاني يوم قتل هابيل.
3. فجر عاشوراء الثالث يوم الأخذ بتأر هابيل يوم استواء سفينة نوح على الجودي.
4. فجر عاشوراء الرابع يوم أقدام إبراهيم على ذبح ولده إسماعيل لرؤيا رآها ففداه الله بذبح عظيم.
5. فجر عاشوراء الخامس يوم ضرب موسى البحر بعصاه فانجى بني إسرائيل واغرق فرعون وجنوده.
6. فجر عاشوراء السادس يوم ولادة عيسى (عليه السلام) .
7. فجر عاشوراء السابع يوم عاشوراء آل محمد (صلى الله عليه وآله) .
8. فجر عاشوراء الثامن يوم عاشوراء المهدي ابن الحسين للأخذ بثأر الحسين (عليه السلام) .
«صفحة 228»
• وفي قوله تعالى ﴿والشفع والوتر﴾ هي الفجر الثاني فجر عاشوراء آل محمد (صلى الله عليه وآله) .
• وقوله تعالى ﴿والليل اذا يسر﴾ اي والليل اذا ذهب، وهو الفجر الثالث فجر ظهور المهدي (عليه السلام) في مكة.
لقد اقترن فجر عاشوراء آل إبراهيم وفجر عاشوراء آل محمد (صلى الله عليه وآله) بالعبادة الخاصة في الليالي العشر وكانت قمة العبادة ليلة العاشر فيهما معا لتعبئة النفس بالطاقة الروحية لمواجهة الحدث العظيم، وكذلك الفجر الثالث فجر عاشوراء ظهور المهدي سيقترن بالعبادة في الليالي العشر وقمتها ليلة العاشر لتعبئة النفس بالطاقة الروحية لمواجهة العالم اجمع مع المهدي (عليه السلام) .
كانت ليلة عاشوراء فجر آل إبراهيم مشحونة بالعبادة لتعبئة إبراهيم وإسماعيل وامه انفسهم لمواجهة الابتلاء العظيم، أَن يذبح الاب الشيخ الذي رزق الولد على كبر وقد تعلق به لصلاحه، وان يستجيب الولد الصالح في ريعان شبابه لأمر الله فيسلم نفسه للذبح بيد والده الحنون ﴿ إِنَّ هذا لَهو البَلاءُ
«صفحة 229»
المُبينُ﴾ الصافات/106 .
وكانت ليلة عاشوراء فجر آل محمد (صلى الله عليه وآله) مشحونة بالعبادة /قراءة القرآن والدعاء والاستغفار والصلاة/ لتعبئة الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه والنساء لمواجهة حوادث الشهادة والصبر على بلاءٍ لا يقل عن بلاء إبراهيم وإسماعيل بل هو اكثر ترويعا وإيلاما. «أوحى الله عز وجل إليه يا إبراهيم: من أحب خلقي إليك ؟ فقال: يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأوحى الله إليه: أفهو أحب إليك أو نفسك ؟ قال: بل هو أحب إلي من نفسي، قال: فولده أحب إليك أم ولدك ؟ قال: بل ولده، قال: فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟. قال: يا رب، بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي، قال: يا إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمد صلى الله عليه وآله ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك وتوجع قلبه وأقبل يبكي، فأوحى الله عز وجل إليه: يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليهما السلام وقتله، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب».
وستكون ليلة ظهور المهدي (عليه السلام) ان شاء الله وهي ليست مجهولة من الشيعة في وقته لان الروايات أكدت ان السفياني حين يظهر ويعرف أمرُه يكون امرُ المهدي معلوما عند الشيعة سرا، وان ظهوره سيكون يوم العاشر من المحرم يوم السبت فتكون ليلة العاشر تلك ليلة سهر وعبادة خاصة، إذ لهيب الشوق
«صفحة 230»
المضطرم في نفوس المنتظرين لرؤية الطلعة الرشيدة وسماع البيان الأول سوف يؤرقهم ولن يسمح لهم بالنوم فيها، لهيبُ شوقٍ يستدر الدموع بعد الدموع موصولا بالحزن والبكاء على الحسين (عليه السلام) حبيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحبيب المؤمنين.
وطال امتراء الشّوق عيني كلَّما
نزفت دموعا تستجدّ دموعُ(1)
الا ينبغي للمؤمن بالحسين (عليه السلام) المحب له الحزين عليه ان يقتدي بالحسين(عليه السلام) فيحيي ليلة العاشر من المحرم بكثرة العبادة في جو الحزن على الحسين (عليه السلام) ! فتقوى صلته مع الله في إطار إيمانه بأهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله) ووسيلته إليه.
الا ينبغي للمؤمن المنتظر المشتاق لطلعة إمامه المهدي (عليه السلام) التاسع من ذرية الحسين (عليه السلام) ان يمرِّن نفسه على السهر والعبادة ليلة العاشر من المحرم ليكون لائقا بخدمته عند ظهوره (عليه السلام) صابرا على متطلبات صعوبة العيش معه في سنته الأولى «قال احد أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) قلت: إنهم يقولون: إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفوا ولا يهرق محجمة دم فقال: كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفوا لاستقامت لرسول الله حين أدميت رباعيته وشج في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق ثم مسح جبهته» قوله نمسح العرق والعلق وهو الدم كناية عن عظيم الجهد.
أيها المؤمنون لقد عُرف عن الأخيار وأهل العلم إحياء ليلة العاشر بالعبادة في العتبات والمساجد والحسينيات والبيوت فرادى، فلم لا نحييها جماعات جماعات،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) امتراء معناه استدرار.
«صفحة 231»
كما نقيم المجالس والعزاء جماعات جماعات، ليس من شك ان مجالس ومواكب العزاء الحسيني سيؤول أمرها ليلة العاشر إلى مجالس عبادة كما كان الحسين (عليه السلام) وأصحابه فيها بين تال للقرآن وقائم وراكع وساجد وعند ذلك تتعبأ أمة بالطاقة الروحية ليس لها نظير على وجه الأرض أمة تستحق ان تكون جيشا وشعبا لصاحب الأمر في مشروعه العظيم.
صلى الله عليك يا أبا عبد الله، اللهم ارنا الطلعة الرشيدة لولده التاسع واجعلنا ممن تنتصر به لدينك انك سميع مجيب.
«أين المعدُّ لقطع دابر الظلمة، أين المنتظر لإقامة الأمتِ والعِوج، أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان، أين المؤمَّل لاحياء الكتاب وحدوده، أين محيي معالمَ الدين وأهلِه، أين قاصم شوكة المعتدين، أين هادم أبنية الشرك والنفاق. أين مبيد أهل الفسق والعصيان، أين حاصد فروع الغي والشقاق، أين معزُ الأولياء ومذلُّ الأعداء، أين جامع الكلمة على التقوى، أين باب الله الذي منه يؤتى. أين السبب المتصل بين الأرض والسماء، أين صاحب يوم الفتح وناشر راية الهدى، أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء، أين الطالب بدم المقتول بكربلاء».
«صفحة 232»
الحسين (عليه السلام) في سورة الفجر(1)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالْفَجْرِ(1)وَلَيالٍ عَشْرٍ(2)وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ(3)وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ(4)هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ(5) … يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27)ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً(28)فَادْخُلِي فِي عِبادِي(29)وَادْخُلِي جَنَّتِي(30)﴾ الفجر/1ـ30
روى علي بن إبراهيم القمي قال: حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن موسى عن الحسن بن علي
ابن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي يعني الحسين بن علي عليهما السلام.
و روى شرف الدين النجفي في كتابه تأويل الآيات: قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : اقرؤوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم، فإنها سورة الحسين بن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشر هذا البحث ضمن مجموعة كراسات المكتبة الحسينية الميسرة، عام 1433هـ/2011م، الكراس رقم4.
«صفحة 233»
علي، وارغبوا فيها رحمكم الله، فقال له أبو أسامة وكان حاضر المجلس: كيف صارت هذه السورة للحسين (عليه السلام) خاصة؟ فقال: ألا تسمع إلى قوله تعالى: ﴿ يا أَيتُها النفس المطمئنة ارجِعي إِلى رَبِّكِ راضيةً مَرضيةً فادخُلي في عِبادي وادخُلي جَنَّتي﴾؟ إنما يعني الحسين بن علي 8، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية… وهذه السورة [نزلت] في الحسين بن علي (عليهما السلام) وشيعته، وشيعة آل محمد خاصة، من أدمن قراءة الفجر كان مع الحسين (عليه السلام) في درجته في الجنة، إن الله عزيز حكيم.
التفسير الإجمالي للسورة:
قوله تعالى ﴿والفجر…﴾: قسم وجوابه: ﴿إن ربك لبالمرصاد﴾.
قال العلامة الطباطبائي (رحمه الله) : “المراد به مطلق الفجر ولا يبعد أيضا أن يراد به فجر يوم النحر وهو عاشر ذي الحجة. وقيل: المراد فجر ذي الحجة، وقيل: فجر المحرم أول السنة وقيل: فجر يوم الجمعة، وقيل فجر ليلة جمع، وقوله: ﴿ولَيالٍ عَشرٍ﴾ لعل المراد بها الليالي العشر من أول ذي الحجة إلى عاشرها والتنكير للتفخيم. وقيل: المراد بها الليالي العشر من آخر شهر رمضان، وقيل: الليالي العشر من أوله، وقيل الليالي العشر من أول المحرم”.
أقول: نحن نرجح انه فجر ليلة العاشر من ذي الحجة اي فجر يوم العاشر من ذي الحجة وهو يوم النحر والليالي العشر هي الليالي التي سبقت هذا الفجر من ذي الحجة، إذ لابد ان يكون المقسم به أساسا قضية محسوسة وحرمتها واضحة كل الوضوح لأهل مكة، وليست هي الا الليالي العشر من ذي الحجة وفجر عاشرها ففيها وقعت اعظم قضية في الجزيرة العربية وفي تاريخ إبراهيم وإسماعيل قبل بعثة النبي المكي الإسماعيلي الموعود وهي قضية بناء البيت
«صفحة 234»
الحرام من قبل إبراهيم وإسماعيل سنة 2100ق. م والآيات الإلهية التي ارتبطت بذلك، إذ فيها بُني البيت الحرام واختتم بالحَجَر الذي انطبعت عليه إقدام إبراهيم وهو ابن مائة سنة وبقي الحجر والاثر إلى زمن نزول القرآن بل إلى زماننا هذا تتناقل خبره الاجيال ويشهده زوار البيت حقيقة قائمة، وفيها وقعت قصة ابتلاء الله إبراهيم بذبح ولده إسماعيل وفداء الله له بكبش عظيم على مرأى ومشهد من الناس وصار الناس يتناقلها كل سنة في موسم الحج.
وقصة إبراهيم وابتلائه بذبح ولده إسماعيل(1) مدونة في سفر التكوين /16-17من التوراة بل ويعرف هؤلاء ان الله تعالى أكرم إسماعيل بان جعل من ذريته النبي واثني عشر عظيما من أهل بيته التكوين 17:
«[20] أَمّا إِسماعيلُ، فَقَدِ استَجَبتُ لِطِلبَتِكَ مِن أَجلِهِ. سَأُبارِكُهُ حَقّا، وأَجعَلُهُ مُثمِرا، وأُكَثِّرُ ذُرّيتَهُ جِدّا فَيكونُ أَبا لاثنَي عَشَرَ رَئيسا، ويصبِحُ أُمَّةً كَبيرَةً».
ويعرف ذلك أهل مكة، لأنهم ذرية إسماعيل التي استوطنت البيت منذ نشأته تنتظر تحقق الوعد الإلهي لإسماعيل، قال الحبر كنعان يل ت 1055م:
«نلاحظ من هذه النبوءة في هذه الآية ان 2337 سنة مضت(2) قبل ان يصبح العرب /سلالة إسماعيل/ أمة عظيمة [بظهور الإسلام سنة 624م] في هذه الفترة انتظر “بنو” إسماعيل بشوق حتى تحقق الوعد الإلهي أخيرا وسيطر العرب على العالم»(3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) في التوارة ان الذبيح هو اسحاق وهو تحريف متعمد من كتبة التوراة بعد عزير كانت وفاته الثانية سنة 443ق. م.
(2) هذا التقدير مبني ان ظهور إسماعيل كان في سنة 1713ق. م ونحن نقدره في سنة 2100ق. م
(3) The stone edtion , The chumash , by R. Nosson scherman, R. meir ziotowitz , Third edtion first impression 1994. p. 76.
«صفحة 235»
قوله تعالى ﴿والشفع والوتر﴾:
قال العلامة الطباطبائي (رحمه الله) : «يقبل الانطباق على يوم التروية ويوم عرفة وهو الأنسب على تقدير أن يراد بالفجر وليال عشر فجر ذي الحجة والعشر الأول من لياليها. وقيل: المراد صلاتا الشفع والوتر في آخر الليل، وقيل: مطلق الصلاة فمنها شفع ومنها وتر، وقيل: الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة».
اقول «الشفع» في اللغة هو ضم الشيء إلى مثله ويقال للمشفوع «شَفعٌ». والسياق يفرض ان يحمل المعنى عليه فيكون المراد ب «الشفع» هو «ليال عشر أخرى من شهر اخر وفجر عاشرها» نظير الليالي الأولى من ذي الحجة تناظرها في التعظيم وتساندها في الهدف.
واما «الوتر»، فهو الظلامة في الدم اي الدم المسفوك ظلما وعدوانا، ويرد أيضا بكسر الواو فيقال: الوتر.
أما «الليل» إذا يسرِ: فهو زوال الليل ومجيء النهار وبحسب السياق يحمل على أخذ ولي الدم بثأره فينتهي لهمَ والغمَ.
ولا نجد من الناحية التاريخية بعد ألفين وسبعمائة وخمسين سنة تقريبا نظيرا شافعا شبيها وناصرا لرسالة إبراهيم وإسماعيل وإمامتهما الإلهية الهادية غير رسالة محمد (صلى الله عليه وآله) التي استهدفت تحرير دين إبراهيم (عليه السلام) من بدع خزاعة حين جاءت بالأصنام ونصبتها على الكعبة، وبدع قريش بعد وفاة عبد المطلب حين ادعت لنفسها انها آل الله بدلا من عبد المطلب وآبائه وابي طالب.
ونهضة ولده الحسين (عليه السلام) التي استهدفت تحرير دين محمد (صلى الله عليه وآله) /وهو دين
«صفحة 236»
إبراهيم/ من بدع قريش المسلمة وبدعة معاوية في حصر خلافة النبي والإمامة الإلهية الهادية في معاوية وولده يزيد وذرية يزيد ة وخُير بين البيعة لتكريس البدعة أو القتال والقتل، فاختار القتل على تكريس البدعة قال (عليه السلام) :
«لو لم يكن لي في الدنيا ملجأ ما بايعت يزيد»
نظير قول جده النبي لعمه أبي طالب:
«والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الأمر ما تركته أو اهلك دونه».(1)
ولولا الحسين (عليه السلام) ما عرف المسلمون الحج الإبراهيمي وسنن محمد (صلى الله عليه وآله) فيه ولا عرفوا إمامة أهل البيت التي دعا اليها النبي (صلى الله عليه وآله) . وبذلك تطابق المشهدان من حيث الهدف ومن حيث الشكل تطابقا عجيبا.
لقد بقيت تجربة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) والليالي العشر من ذي الحجة وعاشورائها وما أفرزته من تكريس التوحيد والإمامة الإلهية الهادية في إبراهيم وذريته الطاهرة «فردا» في التاريخ حتى شفعها الله تعالى ببعثة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) ثم نهضة ولده الحسين (عليه السلام) بأمره تعالى ﴿فَإِن يكفُر بِها هؤُلاءِ فَقَد وكَّلنا بِها قَوما لَيسوا بِها بِكافِرينَ﴾ الأنعام/89.، ومن الطريف ان الله تعالى أرى إبراهيم في الرؤيا انه يذبح ولده، وان الله تعالى أرى محمدا (صلى الله عليه وآله) في الرؤيا فتنة الشجرة الملعونة بني أميه التي تستلزم ان ينهض ولده الحسين (عليه السلام) لمواجهتها
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ﴿قُل إِنَّني هَداني رَبّي إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ دينا قيما مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفا وما كانَ مِنَ المُشرِكينَ ﴾ الأنعام/161 ﴿ثُمَّ أَوحَينا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِع مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفا وما كانَ مِنَ المُشرِكينَ ﴾ النحل/123 ﴿و جاهِدوا في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هو اجتَباكُم وما جَعَلَ عَلَيكُم في الدّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبيكُم إِبراهيمَ هو سَمّاكُمُ المُسلِمينَ مِن قَبلُ وفي هذا ليكونَ الرَّسولُ شَهيدا عَلَيكُم وتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ فَأَقيموا الصَّلاةَ وآتوا الزَّكاةَ واعتَصِموا بِاللهِ هو مَولاكُم فَنِعمَ المَولى ونِعمَ النَّصيرُ﴾ الحج/78.
«صفحة 237»
وحينئذ لا بد من ان يقتل مظلوما ويفتح الطريق للإمامة الهادية التي جعلها الله ورسوله في علي (عليه السلام) وأهل بيته(عليهم السلام) .
وشاء الله تعالى ان يجعل من قبر الحسين (عليه السلام) مثابة للناس يقصدونه في الليالي العشر وعاشورائها وكل أيام السنة كما جعل بيت إبراهيم مثابة للناس في الليالي العشر وعاشورائها وهو يوم النحر وكل أيام السنة.
نعم الفارق الأساس هو ان إسماعيل لم يذبح بيد أبية الرؤوف الرحيم لان القضية كانت اختبارا للوالد ﴿ وولده ووالدٍ وما ولد﴾، بينما ذبح الحسين (عليه السلام) على يد شمر شر خلق الله وفصل رأسه ورؤوس أهل بيته وأصحابه ليتركوا مجزَّرين كالأضاحي في رمضاء كربلاء لا لشيء الا لأنهم قالوا لا للمنكر وأصروا على موقفهم ودافعوا عن أنفسهم فقاتلوا وقتلوا.
وفي الروايات عن أهل البيت(عليهم السلام) ما يفيد ان الله تعالى اوحى لنبيه إبراهيم بعيد الواقعة بخبر حبيبه محمد (صلى الله عليه وآله) ومصيبة سبطه الحسين (عليه السلام) وكان الله تعالى جعل الرؤيا للاختبار من جهة ولتهيئة إبراهيم لتلقي خبر مصيبة الحسين (عليه السلام) وهي عزيزة على جده محمد بل عزيزة على جده إبراهيم.
روى الشيخ الصدوق عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: أوحى الله عز وجل إليه: يا إبراهيم من أحب خلقي إليك؟ فقال: يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد صلى الله عليه وآله فأوحى الله تعالى إليه أ فهو أحب إليك أم نفسك قال: بل هو أحب إلي من نفسي، قال: فولده أحب إليك أم ولدك: قال: بل ولده، قال: فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال: يا رب بل ذبح ولده
«صفحة 238»
ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبي، قال: يا إبراهيم فان طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين (عليه السلام) ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش، ويستوجبون بذلك سخطي، فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك، وتوجع قلبه، وأقبل يبكي(1).
وفي ضوء ذلك نستطيع القول:
ان «الشفع» هو الليالي العشر وعاشوراؤها من شهر المحرم سنة 61هـ وفجرها هو فجر يوم العاشر الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه بسبب نهضتهم لإحياء دين محمد (صلى الله عليه وآله) وهو دين إبراهيم، شفع الله بها الليالي العشر وعاشورائها في رسالة إبراهيم للحفاظ عليها.
وأن «الوتر» أو «الوتر» هو ظلامة الحسين (عليه السلام) ، وهي ظلامة تستحق ان يقسم الله تعالى بها لما حققته من حفظ لدين محمد ودين إبراهيم دين الله تعالى من التحريف، هذه الظلامة التي جعلت الموتور فيها هو الله تعالى (السلام عليك يا ثار الله) لان الله تعالى هو الذي كلف الحسين (عليه السلام) بالنهضة عن طريق نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) ووفى الحسين (عليه السلام) بنهضته كما وفى إسماعيل وصبر على حز المدية وفداه الله بذبح عظيم وجعل الإمامة في ذريته. وكذلك جعل الله تعالى الإمامة في ذرية الحسين (عليه السلام) لما صبر على حز الشفار لما اعياه نزف الدم والعطش بعد ان قاتل اشد قتال.
قوله تعالى ﴿واللَّيلِ إِذا يسرِ﴾: قسم بالمهدي بن الحسين (عليهما السلام) الذي سيأخذ وأخذه بثأر جده الحسين (عليه السلام) من الراضين بقتله بعده ممن استضعف شيعته
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الخصال ـ الشيخ الصدوق ـ ص 58 ـ 59.
«صفحة 239»
وأوغل في سفك دمائهم وعاونهم، وبذلك يزول به ليل الظلم كليا وتشرق الأرض بنور عدله وعلمه.
قوله تعالى ﴿هَل في ذلِكَ قَسَمٌ لِذي حِجرٍ﴾: معنى الاستفهام هنا التفخيم والتعظيم للأمور المقسم بها(1)،
انَّ المقسَم به في السورة كان بعضه حدثا مضى والبعض الاخر حدث سيأتي بعد النبي، وهو نبوءة قرآنية لئن جاءت هنا مجملة فقد جاءت مفصلة في أكثر من مورد في القرآن الكريم.
وقد أخبر الله تعالى انبياءه ورسله بقتل الحسين (عليه السلام) وبولده المهدي (عليه السلام) صاحب العمر الطويل بشكل تفصيلي في الكتب التي انزلها عليهم(2).
قوله تعالى: ﴿هَل في ذلِكَ قَسَمٌ لِذي حِجر﴾ الفجر/5: جواب القسم: قال العلامة الطباطبائي: “والاستفهام للتقرير، والمعنى: أن في ذلك الذي قدمناه قسما كافيا لمن له عقل يفقه به القول ويميز الحق من الباطل”.
اقول: اي يخاطب الله تعالى أهل مكة وهم ذرية إبراهيم وإسماعيل يذكِّرهم بفجر أعظم يوم في تاريخ البيت الحرام وتاريخ إبراهيم وإسماعيل (والد وما ولد)، وبوعد الله تعالى لهما بمحمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته في قوله تعالى ﴿وإِذ يرفَعُ إِبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيتِ وإِسماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ (127) رَبَّنا واجعَلنا مُسلِمَينِ لَكَ ومِن ذُرّيتِنا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ… (128) رَبَّنا وابعَث فيهِم رَسولا مِنهُم يتلوا عَلَيهِم آياتِكَ ويعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكمَةَ ويزَكّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ (129)﴾ البقرة/127-129.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إعراب القرآن وبيانه، ج10، ص: 469.
(2) انظر بحثنا حول مصيبة الحسين (عليه السلام) في كتب الأنبياء السابقين.
«صفحة 240»
ثم يعلن لهم انه قد أتم وعده لإبراهيم حين بعث نبيه محمدا رسولا ومعه وزيره علي قال تعالى ﴿وإِذِ ابتَلى إِبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماما قالَ ومِن ذُرّيتي قالَ لا ينالُ عَهدي الظّالِمينَ (124)﴾ البقرة/124
والكلمات: هي الوعد الإلهي لإبراهيم في إسماعيل.
أتمهن: اي انجزهن حين بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) معه شاهد من أهل بيته وهو علي والائمة الأحد عشر من ذريته.
وفي تفسير العياشي، بأسانيد عن صفوان الجمال قال: كنا بمكة فجرى الحديث في قول الله: ﴿وإِذِ ابتَلى إِبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ قال: فأتمهن بمحمد وعلي والأئمة من ولد علي في قول الله: ﴿ذُرّيةً بَعضُها مِن بَعضٍ واللهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾.
قال العلامة الطباطبائي (رحمه الله) : والرواية مبنية على كون المراد بالكلمة: الإمامة كما فسرت بها في قوله تعالى: «فَإِنَّهُ سَيهدينِ وجَعَلَها كَلِمَةً باقيةً في عَقِبِهِ» الآية فيكون معنى الآية: ﴿وإِذِ ابتَلى إِبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ﴾ هن إمامته، وإمامة إسحاق وذريته، وأتمهن بإمامة محمد، والأئمة من أهل بيته من ولد إسماعيل ثم بين الأمر بقوله: قالَ إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماما إلى آخر الآية).
أقول: بل المراد بالكلمات: الوعد بمحمد (صلى الله عليه وآله) وعلي(عليه السلام) والأحد عشر إماما من ذريته، والابتلاء: هو الإنعام، اي وإذ أنعم الله على إبراهيم بوعد فأتمَّه له حين بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) ومعه علي(عليه السلام) ، وكان الوعد بهما لإسماعيل لما طلب إبراهيم ان يبارك في إسماعيل لاستجابته لأمر أبية ان يذبحه وقد وفَى كما قال تعالى (وإسماعيل الذي وفَى) وقد وعد الله تعالى إبراهيم بان بارك إسماعيل بمحمد واثني عشر إماما قبل ان يبشره بإسحاق ومن بعد إسحاق يعقوب
«صفحة 241»
فلا يمكن تفسير قوله تعالى «فأتمهن» بإضافة إمامة إسحاق وذريته بل هي تعني فأنجزهن حين بعث محمدا رسولا ومعه علي وزيرا. ورواية العياشي من غرر الروايات.
قوله تعالى: ﴿أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (6) إِرَمَ ذاتِ العِمادِ (7) الَّتي لَم يخلَق مِثلُها في البِلادِ (8) وثَمودَ الَّذينَ جابوا الصَّخرَ بِالوادِ (9) وفِرعَونَ ذي الأَوتادِ (10) الَّذينَ طَغَوا في البِلادِ (11) فَأَكثَروا فيها الفَسادَ (12) فَصَبَّ عَلَيهِم رَبُّكَ سَوطَ عَذابٍ (13)﴾ الفجر/7ـ14
الآيات جملة اعتراضية بين القسم وجوابه، تبين فعل رب السموات والأرض بقوم عاد وثمود وفرعون لما طغوا واكثروا الفساد بسفك الدماء إذ اهلكهم.
قوله تعالى ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرصادِ﴾: جواب القسم، اي: ان ربك سوف يهلك بني أميه على سعة ملكهم وقدرتهم لقتلهم الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وصحبه ويهلك بني العباس على سعة ملكهم وكذلك يهلك ملك كليهما حين يتجدد في آخر الزمان ـ كما أهل أشياعهم من قبل.
قوله تعالى ﴿فَأَمّا الأِنسانُ إِذا ما ابتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيقولُ رَبّي أَكرَمَنِ (15) وأَمّا إِذا ما ابتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزقَهُ فَيقولُ رَبّي أَهانَنِ (16) كَلا بَل لا تُكرِمونَ اليتيمَ (17) ولا تَحاضّونَ عَلى طَعامِ المِسكينِ (18) وتَأكُلونَ التُّراثَ أَكلا لَمًّا (19) وتُحِبّونَ المالَ حُبًّا جَمًّا(20)﴾
قوله تعالى: ﴿لا تُكرِمونَ اليتيمَ﴾: اليتيم الطفل هو الطّفل الّذي لا أب له، أي: لا تعطونهم ممّا أعطاكم الله حتّى تغنوهم عن ذلّ السؤال. وخصّ اليتيم لأنّهم لا كافل لهم يقوم بأمرهم. وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) أنا وكافل اليتيم كهاتين. وأشار بالسبّابة والوسطى.
«صفحة 242»
قوله تعالى ﴿وتَأكُلونَ التُّراثَ أَكلا لَمًّا﴾: يقال ذا لمّ، أي جمع بين الحلال والحرام، معناه كانوا لا يورثون النّساء والصّبيان ويأكلون أنصباءهم، أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين بذلك.
قوله تعالى ﴿وتُحِبّونَ المالَ حُبًّا جَمًّا﴾: الجم الكثير.
وكأن الآيات تلمح إلى ان قمة الفساد وهي سفك الدماء الذي ينتج بوار الظالمين أصله فساد النفس بحب المال وهو الدنيا وهو راس كل خطيئة. فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: رأس كل خطيئة حب الدنيا. وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع، هذا في أولها، وهذا في آخرها بأسرع فيها من حب المال والشرف في دين المسلم (الضاري المعتاد الحريص الشبعان)، وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الشيطان يدبر ابن آدم في كل شيء فإذا أعياه جثم (أي لزم) عند المال فأخذ برقبته. وعن الحرث الأعور، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم.
قوله تعالى: ﴿كَلا إِذا دُكَّتِ الأَرضُ دَكًّا دَكًّا (21) وجاءَ رَبُّكَ والمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وجيءَ يومَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يومَئِذٍ يتَذَكَّرُ الأِنسانُ وأَنَّى لَهُ الذِّكرى (23) يقولُ يا لَيتَني قَدَّمتُ لِحَياتي (24)﴾ الفجر/15ـ26.
وليس من شك ان علاج حب الدنيا هو ذكر الأخرة وأهوال يوم الحساب.
قوله ﴿يتَذَكَّرُ الأِنسانُ وأَنَّى لَهُ الذِّكرى﴾ أي: يتذكّر معاصيه. أو يتّعظ، لأنّه يعلم قبحها فيندم عليها. وقيل: أريد إنسان معين، فقيل عتبة بن ربيعة أو أبو حذيفة بن الغيرة عن ابن عباس،
«صفحة 243»
اقول: بل هو قاتل الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وهو يزيد وأهل بيته وجلاوزتهم.
قوله تعالى: ﴿فَيومَئِذٍ لا يعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) ولا يوثِقُ وثاقَهُ أَحَدٌ (26)﴾.
اي سوف يعذبه الله تعالى اشد عذاب كما قال في آل فرعون ﴿ويومَ تَقومُ السّاعَةُ أَدخِلوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذابِ﴾ غافر/46.
قوله تعالى: ﴿يا أَيتُها النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ (27) ارجِعي إِلى رَبِّكِ راضيةً مَرضيةً (28) فادخُلي في عِبادي (29) وادخُلي جَنَّتي (30)﴾ هذه النفس المطمئنة بالله تعالى هي الحسين (عليه السلام) في يوم العاشر وقد وصفه تعالى له بالنفس المطمئنة لأنها الصفة البارزة في الحسين فجر يوم العاشر من المحرم لما رأى كثرة عدوه رفع يده إلى السماء وقال: «اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته، وأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة».
لقد كانت نفسا سلمت أمرها إلى الله تعالى وإطاعته كما سلم إبراهيم وإسماعيل أمرهما إلى الله وأطاعاها ﴿ فلما اسلما وتله للجبين﴾.
هذا الاطمئنان الذي نتج عنه الثبات على الموقف (ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)،
ونتج عنه الأداء الكفوء في العمل، قال حُمَيد بن مسلم: (فوالله ما رأيت
«صفحة 244»
مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه عليه السلام، إن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب).
«صفحة 245»
الحسين (عليه السلام) في سورة الأحقاف(1)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَوَصَّيْنَا الأِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(15)أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ(16)﴾ الأحقاف/15ـ16
روى الكليني بسنده عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لما حملت فاطمة (عليه السلام) بالحسين جاء جبرئيل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال ان فاطمة ستلد غلاما تقتله أمتك من بعدك فلما حملت بالحسين (عليه السلام) كرهت حمله. وحين وضعته كرهت وضعه. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) تكرهه لما علمت انه سيقتل. قال وفيه نزلت هذه الآية ﴿ ووصَّينا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ إِحسانًا حَمَلَتهُ أُمُّهُ كُرهًا ووضَعَتهُ كُرهًا وحَملُهُ وفِصالُهُ ثَلاثونَ شَهرًا﴾.(2)
تمهيد:
اخبر القرآن الكريم بطريقته الخاصة عن قصة الحسين (عليه السلام) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشر هذا البحث ضمن مجموعة كراسات المكتبة الحسينية الميسرة، عام 1433هـ/2011م، الكراس رقم9.
(2) الكليني، الكافي ج1/464.
«صفحة 246»
وأشار الأئمة (عليه السلام) إلى تلك الآيات من خلال الميراث العلمي الذي ورثوه عن جدهم النبي (صلى الله عليه وآله) .
من قبيل ما رواه ابن شهر آشوب في كتاب (المناقب) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى:
﴿الَّذينَ أُخرِجوا مِن ديارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلا أَن يقولوا رَبُّنا اللهُ ولَو لا دَفعُ اللهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوامِعُ وبيعٌ وصَلَواتٌ ومَساجِدُ يذكَرُ فيها اسمُ اللهِ كَثيرا ولَينصُرَنَّ اللهُ مَن ينصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوي عَزيزٌ﴾ الحج/40.
قال: نحن، نزلت فينا.
وفي تفسير على بن إبراهيم وقوله عز وجل: ﴿الَّذينَ أُخرِجوا مِن ديارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ﴾ قال: الحسين صلوات الله عليه وعلى جده وأبيه وامه وأخيه وذريته وبنيه، حين طلبه يزيد ليحمله إلى الشام فهرب إلى الكوفة وقتل بالطف.
وفي روضة الكافي عن ابن محبوب عن أبى جعفر الأحول عن سلام بن المستنير عن أبى جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: ﴿الَّذينَ أُخرِجوا مِن ديارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلا أَن يقولوا رَبُّنا اللهُ﴾ قال نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى وحمزة وجعفر، وجرت في الحسين عليهم السلام أجمعين.
وفي مجمع البيان قال أبو جعفر عليه السلام نزلت في المهاجرين وجرت في آل محمد: الذين اخرجوا من ديارهم وأخيفوا(1).
ونموذج ذلك كثير ومن ذلك سورة الأحقاف، وسورة الفجر، وغيرها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تفسير نور الثقلين – الشيخ الحويزي ج 3 ص 501.
«صفحة 247»
الحسين (عليه السلام) في سورة الأحقاف:
﴿وَوَصَّيْنَا الأِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً ح
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً
وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً
حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ
وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً
قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ
وَعَلى والِدَيَّ
وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً
تَرْضاهُ
وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي
إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ
وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(15)
أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا
وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ
فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ
وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ(16)﴾
الآيات تتحدث عن انسان خاص :
تتحدث هذه الآيات عن إنسان معين، وليس عن كل إنسان، لقوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) إذ المعروف ان الرضاعة وحدها في الحالات الاعتيادية تقدر بحولين كاملين فتبقى ستة اشهر، والآيات تذكر ان هذا
«صفحة 248»
الانسان قد ولد لستة اشهر. مضافا إلى ذلك ان الشكر على النعمة الإلهية مطلوب من الانسان من عمر التكليف وليس حين يبلغ الأربعين سنة فقط، مضافا إلى ذلك ان الآيات تصرح بقبول عمل هذا الانسان وليس كل عامل عمله مقبول.
تفسير الآية في التراث السني:
جاء في التراث الروائي التفسيري السني عن ابن عباس وعلي (عليه السلام) انها نزلت في أبي بكر وذريته.
قال القرطبي: وروي أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق وكان حمله وفصاله في ثلاثين شهرا حملته أمه تسعة أشهر وأرضعته إحدى وعشرين شهرا.(1)
قال السيوطي وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أنزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني الآية فاستجاب الله له فأسلم والداه جميعا وإخوانه وولده كلهم ونزلت فيه أيضا ﴿فَأَمّا مَن أَعطى واتَّقى﴾ إلى آخر السورة.
قال القرطبي: وقال علي رضي الله عنه هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غيره فأوصاه الله بهما ولزم ذلك من بعده.(2)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير القرطبي 16/193
(2) تفسير القرطبي ج: 16 ص: 195.
«صفحة 249»
تفسير الآية في التراث الشيعي :
وفي التفسير الروائي الشيعي عن علي بن الحسين (عليه السلام) والامام الصادق (عليه السلام) انها نزلت في الحسين (عليه السلام) وتسعة من ذريته.
روى الكليني بسنده عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لما حملت فاطمة (عليه السلام) بالحسين جاء جبرئيل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال ان فاطمة ستلد غلاما تقتله أمتك من بعدك فلما حملت بالحسين (عليه السلام) كرهت حمله. وحين وضعته كرهت وضعه. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) تكرهه لما علمت انه سيقتل. قال وفيه نزلت هذه الآية: ﴿ووصَّينا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ إِحسانًا حَمَلَتهُ أُمُّهُ كُرهًا ووضَعَتهُ كُرهًا وحَملُهُ وفِصالُهُ ثَلاثونَ شَهرًا﴾.(1)
وروى الكليني ايضا رواية أخرى اكثر تفصيلا وهي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
ان جبرئيل (عليه السلام) نزل على محمد (صلى الله عليه وآله) فقال له يا محمد ان الله يبشرك بمولود يولد من فاطمة تقتله أمتك من بعدك.
فقال: يا جبرئيل وعلى ربى السلام لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي.
فعرج ثم هبط (عليه السلام) فقال: يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويبشرك بانه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية،
فقال: قد رضيت.
ثم ارسل إلى فاطمة ؛ ان الله يبشرني بمولود يولد لك تقتله امتي من بعدي.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكليني الكافي ج1/464.
«صفحة 250»
فأرسلت إليه لا حاجة لي في مولود مني تقتله امتك من بعدك.
فارسل اليها ان الله قد جعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية فأرسلت إليه اني قد رضيت.
قال وفيه نزلت هذه الآية: ﴿و وصَّينا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ إِحسانا حَمَلَتهُ أُمُّهُ كُرها ووضَعَتهُ كُرها وحَملُهُ وفِصالُهُ ثَلاثونَ شَهرا حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وبَلَغَ أَربَعينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَي وعَلى والِدَي وأَن أَعمَلَ صالِحا تَرضاهُ وأَصلِح لي في ذُرّيتي﴾ فلو لا انه قال اصلح لي ذريتي لكانت ذريته كلهم أئمة.(1)
وقد رواها الشيخ الصدوق أيضا في كتابه علل الشرائع.
الواقع التاريخي يؤكد ان الحسين (عليه السلام) وذريته مصداق الآية:
والواقع التاريخي الذي جرى بعد نزول القرآن نجده لصالح الرواية الشيعية حيث ولد الحسين (عليه السلام) لستة اشهر ورضاعته أربعة وعشرون شهرا هذه ثلاثون شهرا كما أشارت الآية. وقد استفاضت بل تواترت الأحاديث عن جده النبي (صلى الله عليه وآله) في فضله.
وتصدت الدولة الأموية لتشويه نهضته وتأطيرها بإطار الخروج على إمام الزمان، وان من خرج على إمام زمانه مات ميتة جاهلية ورووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) كذبا انه قال (من خرج عن السلطان مات ميتة جاهلية)، لتبرير قتله (عليه السلام) وسبي نسائه في مأساة لا نظير لها في تاريخ الإسلام، وأطبقت الأمة على السكوت عشرين شهرا بعد الواقعة لا تسمع فيها من خطباء المنابر بعد
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ج1 ص464 رواية 4.
«صفحة 251»
صلاة الجمعة في كل الأمة الاسلامية شرق الأرض وغربها الا لعن علي والحسن والحسين
ثم تزلزلت الأرض من تحت أقدام بني أميه، واستجاب الله تعالى دعاء الحسين (عليه السلام) :
حين بتر عمر يزيد، ونزع رغبة الملك من قلب ولده معاوية فاستقال بعد أربعين يوما، واختلف أهل الشام واقتتلوا على السلطة، واقتتل أهل خراسان، واقتتل أهل اليمن وأهل البصرة،
وامتازت الكوفة عن غيرها بان القتال كان فيها بين جبهة قاتلت الحسين (عليه السلام) وجبهة ترفع شعار الحسين للأخذ بثأره ممن كانوا في السجون من شيعته، وبدأ النشء الجديد يتبرأ من بني أميه ويترحم على الحسين وأبية وأخيه(عليهم السلام) ، وينفتح على أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) فيهم وفي إمامتهم الإلهية حتى سقطت دولة بني أميه وانهار إعلامهم في الحسين (عليه السلام) تماما.
وتحول قبر الحسين (عليه السلام) إلى مزار عالمي قل نظيره.
مضافا إلى ذرية تنتسب إليه بعدد غفير يملأ الدنيا برز منهم تسعة أئمة في الدين تاسعهم ادعي لهم انه غائب وانه لا زال حيا ينتظر اذن الله له بالظهور ليملا الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وهي دعوى يحملها الشيعة ويملكون وسائل إثباتها لمن رام تحقيق النظر فيها.
وليس من شك ان هذه الأمور بمجموعها تشكل ظاهرة خاصة بالحسين (عليه السلام) وذريته، لا يملك أبو بكر وذريته شيئا منها على الاطلاق.
ويتضح من ذلك ان الرواية التي نسبت إلى علي (عليه السلام) والى تلميذه ابن
«صفحة 252»
عباس، وتقول ان الآية في أبي بكر وولده ليس لها شيء من الواقع التاريخي يصدقها ولو سلطنا البحث في اسانيدها لكشف البحث عن الوضاع الذي وضعها.
شرح الآيات:
قوله تعالى:﴿وَوَصَّيْنَا الأِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً ﴾:
وردت الوصية بالوالدين في آية أخرى: ﴿و وصَّينا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ حُسنا وإِن جاهَداكَ لِتُشرِكَ بي ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعهُما﴾ العنكبوت/8.
والإحسان والحُسن واحد، والمعنى اننا امرنا الانسان بمعاملة والديه بالحسنى، أي بالطاعة والموافقة لهما مادامت هذه الطاعة فيما أمر به الله ونهى عنه، فاذا أمراه بالشرك فلا طاعة ولا موافقة.
وحين يكون الجو العام هو تبنى الدولة لعن علي بصفته ملحدا في الدين، واستعانوا بالكذب على النبي ؛ لتأييد ذلك وتكريسه، ثم ملاحقة من يعتقد بإمامة علي ويروي الأحاديث الصحيحة عن النبي في حقه، وانزلوا به اشد العقاب من تسميل الأعين وقطع الأيدي والأرجل، والسجن، والنفي، والقتل، وتهديم البيوت، ومحو أسمائهم من ديوان العطاء على مرأى من الحسين ومسمع يترتب على ذلك ان ينهض الحسين ليضع حدا لذلك،
والآية كأنها تشير إلى وجود وصية وعهد من الله تعالى الى الحسين بان يبر والديه، وليس من شك ان من البر هو رفع الظلم والحيف عنهما، وليس من شك ان اكبر ظلم وقع على النبي هو الكذب عليه واكبر ظلم وقع على علي هو تشويه سيرته ؛ ليظهروه بمظهر المفسد في الدين، وانه يستحق البراءة
«صفحة 253»
واللعن وملاحقة شيعته،
وهذه الوصية تقررت يوم رأى النبي في المنام بني أميه ينزون على منبره وساءه ذلك ولم ير بعدها مستجمعا ضاحكا، وقد واخبره الله تعالى انه المنجي من فتنتهم هو نهضة الحسين وشهادته وظلامته.
قال تعالى: ﴿و إِذ قُلنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنّاسِ وما جَعَلنا الرُّؤيا الَّتي أَرَيناكَ إِلا فِتنَةً لِلنّاسِ والشَّجَرَةَ المَلعونَةَ في القُرآنِ ونُخَوفُهُم فَما يزيدُهُم إِلا طُغيانا كَبيرا﴾ الإسراء/60.
وروى السيوطي في الدر المنثور في تفسير عن ابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى أمية على المنابر فساءه ذلك.
ولا بد ان النبي (صلى الله عليه وآله) قد تحدث الحسين وهو ابن سبع سنوات بذلك ؛ ليستكشف رأيه ثم ابلغه الخبر الإلهي، والتقدير الإلهي ومن الطبيعي ان يستجيب لجده ولربه كما استجاب إسماعيل لربه ولأبيه.
قوله تعالى ﴿حمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ﴾:
قال الإمام الصادق (عليه السلام) قال لما حملت فاطمة (عليه السلام) بالحسين جاء جبرئيل إلى الرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال ان فاطمة ستلد غلاما تقتله أمتك من بعدك فلما حملت بالحسين (عليه السلام) كرهت حمله. وحين وضعته كرهت وضعه. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) تكرهه لما عملت انه سيقتل.
قوله تعالى ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ﴾:
روى الطبري قال: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي عبيدة قال: رفع إلى عثمان امرأة ولدت
«صفحة 254»
لستة أشهر، فقال: إنها رفعت لا أراها إلا قد جاءت بشر أو نحو هذا ولدت لستة أشهر، فقال ابن عباس: إذا أتمت الرضاع كان الحمل لستة أشهر. قال: وتلا ابن عباس: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا، فإذا أتمت الرضاع كان الحمل لستة أشهر. فخلى عثمان سبيلها.
اقول: بل الفتوى أساسا هي لعلي (عليه السلام) كما في الرواية الآتية.
روى الطبري قال: حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ثني: ابن أبي ذئب، عن أبي قسيط، عن بعجة بن زيد الجهني، أن امرأة منهم دخلت على زوجها، وهو رجل منهم أيضا، فولدت له في ستة أشهر، فذكر ذلك لعثمان بن عفان رضي الله عنه، فأمر بها أن ترجم، فدخل عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا. وقال: وفصاله في عامين قال: فوالله ما بعد عثمان أن بعث إليها ترد.(1)
وروي أن امرأة دخلت على زوجها فولدت منه لستة أشهر، فذكر ذلك لعثمان رضي الله عنه فأمر برجمها، فقال له علي: قال الله تعالى ﴿وحمله وفصاله ثلاثون شهرا﴾ وقال في آية أخرى ﴿ وفصاله في عامين﴾ فوالله ما بعد عثمان أن بعث إليها ترد.(2)
اقول: والروايات الآنفة الذكر تخفيف لأصل الرواية إذ ان فتوى علي (عليه السلام) جاءتهم متأخرة وقد فرغ من المرأة، كما في الرواية الآتية:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) جامع البيان – ابن جرير الطبري ج 52 ص 131.
(2) تفسير القرطبي – القرطبي ج 61 ص 120
«صفحة 255»
روى ابن كثير في تفسيره قال: قال محمد بن إسحاق بن يسار عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن معمر بن عبد الله الجهني قال تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له لتمام ستة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان رضي الله عنه فذكر ذلك له فبعث إليها فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت وما يبكيك فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط فيقضي الله سبحانه وتعالى في ما شاء فلما أتي بها عثمان رضي الله عنه أمر برجمها فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه فأتاه فقال له ما تصنع ؟
قال ولدت تماما لستة أشهر وهل يكون ذلك ؟
فقال له علي رضي الله عنه أما تقرأ القرآن ؟
قال بلى.
قال أما سمعت الله عز وجل يقول ﴿وحمله وفصاله ثلاثون شهرا﴾ وقال ﴿حولين كاملين﴾ فلم نجده بقي إلا ستة أشهر.
قال: فقال عثمان رضي الله عنه والله ما فطنت بهذا علي بالمرأة فوجدوها قد فُرِغ منها.
قال: فقال معمر فوالله ما الغراب بالغراب ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه فلما رآه أبوه قال ابني والله لا أشك فيه قال وابتلاه الله تعالى بهذه القرحة بوجهه الآكلة فما زالت تأكله حتى مات رواه ابن أبي حاتم.(1)
قوله تعالى ﴿حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾:
بلوغ الأشد: هو الاحتلام كما في الروايات عن أهل البيت (عليه السلام) وقد ذكرت
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير ابن كثير – ابن كثير ج 4 ص 169.
«صفحة 256»
الروايات السن التي يقع فيها الاحتلام وهي: اذا انهى ثلاث عشرة سنة ودخل في السنة الرابعة عشرة(1)، وأيضا ورد ان الاحتلام يحصل في ست عشرة سنة وسبع عشرة سنة وثماني عشرة سنة(2)، وليس من شك ان السن المتعارفة هي خمس عشرة سنة والدخول في السادسة عشرة.
قوله تعالى ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾:
اقول فيه احتمالان:
الأول: ان الأربعين سنة تحسب من ولادته. والمعنى ان هذا الانسان لما بلغ من العمر أربعين سنة قال قوله الذي ذكرته الآية.
الثاني: ان الأربعين سنة تحتسب من البلوغ أي عاش أربعين سنة بعد بلوغ الأشد، فيكون المعنى ان هذا الانسان لما بلغ الخامسة والخمسين من عمره قال قوله الانف الذكر.
وليس من شك ان حمل الآية على المعنى الأول يجعل ذكر بلوغ الأشد زائدا ولغوا وهو خلاف ما يعرف عن القرآن من انه يحسب لكل حرف وكلمة حسابها بخلاف حملها على الاحتمال الثاني.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار ج100 /162
(2) بحار الانوار ج12/284، ج13/49.وفي تفسير الطبري ج: 8 ص: 85 وأما قوله حتى يبلغ أشده فإن الأشد جمع شد كما الأضر جمع ضر وكما الأشر جمع شر والشد القوة وهو استحكام قوة شبابه وسنه، فأما أهل التأويل فإنهم مختلفون في الحين الذي إذا بلغه الإنسان قيل بلغ أشده فقال بعضهم يقال ذلك له إذا بلغ الحلم ذكر من قال ذلك حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال ثنا عمي قال أخبرني يحيى بن أيوب عن عمرو بن الحرث عن ربيعة في قوله حتى يبلغ أشده قال الحلم حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال ثنا عمي قال ثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه مثله قال ابن وهب وقال لي مالك مثله حدثت عن الحماني قال ثنا هشيم عن مجاهد عن عامر حتى يبلغ أشده قال الأشد الحلم حيث تكتب له الحسنات وتكتب عليه السيئات وقال آخرون إنما يقال ذلك له إذا بلغ ثلاثين سنة.
«صفحة 257»
ولما كانت الآية/تبعا للرواية الواردة / تتحدث عن الحسين (عليه السلام) فهي اذن تريد ان تذكر عمره الشريف ولكنها تحاشت ذكره بشكل صريح جدا لمنهج وحكمة عرف بها القرآن عند حديثه عن الأشخاص(1).
ومن الثابت تاريخيا ان الحسين (عليه السلام) حين قتل يوم عاشورا سنة 61 هجـ كان ابن الخامسة والخمسين وشهور فمن المؤرخين من جعله ابن خمس وخمسين سنة واربعة اشهر وسبعة أيام، وقد وردت رواية في ذلك رواها ابن سعد في طبقاته، ومنهم من جعله ابن ست وخمسين واشهر كما عند غيره.
قوله تعالى ﴿قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾:
أوزعني ان اشكر: أي اجعلني مولَعا بشكرك يا رب.
نعمتك التي انعمت علي: هي نعمة الاصطفاء والاجتباء ومن مظاهرها الطهارة، واذهاب الرجس، وضمان اجابة الدعاء ووراثة العلم(2)، والتوكيل الإلهي بحفظ الرسالة. وقد كان الحسين (عليه السلام) احد افراد آية التطهير، واحد افراد اية المباهلة. واحد افراد اية القربى. ثم هو احد الأوصياء وورثة العلم الذي كتبه علي (عليه السلام) بإملاء النبي (صلى الله عليه وآله) .
قوله تعالى ﴿وَعَلى والِدَيَّ﴾:
هما علي (عليه السلام) والنبي (صلى الله عليه وآله) وقد انعم عليهما بنعمة الاصطفاء بالطهارة وانعم على النبي بالنبوة وعلى علي بالإمامة. نظير قول يعقوب ليوسف ﴿وكَذلِكَ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) فهو مثلا لم يذكر اسماء أهل البيت(عليهم السلام) في آية التطهير، ولم يذكر اسم علي (عليه السلام) في آية التبليغ ولم يذكر اسم الوليد بن عقبة في آية النبأ ﴿يا أَيها الَّذينَ آمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَينوا أَن تُصيبوا قَوما بِجَهالَةٍ فَتُصبِحوا عَلى ما فَعَلتُم نادِمينَ﴾ الحجرات/6 ونظائر ذلك كثيرة.
(2) وقد قد ورد عن سعد بن أبي وقاص قوله تذكر قصة المباهلة.
«صفحة 258»
يجتَبيكَ رَبُّكَ ويعَلِّمُكَ مِن تَأويلِ الأَحاديثِ ويتِمُّ نِعمَتَهُ عَلَيكَ وعَلى آلِ يعقوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَويكَ مِن قَبلُ إِبراهيمَ وإِسحاقَ﴾ يوسف/6.
قوله تعالى ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً ﴾:
لما كان الحسين (عليه السلام) بعد هلاك معاوية قد رفض بيعة يزيد، وهو الاحسان الذي تفرضه الوصية بالوالدين، إذ كيف يتوقع ان يبايع الحسين (عليه السلام) لنظام جعل من أوليات سياسته التربوية والدينية لعن علي (عليه السلام) بوصفه ملحدا في الدين، وعلي (عليه السلام) ولي الناس بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بنص كلام النبي (صلى الله عليه وآله) في غدير خم (الله مولاي وأنا مولى المؤمنين فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله).
ثم ان رفض البيعة يستتبعه مواقف أخرى تنسجم معها من قبيل اعلام الناس بأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في حق علي (عليه السلام) وهي ممنوعة ويستلزم الحديث بها تعريض المتحدث بها إلى ما لا يتصور من العذاب والنكال. كما يستلزم ذلك ان يعرض الحسين (عليه السلام) نفسه إلى القتل ولا يقتل دون ان يقتل أحباؤه معه. وليس من شك ان هذا العمل سوف تختلف فيه أنظار الناس فيه بين مؤيد ومعارض و(الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون).
اذن المرحلة تقتضي ان يتوجه الحسين (عليه السلام) إلى ربه يدعوه ؛ لكي يوفقه إلى عمل صالح لا تشوبه شائبة. عمل صالح على غرار عمل جده النبي (صلى الله عليه وآله) حين نهض بأمر الله تعالى ليحرر دين إبراهيم من بدع قريش المشركة، وعمل أبية علي (عليه السلام) حين نهض بوصية من النبي (صلى الله عليه وآله) ؛ ليحرر دين محمد (صلى الله عليه وآله) من بدع قريش المسلمة. والآن عليه ان ينهض بوصية من النبي (صلى الله عليه وآله) ؛ ليحرر دين الله
«صفحة 259»
من بدع بني أميه.
(اريد ان آمر بالمعروف وانهي عن المنكر واسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب).
(اني رأيت رسول الله في المنام وقد امرني بأمر وأنا ماض له).
وقد تميزت حركة الحسين (عليه السلام) منذ يوم اعلانها في مكة بالامتناع عن بيعة يزيد، وبقي هذا الموقف واحدا وقد كلفه حياته وحياة من معه من أهل بيته وأصحابه، وسبي نسائه إلى الشام.
قوله تعالى ﴿تَرْضاهُ﴾:
أي تتقبله، بان تظهر اثره في الدنيا قبل الأخرة ؛ لان القضية قضية إحياء دين وشريعة في المجتمع، لتبقى حجة الله قائمة على البشر.
قوله تعالى ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾:
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : فلو لا انه قال اصلح لي ذريتي لكانت ذريته كلهم أئمة. ولا يبعد ان الدعاء من الإمام الحسين كان ليلة العاشر من المحرم حيث كان ولده علي قد اشرف على الهلاك، بسبب مرضه بالذرب، وهو الذي أقعده عن الحرب، فهو دعاء يخص ولده عليا ؛ لشفائه بوصفه الوصي بعده نظير دعاء زكريا لإصلاح زوجته ؛ لأنها كانت عاقرا وكانت امرأة صالحة ﴿وزَكَريا إِذ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرني فَردا وأَنتَ خَيرُ الوارِثينَ (89) فاستَجَبنا لَهُ ووهَبنا لَهُ يحيى وأَصلَحنا لَهُ زَوجَهُ إِنَّهُم كانوا يسارِعونَ في الخَيراتِ ويدعونَنا رَغَبا ورَهَبا وكانوا لَنا خاشِعينَ(90)﴾ الأنبياء/89 ـ90.
ومن المفيد جدا ان نقارن بين دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) هذا ودعاء
«صفحة 260»
سليمان (عليه السلام) في قصته مع النمل قال تعالى:
﴿و لَقَد آتَينا داودَ وسُلَيمانَ عِلما وقالا الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي فَضَّلَنا عَلى كَثيرٍ مِن عِبادِهِ المُؤمِنينَ (15) وورِثَ سُلَيمانُ داودَ وقالَ يا أَيها النّاسُ عُلِّمنا مَنطِقَ الطَّيرِ وأوتينا مِن كُلِّ شَيءٍ إِنَّ هذا لَهو الفَضلُ المُبينُ (16) وحُشِرَ لِسُلَيمانَ جُنودُهُ مِنَ الجِنِّ والإِنسِ والطَّيرِ فَهُم يوزَعونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوا عَلى وادِ النَّملِ قالَت نَملَةٌ يا أَيها النَّملُ ادخُلوا مَساكِنَكُم لا يحطِمَنَّكُم سُلَيمانُ وجُنودُهُ وهُم لا يشعُرونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكا مِن قَولِها وقالَ رَبِّ أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَي وعَلى والِدَي وأَن أَعمَلَ صالِحا تَرضاهُ وأَدخِلني بِرَحمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ (19)﴾ النمل/15ـ 19.
ان النبي سليمان هنا يشكر الله تعالى على نعمة الاصطفاء التي منَّ بها عليه وعلى والديه ﴿الحَمدُ لِلهِ الَّذي فَضَّلَنا عَلى كَثيرٍ مِن عِبادِهِ المُؤمِنينَ﴾ وكان من مظاهر هذا التفضيل هو العلم ومنه علم منطق الطير ومنه طاعة الجن والطير والريح له. ووالداه هما داود ويعقوب جده وجد أبية وهو الاصل في النعمة الخاصة لبني إسرائيل.
واللافت للنظر ان سليمان لم يطلب من الله تعالى ان يصلح له في ذريته مع كثرتهم، والملاحظ على هذه الذرية انها لم يبعث منها نبي بعد سليمان، ولم يبرز منهم امام هدى، وما ورد من نسب عيسى إلى سليمان بواسطة يوسف النجار باطل ؛ لان عيسى خلقه الله تعالى من غير اب ولم يكن يوسف النجار أبا له حتى يتصل عن طريقه إلى سليمان. ولم يدع سليمان بان يصلح الله تعالى في ذريته لإخبار الله تعالى إياه انه لم يقدِّر ان يكون فيهم أصفياء فلا ينبغي
«صفحة 261»
ان يدعو بمثل ذلك الدعاء وهذا يفسر قوله تعالى حاكيا عن سليمان:
﴿قالَ رَبِّ اغفِر لي وهَب لي مُلكا لا ينبَغي لأَِحَدٍ مِن بَعدي إِنَّكَ أَنتَ الوهّابُ﴾ ص/35.
أي لا يورث من قبل ذريته إذ لا يوجد فيهم صفي لله تعالى ومن هنا كان وارث علمه شخص آخر ليس من ذريته وهو الذي وردت قصته مع عرش ملكة سبأ:
﴿قالَ يا أَيها المَلَؤُا أَيكُم يأتيني بِعَرشِها قَبلَ أَن يأتوني مُسلِمينَ (38) قالَ عِفريتٌ مِنَ الجِنِّ أَنا آتيكَ بِهِ قَبلَ أَن تَقومَ مِن مَقامِكَ وإِنّي عَلَيهِ لَقَوي أَمينٌ (39) قالَ الَّذي عِندَهُ عِلمٌ مِنَ الكِتابِ أَنا آتيكَ بِهِ قَبلَ أَن يرتَدَّ إِلَيكَ طَرفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُستَقِرًّا عِندَهُ قالَ هذا مِن فَضلِ رَبّي ليبلوني أَأَشكُرُ أَم أَكفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّما يشكُرُ لِنَفسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبّي غَني كَريمٌ (40)﴾ النمل/38-40.
وكان هذا الشخص الذي عنده علم من الكتاب هو وارث سليمان وهو اصف بن برخيا.
قوله تعالى ﴿إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ﴾:
أي اني رائح إليك مؤثر الحياة عندك على الحياة مع الظالمين، واني منقاد لأمرك حيث أمرتني ان اكون بارا بوالدي حينما أرى دينهما وسيرتهما تتعرض للتحريف وقد أخذا على العهد ان انهض لمقاومة ضلالة بني أميه. وتعبير التوبة لا يشير انه كان مذنبا في نفسه بل يوحي انه كان ملوما من الآخرين حينما رأوا الحسين (عليه السلام) قد سكت مدة عشر سنوات بعد وفاة الحسن (عليه السلام) ، ومعاوية يعيث في دين الله تعالى فسادا، ويلاحق عباد الله يقتلهم ويسجنهم ويشردهم.
«صفحة 262»
وقد أشار (عليه السلام) في رسالته إلى معاوية بعد ان قتل حجر بن عدي وصحبه الأبرار ونمي إلى معاوية ان وجوه أهل العراق وجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين (عليه السلام) ، وانه لا يؤمَن وثوبه، وكتب معاوية إليه يحذره فكتب الحسين (عليه السلام) رسالة مفصلة جاء فيها:
«ما أردت لك حربا ولا عليك خلافا واني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن الإعذار فيه إليك والى أوليائك الفاسقين الملحدين حزب الظلمة، أولست القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستفضعون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في الله لومة لائم… ولاني لا أعلم فتنة على هذه الأمة اعظم من ولايتك عليها ولا اعظم لنفسي ولديني ولامة محمد افضل من ان أجاهدك فان فعلت فإنه قربة إلى الله تعالى وان تركته استغفر الله لديني واسأله توفيقه…».
قوله تعالى ﴿وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾:
أي المنقادين لأمرك انقيادا تاما، يريد (عليه السلام) الإشارة إلى انه ما سكت في عهد معاوية الا بأمره تعالى الذي وصله عن طريق وصية جده النبي (صلى الله عليه وآله) وما قام في وجه يزيد بن معاوية الا بأمره تعالى الذي وصله عن طريق وصية جده النبي (صلى الله عليه وآله) .
والحسين (عليه السلام) احد افراد قوله تعالى ﴿و جاهِدوا في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هو اجتَباكُم وما جَعَلَ عَلَيكُم في الدّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبيكُم إِبراهيمَ هو سَمّاكُمُ المُسلِمينَ مِن قَبلُ وفي هذا ليكونَ الرَّسولُ شَهيدا عَلَيكُم وتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ فَأَقيموا الصَّلاةَ وآتوا الزَّكاةَ
«صفحة 263»
واعتَصِموا بِاللهِ هو مَولاكُم فَنِعمَ المَولى ونِعمَ النَّصيرُ﴾ الحج/78.
وقوله تعالى ﴿و إِذ يرفَعُ إِبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيتِ وإِسماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ (127) رَبَّنا واجعَلنا مُسلِمَينِ لَكَ ومِن ذُرّيتِنا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ وأَرِنا مَناسِكَنا وتُب عَلَينا إِنَّكَ أَنتَ التَّوابُ الرَّحيمُ (128) رَبَّنا وابعَث فيهِم رَسولا مِنهُم يتلوا عَلَيهِم آياتِكَ ويعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكمَةَ ويزَكّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ (129)﴾ البقرة/127-129.
قوله تعالى ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا ﴾:
وهذا إعلان من الله تعالى انه تقبل من الحسين (عليه السلام) احسن عمله وهو بذله نفسه في الله تعالى. واظهر قبوله لعمله في الدنيا فلم يحظَ نبي ولا وصي نبي بما حضي به الحسين (عليه السلام) من ظهور قبول عمله من الله وحين رزق اتباع يملؤون الدنيا وذرية طيبة منهم تسعة أئمة اعلام هدى.
قوله تعالى ﴿وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ ﴾:
أي محو السيئات التي نسبت اليهم، وشوهت صورتهم بها من خلال الاعلام الأموي إلى حالة حسنة في المجتمع. وهذا هو الذي حصل في الواقع فقد تبدلت سريعا تلك النظرة السيئة التي كونها الاعلام الأموي ؛ لتبرير قتل الحسين (عليه السلام) وسبي نسائه إلى الشام وتحولت إلى ذكر حسن وصار الحسين (عليه السلام) وصحبه يضرب بهم المثل الطيب في الجهاد وفي الفداء بما لم يحظ غيره بمثله.
قوله تعالى ﴿فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ﴾:
أي مضافا إلى ذلك الذكر الحسن فهو وأهل بيته وصحبه الذين استشهدوا معه في الجنة. هذا الوعد المذكور في قوله تعالى:
«صفحة 264»
﴿ إِنَّ اللهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يقاتِلونَ في سَبيلِ اللهِ فَيقتُلونَ ويقتَلونَ وعدا عَلَيهِ حَقًّا في التَّوراةِ والإِنجيلِ والقُرآنِ ومَن أَوفى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فاستَبشِروا بِبَيعِكُمُ الَّذي بايعتُم بِهِ وذلِكَ هو الفَوزُ العَظيمُ (111) التّائِبونَ العابِدونَ الحامِدونَ السّائِحونَ الرّاكِعونَ السّاجِدونَ الآمِرونَ بِالمَعروفِ والنّاهونَ عَنِ المُنكَرِ والحافِظونَ لِحُدودِ اللهِ وبَشِّرِ المُؤمِنينَ (112) ﴾ التوبة/111-112.
والآية تشير إلى أمور عدة:
منها: الإخبار بانهم يقتُلون ويقتَلون.
ومنها: الوعد لمن يقتل منهم ﴿بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ﴾.
ومنها: البشرى للمؤمنين بان قتلهم سوف ينتج انتصار رسالة الله ﴿وبَشِّرِ المُؤمِنينَ﴾.
ومنها: الصفات الممتازة لهؤلاء المؤمنين
﴿التّائِبونَ
العابِدونَ
الحامِدونَ
السّائِحونَ أي الصائمون.
الرّاكِعونَ السّاجِدونَ
الآمِرونَ بِالمَعروفِ والنّاهونَ عَنِ المُنكَرِ
والحافِظونَ لِحُدودِ اللهِ﴾.
وقد صدقها الواقع التاريخي، فقد جاء في قصة مقتل الحسين (عليه السلام) ان جيش
«صفحة 265»
بني أميه لما تحرك ظهر يوم التاسع يريدون جوابا من الحسين (عليه السلام) ويخيرونه وأصحابه بين البيعة ليزيد أو القتال ثم القتل لا محالة، ارسل أخاه العباس وقال له:
(إن استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عند العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار).
ومنها: ان خبر هؤلاء المؤمنين والوعدين لهم في التوراة والانجيل والقرآن ﴿وعدا عَلَيهِ حَقًّا في التَّوراةِ والإِنجيلِ والقُرآنِ﴾ وسيأتي تفصيل ذلك في حلقة قادمة ان شاء الله تعالى.
«صفحة 266»
زيارة وارث تؤسس المقارنة بين الحسين (عليه السلام) والأنبياء(عليهم السلام) (1)
وتكشف عن وراثة الحسين (عليه السلام) لخصوصيات الأنبياء الرسالية، وتثير مسالة جديدة في الفكر هي مسالة الاستنساخ التاريخي بالحسين (عليه السلام) المماثلة لمسالة الاستنساخ التاريخي بين إسماعيل وإسحاق خلال أربعة آلاف عام التي آثارها القرآن الكريم.
سند الزيارة:
زيارة وارث من أشهر الزيارات التي يزار بها الإمام الحسين (عليه السلام) وقد وردت عن الإمام الصادق (عليه السلام) رواها ابن قولويه(2) ت368هـ في كتابه (كامل الزيارات) تحت رقم (621) من الطبعة المرقمة(3)وهو من أقدم كتب الزيارة الميسرة في التراث الشيعي وقد وردت مختصرة عن المفضل عن جابر
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مقال نشر في مجلة فجر عاشوراء العدد المزدوج 4و5 سنة 1438هـ
(2) قال النجاشي في كتابه الرجال / 123 – 124: جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه أبو القاسم وكان أبوه يلقب مسلمة من خيار أصحاب سعد، وكان أبو القاسم من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الحديث والفقه، روى عن أبيه وأخيه عن سعد وقال: ما سمعت من سعد إلا أربعة أحاديث، وعليه قرأ شيخنا أبو عبد الله الفقه ومنه حمل، وكل ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه، وله كتب حسان.
(3) وهي الطبعة التي حققها الشيخ جواد قيومي ونشرتها مؤسسة النشر الإسلامي سنة 1417هـ.
«صفحة 267»
الجعفي عن الإمام الصادق واخرى مفصلة عن أبي حمزة الثمالي.(1)
ولم ترد رواية عن الأئمة التسعة تحثَّ الشيعة على زيارة غير الحسين بها. أما ما أورده ابن قولويه نفسه في الرواية رقم (801) إذ قال: (وروي عن بعضهم (عليه السلام) قال: إذا أتيت قبر علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) ، بطوس فاغتسل عند خروجك من منزلك، وقل حين تغتسل:… وفيها ذكر وارث)، فإنَّ حرف (العين) أمام كلمة (بعضهم) زائدة من النساخ، ونسخة السيد البروجردي رحمه الله في (جامع أحاديث الشيعة)(2) ليس فيها ذلك، مما يدل على ان المراد من كلمة بعضهم ليس احد الأئمة إذ لا يعبر علماء الشيعة عن الأئمة بذلك. بل يراد بعض الرواة أو العلماء وهو محمد بن الحسن بن الوليد شيخ الصدوق فقد جاء في كتابه عيون اخبار الرضا (عليه السلام) 2/303 وفي كتابه (من لا يحضره الفقيه (2/604) قال: زيارة الرضا (عليه السلام) بطوس ذكرها شيخنا محمد بن الحسن (بن الوليد) في جامعه فقال: إذا أردت زيارة الرضا (عليه السلام) بطوس فاغتسل عند خروجك من منزلك وقل حين تغتسل…). قال العلامة المجلسي الأول في روضة المتقين 5/442: «زيارة قبر الرضا أبي الحسن علي بن موسى عليهما السلام بطوس ذكر هذه الزيارة شيخ الصدوق محمد بن الحسن بن الوليد رضي الله عنه في جامعه والظاهر أنه جمعها ولا بأس به، لكن الأولى الزيارة المنقولة عنهم صلوات الله عليهم».
ـــــــــــــــــــــــ
(1) رواها ابن قولويه عن أبي عبد الرحمان محمد بن أحمد بن الحسين العسكري ومحمد بن الحسن (بن علي بن مهزيار) جميعا، عن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه علي بن مهزيار، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن مروان، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال الصادق (عليه السلام) .
(2) جامع أحاديث الشيعة 12/607
«صفحة 268»
معنى وارث:
الوارث في اللغة الباقي. ومعنى الحسين وارث آدم اي ان الحسين (عليه السلام) باق بعد آدم يحمل خصوصية من خصوصياته التي تذكِّر به، وهكذا الحسين (عليه السلام) وارث نوح اي الحسين (عليه السلام) باق بعد نوح يحمل خصوصية من خصوصياته التي تذكر به فما هي هذه الخصوصية التي ورثها الحسين (عليه السلام) من ادم (عليه السلام) ، نوح (عليه السلام) ، إبراهيم (عليه السلام) ، موسى (عليه السلام) ، عيسى (عليه السلام) ، محمد (صلى الله عليه وآله) ، علي (عليه السلام) ، الحسن (عليه السلام) ، فاطمة (عليها السلام) دون غيره من الائمة(عليهم السلام) ؟ والجواب يتضح من بيان خصوصيات الأنبياء والائمة(عليهم السلام) .
خصوصيات الأنبياء والأئمة:
هناك ثلاث خصوصيات رسالية للأنبياء وأوصيائهم، اثنتان منهما تورثان منهما بالوصية من الله تعالى ورسوله (عليه السلام) هما:
الأولى: الإمامة الهادية قال تعالى ﴿ وإِذِ ابتَلى إِبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماما قالَ ومِن ذُرّيتي قالَ لا ينالُ عَهدي الظّالِمينَ﴾ البقرة/124 وقال ﴿وإِذ جَعَلنا البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وأَمنا واتَّخِذوا مِن مَقامِ إِبراهيمَ مُصَلًّى وعَهِدنا إِلى إِبراهيمَ وإِسماعيلَ أَن طَهِّرا بَيتي لِلطّائِفينَ والعاكِفينَ والرُّكَّعِ السُّجودِ﴾ البقرة/125، وقال ﴿ووهَبنا لَهُ إِسحاقَ ويعقوبَ نافِلَةً وكُلا جَعَلنا صالِحينَ ٭ وجَعَلناهُم أَئِمَّةً يهدونَ بِأَمرِنا﴾ الأنبياء/72-73.
الثانية: التراث النبوي المكتوب، قال تعالى ﴿و قالَ لَهُم نَبيهُم إِنَّ آيةَ مُلكِهِ أَن يأتيكُمُ التّابوتُ فيهِ سَكينَةٌ مِن رَبِّكُم وبَقيةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ موسى وآلُ هارُ ونَ تَحمِلُهُ المَلائِكَةُ إِنَّ في ذلِكَ لآَيةً لَكُم إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾ البقرة/248، وكانت تَرِكَة موسى
«صفحة 269»
وال هارون هي التوراة وما أملاه موسى على هارون من العلم فقد ورثه آل هارون بالوصية من موسى وهارون ثم صارت إلى طالوت بالوصية.
ان كلا من هاتين الخصوصيتين يرثهما اللاحق من الأنبياء والائمة الاتباع من النبي المؤسس أو النبي التابع أو الإمام السابق بالوصية. وقد وصلت إلى الحسين (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) مباشرة وعن أخيه الحسن (عليه السلام) بوصية من النبي (صلى الله عليه وآله) ثم منه إلى ولده السجاد (عليه السلام) ثم إلى ولده الباقر (عليه السلام) ثم الصادق (عليه السلام) ثم ولده الكاظم (عليه السلام) ثم ولده الرضا (عليه السلام) ثم ولده الجواد (عليه السلام) ثم ولده الهادي (عليه السلام) ثم ولده العسكري (عليه السلام) ثم ولده المهدي (عليه السلام) . «عن عمرو بن الأشعث قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام الله عليه وآله: أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد ؟ ! لا والله ولكن عهد من الله ورسوله صلى الله عليه وآله، لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه»(1).
الثالثة: خصوصية تتعلق بالحركة الرسالية في المجتمع يتميز بها النبي (صلى الله عليه وآله) أو الوصي والصفي في تاريخ الحركة الرسالية للأصفياء.
الدراسة المقارنة بين الحسين (عليه السلام) والأنبياء تكشف عن التماثل بينه وبينهم:
تكشف الدراسة المقارنة للحسين (عليه السلام) مع الذوات التسع /آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله) وعلي والحسن وفاطمة(عليهم السلام) / عن تماثل الحسين (عليه السلام) معهم في الخصوصيات الرسالية المميزة لكل واحد منهم عن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1/278.
«صفحة 270»
غيره، وبذلك يكون الحسين (عليه السلام) وارثا لهم دون غيره من الأئمة التسعة من بنيه او جده وأبية أو أمه وأخيه (عليه السلام) .
والدراسة المقارنة بين سيرة الحسين (عليه السلام) الرسالية وسير تلك الذوات المعصومة التسع أو غيرها عمل علمي مفتوح لا ادعي أنني قدمت فيه صورته النهائية وانما قدمت فيه نظرية متكاملة وفق بحوثي الخاصة عن الأنبياء والائمة، تفسر التفصيل الذي جاء في زيارة وارث، إذ لو كانت الزيارة تريد ان تؤكد على وراثة الخصوصية الأولى والثانية وهي مشتركة بين الحسين (عليه السلام) والائمة التسعة من بنيه وأنبياء الله لما احتاجت إلى التفصيل، فالتفصيل قرينة على ان المراد بالوارثة معنى خاص ورثه الحسين (عليه السلام) من تلك الذوات دون غيره.
وهكذا فان الحسين (عليه السلام) وارث آدم اي باق بعد آدم في خصوصيته الرسالية التي ميزه الله بها، وتتمثل بما حباه الله تعالى من تسع حجج من ذريته تاسعهم صاحب عمر طويل اهلك الله المستكبرين على يده وأورثه الأرض واسكنه النجف، وكذلك الحسين (عليه السلام) فقد حباه الله بتسع حجج من ذريته تاسعهم صاحب عمر طويل سوف يهلك الله على يده المستكبرين على يده ويورثه الأرض ويسكنه النجف، والامر نفسه في الخصوصيات الأحرى لنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن(عليهم السلام) كما سيأتي.
ظاهرة الاستنساخ التاريخي:
ان حوادث التاريخ الطولية للأنبياء هي صفاتهم غير المكرورة كخلق
«صفحة 271»
آدم من تراب، وبعثة نوح بعمر 850 سنة وبقائه في قومه يدعوهم ألف سنة الا خمسين ثم بقاؤه بعد الطوفان خمسمائة سنة وبعثة إبراهيم بخطي إسماعيل وإسحاق / التجربتين المتماثلتين لأربعة آلاف سنة تقريبا بالحوادث الكبيرة وبأسماء الهداة/ ولم تتكرر لغير إبراهيم من الأنبياء قبله، وبعثة موسى وقد وضعته امه في صندوق ورمته في النيل فيرسو أمام قصر فرعون فليقي عليه محبة ليتربى في بلاط فرعون عدو موسى وقومه ثم يبعثه الله تعالى منقذا لقومه ويخرجهم من مصر ويهلك فرعون وجنوده، وبولادة عيسى من امه من غير فحل فيبعثه رسولا إلى بني إسرائيل، وببعثة محمد (صلى الله عليه وآله) خاتم للأنبياء الصفة المميزة له دون الأنبياء، وبعلي (عليه السلام) المولود في الكعبة ولم يولد قبله ولا بعده احد سواه، وبالحسن (عليه السلام) الذي يبايع على حكم مستقر ثم يتنازل لعدوه بشروط يفضح بها عدوه وينقل مشروع أبية الرسالي إلى منطقة عدوه. ولم يسبق لشخص في التاريخ ان يصنع كصنيع الحسين (عليه السلام) ويحقق أهدافه الرسالية كاملة بتلك الطريقة وأخيرا فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) فان صفتها التي لم تكن لغيرها كونها ابنة خاتم الأنبياء واما لاحد عشر إماما.
وهناك صفات رسالية اختص الله بها تلك الذوات التسع اقترنت بذلك التاريخ الطولي غير المكرور ثم كررها في شخص الحسين (عليه السلام) بإذن وإرادة إلهية، فصار الحسين (عليه السلام) بخصوصياته تلك التي اجتمعت فيه يذكرنا بآدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله) وعلي والحسن وفاطمة (عليها السلام) وكأنه هو تلك الذوات التسع بمواقفها الرسالية الخاصة بها تلك.
ان هذا التماثل بين الحسين (عليه السلام) والذوات التسع من ناحية الخصوصيات
«صفحة 272»
الرسالية الخاصة يضعنا إمام ظاهرة ما يمكن ان نسميه بـ (الاستنساخ التاريخي) وهو فريد من نوعه وغير واقع إلا بإرادة وإذن الهي دون الاستنساخ البشري الممكن وقد تحقق وقوعه عند البشر في أيامنا هذه.
انه استنساخ يضعنا أمام فعل الهي فريد من نوعه يشبه إلى حد ما ظاهرة الاستنساخ التاريخي بين مسيرة إسحاق إلى عيسى ومسيرة إسماعيل إلى المهدي (عليه السلام) خلال أربعة آلاف عام فكانت هذه استنساخا الهيا فريدا وتلك كذلك ولكنها اروع منها واكثر إثارة لأنها تركزت في شخص الحسين (عليه السلام) ومواقفه الرسالية وتلك تعددت شخصياتها.
البحوث التي تثيرها زيارة وارث:
ان زيارة وارث تثير أمامنا عشرات الدراسات نذكر منها نيفا واربعين دراسة على سبيل المثال: منها ثمانية عشر دراسة مستقلة بعضها عن بعض تسع تخص الأنبياء الستة وثلاثة تخص عليا والحسن وفاطمة(عليهم السلام) وتسعة أخرى تخص الحسين (عليه السلام) ، والباقي في مواضيع متنوعة وهي:
● دراسة عن تراث الأنبياء المكتوب.
● تراث النبوة الخاتمة الخاص.
● دراسة حول كبير الأصنام في بابل آزر.
● دراسة حول أسماء الحكماء العشرة قبل الطوفان في وثيقة الملوك السومرية.
● أسماء الأئمة الاثني عشر الذي يعتقد بهما الشيعة في كتاب مقالات ألإسلاميين لابي الحسن الأشعري ت 324هـ.
«صفحة 273»
● القبائل القرشية من ذرية فهر والقبائل الإسرائيلية من ذرية يعقوب.
● آل عمران، وآل محمد (صلى الله عليه وآله) .
● مرسى سفينة نوح.
● العشرة الأولى من المحرم.
● العشرة الأولى من ذي الحجة.
● يوم العاشر من المحرم.
● يوم العاشر من ذي الحجة.
● كتاب أول الرسل إدريس وكيف وصلنا.
● المواضيع الأساسية في كتاب اول الرسل وكتاب خاتم الرسل.
● فضل الحج.
● فضل زيارة الحسين (عليه السلام) .
● السامري في بني إسرائيل.
● معاوية بن أبي سفيان سامري أمة محمد (صلى الله عليه وآله) .
● دعوة يحيى بن زكريا.
● أنواع الحج في الإسلام،
● الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
● الخليفة في الفكر الإسلامي السني.
● الوصية في الفكر الإسلامي الشيعي.
● الجغرافية التاريخية لحركة الأنبياء.
● التراث المسماري وصلته بتراث الأنبياء.
«صفحة 274»
● شروط الاستنساخ البشري الفردي.
● شروط الاستنساخ التاريخي.
السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله
خصوصية آدم (عليه السلام) صفوة الله تتمثل بكونه:
● إمام هدى بالوحي.
● رزقه الله تعالى تسع أئمة من ذريته يرثون الإمامة والعلم الذي انزل على ادم بنص الإمام السابق على الإمام اللاحق.
● تاسعهم صاحب عمر طويل اهلك الله على يده الظالمين واورثه الأرض واسكنه النجف(1).
وهذه الخصوصية نفسها للحسين (عليه السلام) :
● فقد جعله الله تعالى امام هدى بواسطه جده النبي (صلى الله عليه وآله).
● رزقه الله تعالى تسع أئمة من ذريته يرثون الإمامة الإلهية والعلم الإلهي بنص السابق على اللاحق(2).
● تاسعهم صاحب عمر طويل سيهلك الله على يده الظالمين عند ظهوره ويورثه الأرض ويسكنه النجف.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) هذه المعلومة عن ادم ثابتة في التوراة والقرآن الكريم.
(2) هذه المعلومة من المتفق عليه عند الشيعة في الحسين، ويذكرها الاشعري من علماء السنة وصفا لعقيدة الشيعة. (انظر كتاب الكافي وبصائر الدرجات من كتب الشيعة) وكتاب مقالات الإسلاميين للأشعري).
«صفحة 275»
في ضوء ذلك يكون الحسين (عليه السلام) وارثا لصفة آدم المميزة له.
ليس من شك ان الحسين (عليه السلام) كآدم ليس لكل منهما دخل في صناعة تلك الخصوصية بل حباهما الله تعالى بهما.
وهكذا تكون جملة (السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله) قد نبهت على ذلك التماثل. وصار الحسين (عليه السلام) بخصوصيته تلك يذكرنا بآدم فكأنه هو. فما أروعه من تماثل وما اعظمها من حكمة إلهية في الحسين (عليه السلام) . سلام الله عليك يا أبا عبد الله يا وارث ادم صفوة الله.
السلام عليك يا وارث نوح نبي الله
خصوصية نوح نبي الله تتمثل:
● بكونه ثالث إمام هدى في منظومة أوصياء جده إدريس أول الرسل:
● ولد على عهده.
● سماه باسمه.
● شهد انقلاب أمة إدريس على الوصي الأول والثاني.
● جعل الله تعالى له سفينة نجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق(1).
وهذه الخصوصية نفسها للحسين (عليه السلام) :
● بكونه ثالث إمام هدى في منظومة أوصياء جده محمد (صلى الله عليه وآله) خاتم الرسل.
● ولد على عهده.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكتب الإسرائيلية في قصص الأنبياء.
«صفحة 276»
● سماه باسمه.
● شهد انقلاب امته على الوصي الأول والثاني.
● جعله الله تعالى والأوصياء من أهل بيته(عليهم السلام) سفينة نجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق(1).
في ضوء ذلك يكون الحسين (عليه السلام) وارثا لصفة نوح (عليه السلام) المميزة له.
ليس من شك ان الحسين (عليه السلام) كنبي الله نوح ليس لكل منهما دخل في صناعة تلك الخصوصية.
وهكذا تكون جملة (السلام عليك يا وارث نوح نبي الله) قد نبهت على ذلك التماثل. وصار الحسين (عليه السلام) بخصوصيته تلك يذكرنا بنبي الله نوح فكأنه هو فما أروعه من تماثل وما اعظمها من حكمة إلهية في الحسين (عليه السلام) . صلى الله عليك يا أبا عبد الله يا وارث ادم صفوة الله.
السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله
خصوصية إبراهيم (عليه السلام) تتمثل بكونه:
● قد نهض ليحرر العقل البشري من أكاذيب اعلام نمرود فيه وفي أسلافه وفي آلهته، بتحطيمه أصنام نمرود وتعليق الفاس برقبة كبيرهم لأنه لم ينصر اقرب الخلق إليه.
● وله كعبة بناها بتكليف الهي يستجاب عندها الدعاء مقرونة بعاشوراء ذي الحجة ولياليها العشر قبلها إذ ظهرت أعلى درجات
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكتب الاسلامية العامة والشيعية.
«صفحة 277»
التسليم لأمر الله منه ومن أهل بيته.
وهذه الخصوصية نفسها للحسين (عليه السلام) بكونه:
● قد نهض ليحرر العقل المسلم من أكاذيب اعلام معاوية فيه وفي أسلافه برفضه بيعة يزيد وقتاله جيشه، ولم يخرج على معاوية في زمانه ليفهم المسلمين ان مسؤولية ظلامته برقبة معاوية لأنه سلط يزيد على الأمة.
● وله قبر يستجاب عنده الدعاء(1)، وقد اقترن هذا القبر بعاشوراء المحرم ولياليها العشر قبلها بتقدير الهي كشفت عن اعلى درجات التسليم لأمر الله تعالى منه ومن أهل بيته وأصحابه.
في ضوء ذلك يكون الحسين (عليه السلام) وارثا لصفة إبراهيم المميزة له ولم يكن إبراهيم قد تصرف من تلقاء نفسه في تحطيمه الأصنام، وكذلك الحسين (عليه السلام) لم ينهض من تلقاء نفسه في قتال جيش يزيد بل كان بتكليف الهي.
وهكذا تكون جملة (السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله) قد نبهت على ذلك التماثل. وصار الحسين (عليه السلام) بخصوصيته تلك يذكرنا بنبي الله إبراهيم فكأنه هو، فما أروعه من تماثل وما اعظمها من حكمة إلهية في الحسين (عليه السلام) . صلى الله عليك يا أبا عبد الله يا وارث إبراهيم خليل الله.
السلام عليك يا وارث موسى كليم الله
خصوصية موسى (عليه السلام) تتمثل بكونه:
● نهض ليصحح انقلابا فرعونيا حرف دين إبراهيم الذي اظهره يوسف في مصر وايده الله موسى بتسع آيات.
● ثم قاتل بأهل بيته وأصحابه جيش السامري. ثم نسف بعصاه عجل بني إسرائيل وفتح باب اللعنة على السامري نفسه.
وهذه الخصوصية نفسها للحسين (عليه السلام) بكونه:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تواترت الاخبار في ذلك عن أهل البيت(عليهم السلام) .
«صفحة 278»
● نهض ليصحح انقلابا أمويا حرف دين محمد (صلى الله عليه وآله) الذي اظهره علي في العراق والشام وايده بتسع أئمة هم آيات إلهية.
● ثم قاتل (عليه السلام) بأهل بيته وأصحابه جيش معاوية. ثم نسف بشهادته عجل بني أميه (يزيد) الذي أخرجه لهم معاوية، وفتح باب اللعنة على معاوية نفسه.
في ضوء ذلك يكون الحسين (عليه السلام) وارثا لصفة موسى المميزة له في حركة الأنبياء.
لم تكن نهضة موسى (عليه السلام) بوجه فرعون رأيا ارتآه بل نهض بتكليف الهي، وكذلك الحسين (عليه السلام) .
وهكذا تكون جملة (السلام عليك يا وارث موسى كليم الله) قد نبهت على ذلك التماثل. وصار الحسين (عليه السلام) بخصوصيته تلك يذكرنا بنبي الله موسى (عليه السلام) فكأنه هو، فما أروعه من تماثل وما اعظمها من حكمة إلهية في الحسين (عليه السلام) . صلى الله عليك يا أبا عبد الله يا وارث موسى كليم الله.
«صفحة 279»
السلام عليك يا وارث عيسى روح الله
خصوصية عيسى (عليه السلام) تتمثل بكونه:
● نهض للشهادة بحوارييه، وهم أصحاب جده عمران وزكريا ابن عم عمران وصهره ويحيى سبط عمران ﴿قالَ عيسَى ابنُ مَريمَ لِلحَواريينَ مَن أَنصاري إِلَى اللهِ قالَ الحَواريونَ نَحنُ أَنصارُ اللهِ فَآمَنَت طائِفَةٌ مِن بَني إِسرائيلَ وكَفَرَت طائِفَةٌ فَأَيدنا الَّذينَ آمَنوا عَلى عَدوهِم فَأَصبَحوا ظاهِرينَ﴾ الصف/14 فقتِّلوا وصُلِّبوا.
● انقسم المجتمع الإسرائيلي المؤمن بموسى وكتابه إلى فئة تكذب عيسى خامس آل عمران وتقتله وأصحابه وفئة تصدقه وتدافع عنه وهي مستضعفة.
«صفحة 280»
● ثم دمر الله دولة اليهود وأسفطها فصارت رسالة عيسى ظاهرة في المجتمع إلى آخر الدنيا.
وهذه الخصوصية نفسها للحسين (عليه السلام) :
● فقد نهض للشهادة بحوارييه، وهم أصحاب جده محمد (صلى الله عليه وآله) وأبية علي (عليه السلام) ابن عم النبي (صلى الله عليه وآله) وصهره، وأخيه الحسن (عليه السلام) سبط محمد (صلى الله عليه وآله) ، «الا من كان باذلا فينا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا»، فقُتِّلوا وصُلِّبوا.
● انقسم المجتمع المؤمن بمحمد (صلى الله عليه وآله) وكتاب القرآن إلى فئة تكذب الحسين (عليه السلام) خامس أصحاب الكساء وتقتله وتسبي نساءه وفئة تؤمن به وتدافع عنه وهي مستضعفة.
● ثم دمر الله دولة بني أميه وصار مشروع الحسين (عليه السلام) ظاهرا في المجتمع إلى آخر الدنيا.
كانت نهضة عيسى (عليه السلام) بتكليف الهي، وكان تدمير دولة اليهود عقوبة إلهية وكذلك نهضة الحسين (عليه السلام) كانت تكليفا الهيا وكان تدمير دولة بني أميه عقوبة إلهية.
في ضوء ذلك يكون الحسين (عليه السلام) وارثا لصفة عيسى (عليه السلام) المميزة له في حركة الأنبياء.
وهكذا تكون جملة (السلام عليك يا وارث عيسى روح الله) قد نبهت على ذلك التماثل. وصار الحسين (عليه السلام) بخصوصيته تلك يذكرنا بنبي الله عيسى (عليه السلام) في نهضته فكأنه هو، فما أروعه من تماثل وما اعظمها من حكمة إلهية في الحسين (عليه السلام) . صلى الله عليك يا أبا عبد الله يا وارث عيسى روح الله.
السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله
كانت خصوصية محمد (صلى الله عليه وآله) : هي بعثته في واقع فاسد عقائديا وسلوكيا تمثل بانقلاب قريش البطون بعد موت عبد المطلب الذي ساد في عهده دين إبراهيم وعرفت العرب فضله وفضل أهل بيته الذين أصروا على البقاء في البيت عند غزو أبرهة ونصرهم الله بالطير وانتشر قول عبد المطلب (نحن آل الله فيما قد مضى لم يزل ذاك على عهد إبراهيم)، حرفت قريش البطون دين إبراهيم وانتحلت الإمامة الإبراهيمية التي جعلها الله لعبد المطلب وولده أبي طالب واطرتها بالاستشفاع بالاصنام. واستهدفت بعث النبي (صلى الله عليه وآله) تهديم
«صفحة 281»
إمامة قريش(1) وتشييد إمامة عبد المطلب من جديد متمثلة بمحمد وأهل بيته وسار محمد (صلى الله عليه وآله) بسبع مراحل بأمر الله تعالى لتحقيق الهدف وهي: المرحلة الأولى: أمره الله تعالى ان يعتزل الناس وينصرف إلى العبادة في غار حراء وياخذ عليا (عليه السلام) معه لما بلغ عمره سبع سنوات ليعده خليفة له في عمله الرسالي والإمامة الإبراهيمية. المرحلة الثانية أمره الله تعالى ان يبدأ عمله الرسالي في بني هاشم سرا وقد انتهت هذه المرحلة بإعلان خلافة علي (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) قرار بني هاشم وبني المطلب نصرة النبي على التبليغ. المرحلة الثالثة أمره الله تعالى ان يعلن عن رفض الأصنام وإقامة الصلاة إلى بيت المقدس وقد استجاب له نفر من ابناء بطون قريش واستضعفوهم. المرحلة الرابعة أمره ان يبحث عن النصرة الأوسع بعرض نفسه على القبائل في موسم الحج واستجاب له رجال من قبيلتي الأوس والخزرج وبايعه منهم الاثنان وسبعون على النصرة. المرحلة الخامسة أمره ان يهاجر إلى بلد النصرة يثرب بعد ان اخبره ان قريشا قررت اغتياله فهاجر وأدركته قريش عند جبل ثور ونجاه منهم ووصل إلى المدينة سالما واستقبله اهلها. المرحلة السادسة أمره الله تعالى ان يعلن الحرب على قريش في مكة ويحاصر قوافلها في الطريق مقاصة لها إذ صادرت أموال المهاجرين. فقاتلهم في بدر واحد والخندق ونصره عليهم. المرحلة السابعة فتح الله عليه بنصره على أهل مكة وتحطيمه الأصنام واعلن في حجة الوداع عن تركته الرسالية في المسلمين (الكتاب والعترة) وان المتمسك بهم سوف لن يضل في مسيرة تنتهى بظهور الثاني عشر من أهل بيته المهدي (عليه السلام) من مكة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وكذلك تهديم إمامة أهل الكتاب الذين حرفوا دين موسى.
«صفحة 282»
ليقود العالم بدين محمد (صلى الله عليه وآله) ثم يهاجر إلى الكوفة ليستقر بها.
وهذه الخصوصية بتفاصيلها جعلها الله تعالى للحسين (عليه السلام) أيضا: فقد نهض في واقع فاسد عقائديا وسلوكيا تمثل بانقلاب قريش الابناء (بني أميه) بعد موت الإمام الحسن (عليه السلام) الذي انتشرت في عهده سنة النبي (صلى الله عليه وآله) في الشام وعرفوا فضله وفضل أبية علي وفضل أخيه الحسين وامه فاطمة (عليها السلام) وانهم العترة مجابة الدعوة المعصومة الهادية المقرونة بالكتاب، حرف بنو أميه دين محمد (صلى الله عليه وآله) في الشام وفي غيرها وانتحلوا الإمامة الإبراهيمية التي جعلها الله لأهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) وأطرت تلك الإمامة بلعن علي (عليه السلام) والبراءة منه. استهدفت نهضة الحسين (عليه السلام) تهديم إمامة بني أميه وتشييد إمامة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وعظيمهم علي (عليه السلام) من جديد بنشر أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) التي تؤسس لهم الإمامة الدينية، وسار بسبع مراحل بأمر الله تعالى بلغها إليه بواسطة جده النبي (صلى الله عليه وآله) لتحقيق الهدف وهي:
المرحلة الأولى: اعتزل الناس بعد موت أخيه الحسن (عليه السلام) وانقلاب بني أميه وسد بابه وانصرف إلى العبادة في بيته وأولى أهمية خاصة بولده عليا (عليه السلام) (زين العابدين) ليكون خليفة له بأمر الله تعالى في عمله الرسالي والإمامة الإبراهيمية (كان عمر علي بن الحسين (عليهما السلام) آنذاك اثنتا عشرة سنة إذ ولد سنة 38هـ).
المرحلة الثانية: بدا عمله الرسالي سرا في بني هاشم وشيعة أبية من الصحابة والتابعين فعقد مؤتمرا في بيوت بني هاشم في منى عباهم بأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في إمامة أهل بيته وعظيمهم علي تلاها وأملاها عليهم واستشهد عليها الصحابة
«صفحة 283»
الحاضرين لتكون الرواية عن النبي متواترة ثم طلب منهم ان يتحركوا سرا في المجتمع ينشرونها بين من يثقون به من عشائرهم. ثم فتح بابه وتصدى للمرجعية الدينية التي فتح بابها إخوة الحسين (عليه السلام) بالإجابة على الاستفتاءات مدة سنتين قبل موت معاوية انتهت بكتاب معاوية للحسين (عليه السلام) يحذره من الفتنة وجواب الحسين (عليه السلام) له.
المرحلة الثالثة: خرج الحسين (عليه السلام) بعد موت معاوية في رجب سنة 59 هـ من المدينة واستودع مواريث الإمامة عند أم سلمة واوصها ان تسلمها ولده عليا (عليه السلام) عند رجوعه، واعلن من مكة انه لا يبايع يزيد وجعل هذا الشعار راس نهضته وربط نفسه مصيريا به قائلا «لو لم يكن لي ملجا ما بايعت يزيد» نظير قول جده النبي (صلى الله عليه وآله) «لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الأمر ما تركته أو اهلك دونه»، واستجاب له شيعة أبية ففي الكوفة وغيرها ثم استضعفتهم السلطة الأموية.
المرحلة الرابعة: عرض الحسين (عليه السلام) نفسه على الأخيار من أهل الامصار لنصرته فأجابه وجوه أصحاب أبية واكثرهم من أهل الكوفة وعقد بهم مؤتمر سريا في موسم الحج، وعرف بنو أميه ذلك فقرروا اغتيال الحسين (عليه السلام) في مكة كقرار قريش البطون باغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة.
المرحلة الخامسة: قرر الحسين (عليه السلام) ان يهاجر إلى بلد النصرة الكوفة وترك مكة نهار يوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية وحاول رجال عمرو بن سعيد الأشدق الأموي ان يثنوه عن قراره بالهجرة وحاولوا منعه فما استطاعوا ودخل العراق فأدركته طلايع خيل بني أميه وحاصروه في كربلاء وخيروه
«صفحة 284»
بين ان يسلم نفسه أو يقاتلوه فيقتل.
المرحلة السادسة: اختار الحسين (عليه السلام) القتال على الاستسلام وقاتل هو وأصحابه قتالا حتى استشهد مظلوما وسبيت نساؤه إلى الشام.
المرحلة السابعة: جعل الله تعالى شهادة الحسين (عليه السلام) وظلامته أوسع الابواب للفتح إذ بتر عمر يزيد سنة 63هـ وتزلزلت الأرض تحت حكم بني أميه وتحررت الكوفة سنة 67هـ على يد المختار وتحطمت فيها أصنام بني أميه ورفع فيها شعار ولاية علي وانفتح الجيل الجديد من الأمة التي أضلهم معاوية أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وذرية الحسين (عليه السلام) وأولهم علي بن الحسين (عليهما السلام) في مشهد قل نظيره سنة 75هـ حين انقسم الناس له سماطين ليستلم الحجر وكان هشام بن عبد الملك جالسا على كرسي ينتظر ان يخف الزحام ولم يابه له الناس وتجاهله وقال الفرزدق قصيدته المشهورة ثم انفتحوا على ولده الباقر (عليه السلام) ثم الصادق يأخذون عنه وعن الأئمة من ولده العلم في مسيرة تنتهي بظهور التاسع من ذرية الحسين (عليه السلام) المهدي (عليه السلام) الموعود من مكة ليقود العالم بدين محمد (صلى الله عليه وآله) ويستقر في الكوفة.
وفي ضوء ذلك يكون الحسين (عليه السلام) وارثا لصفة محمد (صلى الله عليه وآله) المميزة له في حركة الأنبياء.
وهكذا تكون جملة (السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله) قد نبهت على ذلك التماثل. وصار الحسين (عليه السلام) بخصوصيته تلك يذكرنا بحركة جده النبي (صلى الله عليه وآله) فكأنه هو، فما أروعه من تماثل وما اعظمها من حكمة إلهية في الحسين. صلى الله عليك يا أبا عبد الله يا وارث محمد حبيب الله.
«صفحة 285»
السلام عليك يا وارث علي وصي رسول الله
خصوصية علي (عليه السلام) انه أحيا فريضة أماتتها قريش المسلمة ونهت عنها وهي (حج التمتع) ولولا علي (عليه السلام) ما عرف المسلمون حج التمتع.
وهذا الخصوصية للحسين (عليه السلام) فقد أحيا فريضة أماتتها بنو أميه وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولولا الحسين (عليه السلام) ما عرف المسلمون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لم تكن نهضة علي (عليه السلام) رأيا شخصيا بل تكليف الهي عن طريق النبي (صلى الله عليه وآله) وكذلك الحسين (عليه السلام) .
في ضوء ذلك يكون الحسين (عليه السلام) وارثا لصفة علي (عليه السلام) المميزة له في حركة الأئمة.
وهكذا تكون جملة (السلام عليك يا وارث علي وصي رسول الله) قد نبهت على ذلك التماثل. وصار الحسين (عليه السلام) بخصوصيته تلك يذكرنا بحركة أبية علي (عليه السلام) فكأنه هو، فما أروعه من تماثل وما اعظمها من حكمة إلهية في الحسين (عليه السلام) .
صلى الله عليك يا أبا عبد الله يا وارث علي (عليه السلام) وصي رسول الله.
السلام عليك يا وارث الحسن الرضي
خصوصية الحسن (عليه السلام) تمثلت بأمرين:
انتهج الصلح لفضح الاعلام الأموي في الشام الذي كان يروج ان عليا (عليه السلام) مفسد في الدين يجب لعنه والبراءة منه وقتاله، وعرف أهل الشام ان عليا إمام
«صفحة 286»
هدى يجب توليه بأمر الله ورسوله ليحي من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.
تأسيسه المرجعية الدينية المستقلة عن السلطة الحاكمة.
وهذه الخصوصية نفسها للحسين (عليه السلام) :
فقد انتهج (عليه السلام) الشهادة والقتل في سبيل الله لفضح الاعلام الأموي الذي كان يروج في الكوفة والأمة كلها ان عليا مفسد في الدين يجب لعنه والبراءة منه وقتاله، وعرف الجيل الجديد في الكوفة خاصة والبلدان الاسلامية الأحرى ان عليا (عليه السلام) إمام هدى يجب توليه بأمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) ليحي من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.
أحيا (عليه السلام) المرجعية الدينية المستقلة عن السلطة الحاكمة.
لم يكن منهج الصلح الذي انتهجه الحسن (عليه السلام) لمواجهة معاوية رايا شخصيا له بل كان تكليفا الهيا بواسطة نبيه ولم يكن منهج القتال والشهادة الذي انتهجه الحسين (عليه السلام) في مواجهة يزيد رايا شخصيا له بل كان تكليفا الهيا بواسطة نبيه (صلى الله عليه وآله) .
في ضوء ذلك يكون الحسين (عليه السلام) وارثا لصفة الحسن (عليه السلام) الرسالية المميزة له في حركة الائمة(عليهم السلام) .
وهكذا تكون جملة (السلام عليك يا وارث الحسن الرضي) قد نبهت على ذلك التماثل. وصار الحسين (عليه السلام) بخصوصيته تلك يذكرنا بخصوصية أخيه الحسن (عليه السلام) فكأنه هو، فما أروعه من تماثل وما اعظمها من حكمة إلهية في الحسين (عليه السلام) .
«صفحة 287»
صلى الله عليك يا أبا عبد الله يا وارث الحسن الرضي.
السلام عليك يا وارث فاطمة بنت رسول الله
قال النبي (صلى الله عليه وآله) في حقها: «فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني» فاذا ضممنا إلى ذلك قول الله تعالى ﴿إِنَّ الَّذينَ يؤذونَ اللهَ ورَسولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنيا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُم عَذابا مُهينا﴾ كان من آذى فاطمة (عليها السلام) ملعونا من الله، وقد ماتت فاطمة (عليها السلام) وهي غاضبة على الخلافة القرشية الأولى فأسست الموقف منها.
و قال النبي (صلى الله عليه وآله) في حقه: «حسين مني وأنا من حسين احب الله من احب حسينا»، ثم ان الحسين (عليه السلام) قتل وهو غاضب على بني أميه فأسس البراءة منهم.
في ضوء ذلك يكون الحسين (عليه السلام) وارثا لصفة امه فاطمة (عليها السلام) المميزة لها في تاريخ الإسلام بعد النبي (صلى الله عليه وآله) .
وهكذا تكون جملة (السلام عليك يا وارث فاطمة بنت رسول الله) قد نبهت على ذلك التماثل. وصار الحسين (عليه السلام) بخصوصيته تلك يذكرنا بخصوصية امه فاطمة (عليها السلام) فكأنه هي، فما أروعه من تماثل وما اعظمها من حكمة إلهية في الحسين (عليه السلام) .
صلى الله عليك يا أبا عبد الله يا وارث فاطمة بنت رسول الله.
خلاصة في دلالة الحسين (عليه السلام) وارث الأنبياء:
حرّفت قريش دين إبراهيم وحرف أهل الكتاب دين الله الذي جاء به موسى وعيسى فبعث الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) وإحياء دين إبراهيم ونسخ
«صفحة 288»
كتاب موسى وبيانه المحرف بالقرآن وبيانه الذي أملاه على علي (عليه السلام) ثم جاءت قريش المسلمة من خلال السقيفة ووقفت فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله) بوجههم ودعت إلى بيعة علي (عليه السلام) إماما كما عينه الله ورسوله ولم تستجب الأمة الا نفر لا ينهض بهم امرٌ فماتت وهي غاضبة عليهم، ومنعت الخلافة من تداول حديث النبي (صلى الله عليه وآله) ونشره وحرفوا دين محمد (صلى الله عليه وآله) وبيانه وفسحت المجال لمسلمة أهل الكتاب ان يبثوا القصص الإسرائيلي والثقافة اليهودية والمسيحية المحرفة. فصار أهل البلاد المفتوحة شرقا وغربا إلى سنة 27هـ يأخذون دينهم من الخلفاء وثقافتهم من مسلمة أهل الكتاب.
ونهض علي (عليه السلام) فأحيا سنة النبي (صلى الله عليه وآله) ولما بايعه المسلمون بعد قتل عثمان منع من تداول التحريف واستجاب له النصف الشرقي من البلاد الاسلامية ومركزها الكوفة، واستطاع معاوية ان يحجب النصف الغربي من البلاد الاسلامية ومركزها الشام عن نهضة علي وطوق عليا (عليه السلام) باعلام كاذب فيه وعرضه على أهل الشام وغيرهم انه مفسد في الدين يجب قتاله ولعنه والبراءة منه.
واستشهد علي (عليه السلام) والشام كذلك ثم بايعت الشام وما والاها من البلاد الغربية معاوية على الحكم بسيرة الشيخين وسيرة عثمان وبايع أهل العراق وما والاه من البلاد الشرقية الحسن بن علي (عليهما السلام) على الحكم بسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) التي أحياها علي (عليه السلام) . وطلب معاوية من الحسن (عليه السلام) الصلح بان يبقى كل طرف على بيعة من بايعه وحقن الدماء وكان معنى ذلك تكريس الانشقاق في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وبقاء أهل الشام على رأيهم الخاطئ في علي (عليه السلام) وعلى الثقافة
«صفحة 289»
اليهودية والمسيحية المحرفة في الأنبياء فعرض الحسن (عليه السلام) على معاوية ان يستلم العراق أيضا وفق شروط هو يكتبها ويلتزمها معاوية لمعالجة انشقاق الأمة فتعود أمة النبي (عليه السلام) أمة واحدة كما كانت في عهده، وسُرَّ معاوية بذلك وما كان يحلم به واستجاب للحسن (عليه السلام) وصار الحسن (عليه السلام) بذلك المصلح العظيم في الأمة لا يدانيه احد.
عاشت الأمة الاسلامية من سنة 41-50 هجرية موحدة كريمة، يحجون سواء إلى بيت الله ويزرون مدينة النبي (صلى الله عليه وآله) سواء، وأخذ معاوية يستقدم أهل العراق إلى الشام لكي يستميل قلوبهم تحمل أحاديثهم عن سيرة علي (عليه السلام) وعن أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) فيه وانفتح أهل الشام وغيرهم من ابناء البلاد الغربية على علي (عليه السلام) إمام هدى يترحمون عليه وقد سمعوا ترحم معاوية عليه لما سمع وصفه من ضرار، أما في الفقه فقد كانت الأمة على مذهبين الأول مذهب علي (عليه السلام) وهو العمل بسنة النبي (صلى الله عليه وآله) ، ومذهب الخلفاء الثلاثة وهو العمل باجتهاداتهم التي خالفوا فيها سنة النبي (صلى الله عليه وآله) من بعده ولم تحدث مشكلات بينهم بسبب الخلاف المذهبي.
ثم بدا لمعاوية ان يغدر بالحسن (صلى الله عليه وآله) بعد عشر سنوات من الصلح فدس له السم ونقض شروط الأمان وشرط العمل بكتاب الله وسنة نبيه وذكر علي (عليه السلام) بخير وأمان شيعة علي (عليه السلام) ، فاجبر الناس على العمل باجتهادات الخلفاء الثلاثة، ومنعهم من العمل بمذهب علي (عليه السلام) وذكره بخير واعاد لعنه والبراءة منه وسير خمسين ألفا من شيعة علي (عليه السلام) في العراق إلى خراسان وأخاف البقية واجبرهم على لعن علي (عليه السلام) والبراءة منه أو القتل وطلبهم
«صفحة 290»
بكل وجه، وكان اكثر الناس مصيبة هم أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي (عليه السلام) وشجع الوضاعين على وضع أحاديث كذب فيه وفي أسلافه تجعل منهم خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله) على الدين والدنيا، وكان نتيجة ذلك تحريف دين محمد (صلى الله عليه وآله) وسيرته وسيرة الأنبياء من قبل وصدق قوله تعالى على المجتمع آنذاك ﴿ أَو كَظُلُماتٍ في بَحرٍ لُجّي يغشاهُ مَوجٌ مِن فَوقِهِ مَوجٌ مِن فَوقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعضُها فَوقَ بَعضٍ إِذا أَخرَجَ يدَهُ لَم يكَد يراها ومَن لَم يجعَلِ اللهُ لَهُ نورا فَما لَهُ مِن نورٍ﴾ النور/40 فالموج الأول اجتهادات الأول والثاني والموج الثاني اجتهادات الثالث، والسحاب هو اعلام معاوية بعد نقضه العهد مع الحسن (عليه السلام) . فصار معاوية راس الضلالة في الأمة إذ طوق دين الله تعالى وسيرة أنبيائه وخصوصياتهم الرسالية وسيرة علي والحسين وفاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله) بإعلامه الكاذب. وصار الجيل الجديد في الأمة في ظلمات في بحر لجي لا يكاد يبصر شيئا من نور النبوة والإمامة… أما الجيل القديم فبعضه في الظلمات وبعضه الآخر وهم شيعة علي (عليه السلام) له نور من الله بولايته عليا (عليه السلام) .
سكت الحسين (عليه السلام) على مضض زمن معاوية وكان يقول اني لا ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما كما قال ابوه من قبل «وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم، وآلم للقلب من حز الشفار» وقد خاطب معاوية في رسالته قائلا: «لا أَعلَمُ نَظَرا لِنَفسي ولِديني ولامَّةِ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله) وعَلَينا أَفضَلَ مِن أَن أُجاهِدَكَ فَإِن فَعَلتُ فَإِنَّهُ قُربَةٌ إِلَى اللهِ، وإِن تَرَكتُهُ فَإِنّي أَستَغفِرُ اللهَ لِديني، وأَسأَلُهُ تَوفيقَهُ لارشادِ أَمري»، ونهض بعد موت معاوية بمشروع القتال والشهادة ليزيل طغمة بني أميه ويفك الطوق عن
«صفحة 291»
مشروع علي (عليه السلام) في إحياء السنة ويعيد نشر أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) التي تؤسس إمامة علي (عليه السلام) الهادية، ويحرر الكوفة من سيطرة بني أميه وأصنامهم المعنوية لتعود تحمل مشروع ولاية علي من جديد إلى الأمة. وتحقق للحسين (عليه السلام) ذلك وصارت الأمة بعد الحسين (عليه السلام) على قسمين الأول يلعن بني أميه بما فيهم معاوية ومن مكَّن له ويتولى عليا (عليه السلام) وأهل بيته(عليهم السلام) ويأخذ عنهم سنة النبي (صلى الله عليه وآله) في إطار البكاء على الحسين (عليه السلام) والتفجع لظلامته وعادت الكوفة تحمل ولاية أهل البيت(عليهم السلام) إلى الأمة والبراءة من يزيد ومعاوية وممن مكن لهم.
وهكذا يتضح ان راس الضلالة في زمانه هو معاوية وارث قابيل قاتل أخيه حسدا ونمرود وفرعون والسامري ووارث إعلام قريش المشركة ضد النبي (صلى الله عليه وآله) ووارث أبية أبي سفيان في نقضه للصلح ووارث امه هند، وصار المسلم الواعي يتذكرهم حينما يقرأ سيرته ومسار حركته في الأمة وصار معاوية كانه هم.
وفي قبال معاوية راس الضلال، الحسين (عليه السلام) رأس الهدى وارث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وعلي والحسن وفاطمة(عليهم السلام) ، وصار المسلم الواعي يتذكرهم حين يقرأ سيرة الحسين (عليه السلام) ومسار حركته في الأمة بالحسين (عليه السلام) وصار الحسين (عليه السلام) كانه هم، والحسين (عليه السلام) بخصوصياته الوارثة تلك يدعو إلى مشروع أبية، وابوه يدعو إلى العمل بكتاب الله الذي ينزه الله وأنبياءه من كل نقص وبسنن نبيه (صلى الله عليه وآله) وأحاديثه ومنها حديث المنزلة والغدير والمباهلة والكساء، في قبال معاوية الذي يدعو إلى اجتهادات من سبقة من
«صفحة 292»
الخلفاء الثلاثة التي خالفوا فيها سنن النبي (صلى الله عليه وآله) والى قصص أهل الكتاب التي تسيء إلى الله وأنبياءه التي روجها مسلمة أهل الكتاب في عهد الثلاثة.
السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفوةِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ نوحٍ نَبي الله السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ إِبراهيمَ خَليلِ الله السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ موسى كَليمِ الله السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ عيسى روحِ الله السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبيبِ الله السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ عَلي وصي رَسولِ الله السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ الحَسَنِ الرَّضي السَّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ الله.
«صفحة 293»
المواكب الحسينية مدارس ومعسكرات(1)
مواكب الحسين (عليه السلام) اليوم مدارس وغدا معسكرات المهدي (عليه السلام) :
الشيعة ومواكب للحسين (عليه السلام) :
يتحول الشيعة يوم العاشر من المحرم في كل عام إلى مواكب حسينية ومجالس عزاء في البيوت والحسينيات والمشاهد المشرفة ولا يشذ عن ذلك الا أفرادا ضعف فيهم الارتباط بالتشيع أو شعب قهرته السلطة فأجبرته على عدم إظهار معالم الحزن ولو كان ذلك في البيوت وهو نادر الوجود اليوم، وفي غير يوم العاشر لا تخلو أيام السنة من ذكر الحسين (عليه السلام) وزيارته.
وبهذا الشمول الانف الذكر يمكننا القول بأن المواكب الحسينية والمجالس الحسينية هي الشيعة، والشيعة هي المواكب الحسينية والمجالس الحسينية أو المواكب الحسينية هي الأمة الخاصة والأمة الخاصة هي المواكب الحسينية،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كتب في محرم سنة 1401 هجرية وأضاف إليه المؤلف ملحقا بخطاب السيد الخميني سنة 1402. ونقح في 2 محرم سنة 1436هـ.
«صفحة 294»
وذلك لان إحياء المحرم بالبكاء وزيارة الحسين (عليه السلام) من الصفات الأساسية التي يتميز بها الفرد الشيعي عن غيره.
الأئمة (عليهم السلام) ينشئون المجالس الحسينية:
من خلال أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) الواردة في شأن الظاهرة الحسينية تكتشف بسهولة ويسر امتدادها التاريخي العريق وكونهم عليهم السلام المؤسسين(1)لها شكلا كالتجمع وطريقة إنشاد الشعر بالرقة / ومضمونا/ كالحزن والبكاء على الحسين منذ عهد السجاد (عليه السلام) كما تكتشف بسهولة ويسر أيضا امتدادها المستقبلي وكونها حقيقة قائمة عند ظهور المهدي (عج)وكونه (عليه السلام) وكون أصحابه يتحركون بشعار يالثارات الحسين (عليه السلام) . واعتبار حركته (عليه السلام) هي حركة أخذ الثأر من الظالمين السائرين في الطريق الذي سلكه يزيد قاتل الحسين (عليه السلام) (2).
والظاهرة الحسينية وهي بهذا العمق التاريخي والمستقبلي وذلك الشمول الاجتماعي تستحق من المؤمنين إنعام نظر وإعمال فكر لاكتشاف موقعها من مسيرة التاريخ وموقعها المستقبلي من شرائط الظهور ومن ثم مسؤوليتهم في تطويرها باتجاه وضعها المستقبلي المشرق.
المجلس الحسيني تعبير عن تفاعل الأمة مع الحسين (عليه السلام) ويبدأ هذا التفاعل والتعاطف من الحزن والبكاء والرئاء وينتهي بإعداد النصرة لأخذ الثأر مع بقية الله المهدي المنتظر (عج) التاسع من ذرية الحسين، وكما حرص الأئمة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الملحق رقم (1).
(2) انظر الملحق رقم (2)
«صفحة 295»
التسعة من ذرية الحسين على تغذية التفاعل هذا وتعميقه باتجاه الحزن والبكاء كذلك حرصوا عليهم السلام على تشخيص الشوط الأخير من حركته وهي أخذ الثأر مع المهدي (عج) كما روي الشيخ الطوسي عن صالح بن عقبة عن أبية عن أبي جعفر (عليه السلام) في أدب يوم عاشوراء من المحرم قال: «…ثم ليندب الحسين (عليه السلام) ويبكيه ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه، وليعز بعضهم بعضا بمصابهم بالحسين (عليه السلام) . . قلت فكيف يعزي بعضنا بعضا ؟ قال: تقولوا اعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين (عليه السلام) وجعلنا وإياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد عليهم السلام(1)
مراحل سير المجلس الحسيني:
مر المجلس الحسيني منذ أنشاء الأئمة (عليهم السلام) له وحتى مرحلتنا الراهنة بمراحل ثلاث:
الأولى: مرحلة البكاء والرثاء: وكانت في زمن بني أميه سرية في ثم أخذ الأئمة يعلنون عنه نفسه وبخاصة أيام الإمام الصادق في اول حكم بني العباس وانتقل إلى مرحلة علنية شاملة أيام البويهيين (334-476) حيث تبنى الأمراء البويهيون توسعة المجالس الحسينية ومواكب العزاء وإخراجها من دائرة البيوت إلى دائرة الأسواق والأماكن العامة العلنية والشوارع وتعويد الناس على اللطم على الصدور وكان أول أمرها في بغداد ثم انتشرت
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح المتهجد والسلاح المتعبد للشيخ الطوسي ص 713/714
«صفحة 296»
إلى سائر الأماكن والبلدان الاسلامية كمصر وشمال إفريقيا وإيران (1)، واستمرت هذه المرحلة بعد البويهيين بين العلنية والسرية حسب موقف السلطة الحاكمة إلى يومنا هذا عدا أيام الصفويين حيث تبنوها بقوة بحدود ما اتسع له ملكهم وحكمهم.
الثانية: مرحلة الوعظ والإرشاد، إضافة إلى البكاء والرثاء واللطم، وقد انفتح المجلس الحسيني عليها في القرون المتأخرة، وفيها اصبح المجلس الحسيني أداة للتثقيف بالإسلام عقائده وأحكامه وأخلافه إلى جنب كونه أداة للعاطفة الحسينية.
الثالثة: مرحلة العمل السياسي: وقد بدأت في السنين الأخيرة من هذا القرن منذ سنة 1963م حين نهض بها السيد الخميني في قم في مواجهة مفاسد الحكم الشاهنشاهي في إيران، وسنة 1977 – 1397هـ (2)حين كسرت جبروت عفالقة بغداد.
وهناك مرحلة رابعة وهي الأخيرة ان شاء الله تنتظرها المواكب الحسينية في العراق وهي المرحلة القتالية وتحولها إلى معسكرات وحشود شعبية تدافع عن المقدسات في العراق ثم تكون أخيرا معسكرات للمهدي (عليه السلام) عند ظهوره، ولعل بوادر هذه المرحلة هو ما نشهده اليوم من حشود شعبية استجابت لرجل المرحلة وقائد العراق بحق السيد السيستاني.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ النياحة للشهرستاني ج1 /188-189.
(2) انظر ملحق رقم 7.
«صفحة 297»
المرحلة الجديدة تعني إضافة صفة جديدة إلى الصفة السابقة:
ان انتقال المجلس الحسيني من طور البكاء إلى طور المظاهرات السياسية ومن ثم إلى طور الحشود الشعبية المقاتلة لا يعني انتفاء صفة الرثائية والبكائية عنه وانما الذي يعنيه انفتاح الموكب الحسيني والمجلس على صفة جديدة وهي الصفة التثقيفية أو الصفة السياسية والعناية بالشؤون العامة أو الصفة القتالية والدفاع عن المقدسات بالإضافة إلى صفته السابقة وهي الصفة البكائية والرثائية.
الانتقال إلى المرحلة الجديدة لايعني انتقال كل المجالس إليه:
ولا نريد بانتقال المجلس الحسيني من طور إلى طور هو انتقال كل المجالس الحسينية بالصفة السابقة إلى الصفة الجديدة وانما الذي نريده هو ظهور مجالس حسينية ومواكب حسينية بالصفة الجديدة ذات قدرة على الاستمرار بتلك الصفة ولا يمنع من وجود مواكب حسينية بالصفة السابقة فقط ولا يرضى أصحابها الانفتاح على الصفة الجديدة لعدم استيعابهم لها ومن هنا نجد في مرحلتنا الراهنة الأطوار الثلاثة إضافة إلى كون بعض المجالس الحسينية وهي في طور البكاء تعيش مرحلة السرية في بعض البلدان لتعسف حكامها ومحاربتهم لتلك المجالس ولو كانت مجالس بكاء وعزاء.
النمو الكمي والكيفي للظاهرة الحسينية في الأمة:
اذا استثنينا الآثار القريبة التي نجمت عنها واقعة الطف كزوال ملك الأمويين وتحطيم الإطار الديني لهم وانفتاح الطريق أمام أهل البيت (عليهم السلام) من
«صفحة 298»
ذرية الحسين للتبليغ والتربية وغيرها من الآثار البعيدة المدى تلك الآثار التي شكلت فيما بعد ما يمكن ان نسميه بالظاهرة الحسينية إمكاننا القول بان لواقعة الطف حقلين من النمو في الأمة»:
الأول: النمو الكمي أو الحركة الأفقية للظاهرة الحسيني، ففي البدء كانت مجالس العزاء منحصرة في بني هاشم وبعض الأفراد المؤمنين بالحسين وبحرمته (عليه السلام) أما اليوم فهي تقام في ارجاء الدنيا، ويندر ان توجد بقعة من بقاع العالم فضلا عن العالم الإسلامي لايوجد فيها من يقيم المجلس الحسيني يوم العاشر من المحرم.
الثاني: النمو الكيفي أو الحركة العمودية للظاهرة الحسينية، ان الأطوار الثلاثة التي مرت بها المجالس الحسينية، والتي ينتظرها الطور الرابع تمثل هذا النمو وتعبر عنه.
ان النمو الكيفي معناه ان يرتقي الفرد المسلم أو الأمة المسلمة إلى مستوى القضية التي حملها الحسين (عليه السلام) والنخبة معه من أهل بيته وأصحابه، سواء كان على مستوى الفهم والإدراك أو على مستوى تحمل المسؤولية واداء التكليف.
الهدف القريب لقتل الحسين (عليه السلام) :
كان الهدف المرحلي الذي قد تحقق بقتل الحسين (عليه السلام) هو:
1. تطويق الخلافة الضالة الجائرة بوصفها عامل تحريف العقيدة الاسلامية وبخاصة عقيدة إمامة أهل البيت وأحكامه وعامل إفساد في الأمة.
2. تمزيق حالة القدسية التي أحاطت نفسها بها لتحقيق أغراضها الخبيثة
«صفحة 299»
التي افصح عنها معاوية كما روى الزبير ابن بكار في كتابه الموفقيات عن مطرف بن المغيرة بن شعبة قال:
«وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم يتصرف إلى فيذكر معاوية ويذكر معقله، ويعجب مما يرى منه، اذا جاء ذات ليلة فامسك عن العشاء فرأيته مغتما، فانتظرته ساعة، وظننت انه لشيء حدث فينا أو في عملنا، فقلت له مالي أراك مغتما منذ الليلة؟ قال يا بني اني جئت من عند أخبث الناس، قلت له وماذا ؟ قال قلت له وقد خلوت به: انك قد بلغت مناك يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا وبسطت خيرا فانك قد كبرت ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه فقال لي هيهات هيهات، ملك اخو تيم فعدل وفعل ما فعل فوالله ما غدا ان هلك فهلك ذكره الا ان يقول قائل أبو بكر، ثم ملك اخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين فوالله ما غدا ان هلك فهلك ذكره، الا ان يقول قائل عمر، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن احد في مثل نسبه فعمل ما عمل وعمل به فوالله ما غدا ان هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل، وان أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خميس مرات اشهد ان محمدا رسول الله فاي عمل يبقى مع هذا الا أم لك؟ لا والله الا دفنا دفنا»(1).
ولم يعد للخلافة بعد قتل الحسين ذلك الموقع الذي كانت تحتله قبل قتله (عليه السلام) وتحولت إلى سلطة وملك وتحررت الأمة من سيطرتها الدينية
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أحاديث عائشة للسيد العسكري ص 307-304. نقلا عن المسعودي وشرح النهج لابن أبي الحديد.
«صفحة 300»
والفكرية واصبح من السهل عليها ان تنفتح على أهل البيت كمصدر للاسلام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) . .
الهدف البعيد لحركة الحسين (عليه السلام) :
أما الهدف النهائي الذي يرمي إليه الحسين (عليه السلام) فهو نفس الهدف الذي يرمي إليه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنبياء الله ورسله من قبل، ومن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي والحسن (عليه السلام) وهو نفسه الذي يرمي إليه الأوصياء من ذرية الحسين (عليه السلام) ويتمثل بتحرير الأرض من كل طاغوت وإقامة حكم الله تعالى فيها، وقد ادخر الله تعالى وليه المهدي لإجراء هذا الهدف العظيم على يديه بعد ان تكون اعمال من سلفه من آبائه المعصومين ونوابه رضوان الله عليهم قد تراكمت آثارها وكونت العدة البشرية اللازمة لتحقيقه ولابد لهذه العدة البشرية من ان ترتفع إلى مستوى أصحاب الحسين (عليه السلام) إيمانا وعبادة وخلقا وطاعة للإمام (عليه السلام) ، ووعيا للواقع وقدرة على القتال كيما تستطيع ان تخوض المعركة العالمية الشاملة مع قوى الضلال والانحراف ومن ثم تحكم العالم اجمع وتحقق السلام والعدل فيه.
حققت حركة استشهاد الحسين (عليه السلام) على يد الظالمين والمستكبرين هدفها المرحلي فحررت الأمة من سيطرة الخلافة نفسيا ومزقت حجاب القدسية وهالة الاحترام التي أحيطت بها تلك السيطرة التي كانت عقبة كؤودا أمام مسيرة الهدى بعد النبي (صلى الله عليه وآله) فانفتح الطريق أمام هذه المسيرة لتأخذ بقيادة أوصياء النبي (صلى الله عليه وآله) طريقها نحو غايتها المشرقة وستحقق حركة الاخذ بثأر الحسين (عليه السلام) على يد المهدي المنتظر، تحرير الأمة والعالم بعد ذلك من سيطرة
«صفحة 301»
وحكم ذراري قتلة الحسين السفيانيين ومن يؤيدهم ويعاضدهم من داخل الأمة وخارجها، واستئصال شافتهم ووراثة الأرض من قبل الصالحين.
حركتان للأخذ بثأر الحسين:
هناك حركتان للأخذ بثأر الحسين (عليه السلام) الأولى حركة الثأر الخاصة وقد قامت بعد قتله (عليه السلام) وكان افق تحركها أخذ الثأر من قاتلي الحسين الذين غيبتهم السجون وحرمتهم من نصرة الحسين أيام المحرم هؤلاء الذين سماهم الاعلام العباسي بالتوابين بعد ان حملهم مسؤولية قتل الحسين وخذلانه.(1) المباشرين لقتله من الأمويين واتباعهم، وقد حققت هذه الحركة غرضها على يد الشيعة التوابين بقيادة سليمان بن صرد (رح) ومن بعده المختار الثقفي (رح) وعلى يد العباسيين من بعدهم إذ يمكن اعتبارهم في مبدأ أمرهم امتدادا لهذه الحركة وقد زال ملك الأمويين على يدهم وتتبعوهم في كل بلد وقتلوهم شر قتله.
الثانية: حركة الثأر العامة: وهي الحركة التي رسم مسيرتها الأوصياء (عليهم السلام) من بعد الحسين (عليه السلام) والتي سيقود معركتها المهدي المنتظر، تتميز هذه الحركة عن سابقتها بنظرتها الخاصة إلى الحسين (عليه السلام) وكونه وارث الأنبياء والأوصياء من قبله، وبشمولية المعركة التي تخوضها، إذ هي تعتبر كل ظالم امدادا ليزيد وكل راض بفعله شريكا في قتل الحسين (عليه السلام) ستخوض في البدء المعركة داخل الأمة المسلمة مع الحركة السفيانية التي يقودها رجل من ذرية أبي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وقد ذكر الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث صوم تاسوعاء ان الذين حاصروا الإمام الحسين في كربلا ء هم جيش أهل الشام، وهم الذين اسكنهم معاوية في دور من هجرهم من قبائل الكوفة الذي بلغ عددهم خمس وعشرون ألف بعوائلهم، (تفصل البحث في نشرة وارث
«صفحة 302»
سفيان والتي تمثل في زمن ظهورها الامتداد النسبي والفكري لحكم الأمويين وبسبب كون الحركة السفيانية استلقى تأييدا من قبل اغلب الحكام في العالم الإسلامي آنذاك ومن ثم الدول الكافرة المستكبرة ستكون المعركة شاملة لكل معسكر الظلم والضلالة.
حركة الثأر العامة والموكب الحسيني:
وتتمثل حركة الثأر العامة هذه بحركة الموكب الحسيني والمجلس الحسيني، الذي أسسه الأئمة (عليهم السلام) وحرصوا على استمراره واعطوه شكله المجلسي ومضمونه التربوي وقد مزجوا (عليهم السلام) فيهما بين البكاء على الحسين وترقب أخذ الثأر لدمه الزكي معوليه المهدي المنتظر (عج) كما مر علينا في الرواية المروية عن الإمام الباقر (عليه السلام) وكما في روايات أخر ذكرناها في الملحق (2).
الجوانب التربوية التي ينطوي عليها المجلس الحسيني والموكب الحسيني:
يمكننا القول ان هناك أربعة جوانب تربوية تنمو في الفرد الموالي من خلال المجس الحسيني والموكب الحسيني، وهذه الجوانب هي:
أولا: الجانب العاطفي: ويتمثل بالحزن والبكاء على الحسين (عليه السلام) وقمته يوم العاشر من المحرم، ان ذكر الواقعة وكيفية الاستشهاد وطريقة قراءة المقتل وإنشاد شعر الرثاء كفيلة بإفاضة دمعة الفرد مهما كان صلبا وقاسيا، وبمرور الأيام والاعوام تنمو العاطفة الحسينية فتتعمق وتشتد إلى الدرجة التي يجد الفرد الموالي نفسه معها في يوم العاشر لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار ولا
«صفحة 303»
تخمد له عاطفة وحرقة ما لم يخض حرب الثأر للحسين (عليه السلام) مع وليه المهدي ليحقق إحدى الحسنيين أما النصر وشفاء غيظ قلبه وقلوب مؤمنين معه، واما الشهادة فيحشر مع سيد الشهداء ويكتب من أنصاره (عليه السلام) .
ثانيا: الجانب الفكري: ويتمثل بالمعلومات عن واقعه الطف، والأسباب القريبة والبعيدة التي أدت إلى ذلك، وعن الخط الذي يمثله الحسين (عليه السلام) والخط الذي يمثله يزيد، وعن استمرار الخطين بعد الحسين (عليه السلام) ويزيد، ان نمو الفرد في هذا الجانب يعني نموه باتجاه الإسلام وتاريخه ومستقبله.
ثالثا: الجانب السياسي: ويتمثل أولا برصد الواقع القائم من خلال موقفه من الظاهرة الحسينية نفسها، وثانيا برصد الواقع القائم من خلال الموقف من موقع المرجعية العليا بوصفها امتداد الحسين (عليه السلام) ووارث خطه ونهجه، وثالثا برصد الواقع من خلال تكامل عناصر حركة الثأر لظلامة العامة بقيادة ولي الحسين المهدي (عج) يضاف إلى هذا الرصد المعاناة العملية وشق طريق السير في مثل ذلك الواقع.
رابعا: الجانب القتالي: ويتمثل بتهيئة النفس وتعويدها على فن القتال والتدرب على سلاح العصر والارتفاع إلى مستوى الجندي العصري فنا وثقافة جهد الأماكن (ولا يوجد فرصة كما توجد في أيامنا)، ان ترقب أخذ الثأر بدم الحسين (عليه السلام) مع ولي الله (عج) يعني ترقب حرب ضروس مع الظالمين، ولابد ان يقترن هذا الترقب بإعداد النصرة كلما امتد الزمن وقرب عصر المعركة، وبسبب كون المعركة الشاملة لأخذ الثأر مرتبطة بالمهدي (عج) دفع الأئمة (عليهم السلام) شيعتهم إلى إعداد انفسهم قتاليا لظهور المهدي (عليه السلام)
«صفحة 304»
ليخوضوا معه تلك الحرب، ففي رواية النعمان عن الصادق (عليه السلام) قال: ليعدن أحدكم لخروج القائم ولو سهما (1)، وفي رواية أبي عبد الله الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) انه قال كم الرباط عندكم قلت أربعون قال ولكن رباطنا رباط الدهر، ومن ارتبط فينا دابة كان له وزنها ووزن وزنها ما كانت عنده، ومن ارتبط فينا سلاحا كان له وزنه ما كان عنده. . (2).
يوم قتل الحسين (عليه السلام) يومظهور المهدي (عج):
لم يكن عفوا ان يجعل الله تعالى يوم ظهور القائم (عج) يوم عاشوراء نفسه، وقد عرفنا الارتباط العميق بين (الحادثتين) حادثة قتل الحسين (عليه السلام) وحادث ظهور المهدي (عليه السلام) .
ان ظهور المهدي (عج) في يوم العاشر من المحرم يعني تكامل حركة المجلس والموكب الحسيني الأفقية والعمودية في الأمة، وتكامل الحركة الأفقية للمجلس الحسيني والموكب الحسيني هو توسعها العالمي إذ لا يبقى بلد في العالم لا يقام فيه مجلس وموكب للحسين (عليه السلام) يوم العاشر (كما نشهد ذلك في عصرنا) كما ان تكامل الحركة العمودية للمواكب الحسينية يعني تحولها إلى كتائب عارفة بالإسلام خبيرة بالواقع متشوقة للشهادة قادرة على خوض القتال، متحرقة للأخذ بثار الحسين مع وليه المهدي (عج).
وهكذا تكون ذكرى قتل الحسين (عليه السلام) في العاشر في المحرم موسما لبناء أضخم جيش إسلامي في المسيرة الاسلامية منذ ان بدأت على عهد نوح (عليه السلام) ،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) مكيال المكارم ج2/423-424.
(2) مكيال المكارم ج2/423-424.
«صفحة 305»
كما سيكون يوم عاشوراء في المستقبل ان شاء الله منطلقا لخوض أعنف معركة يخوضها جيش الهدى مع معسكر الضلالة معركة تطهير الأرض كلها من الكفر والضلال وإقامة دولة آل محمد (صلى الله عليه وآله) ليحكموا بكتاب الله وسنة نبيه وليستمروا في حكمهم هذا إلى آخر الدنيا.
واقع المواكب الحسينية في مرحلتنا الراهنة:
خصائص الموكب الحسيني:
في مرحلتنا الراهنة تعني المواكب الحسينية مواكب اللطم والرثاء، وتعني المجالس الحسينية مجالس الوعظ والإرشاد مع ذكر المصيبة في آخر المجلس وبطريقة الرقة والنوح، ونحاول هنا ان نسلط الضوء على المواكب الحسينية لخصوصيات فيها.
يتميز الموكب الحسيني بكونه أوسع جمهورا من المجلس الحسيني، إذ يحضره الأفراد من كل المواقع الاجتماعية، إضافة إلى انه يتسع لألوان عديدة من المشاركات كبذل المال والخدمة والممارسة ونظم الشعر والإنشاد والى غير ذلك، كما انه يتسع لأصناف مختلفة من الناس ممن يقيم الصلاة وممن لا يقيمها، إضافة إلى انه يحظى بتعاطف النساء والرجال من مختلف الإعصار والمستويات، فهناك عزاء للنساء وآخر للرجال على أصنافهم.
وقد اصبح في اغلب البلدان التي يقام فيها الموكب الحسيني والمجلس الحسيني مكانا خاصا هو الحسينية وهي تشارك المسجد في كونها مكانا لأداء الصلاة وتزيد عليه في كونها مكانا لإقامة الموكب الحسيني أيام المحرم،
«صفحة 306»
وفي اغلب الأحيان لا توقف الحسينية كمسجد من اجل ان لا تسرى عليها الاحكام الشرعية الخاصة بالمسجد إذ يجمع الموكب الحسيني من يراعي أحكام المسجد لعلمها به ومن يجهلها، بالإضافة إلى انها تصبح مكانا للنوم ولطبخ الطعام وتناوله ما في ليلة العاشر ويوم العاشر.
الموكب الحسيني المحلي منظمة محلية:
بسبب وحدة المكان الذي يقام فيه الموكب /مسجد كان أو حسينية أو غيرهما / وبسبب وحدة الموسم أيام المحرم والأربعين، وبسبب وحدة الممارسة وهي اللطم وإنشاد الشعر، بسبب هذه العوامل وأخرى غيرها يترتب عليها تعمق التجمع في الموكب الحسيني، وبسبب كثرة النشاطات التي ينطوي عليها الموكب الحسيني أيام المحرم ويوم الأربعين يشتمل التجمع الحسيني على نوعين من الناس:
الأول قيادة الموكب ويتألف من المتولى أو المتولين على بناء الحسينية وروافدها المالية ومصروفات الموكب وممتلكاته، يضاف اليهم الرادود، واحيانا أما الصلاة وهو وكيل المرجع عادة،
الثاني: جماهير الموكب وتتألف من الأصناف المختلفة من الأفراد الذين يمارسون اللطم وغيرهم ممن يرغب في الحضور والاستماع إلى الرثاء وهكذا تحول الموكب الحسيني إلى ما يشبه المنظمة أو هو المنظمة بعينها.
الموكب الحسيني تجمع محلي التكوين عالمي التطلع:
تختلف منظمة الموكب الحسيني عن غيرها من المنظمات يكون الموكب الحسيني المعين يهدف إلى ان يكون قطعة من الأمة تعبأت باتجاه الحسين
«صفحة 307»
(عليه السلام) والمهدي المنتظر، ويتنافس مع غيره في التعبئة نفسها ليكون اكثر قربا من الحسين (عليه السلام) والمهدي للأخذ بثأره وتكوين الدولة العالمية لأهل البيت، فهو عالمي في فكره وتطلعه، باعتبار عالمية الحسين والمهدي (عليه السلام) ومحلي في تكوينه وممارسته، باعتبار محلية الأفراد يكونونه قيادة كانوا أم جماهير.
سلبيات في الموكب الحسيني:
هناك سلبيات كثيرة تعيشها المواكب الحسينية المعاصرة، منها ما هو انعكاس للوضع المعقد الذي تعيشه الأمة بشكل عام الذي انتجته عوامل أربعة: الجهل بشكل عام، الأحزاب الضالة، والحكومات الظالمة، والمؤسسات الثقافية والإعلامية التي لا تعنى ببناء الانسان الصالح في قليل أو كثير لا بد من تشخيص هذه السلبيات والتنبيه عليها لمعالجتها بالحكمة.
نصران رائدان للمواكب الحسينية في عصرنا:
وعلى الرغم من هذه السلبيات سجلت هذه المواكب في مرحتلنا الراهنة نصرين رائدين:
احدهما: في العراق حين تحركت المواكب الحسينية من النجف الأشرف متجهة إلى كربلاء لزيارة الأربعين عام (1397هـ – 1977م) متحدية بذلك نظام العفالقة، كاسرة لهيبته مما حدى بالنظام العفلقي ان يتصدى لها بالطائرات والدبابات من جهة وبالاعتقالات الواسعة التي شملت أنحاء العراق وتعذيبهم وإعدام قسم منهم،
والآخر في إيران وهو اكبر واعظم حيث كانت انتفاضة 15 خرداد 1963م بفعل تلك المجالس بقيادة السيد الخميني وفي سنة الثورة على
«صفحة 308»
الشاه سنة 1979م تحولت المواكب في اليوم التاسع من المحرم والعاشر منه والعشرين من صفر إلى مسيرات مليونية بأمره هاتفة بسقوط الشاه متحدية النظام الحاكم.
المواكب الحسينية مداخل أساسية للعمل الإسلامي الجماهيري:
ان المواكب الحسينية تجمعات محلية متبناة من قبل الأمة بكل قطاعاتها، إضافة إلى عراقتها وأصالتها، ولعل بعضها يصل عمره الشخصي اكثر من ثلاثة قرون كعزاء طويريج في كربلاء إضافة إلى شعورها الموحد جميعا بكونها قطعات من أنصار الحسين (عليه السلام) وكتائب من جيش المهدي (عج) إضافة إلى استعدادها / كما أثبتت التجربة/ إلى الانقياد للمرجعية واعتبارها القيادة العامة لها، إضافة إلى الجوانب التربوية المتكاملة التي ينطوي عليها الموكب كإمكانات قابلة للتنمية، كل هذه الخصائص تجعل من المواكب الحسينية مداخل أساسية للعمل الإسلامي الجماهيري لا يجوز إهمالها وتجاوزها إلى غيرها.
الحوزات العلمية والمواكب الحسينية:
الوجود الشيعي هو المجالس والمواكب الحسينية:
يتمثل الوجود الشيعي بالحوزات العلمية والمواكب الحسينية، ويصح القول بان الوجود الشيعي هو المواكب الحسينية باعتبار ان الحوزات هي من المواكب الحسينية والمجالس الحسينية، ويصح ايضا القول بان المواكب الحسينية أو الظاهرة الحسينية عموما تنطوي على صنفين من الناس:
«صفحة 309»
الأول: يأخذ موقع قيادة الجماهير الحسينية بالنهج الحسيني والفكر الحسيني ويتمثل هذا الصنف بالحوزات العلمية حيث تكفلت حمل الإسلام برواية علي وأهل بيته (عليهم السلام) .
الثاني: يأخذ موقع الجماهير الحسينية المنفعلة بالحسين (ويتمثل هذا المصنف بالمواكب الحسينية والمجالس الحسينية التي تكفلت حمل مصيبة الحسين (عليه السلام) وجعلها حية في النفوس والأمة لتثمر ثمرتها فيها.
المواكب الحسينية والحوزات العلمية وجهان متكاملان لقضية واحدة ومسيرة واحدة:
اذن فالترابط عميق ووثيق بين المواكب الحسينية والحوزات العلمية، لأنهما يعبران من وجهين متكاملين لقضية واحدة، هي قضية الإسلام التي حملها الحسين (عليه السلام) وقتل من اجلها، ووجهين متكاملين لمسيرة واحدة هي مسيرة الهدى التي امتدت بعد الحسين (عليه السلام) بالأوصياء من ذريته وبشيعته الذين تربوا على يدهم، وهي مسيرة المواكب الحسينية والمجالس الحسينية نفسها.
الحوزة العلمية العقل المفكر للمواكب الحسينية:
ان الرصيد الفكري الذي تزخر به الظاهرة الحسينية من كلمات وأحاديث وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) بالإضافة إلى الدراسات العلمية المتعددة حول واقعة الطف وأسبابها نتائجها القريبة والبعيدة، هذا الرصيد الذي ينمو بمرور الأيام مع نمو الظاهرة الحسينية نفسها يحمله المحور العلمي من المواكب
«صفحة 310»
الحسينية أو محور الحوزة من الوجود الشيعي، من هنا تحتل الحوزة العلمية من الموكب الحسيني موقع القلب والعقل المفكر، كما ان الموقع الطبيعي للموكب الحسيني هو موقع الأداة الطيعة والجسم المنفعل بالقلب والعقل
عبء تطوير المواكب يقع على الحوزات:
ان أي فصل بين الحوزات العلمية والمواكب الحسينية معناه الفصل بين القيادة التي ترث الحسين (عليه السلام) ونهج الحسين (عليه السلام) والقاعدة الشعبية المؤمنة بالحسين (عليه السلام) المتكفلة للأخذ بثأره، ان الواقع القائم للعلاقة لازال بعيدا عن الدرجة الفضلى والمطلوبة، والعبء يقع بالدرجة الأولى على الحوزات العلمية نفسها حيث هي المسؤولية أولا وأخيرا عن رعاية المواكب الحسينية والأخذ بها من طور إلى طور لان المفتاح الفكري اليوم للمجالس الحسينية والمواكب الحسينية هو الخطيب الحسيني والوسط التربوي لبنائه هو الحوزة العلمية نفسها اذن يجب ان تتوفر العناية الكافية بهذا المفتاح المهم لتطوير الموكب السيني ودفعه إلى إمام.
خطوط عامة للعمل في الموكب الحسيني
1- يتشكل الموكب الحسيني بأبسط مظاهره من أفراد ورادود ينشد الشعر القريض أو الشعبي الحسيني، وسواد يجلل المكان بيتا كان أو حسينية أو رايات سود مرفوعة تعرف بالموكب وبمكانة.
2- ولكي يتحول الموكب الحسيني إلى مجلس حسيني أو مجلس وعظ وإرشاد لابد من توفر خطيب يمتلك قدرا من الثقافة الاسلامية إلى جنب معرفة صحيحة بواقعة الطف وقدرة على النوح يختتم به المجلس.
«صفحة 311»
3- المواكب الحسينية بحاجة إلى الشعر الجيد ليؤدي دوره في إذكاء العاطفة وشحذ الهمة، كما ان المجالس الحسينية بحاجة إلى الخطيب العالم بالإسلام والقضية الحسينية ليؤدي دوره في تعميق العاطفة الحسينية إلى جنب التوعية التي هي مهمته الأساسية.
4- لابد من جعل صلاة الجماعة هدفا منظورا يسعى لتحقيقه في الموكب الحسيني والمجلس الحسيني أي لابد من إيجاد الترابط بين إقامة العزاء على الحسين (عليه السلام) وإقامة صلاة الجماعة من قبل الأفراد نفسهم، وهو أمر يسهل تحقيقه بحكم ان الحسين (عليه السلام) في كربلاء طلب تأخير الواقعة التي كان من المفروض وقوعها يوم التاسع إلى يوم العاشر من المحرم من اجل ان يستزيد من الصلاة والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن.
5- لابد من العمل على رصد العناصر ا المندسة بين صفوف الموكب الحسيني والتي تبتغي تحريف الموكب الحسيني عن وجهته، أو تبتغي إفساد عناصر الموكب، ثم العمل على تطويق نشاطات أو تطهير الموكب منها بحكمه وهدوء.
6- ان الموكب الحسيني في المحلة المعينة يمثل العينة البشرية لتلك المحلة إذ يحضره الطفل والشاب والكهل والشيخ ومن مختلف المراكز الاجتماعية كما تحضره النساء ان كان قد خصص لهن محل خاص، وحينئذ يكون من المناسب جدا التفكير بالطريقة الصالحة للاستفادة من هذه الطاقات المختلفة التي جمعها الموكب الحسيني وبالصيغة التنظيمية التي تعمل فيها هذه العناصر.
7- هناك بعض المظاهر والمعالم التي ينطوي عليها الموكب الحسيني تعبر
«صفحة 312»
عن أصالة وعمق ينبغي المحافظة عليه وتطويرها لتسهم بشكل اكثر فعالية في أداء الغرض، ومعلم الرايات السود المرفوعة وتجليل المكان بالسواد مثال عليه، ان السواد معلم للحزن، كما ان الراية معلم للحرب، ان الحسينية بموكبها وراياتها السود تعبر عن كونها مركز الحزن والبكاء والعزاء من جهة، ومن جهة أخرى تعبر عن كونها مركزا لتعبئة الأنصار للحسين (عليه السلام) المترقبين لولي الحسين المهدي (عج) يتحركون معه في حركة أخذ الثأر العامة من الظالمين في الأرض كلها.
9- لابد من العمل على تيسر المعلومات الصحيحة عن واقعة الطف وكلمات الأوصياء من بعده وكلمات يزيد وجنده، وتثقيف الجماهير الحسينية بها.
وعلى سبيل المثال: يحاول خصوم الشيعة ان يستفيدوا من حقيقة ان الحسين حوصر وقتل من قبل جيش الدولة الأموية في الكوفة وهذه حقيقة تظافرت المصادر التاريخية على نقلها، ولكن هناك حقيقة أخرى غابت لسبب أو اخر نبه عليها الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله عن تاسوعاء (ذلك يوم حوصر فيه الحسين وأصحابه بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين وأصحابه وايقنوا انه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمده أهل العراق بابي المستضعف الغريب)
والحديث يشير إلى ان جيش الدولة الأموية في الكوفة الذي حاصر الحسين وقتله هم أساسا شاميون نواصب اسكنهم معاوية سنة 50هجرية
«صفحة 313»
في الكوفة بعد ان سير منها خمس وعشرين ألف بعوائلهم إلى خراسان لموالاتهم عليا، وقد اعتمد زياد ومن جاء بعده من الولاة وآخرهم عبيد الله بن زياد على هؤلاء في حكم الكوفة، وكان قادة هذا الجيش اغلبهم كوفيون منافقون معروفون بالنفاق من زمن علي (عليه السلام) ومنهم شاميون، أما مادتهم فهم الشاميون النواصب وقد ازداد عددهم خلال عشر سنوات إلى الضعف فصاروا خمسين ألف مقاتل. وكانت خطة معاوية ان يأتي بالهمدانيين الشاميين يسكنهم في دور الهمدانيين المسيرَّين إلى خراسان وبكندة الشامية وبمذحج الشامية وبالازد الشامية وبخثعم الشامية فيسكنها في دور المسيرين من القبائل نفسها، قال الطبري ج 2/0وكان معاوية بعد علي يخرج من الكوفة المستغرب في أمر نفسه في أمر علي وينزل داره المستغرب في أمر نفسه من أهل الشام وأهل البصرة وأهل الجزيرة وهم الذين يقال لهم النواقل في الامصار) . وقال البلاذري في فتوح البلدان ولى زياد الربيع الحارثي سنة 51 هـ خراسان ومعها من أهل المصرين زهاء خمسين ألف بعيالاتهم واسكنهم دون النهر وبلغه مقتل حجر سنة 53هـ ومات في السنة نفسها عما). ان ارباب المقاتل حين يقولون (لمّا قتل الحسين جاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأسا، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت بنو تميم بسبعة عشر رأسا، وجاءت بنو أسد بستة، وجاءت مذحج بسبعة، وجاء سائر الجيش بسبعة، فذلك سبعون رأسا.)
فان كندة هذه الشامية بزعامة قيس بن الأشعث وابوه المنافق المعروف زمن علي (عليه السلام) . وهكذا هوازن بعشرين راس هم هوازن الشامية بزعامة شمر
«صفحة 314»
بن ذي الجوشن الكلابي وبنو كلاب بن ربيعة منهم الضباب ومنهم شمر وبنو كلاب انتقلوا إلى الشام وهكذا بنو اسد ومذحج وبنو تميم كلهم من الجناح الشامي من هذه القبائل وذلك ان هذه القبائل لما سارت في جيش الفتوح استقر نصفها في العراق والنصف الآخر في الشام.
وكم لهذه المعلومة الجديدة من نظائر غيبتها تقادم العهد وعدم الانطلاق في المعلومات على روايات أهل البيت في الكتب ا لمعتبرة (1).
ملحق رقم(1) كلمات أهل البيت (عليهم السلام) في مصيبة الحسين(عليه السلام) :
استحباب البكاء:
كامل الزيارات ص 108: عَن هارونَ بنِ خارِجَةَ عَن أَبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام) قالَ: كُنّا عِندَهُ فَذَكَرنا الحُسَينَ (عليه السلام) وعَلَى قاتِلِهِ لَعنَةُ اللهِ فَبَكَى أَبو عَبدِ اللهِ (عليه السلام) وبَكَينا قالَ ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَقالَ قالَ الحُسَين (عليه السلام) أَنا قَتيلُ العَبرَةِ لا يذكُرُني مُؤمِنٌ إِلّا بَكَى وذَكَرَ الحَديثَ. .
المصباح للشيخ الطوسي: رَوى عَبدُ اللهِ بنُ سِنانٍ قالَ دَخَلتُ عَلَى سَيدي أَبي عَبدِ اللهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) في يومِ عاشوراءَ فَأَلفَيتُهُ كاسِفَ اللَّونِ ظاهِرَ الحُزنِ ودُموعُهُ تَنحَدِرُ مِن عَينَيهِ كاللُّؤلُؤِ المُتَساقِط،ِ فَقُلتُ: يا ابنَ رَسولِ اللهِ مِمَّ بُكاؤُكَ لا أَبكَى اللهُ عَينَيكَ? فَقالَ لي: أَوفي غَفلَةٍ أَنتَ أَما عَلِمتَ أَنَّ الحُسَينَ بنَ عَلي أُصيبَ في مِثلِ هَذا اليومِ.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وقد فصلنا ذلك في بحثنا المنشور في نشرة الحسين وارث العدد الأول سنة 1435هـ تحت عنوان قتلة الحسين هم نواصب أهل الشام.
«صفحة 315»
في زيارة الناحية عنه (عليه السلام) : ولا ندبنك صباحا وماء ولا بكين عليك بدل الدموع دما.
ثواب الأعمال ص 82: بسنده عَن مُحَمَّدِ بنِ مُسلِمٍ عَن أَبي جَعفَرٍ (عليه السلام) قالَ كانَ عَلي بنُ الحُسَينِ (عليه السلام) يقولُ أَيما مُؤمِنٍ دَمَعَت عَيناهُ لِقَتلِ الحُسَينِ (عليه السلام) حَتَّى تَسيلَ عَلَى خَدِّهِ بَوأَهُ اللهُ تَعالَى بِها في الجَنَّةِ غُرَفا يسكُنُها أَحقابا وأَيما مُؤمِنٍ دَمَعَت عَيناهُ حَتَّى تَسيلَ عَلَى خَدَّيهِ فيما مَسَّنا مِنَ الأَذَى مِن عَدونا في الدُّنيا بَوأَهُ اللهُ مَنزِلَ صِدقٍ وأَيما مُؤمِنٍ مَسَّهُ أَذًى فينا فَدَمَعَت عَيناهُ حَتَّى تَسيلَ عَلَى خَدِّهِ مِن مَضاضَةٍ أَو أَذًى فينا صَرَفَ اللهُ مِن وجهِهِ الأَذَى وآمَنَهُ يومَ القيامَةِ مِن سَخَطِ النّارِ.، ورواه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ج 2/291.
(الخصال ج2) في حديث الأربعمائة: قال علي (عليه السلام) : إِنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالَى اطَّلَعَ إِلَى الأَرضِ فاختارَنا واختارَ لَنا شيعَةً ينصُرونَنا ويفرَحونَ لِفَرَحِنا ويحزَنونَ لِحُزنِنا ويبذُلونَ أَموالَهُم وأَنفُسَهُم فينا أولَئِكَ مِنّا وإِلَينا.
(امالي الشيخ الطوسي /121): بسنده عن عَن مُحَمَّدِ بنِ أَبي عُمارَةَ الكوفي، قالَ: سَمِعتُ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ (عَلَيهِما السَّلامُ) يقولُ: مَن دَمَعَت عَينُهُ دَمعَةً لِدَمٍ سُفِكَ لَنا، أَو حَقٍّ لَنا أُنقِصناهُ، أَو عِرضٍ انتُهِكَ لَنا، أَو حَدٍّ مِن شيعَتِنا، بَوأَهُ اللهُ (تَعالَى) بِها في الجَنَّةِ حُقُبا.
(كامل الزيارات ص 200): بسنده عَن أَبي هارونَ المَكفوفِ قالَ: قالَ أَبو عَبدِ الله (عليه السلام) في حَديثٍ طَويلٍ لَهُ ومَن ذُكِرَ الحُسَينُ (عليه السلام) عِندَهُ فَخَرَجَ مِن عَينِهِ [عَينَيهِ] مِنَ الدُّموعِ مِقدارُ جَناحِ ذُبابٍ كانَ ثَوابُهُ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ ولَم يرضَ لَهُ بِدونِ الجَنَّةِ.
«صفحة 316»
(كامل الزيارات ص 82): عَن أَبي بَصيرٍ قالَ: كُنتُ عِندَ أَبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام) أُحَدِّثُهُ فَدَخَلَ عَلَيهِ ابنُهُ فَقالَ لَهُ مَرحَبا وضَمَّهُ وقَبَّلَهُ وقالَ حَقَّرَ اللهُ مَن حَقَّرَكُم وانتَقَمَ مِمَّن وتَرَكُم وخَذَلَ اللهُ مَن خَذَلَكُم ولَعَنَ اللهُ مَن قَتَلَكُم وكانَ اللهُ لَكُم وليا وحافِظا وناصِرا فَقَد طالَ بُكاءُ النِّساءِ وبُكاءُ الأَنبياءِ- والصِّدّيقينَ والشُّهَداءِ ومَلائِكَةِ السَّماءِ ثُمَّ بَكَى وقالَ يا أَبا بَصيرٍ إِذا نَظَرتُ إِلَى ولدِ الحُسَينِ أَتاني ما لا أَملِكُهُ بِما أَتَى إِلَى أَبيهِم وإِلَيهِم ي… ثُمَّ قالَ لي يا أَبا بَصيرٍ أَ ما تُحِبُّ أَن تَكونَ فيمَن يسعِدُ فاطِمَةَ (عليها السلام) فَبَكَيتُ حينَ قالَها فَما قَدَرتُ عَلَى المَنطِقِ وما قَدَرَ عَلَى كَلامي مِنَ البُكاءِ ثُمَّ قامَ إِلَى المُصَلَّى يدعو- فَخَرَجتُ مِن عِندِهِ عَلَى تِلكَ الحال.
(امالي الصدوق ص 45): عَن عَلي بنِ الحَسَنِ بنِ عَلي بنِ فَضّالٍ عَن أَبيهِ قالَ قالَ الرِّضا (عليه السلام) مَن تَذَكَّرَ مُصابَنا وبَكَى لِما ارتُكِبَ مِنّا كانَ مَعَنا في دَرَجَتِنا يومَ القيامَةِ ومَن ذُكِّرَ بِمُصابِنا فَبَكَى وأَبكَى لَم تَبكِ عَينُهُ يومَ تَبكي العُيونُ ومَن جَلَسَ مَجلِسا يحيا فيهِ أَمرُنا لَم يمُت قَلبُهُ يومَ تَموتُ القُلوب.
(امالي المفيد ص 238): عَن أَبانِ بنِ تَغلِبَ عَن أَبي عَبدِ اللهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّد (عليه السلام) قالَ نَفَسُ المَهمومِ لِظُلمِنا تَسبيحٌ وهَمُّهُ لَنا عِبادَةٌ وكِتمانُ سِرِّنا جِهادٌ في سَبيلِ اللهِ ثُمَّ قالَ أَبو عَبدِ الله (عليه السلام) يجِبُ أَن يكتَبَ هَذا الحَديثُ بِالذَّهَب.
وفي رواية الكافي باب الكتمان من الأصول بسنده عن عيسى بن منصور قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول نَفَسُ المَهمومِ لَنا المُغتَمِّ لِظُلمِنا تَسبيحٌ وهَمُّهُ لِأَمرِنا عِبادَةٌ وكِتمانُهُ لِسِرِّنا جِهادٌ في سَبيلِ اللهِ .
«صفحة 317»
التأكيد على إنشاد الشعر في الحسين (عليه السلام) :
(الكامل في الزيارات ص 104): بسنده عَن أَبي هارونَ المَكفوفِ قالَ: قالَ لي أَبو عَبدِ اللهِ (عليه السلام) يا أَبا هارونَ- أَنشِدني في الحُسَينِ (عليه السلام) فَأَنشَدتُهُ فَقالَ أَنشِدني كَما تُنشِدونَ يعني بِالرَّقَّةِ قالَ فَأَنشَدتُهُ:
امرُر عَلَى جَدَثِ الحُسَينِ فَقُل لِأَعظُمِهِ الزَّكيه
– قالَ فَبَكَى ثُمَّ قالَ زِدني فَأَنشَدتُهُ القَصيدَةَ الأُخرَى قالَ فَبَكَى فَسَمِعتُ بُكاءً مِن خَلفِ السِّترِ فَلَمّا فَرَغتُ قالَ يا أَبا هارونَ- مَن أَنشَدَ في الحُسَينِ شِعرا فَبَكَى وأَبكَى عَشَرَةً كُتِبَت لَهُمُ الجَنَّةُ ومَن أَنشَدَ في الحُسَينِ شِعرا فَبَكَى وأَبكَى خَمسَةً كُتِبَت لَهُمُ الجَنَّةُ ومَن أَنشَدَ في الحُسَينِ شِعرا فَبَكَى وأَبكَى واحِدا كُتِبَت لَهُما الجَنَّةُ ومَن ذُكِرَ الحُسَينُ عِندَهُ فَخَرَجَ مِن عَينِهِ مِنَ الدَّمعِ مِقدارُ جَناحِ ذُبابٍ كانَ ثَوابُهُ عَلَى اللهِ ولَم يرضَ لَهُ بِدونِ الجَنَّةِ. ورواه الصدوق في ثواب الأعمال ص 47.
كامل الزيارات ص 325: عَن عَبدِ اللهِ بنِ حَمّادٍ عَن أَبي عَبدِ الله (عليه السلام) قالَ: بَلَغَني أَنَّ قَوما يأتونَهُ مِن نَواحي الكوفَةِ وناسا غَيرَهُم ونِساءً يندُبنَهُ وذَلِكَ في النِّصفِ مِن شَعبانَ- فَمِن بَينِ قارِئٍ يقرَأُ وقاصٍّ يقُصُّ ونادِبٍ يندُبُ وقائِلٍ يقولُ المَراثي، فَقُلتُ: لَهُ نَعَم، قَد شَهِدتُ بَعضَ ما تَصِفُهُ، فَقالَ: الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي جَعَلَ في النّاسِ مَن يفِدُ إِلَينا ويمدَحُنا ويرثي لَنا وجَعَلَ عَدونا مَن يطعُنُ عَلَيهِم مِن قَرابَتِنا وغَيرِهِم يهَدِّدونَهُم ويقَبِّحونَ ما يصنَعونَ.
بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج44، ص: 283: عَن زَيدٍ الشَّحّامِ قالَ: كُنّا عِندَ أَبي عَبدِ اللهِ ونَحنُ جَماعَةٌ مِنَ الكوفيينَ فَدَخَلَ جَعفَرُ بنُ عَفّانَ عَلَى
«صفحة 318»
أَبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام) فَقَرَّبَهُ وأَدناهُ ثُمَّ قالَ يا جَعفَرُ قالَ لَبَّيكَ جَعَلَني اللهُ فِداكَ قالَ بَلَغَني أَنَّكَ تَقولُ الشِّعرَ في الحُسَينِ وتُجيدُ فَقالَ لَهُ نَعَم جَعَلَني اللهُ فِداكَ قالَ قُل فَأَنشَدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ فَبَكَى ومَن حَولَهُ حَتَّى صارَتِ الدُّموعُ عَلَى وجهِهِ ولِحيتِهِ ثُمَّ قالَ يا جَعفَرُ واللهِ لَقَد شَهِدَت مَلائِكَةُ اللهِ المُقَرَّبونَ هاهُنا يسمَعونَ قَولَكَ في الحُسَينِ (عليه السلام) ولَقَد بَكَوا كَما بَكَينا وأَكثَرَ ولَقَد أَوجَبَ اللهُ تَعالَى لَكَ يا جَعفَرُ في ساعَتِهِ الجَنَّةَ بِأَسرِها وغَفَرَ اللهُ لَكَ فَقالَ يا جَعفَرُ أَ لا أَزيدُكَ قالَ نَعَم يا سَيدي قالَ ما مِن أَحَدٍ قالَ في الحُسَينِ شِعرا فَبَكَى وأَبكَى بِهِ إِلّا أَوجَبَ اللهُ لَهُ الجَنَّةَ وغَفَرَ لَهُ.
ثواب الاعمال ص85: عَن صالِحِ بنِ عُقبَةَ عَن أَبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام) قالَ: مَن أَنشَدَ في الحُسَينِ (عليه السلام) بَيتا مِن شِعرٍ فَبَكَى وأَبكَى عَشَرَةً فَلَهُ ولَهُمُ الجَنَّةُ فَلَم يزَل حَتَّى قالَ ومَن أَنشَدَ في الحُسَينِ (عليه السلام) شِعرا فَبَكَى وأَظُنُّهُ قالَ أَو تَباكَى فَلَهُ الجَنَّةُ.
ثواب الاعمال:ِ عَن أَبي عُمارَةَ المُنشِدِ عَن أَبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام) قالَ: قالَ لي يا أَبا عُمارَةَ أَنشِدني لِلعَبدي في الحُسَينِ (عليه السلام) قالَ فَأَنشَدتُهُ فَبَكَى قالَ ثُمَّ أَنشَدتُهُ فَبَكَى قالَ فَو اللهِ ما زِلتُ أُنشِدُهُ ويبكي حَتَّى سَمِعتُ البُكاءَ مِنَ الدّارِ فَقالَ لي يا أَبا عُمارَةَ مَن أَنشَدَ في الحُسَينِ بنِ عَلي (عليه السلام) فَأَبكَى خَمسينَ فَلَهُ الجَنَّةُ ومَن أَنشَدَ في الحُسَينِ (عليه السلام) فَأَبكَى أَربَعينَ فَلَهُ الجَنَّةُ ومَن أَنشَدَ في الحُسَينِ (عليه السلام) فَأَبكَى ثَلاثينَ فَلَهُ الجَنَّةُ ومَن أَنشَدَ في الحُسَينِ (عليه السلام) فَأَبكَى عِشرينَ فَلَهُ الجَنَّةُ ومَن أَنشَدَ في الحُسَينِ (عليه السلام) فَأَبكَى عَشَرَةً فَلَهُ الجَنَّةُ ومَن أَنشَدَ
«صفحة 319»
في الحُسَينِ شِعرا واحِدا فَلَهُ الجَنَّةُ ومَن أَنشَدَ في الحُسَينِ (عليه السلام) شِعرا فَبَكَى فَلَهُ الجَنَّةُ ومَن أَنشَدَ في الحُسَينِ (عليه السلام) شِعرا فَتَباكَى فَلَهُ الجَنَّةُ.. ورواه في الأمالي ص86 ط طهران سنة 1300.
(الاغاني ج 7ص7): عن التميمي عن أبية عن فضيل الرسان قال انشد جعفر بن محمد قصيده السيد الحميدي رحمه الله:
لام عمرو باللوا مربع
طامسة اعلامه بلقع
فسمعت النحيب من داره فسألني لمن هذه فأخبرته انها للسيد وسألني عنه فعرفته وفاته فقال رحمه الله.
التأكيد على زيارة قبر الحسين (عليه السلام) :
الوسائل بال المزار: عَن عَبدِ اللهِ بنِ الفَضلِ الهاشِمي قالَ: كُنتُ عِندَ أَبي عَبدِ اللهِ الصّادِقِ جَعفَرٍ (عليه السلام) – فَدَخَلَ رَجُلٌ مِن أَهلِ طوسَ فَقالَ يا ابنَ رَسولِ اللهِ- ما لِمَن زارَ قَبرَ أَبي عَبدِ اللهِ الحُسَينِ بنِ عَلي (عليه السلام) – فَقالَ مَن زارَ قَبرَ الحُسَينِ (عليه السلام) وهو يعلَمُ أَنَّهُ إِمامٌ مِن قِبَلِ اللهِ مُفتَرَضُ الطّاعَةِ عَلَى العِبادِ غَفَرَ اللهُ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وما تَأَخَّرَ وقَبِلَ شَفاعَتَهُ في خَمسينَ مُذنِبا ولَم يسأَلِ اللهَ عَزَّ وجَلَّ حاجَةً عِندَ قَبرِهِ إِلّا قَضاها لَهُ.
الوسائل باب المزار ج14 ص429: عَنِ الحَلَبي عَن أَبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام) قالَ: قُلتُ لَهُ ما تَقولُ فيمَن تَرَكَ زيارَةَ الحُسَينِ- وهو يقدِرُ عَلَى ذَلِكَ قالَ إِنَّهُ قَد عَقَّ رَسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) – وعَقَّنا واستَخَفَّ بِأَمرٍ هو لَهُ ومَن زارَهُ كانَ اللهُ لَهُ مِن وراءِ حَوائِجِهِ وكَفَى ما أَهَمَّهُ مِن أَمرِ دُنياهُ وإِنَّهُ يجلِبُ الرِّزقَ عَلَى العَبدِ ويخلِفُ عَلَيهِ ما ينفِقُ ويغفِرُ لَهُ ذُنوبَ خَمسينَ سَنَةً ويرجِعُ إِلَى أَهلِهِ وما عَلَيهِ وزرٌ ولا خَطيئَةٌ إِلّا وقَد مُحيت مِن صَحيفَتِهِ فَإِن هَلَكَ في سَفرَتِهِ نَزَلَتِ المَلائِكَةُ
«صفحة 320»
فَغَسَّلَتهُ وفُتِحَ لَهُ بابٌ إِلَى الجَنَّةِ فَيدخُلُ عَلَيهِ رَوحُها حَتَّى ينشَرَ وإِن سَلِمَ فُتِحَ لَهُ البابُ الَّذي ينزِلُ مِنهُ رِزقُهُ ويجعَلُ لَهُ بِكُلِّ دِرهَمٍ أَنفَقَهُ عَشَرَةُ آلافِ دِرهَمٍ وادُّخِرَ ذَلِكَ لَهُ فَإِذا حُشِرَ قيلَ لَهُ لَكَ بِكُلِّ دِرهَمٍ عَشَرَةُ آلافِ دِرهَمٍ إِنَّ اللهَ نَظَرَ لَكَ فَذَخَرَها لَكَ عِندَهُ.
الوسائل باب المزار:ٍ عَن أُمِّ سَعيدٍ الأَحمَسيةِ قالَت جِئتُ إِلَى أَبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام) فَدَخَلتُ عَلَيهِ فَجاءَتِ الجاريةُ فَقالَت قَد جِئتُكِ بِالدّابَّةِ فَقالَ يا أُمَّ سَعيدٍ أَي شَيءٍ هَذِهِ الدّابَّةُ أَينَ تَبغينَ تَذهَبينَ قالَت أَزورُ قُبورَ الشُّهَداءِ فَقالَ ما أَعجَبَكُم يا أَهلَ العِراقِ تَأتونَ الشُّهَداءَ مِن سَفَرٍ بَعيدٍ وتَترُكونَ سَيدَ الشُّهَداءِ لا تَأتونَهُ قالَت قُلتُ لَهُ مَن سَيدُ الشُّهَداءِ قالَ الحُسَينُ بنُ عَلي قُلتُ إِنّي امرَأَةٌ فَقالَ لا بَأسَ لِمَن كانَ مِثلَكِ أَن تَذهَبَ إِلَيهِ وتَزورَهُ قالَت قُلتُ أَي شَيءٍ لَنا في زيارَتِهِ قالَ تَعدِلُ حَجَّةً وعُمرَةً واعتِكافَ شَهرَينِ في المَسجِدِ الحَرامِ وصيامَهُما وخَيرٌ مِنها قالَت وبَسَطَ يدَهُ وضَمَّها ثَلاثَ مَرّاتٍ.
كامل الزيارات ص101: عَن مِسمَعِ بنِ عَبدِ المَلِكِ كِردينٍ البَصري قالَ: قالَ لي أَبو عَبدِ اللهِ (عليه السلام) يا مِسمَعُ أَنتَ مِن أَهلِ العِراقِ أَ ما تَأتي قَبرَ الحُسَينِ (عليه السلام) قُلتُ لا أَنا رَجُلٌ مَشهورٌ عِندَ أَهلِ البَصرَةِ وعِندَنا مَن يتَّبِعُ هَوى هَذا الخَليفَةِ وعَدونا كَثيرٌ مِن أَهلِ القَبائِلِ مِنَ النُّصّابِ وغَيرِهِم ولَستُ آمَنُهُم أَن يرفَعوا حالي عِندَ ولدِ سُلَيمانَ فَيمَثِّلونَ بي قالَ لي أَ فَما تَذكُرُ ما صُنِعَ بِهِ قُلتُ نَعَم قالَ فَتَجزَعُ قُلتُ إي واللهِ وأَستَعبِرُ لِذَلِكَ حَتَّى يرَى أَهلي أَثَرَ ذَلِكَ عَلَي فَأَمتَنِعُ مِنَ الطَّعامِ حَتَّى يستَبينَ ذَلِكَ في وجهي قالَ رَحِمَ اللهُ دَمعَتَكَ- أَما إِنَّكَ مِنَ الَّذينَ يعَدّونَ مِن أَهلِ الجَزَعِ لَنا والَّذينَ يفرَحونَ لِفَرَحِنا ويحزَنونَ لِحُزنِنا
«صفحة 321»
ويخافونَ لِخَوفِنا ويأمَنونَ إِذا أَمِنّا أَما إِنَّكَ سَتَرَى عِندَ مَوتِكَ حُضورَ آبائي لَكَ- ووصيتَهُم مَلَكَ المَوتِ بِكَ وما يلقَونَكَ بِهِ مِنَ البِشارَةِ أَفضَلُ ولَمَلَكُ المَوتِ أَرَقُّ عَلَيكَ وأَشَدُّ رَحمَةً لَكَ مِنَ الأُمِّ الشَّفيقَةِ عَلَى ولَدِها قالَ ثُمَّ استَعبَرَ واستَعبَرتُ مَعَهُ- فَقالَ الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي فَضَّلَنا عَلَى خَلقِهِ بِالرَّحمَة.
الكافي: عَن أَبانِ بنِ تَغلِبَ قالَ قالَ أَبو عَبدِ اللهِ (عليه السلام) إِنَّ أَربَعَةَ آلافِ مَلَكٍ عِندَ قَبرِ الحُسَينِ (عليه السلام) شُعثٌ غُبرٌ يبكونَهُ إِلَى يومِ القيامَةِ رَئيسُهُم مَلَكٌ يقالُ لَهُ مَنصورٌ فَلا يزورُهُ زائِرٌ إِلّا استَقبَلوهُ ولا يودِّعُهُ مودِّعٌ إِلّا شَيعوهُ ولا مَرِضَ إِلّا عادوهُ ولا يموتُ إِلّا صَلَّوا عَلَى جِنازَتِهِ واستَغفَروا لَهُ بَعدَ مَوتِهِ.
الوسائل بال المزار: عَن مُثَنًّى الحَنّاطِ عَن أَبي الحَسَنِ الأَولِ (عليه السلام) قالَ سَمِعتُهُ يقولُ مَن أَتَى الحُسَينَ عارِفا بِحَقِّهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وما تَأَخَّرَ.
استحباب الزيارة ولو بمشقة:
كامل الزيارات ص 135: عَنِ ابنِ بُكَيرٍعَن أَبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام) قالَ: قُلتُ لَهُ إِنّي أَنزِلُ الأَرَّجانَ وقَلبي ينازِعُني إِلَى قَبرِ أَبيكَ فَإِذا خَرَجتُ فَقَلبي وجِلٌ مُشفِقٌ حَتَّى أَرجِعَ خَوفا مِنَ السُّلطانِ والسُّعاةِ وأَصحابِ المَسالِحِ فَقالَ يا ابنَ بُكَيرٍ أَ ما تُحِبُّ أَن يراكَ اللهُ فينا خائِفا أَ ما تَعلَمُ أَنَّهُ مَن خافَ لِخَوفِنا أَظَلَّهُ اللهُ في ظِلِّ عَرشِهِ وكانَ مُحَدِّثُهُ الحُسَينَ (عليه السلام) تَحتَ العَرشِ وآمَنَهُ اللهُ مِن أَفزاعِ يومِ القيامَةِ يفزَعُ النّاسُ ولا يفزَعُ فَإِن فَزِعَ وقَّرَتهُ [قَوتهُ] المَلائِكَةُ وسَكَّنَت قَلبَهُ بِالبِشارَة.
في كامل الزيارات ص116: مُعاويةَ بنِ وهبٍ عَن أَبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام) قالَ: قالَ لي يا مُعاويةُ لا تَدَع زيارَةَ الحُسَينِ (عليه السلام) لِخَوفٍ- فَإِنَّ مَن تَرَكَهُ رَأَى مِنَ
«صفحة 322»
الحَسرَةِ ما يتَمَنَّى أَنَّ قَبرَهُ كانَ عِندَهُ أَ ما تُحِبُّ أَن يرَى اللهُ شَخصَكَ وسَوادَكَ فيمَن يدعو لَهُ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وعَلي وفاطِمَةُ والأَئِمَّةُ ع- أَ ما تُحِبُّ أَن تَكونَ مِمَّن ينقَلِبُ بِالمَغفِرَةِ لِما مَضَى ويغفَرَ لَكَ ذُنوبُ سَبعينَ سَنَةً أَ ما تُحِبُّ أَن تَكونَ مِمَّن يخرُجُ مِنَ الدُّنيا ولَيسَ عَلَيهِ ذَنبٌ تتبع [يتبَعُ] بِهِ أَ ما تُحِبُّ أَن تَكونَ غَدا مِمَّن يصافِحُهُ رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) – حَدَّثَني أَبي رَحِمَهُ اللهُ وجَماعَةُ مَشايخي عَن سَعدٍ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عيسَى عَن عَبدِ اللهِ بنِ حَمّادٍ عَن عَبدِ اللهِ الأَصَمِّ عَن مُعاويةَ بنِ وهب.
التأكيد على إقامة المصيبة يوم العاشر من المحرم والأدب فيه:
كامل الزيارات ص175: وقال الباقر (عليه السلام) ثُمَّ ليندُبِ الحُسَينَ (عليه السلام) ويبكيهِ ويأمُرُ مَن في دارِهِ مِمَّن لا يتَّقيهِ بِالبُكاءِ عَلَيهِ ويقيمُ في دارِهِ المُصيبَةَ بِإِظهارِ الجَزَعِ عَلَيهِ وليعَزِّ بَعضُهُم بَعضا بِمُصابِهِم بِالحُسَينِ (عليه السلام) وأَنا الضّامِنُ لَهُم إِذا فَعَلوا ذَلِكَ عَلَى اللهِ تَعالَى جَميعَ ذَلِكَ قُلتُ جُعِلتُ فِداكَ أَنتَ الضّامِنُ ذَلِكَ لَهُم والزَّعيمُ قالَ أَنا الضّامِنُ وأَنا الزَّعيمُ لِمَن فَعَلَ ذَلِكَ قُلتُ فَكَيفَ يعَزّي بَعضُنا بَعضا قالَ تَقولونَ أَعظَمَ اللهُ أُجورَنا بِمُصابِنا بِالحُسَينِ وجَعَلَنا وإياكُم مِنَ الطّالِبينَ بِثَأرِهِ مَعَ وليهِ الإِمامِ المَهدي مِن آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) .
وإِنِ استَطَعتَ أَن لا تَنتَشِرَ يومَكَ في حاجَةٍ فافعَل فَإِنَّهُ يومٌ نَحسٌ لا تُقضَى فيهِ حاجَةُ مُؤمِنٍ فَإِن قُضيت لَم يبارَك ولَم يرَ فيها رُشدا ولا يدَّخِرَنَّ أَحَدُكُم لِمَنزِلِهِ فيهِ شَيئا فَمَنِ ادَّخَرَ في ذَلِكَ اليومِ شَيئا لَم يبارَك لَهُ فيما ادَّخَرَهُ ولَم يبارَك لَهُ في أَهلِهِ فَإِذا فَعَلوا ذَلِكَ كَتَبَ اللهُ تَعالَى لَهُم ثَوابَ أَلفِ حِجَّةٍ وأَلفِ عُمرَةٍ وأَلفِ غَزوةٍ كُلُّها مَعَ رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وكانَ لَهُ أَجرُ وثَوابُ مُصيبَةِ كُلِّ
«صفحة 323»
نَبي ورَسولٍ ووصي وصِدّيقٍ وشَهيدٍ ماتَ أَو قُتِلَ مُنذُ خَلَقَ اللهُ الدُّنيا إِلَى أَن تَقومَ السّاعَةُ.
امالي الصدوق: عَن إِبراهيمَ بنِ أَبي مَحمودٍ قالَ قالَ الرِّضا (عليه السلام) إِنَّ المُحَرَّمَ شَهرٌ كانَ أَهلُ الجاهِليةِ يحَرِّمونَ فيهِ القِتالَ فاستُحِلَّت فيهِ دِماؤُنا وهُتِكَ فيهِ حُرمَتُنا وسُبي فيهِ ذَرارينا ونِساؤُنا وأُضرِمَتِ النّيرانُ في مَضارِبِنا وانتُهِبَ ما فيها مِن ثَقَلِنا ولَم تُرعَ لِرَسولِ اللهِ حُرمَةٌ في أَمرِنا إِنَّ يومَ الحُسَينِ أَقرَحَ جُفونَنا وأَسبَلَ دُموعَنا وأَذَلَّ عَزيزَنا بِأَرضِ كَربٍ وبَلاءٍ وأَورَثَتنا [يا أَرضَ كَربٍ وبَلاءٍ أَورَثتِنا] الكَربَ [و] البَلاءَ إِلَى يومِ الِانقِضاءِ فَعَلَى مِثلِ الحُسَينِ فَليبكِ الباكونَ فَإِنَّ البُكاءَ يحُطُّ الذُّنوبَ العِظامَ ثُمَّ قالَ (عليه السلام) كانَ أَبي (عليه السلام) إِذا دَخَلَ شَهرُ المُحَرَّمِ لا يرَى ضاحِكا وكانَتِ الكِئابَةُ تَغلِبُ عَلَيهِ حَتَّى يمضي مِنهُ عَشَرَةُ أَيامٍ فَإِذا كانَ يومُ العاشِرِ كانَ ذَلِكَ اليومُ يومَ مُصيبَتِهِ وحُزنِهِ وبُكائِهِ ويقولُ هو اليومُ الَّذي قُتِلَ فيهِ الحُسَينُ (عليه السلام) .
الشيخ في المصباح ص547: رَوى عَبدُ اللهِ بنُ سِنانٍ قالَ دَخَلتُ عَلَى سَيدي أَبي عَبدِ اللهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) في يومِ عاشوراءَ فَأَلفَيتُهُ كاسِفَ اللَّونِ ظاهِرَ الحُزنِ ودُموعُهُ تَنحَدِرُ مِن عَينَيهِ كاللُّؤلُؤِ المُتَساقِطِ فَقُلتُ يا ابنَ رَسولِ اللهِ مِمَّ بُكاؤُكَ لا أَبكَى اللهُ عَينَيكَ فَقالَ لي أَ وفي غَفلَةٍ أَنتَ أَ ما عَلِمتَ أَنَّ الحُسَينَ بنَ عَلي أُصيبَ في مِثلِ هَذا اليومِ فَقُلتُ يا سَيدي فَما قَولُكَ في صَومِهِ فَقالَ لي صُمهُ مِن غَيرِ تَبييتٍ وأَفطِرهُ مِن غَيرِ تَشميتٍ ولا تَجعَلهُ يومَ صَومٍ كَمَلًا وليكُن إِفطارُكَ بَعدَ صَلاةِ العَصرِ بِساعَةٍ عَلَى شَربَةٍ مِن ماءٍ فَإِنَّهُ في مِثلِ ذَلِكَ الوقتِ مِن ذَلِكَ اليومِ تَجَلَّتِ الهَيجاءُ عَن آلِ رَسولِ اللهِ وانكَشَفَتِ المَلحَمَةُ
«صفحة 324»
عَنهُم وفي الأَرضِ مِنهُم ثَلاثونَ صَريعا في مَواليهِم يعِزُّ عَلَى رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) مَصرَعُهُم ولَو كانَ في الدُّنيا يومَئِذٍ حَيا لَكانَ (صلى الله عليه وآله) هو المُعَزَّى بِهِم.
ٍ إِنَّ أَفضَلَ ما تَأتي بِهِ في هَذا اليومِ أَن تَعمِدَ إِلَى ثيابٍ طاهِرَةٍ فَتَلبَسَها وتَتَسَلَّبَ قُلتُ وما التَّسَلُّبُ قالَ تُحَلِّلُ أَزرارَكَ وتَكشِفُ عَن ذِراعَيكَ كَهَيئَةِ أَصحابِ المَصائِبِ.
استحباب ذكر الحسين عند شرب الماء:
كامل الزيارات ص106: عَن داودَ الرَّقّي قالَ: كُنتُ عِندَ أَبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام) إِذا استَسقَى الماءَ فَلَمّا شَرِبَهُ رَأَيتُهُ قَدِ استَعبَرَ واغرَورَقَت عَيناهُ بِدُموعِهِ ثُمَّ قالَ لي يا داودُ لَعَنَ اللهُ قاتِلَ الحُسَينِ (عليه السلام) فَما مِن عَبدٍ شَرِبَ الماءَ فَذَكَرَ الحُسَينَ (عليه السلام) ولَعَنَ قاتِلَهُ إِلّا كَتَبَ اللهُ لَهُ مِائَةَ أَلفِ حَسَنَةٍ وحَطَّ عَنهُ مِائَةَ أَلفِ سَيئَةٍ ورَفَعَ لَهُ مِائَةَ أَلفِ دَرَجَةٍ وكَأَنَّما أَعتَقَ مِائَةَ أَلفِ نَسَمَةٍ وحَشَرَهُ اللهُ تَعالَى يومَ القيامَةِ ثَلِجَ الفُؤاد.
استحباب إظهار معالم الحزن:
(المحاسن ج 1/420): عَنِ الحَسَنِ بنِ ظَريفِ بنِ ناصِحٍ عَن أَبيهِ عَنِ الحُسَينِ بنِ زَيدٍ عَن عُمرَ بنِ عَلي بنِ الحُسَينِ قالَ: لَمّا قُتِلَ الحُسَينُ بنُ عَلي (عليه السلام) – لَبِسَ نِساءُ بَني هاشِمٍ السَّوادَ والمُسوحَ وكُنَّ لا يشتَكينَ مِن حَرٍّ ولا بَردٍ وكانَ عَلي بنُ الحُسَينِ (عليه السلام) يعمَلُ لَهُنَّ الطَّعامَ لِلمَأتَمِ.
حديث جامع في ذكر مصيبة الحسين (عليه السلام) :
(امالي الصدوق ص79): مِ عَنِ الرَّيانِ بنِ شَبيبٍ قالَ: دَخَلتُ عَلَى الرِّضا (عليه السلام) في أَولِ يومٍ مِنَ المُحَرَّمِ فقالَ :
«صفحة 325»
يا ابنَ شَبيبٍ إِنَّ المُحَرَّمَ هو الشَّهرُ الَّذي كانَ أَهلُ الجاهِليةِ فيما مَضَى يحَرِّمونَ فيهِ الظُّلمَ والقِتالَ لِحُرمَتِهِ فَما عَرَفَت هَذِهِ الأُمَّةُ حُرمَةَ شَهرِها ولا حُرمَةَ نَبيها (صلى الله عليه وآله) لَقَد قَتَلوا في هَذا الشَّهرِ ذُرّيتَهُ وسَبَوا نِساءَهُ وانتَهَبوا ثَقَلَهُ فَلا غَفَرَ اللهُ لَهُم ذَلِكَ أَبَدا.
يا ابنَ شَبيبٍ إِن كُنتَ باكيا لِشَيءٍ فابكِ لِلحُسَينِ بنِ عَلي بنِ أَبي طالِبٍ (عليه السلام) فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَما يذبَحُ الكَبشُ وقُتِلَ مَعَهُ مِن أَهلِ بَيتِهِ ثَمانيةَ عَشَرَ رَجُلًا ما لَهُم في الأَرضِ شَبيهونَ ولَقَد بَكَتِ السَّماواتُ السَّبعُ والأَرَضونَ لِقَتلِهِ ولَقَد نَزَلَ إِلَى الأَرضِ مِنَ المَلائِكَةِ أَربَعَةُ آلافٍ لِنَصرِهِ فَوجَدوهُ قَد قُتِلَ فَهُم عِندَ قَبرِهِ شُعثٌ غُبرٌ إِلَى أَن يقومَ القائِمُ فَيكونونَ مِن أَنصارِهِ وشِعارُهُم يا لَثاراتِ الحُسَينِ.
يا ابنَ شَبيبٍ لَقَد حَدَّثَني أَبي عَن أَبيهِ عَن جَدِّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ لَمّا قُتِلَ الحُسَينُ جَدّي (صلى الله عليه وآله) مَطَرَتِ السَّماءُ دَما وتُرابا أَحمَرَ.
يا ابنَ شَبيبٍ إِن بَكَيتَ عَلَى الحُسَينِ (عليه السلام) حَتَّى تَصيرَ دُموعُكَ عَلَى خَدَّيكَ غَفَرَ اللهُ لَكَ كُلَّ ذَنبٍ أَذنَبتَهُ صَغيرا كانَ أَو كَبيرا قَليلًا كانَ أَو كَثيرا.
يا ابنَ شَبيبٍ إِن سَرَّكَ أَن تَلقَى اللهَ عَزَّ وجَلَّ ولا ذَنبَ عَلَيكَ فَزُرِ الحُسَينَ ع.
يا ابنَ شَبيبٍ إِن سَرَّكَ أَن تَسكُنَ الغُرَفَ المَبنيةَ في الجَنَّةِ مَعَ النَّبي وآلِهِ (صلى الله عليه وآله) فالعَن قَتَلَةَ الحُسَينِ.
يا ابنَ شَبيبٍ إِن سَرَّكَ أَن تَكونَ لَكَ مِنَ الثَّوابِ مِثلَ ما لِمَنِ استُشهِدَ مَعَ الحُسَينِ (عليه السلام) فَقُل مَتَى ما ذَكَرتَهُ يا لَيتَني كُنتُ مَعَهُم فَأَفوزَ فَوزا عَظيما. يا ابنَ شَبيبٍ إِن سَرَّكَ أَن تَكونَ مَعَنا في الدَّرَجاتِ العُلَى مِنَ الجِنانِ فاحزَن لِحُزنِنا وافرَح لِفَرَحِنا وعَلَيكَ بِولايتِنا فَلَو أَنَّ رَجُلًا تَولَّى حَجَرا لَحَشَرَهُ اللهُ مَعَهُ يومَ القيامَةِ..
«صفحة 326»
ملحق رقم (2) المهدي المنتظر والأخذ بثأر الحسين (عليه السلام) :
ظهور المهدي (عج) يوم العاشر من محرم:
كمال الدين –عَن أَبي بَصيرٍ قالَ قالَ أَبو جَعفَرٍ (عليه السلام) يخرُجُ القائِمُ (عليه السلام) يومَ السَّبتِ يومَ عاشوراءَ يومَ الَّذي قُتِلَ فيهِ الحُسَينُ (عليه السلام) . وروى نحوه في غيبة النعماني بسنده عن أبي بصير.
الإرشاد للمفيد: عَن أَبي بَصيرٍ قالَ قالَ أَبو عَبدِ اللهِ (عليه السلام) ينادَى بِاسمِ القائِمِ (عليه السلام) في لَيلَةِ ثَلاثٍ وعِشرينَ ويقومُ في يومِ عاشوراءَ وهو اليومُ الَّذي قُتِلَ فيهِ الحُسَينُ بنُ عَلي (عليه السلام) لَكَأَنّي بِهِ في يومِ السَّبتِ العاشِرِ مِنَ المُحَرَّمِ قائِما بَينَ الرُّكنِ والمَقامِ جَبرَئيلُ (عليه السلام) عَن يدِهِ اليمنَى ينادي البَيعَةَ لِلَّهِ فَتَصيرُ إِلَيهِ شيعَتُهُ مِن أَطرافِ الأَرضِ تُطوى لَهُم طَيا حَتَّى يبايعوهُ فَيملَأُ اللهُ بِهِ الأَرضَ عَدلًا كَما مُلِئَت ظُلما وجَورا.
غيبة الشيخ الطوسي: عَلي بنِ مَهزيارَ قالَ قالَ أَبو جَعفَرٍ (عليه السلام) كَأَنّي بِالقائِمِ يومَ عاشوراءَ يومَ السَّبتِ قائِما بَينَ الرُّكنِ والمَقامِ بَينَ يدَيهِ جَبرَئيلُ (عليه السلام) ينادي البَيعَةَ لِلَّهِ فَيملَأُها عَدلًا كَما مُلِئَت ظُلما وجَورا.
الأربعين للخاتون ابادي – قال الحديث الثاني والثلاثون قال فضل بن شاذان حدثنا احمد بن محمد بن أبي نصر قال حدثنا عاصم بن حميد قال حثنا محمد بن مسلم قال: سال رجل أبا عبد الله (عليه السلام) متى يظهر قائمكم قال اذا كثر الغواية وقل الهداية وكثر الجور والفساد وقل الإصلاح والسداد واكتفى الرجال الرجال والنساء بالنساء ومال الفقهاء الى الدنيا فعند ذلك ينادي باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ويقوم في يوم عاشوراء،
«صفحة 327»
فكأني انظر إليه قائما بين الركن والمقام وينادي جبرئيل بين يديه: البيعة لله، فتقبل شيعته إليه من أطراف الأرض .. ثم يسير إلى الكوفة فينزل على نجفها ثم يفرق الجنود منها إلى الامصار…
كشف الاستار – اخرج أبو العبا الدمشقي القرماني في كتاب اخبار الدول عن أبي بصير عن أبي عبد اله (عليه السلام) قال: لا يخرج القائم الا في وتر من السنين إحدى أو ثلاث أو خمس ان سبع أو تسع، ويقوم في عاشور، ويظهر يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين الركن والمقام وشخص قائم على يديه ينادي: البيعة، البيعة، فيسير إليه أنصاره من أطراف الأرض يبايعونه فيملأ الله تعالى به الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما ثم يسير عن مكة حتى أتي الكوفة فينزل على نجفها ثم يفرق الجنود منها إلى جميع الامصار.
البرهان في علامات مهدي آخر (ب 6) عن أبى جعفر (رض) قال: يظهر المهدي في يوم عاشوراء وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليه السلام) وكأني به يوم السبت العاشر من المحرم قائم بين الركن والقوم جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ونصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوي لهم طيا حتى يبايعون فيملأ بهم الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما. (منتخب الاثر في الإمام الثاني عشر 464-465).
المهدي المنتظر يأخذ بثأر الحسين (عليه السلام) :
عيون اخبار الرضا ج1/273 عن الصدوق حَدَّثَنا أَحمَدُ بنُ زيادِ بنِ جَعفَرٍ الهَمَداني رَضي اللهُ عَنهُ قالَ حَدَّثَنا عَلي بنُ إِبراهيمَ بنِ هاشِمٍ عَن أَبيهِ عَن عَبدِ السَّلامِ بنِ صالِحٍ الهَرَوي قالَ: قُلتُ لِأَبي الحَسَنِ الرِّضا (عليه السلام) يا ابنَ رَسولِ
«صفحة 328»
اللهِ ما تَقولُ في حَديثٍ روي عَنِ الصّادِقِ (عليه السلام) أَنَّهُ قالَ إِذا خَرَجَ القائِمُ (عليه السلام) قَتَلَ ذَراري قَتَلَةِ الحُسَينِ (عليه السلام) بِفِعالِ آبائِهِم فَقالَ (عليه السلام) هو كَذَلِكَ فَقُلتُ وقَولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وزرَ أُخرى ما مَعناهُ قالَ صَدَقَ اللهُ في جَميعِ أَقوالِهِ ولَكِن ذَراري قَتَلَةِ الحُسَينِ (عليه السلام) يرضَونَ بِأَفعالِ آبائِهِم ويفتَخِرونَ بِها ومَن رَضي شَيئا كانَ كَمَن أَتاهُ ولَو أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ بِالمَشرِقِ فَرَضي بِقَتلِهِ رَجُلٌ في المَغرِبِ لَكانَ الرّاضي عِندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ شَريكَ القاتِلِ وإِنَّما يقتُلُهُمُ القائِمُ (عليه السلام) إِذا خَرَجَ لِرِضاهُم بِفِعلِ آبائِهِم قالَ فَقُلتُ لَهُ بِأَي شَيءٍ يبدَأُ القائِمُ (عليه السلام) مِنكُم إِذا قامَ قالَ يبدَأُ بِبَني شَيبَةَ فَيقاطِعُ أَيديهُم لِأَنَّهُم سُرّاقُ بَيتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
حلية الابرار ج 2/ 677 – عن العياشي في تفسيره عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: «و مَن قُتِلَ مَظلوما فَقَد جَعَلنا لِوليهِ سُلطانا- فَلا يسرِف في القَتلِ إِنَّهُ كانَ مَنصورا» قال: هو الحسين بن علي (عليه السلام) قتل مظلوما ونحن أولياؤه، والقائم منا إذا قام منا طلب بثار الحسين، فيقتل حتى يقال قد أسرف في القتل، وقال: [المسى] المقتول الحسين (عليه السلام) ووليه القائم، والإسراف في القتل- أن يقتل غير قاتله إِنَّهُ كانَ مَنصورا، فإنه لا يذهب من الدنيا- حتى ينتصر برجل من آل رسول الله ص، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. (العياشي 2/290)
حلية الابرار 2/676، عن علل الشرائع عَن أَبي حَمزَةَ ثابِتِ بنِ دينارٍ الثُّمالي قالَ سَأَلتُ أَبا جَعفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلي الباقِرِ (عليه السلام) فَقُلتُ يا ابنَ رَسولِ اللهِ فَلَستُم كُلُّكُم قائِمينَ بِالحَقِّ قالَ بَلَى قُلتُ فَلِمَ سُمّي القائِمُ قائِما قالَ لَمّا قُتِلَ جَدّي الحُسَينُ (عليه السلام) ضَجَّت عَلَيهِ المَلائِكَةُ إِلَى اللهِ تَعالَى بِالبُكاءِ والنَّحيبِ وقالوا
«صفحة 329»
إِلَهَنا وسَيدَنا أَ تَغفَلُ عَمَّن قَتَلَ صَفوتَكَ وابنَ صَفوتِكَ وخيرَتِكَ مِن خَلقِكَ فَأَوحَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ إِلَيهِم قَرّوا مَلائِكَتي فَو عِزَّتي وجَلالي لَأَنتَقِمَنَّ مِنهُم ولَو بَعدَ حينٍ ثُمَّ كَشَفَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَنِ الأَئِمَّةِ مِن ولدِ الحُسَينِ (عليه السلام) لِلمَلائِكَةِ فَسُرَّتِ المَلائِكَةُ بِذَلِكَ فَإِذا أَحَدُهُم قائِمٌ يصَلّي فَقالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بِذَلِكَ القائِمُ أَنتَقِمُ مِنهُم (علل ج 1/160).
حلية الأبرار ج 2/677- عن ابن قولويه عَن مُحَمَّدِ بنِ سِنانٍ عَن رَجُلٍ قالَ: سَأَلتُ عَن أَبي عَبدِ اللهِ (عليه السلام) في قَولِهِ تَعالَى- ومَن قُتِلَ مَظلوما فَقَد جَعَلنا لِوليهِ سُلطانا فَلا يسرِف في القَتلِ إِنَّهُ كانَ مَنصورا قالَ ذَلِكَ قائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ يخرُجُ فَيقتُلُ بِدَمِ الحُسَينِ (عليه السلام) فَلَو قَتَلَ أَهلَ الأَرضِ لَم يكُن مُسرِفا وقَولُهُ فَلا يسرِف في القَتلِ لَم يكُن ليصنَعَ شَيئا يكونُ سَرَفا ثُمَّ قالَ أَبو عَبدِ اللهِ (عليه السلام) يقتُلُ واللهِ ذَراري قَتَلَةِ الحُسَينِ (عليه السلام) بِفَعالِ آبائِها. (كامل الزيارات / 63).
بحار ج 102/86 – عن مصباح الزائر في زيارة الحجة (عج). . السلام عليك يا طالب ثار الأنبياء، وأبناء الأنبياء والثائر بدم المقتول بكربلاء…
وفي دعاء الندبة
اين الطالب بذحول الأنبياء وأولاد الأنبياء.
اين الطالب بدم المقتول بكربلاء…
مصباح الشيخ الطوسي /713-714 عن صالح بن عقبة عن أبية قال قُلتُ فَكَيفَ يعَزّي بَعضُنا بَعضا قالَ تَقولونَ أَعظَمَ اللهُ أُجورَنا بِمُصابِنا بِالحُسَينِ وجَعَلَنا وإياكُم مِنَ الطّالِبينَ بِثَأرِهِ مَعَ وليهِ مصباح المتهجد والإِمامِ المَهدي مِن آلِ مُحَمَّدٍ(صلى الله عليه وآله) .
«صفحة 330»
شعار أصحاب القائم يالثارات الحسين:
البحار ج 52/308 : عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في صفة أصحاب القائم (عليه السلام) : … كَأَنَّ قُلوبَهُم زُبَرُ الحَديدِ لا يشوبُها شَكٌّ في ذاتِ اللهِ أَشَدُّ مِنَ الحَجَرِ لَو حَمَلوا عَلَى الجِبالِ لَأَزالوها لا يقصِدونَ بِراياتِهِم بَلدَةً إِلّا خَرَّبوها كَأَنَّ عَلَى خُيولِهِمُ العِقبانَ يتَمَسَّحونَ بِسَرجِ الإِمامِ (عليه السلام) يطلُبونَ بِذَلِكَ البَرَكَةَ ويحُفّونَ بِهِ يقونَهُ بِأَنفُسِهِم في الحُروبِ ويكفونَهُ ما يريدُ فيهِم رِجالٌ لا ينامونَ اللَّيلَ لَهُم دَوي في صَلاتِهِم كَدَوي النَّحلِ يبيتونَ قياما عَلَى أَطرافِهِم ويصبِحونَ عَلَى خُيولِهِم رُهبانٌ بِاللَّيلِ لُيوثٌ بِالنَّهارِ هُم أَطوعُ لَهُ مِنَ الأَمَةِ لِسَيدِها كالمَصابيحِ كَأَنَّ قُلوبَهُمُ القَناديلُ وهُم مِن خَشيةِ اللهِ مُشفِقونَ يدعونَ بِالشَّهادَةِ ويتَمَنَّونَ أَن يقتَلوا في سَبيلِ اللهِ شِعارُهُم يا لَثاراتِ الحُسَينِِ.
الإعداد لنصرة القائم:
بحار ج 101/210 – في زيارة الحسين (عليه السلام) .
… السَّلامُ عَلَيكَ يا ابنَ رَسولِ اللهِ إِن لَم يكُن أَدرَكتُ نُصرَتَكَ بيدي فَها أَنا ذا وافِدٌ إِلَيكَ بِنَصري قَد أَجابَكَ سَمعي وبَصَري وبَدَني ورَأيي وهَواي عَلَى التَّسليمِ لَكَ ولِلخَلَفِ الباقي مِن بَعدِكَ والأَدِلّاءِ عَلَى اللهِ مِن ولدِكَ فَنُصرَتي لَكُم مُعَدَّةٌ حَتَّى يحكُمَ اللهُ وهو خَيرُ الحاكِمين.
مكيال المكارم ج 2/423 – عن الغيبة للنعماني عَن أَبي بَصيرٍ قالَ قالَ أَبو عَبدِ اللهِ (عليه السلام) لَيعِدَّنَّ أَحَدُكُم لِخُروجِ القائِمِ ولَو سَهما فَإِنَّ اللهَ تَعالَى إِذا عَلِمَ ذَلِكَ مِن نيتِهِ رَجَوتُ لِأَن ينسِئَ في عُمُرِهِ حَتَّى يدرِكَهُ فَيكونَ مِن أَعوانِهِ وأَنصارِه.
ميكال المكارم ج2/424- عن الكليني في الكافي بإسناده إلى أبي عبد
«صفحة 331»
الله الجعفي قالَ: قالَ لي أَبو جَعفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلي (عليه السلام) كَمِ الرِّباطُ عِندَكُم قُلتُ أَربَعونَ قالَ لَكِن رِباطُنا رِباطُ الدَّهرِ ومَنِ ارتَبَطَ فينا دابَّةً كانَ لَهُ وزنُها ووزنُ وزنِها ما كانَت عِندَه.
ملحق رقم (3) صفة أصحاب الحسين (عليه السلام) :
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد – قيل لرجل شهد الطف مع ابن سعد: ويحك أقتلتم ذرية الرسول؟ فقال عضضت بالجندل، انك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ثارت علينا عصابة ايديها على مقابض سيوفها كالأسود الضاربة تحكم الفرسان يمينا وشمالا لا تلقي نفسها الا على الموت، لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ولا يحول حائل بينها وبين المنية أو الاستيلاء على الملك فلو كففنا عنها رويدا لاتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنا فاعلين لا أم لك. (مقتل الحسين للمقرم ص69 ط 5).
الطبري ج 6/247- قال عمرو بن الحجاج محرضا قومه: أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوما مستميتين لا يبرز اليهم احد منكم الا قتلوه على قلتهم. (مقتل الحسين لمقرم ص69).
وفي رواية البلاذري ج 3/192-193 – قال عمرو بن الحجاج: يا حمقى أتدرون ما تقاتلون؟ انما تقاتلون نقاوة فرسان أهل المصر، وقوما معتقين مستقتلين مستميتين: فلا يبرزن لهم منكم احد فانهم قليل وقل ما يقون والله لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم، فقال عمر صدقت هذا هو الرأي ونادى الا لا يبارزن رجل منك رجلا من أصحاب الحسين.
الطبري ج6/241- هازل برير عبد الرحمن الأنصاري فقال له عبد
«صفحة 332»
الرحمن: ما هذه ساعة باطل؟ فقال برير لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ولكني مستبشر بما نحن لاقون، والله ما بيننا وبين الحور العين الا ان يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ولوددت انهم مالوا علينا الساعة. (مقتل المقرم/216).
رجال الكشي – خرج حبيب بن مظاهر يضحك فقال له يزيد بن الحصين الهمداني ما هذه ساعة ضحك، قال حبيب وأي موضع احق بالسرور من هذا؟ ما هو الا ان يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فتعانق الحور العين. (مقتل المقرم/216).
الطبري ج 6/240 ط أول: ويقال انه في هذه الليلة انضاف أصحاب الحسين من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلا.
انساب الاشراف ج 3/185- وعرض الحسين (‘) على اهله ومن معه ان يتفرقوا عنه ويجعلوا الليل جملا وقال انما القوم يطلبوني وقد وجدوني. . فقالوا قبح الله العيش بعدك وقال مسلم بن عوسجة: انخليك ولم تعذر إلى الله فيك، وفي أداء حقك؟ لا والله حتى اكسر رمحي في صدورهم واضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ولو لم يكن سلاحي معي لقذفتهم بالحجارة دونك.
وقال سعيد بن عبد الله الحنفي نحو ذلك – فتكلم أصحابه بشبيه لهذا الكلام.
انساب الاشراف ج 3/185 – ولما جن الليل على الحسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويسبحون ويستغفرون ويدعون يتضرعون (رواه الطبري ايضا).
«صفحة 333»
انساب الاشراف ج3/197- قال: فلما رأى بقية أصحاب الحسين (عليه السلام) انهم لا يقدروه على ان يمتنعوا ولا على ان يمنعوا حسينا تنافسوا في ان يقتلوا، فجعلوا يقاتلون بين يديه حتى يقتلوا وجاء عابس بن أبي شبيب فقال يا أبا عبد الله والله ما اقدر على ان ادفع عنك القتل والضيم بشيء اعز علي من نفسي فعليك السلام وقاتل بسيفه فتحاماه الناس لشجاعته، ثم عطفوا عليه من كل جانب فقتلوه.
الطبري – قال أبو مخنف. . جمع الحسين (عليه السلام) أصحابه بعد ما رجع عمرو بن سعد وذلك عند قرب المساء، قال علي بن الحسين (عليه السلام) فدنوت منه لا سمع وأنا مريض فسمعت أصحابي، ولا أهل بيت ابر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعا خيرا، الا واني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداء الا واني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعا فيحل ليس عليكم مني ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جميلا ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله فان القوم يطلبوني ولو قد أصابوني لهو عن طلب غيري.
فقال له اخوته وابناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل لنبقى بعدك ؟ لا أرانا الله ذلك أبدا، بدأهم بهذا القول العباس بن علي ثم انهم تكلموا بهذا ونحوه.
فقال الحسين (عليه السلام) يا بني عقيل: حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لكم، قالوا فما يقول الناس؟ يقولون: انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الإعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم رمح ولا نضرب معهم بسيف،
«صفحة 334»
ولا ندري ما منعوا لا والله لا نفعل ولكن نفديك انفسنا وأموالنا وأهلونا ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك.
… فقام إليه مسلم بن عوسجة الاسدي فقال انحن نخلي عنك ولما نعذر إلى الله في أداء حقك، أما والله لا أفارقك حتى اكسر في صدورهم رمحي واضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك.
وقال سعيد بن عبد الله الحنفي: والله لا نخليك حتى يعلم الله انا قد حفظنا غيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيك، والله لو عملت اني اقتل ثم أحيا ثم احرق حيا ثم اذر يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتلك حتى ألقى حمامي دونك فكيف لا أفعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.
وقال زهير بن القين والله لوددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل كذا ألف قتلة وان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن انفس هؤلاء الفتية.
وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فقالوا: والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الغداء نقيك بنحورنا وجباهنا وايدينا فاذا نحن قتلنا كنا وفينا وقضينا ما علينا. (مقتل أبي مخنف/107-110 للحسن المغفاري القمي مستل من الطبري).
الطبري – كان مسلم بن عوسجة اول من صرع من أصحاب الحسين (عليه السلام) (مشى إليه الحسين (عليه السلام) فاذا به رمق فقال رحمك ربك يا مسلم بن عوسجة منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ودنا منه حبيب بن مظاهر فقال: عز علي مصرعك يا مسلم ابشر بالجنة فقال له مسلم قولا ضعيفا
«صفحة 335»
بشرك الله بخير فقال له حبيب لولا اني اعلم اني في اشرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أو توصيني بكل ما اهمك حتى احفظك في كل ذلك بما انت أهل هل في القرابة والدين.
قال: بل انا أوصيك بهذا رحمك الله وأهوى بيده إلى الحسين ان تموت دونه قال افعل ورب الكعبة. (مقتل أبو مخنف /137 مستل من الطبري).
قال أبو مخنف وجاء الفتيان الجابريان سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع وهما ابنا عم وأخوان لام، فاتيا حسينا فدنوا منه وهما يبكيان فقال أي ابني أخي ما يبكيكما ؟ فو الله اني لأرجو ان تكونا عن ساعة قريري عين، قالا جعلنا الله فداك، لا والله ما على انفسنا نبكي، ولكنا نبكي عليك نراك قد حبط بك ولا نقدر على ان نمنعك فقال جزاكما الله يا ابني أخي يوجدكما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما احسن جزاء المتقين. (مقتل أبي مخنف /152).
ملحق رقم (4) صفة أصحاب المهدي (عج):
البصائر – عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فاذا وقع امرنا، وجاء مهدينا، كان الرجل من شيعتنا أجرى من ليث وأمضى من سنان، يطأ عدونا برجليه، ويضربه بكفيه، وذلك عند نزول رحمة الله وفرجه على العباد. (مكيال المكارم ج 1/148).
اكمال الدين – عن أبي عبد الله (عليه السلام) : وان الرجل منهم (أي أصحاب الإمام (عليه السلام) يعطي قوة أربعين رجلا، وان قلبه لأشد من زبر الحــدي ولـو مروا بجبال الحديد لقطعوها، لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز وجــل.
«صفحة 336»
(مكيال المكارم ج1/148).
البحار – عن أبي جعفر (عليه السلام) : انه لوكان أعطي الرجل منكم قوة أربعين رجلا وجعل قلوبكم كزبر الحديد لو قذفتهم بها الجبال فلقتها. (مكيال المكارم ج1/148).
حلية الأبرار – عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ما كان قول لوط (عليه السلام) لقومه (لو ان لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) الا تمنيا لقوة القائم (عليه السلام) ، ولا ذكر ركن الا شدة أصحابه فان الرجل منهم يعطى قوة أربعين رجلا وان قلبه لأشد من زبر الحديد ولو مروا بجبال الحديد لقطعوها، لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز وجل.
عن محمد بن الحنفية (رض) قال كنا عند علي (عليه السلام) فسأله رجل عن المهدي فقال (عليه السلام) : هيهات، عقد بيده سبعا، فقال: ذاك يخرج في آخر الزمان، اذا قال الرجل: الله الله، قتل، فيجمع الله تعالى له قوما فزع كفزع السحاب يؤلف الله بين قلوبهم.
فلا يستوحشون إلى احد.
ولا يفرحون بأحد دخل فيهم.
على عدة أصحاب بدر.
لم يسبقهم الأولون.
ولا يدركهم الآخرون.
على عدة أصحاب طالوت الذي جاوزوا معه النهر.
أخرجه الحافظ أبو عبد الله الحاكم في مستدركه في كتاب الملاحم
«صفحة 337»
4/554 وقال هذا صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه. (عقد الدور 59-60).
العوام: عن محمد بن جعفر عن أبية (عليه السلام) قال له (أي المهدي) كنز بالطالقان ما هو بذهب ولا فضة وراية لن تنشر منذ طويت. \ورجال كان قلوبهم زبر الحديد.
لا يشعر بهما شك في ذات الله.
اشد من الحجر.
لو حملوا على الجبال لأزالوها.
لا يقصدون براياتهم بلدة الا خربوها.
كان على خيولهم العقبان.
يتمسحون بسرج الإمام (عليه السلام) يطلبون بذلك البركة، ويحثون به يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفون ما يريد.
فيهم رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلوتهم كدوي النحل، يبيتون قياما على أطرافهم ويصبحون على خيولهم.
رهبان بالليل ليوث بالنهار.
هم أطوع له من الأمة لسيدها.
كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل وهم خشية الله مشفقون يدعون بالشهادة ويتمنون ان يقتلوا في سبيل الله.
شعارهم يالثارات الحسين.
اذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر يمشون إلى الموت أرسالا، بهم
«صفحة 338»
ينصر الله أما الحق. (الكتاب المبين ج 2/168-169).
العوالم: عن الصادق (عليه السلام) قال كأني انظر إلى القائم وأصحابه في نجف الكوفة كأن على رؤوسهم الطير قد فنيت أزوادهم وخلقت ثيابهم قد اثر السجود بجبهاهم ليوث بالنهار رهبان بالليل كأن قلوبهم زبر الحديد يعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلا. (الكتاب المبين ج 2/168).
العوالم: وسأله (أي أبو عبد الله (عليه السلام) ) رجل من أهل الكوفة، كم يخرج مع القائم (عج) فانهم يقولون انه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا، قال ما يخرج الا في اولي قوة، وما يكون اولوا القوة اقل من عشرة آلاف.. وكأني انظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر وهم أصحاب الالوية وهم حكام الله في ارضه على خلقه. (الكتاب المبين ج 2/161).
ملحق رقم (5) طرف من تاريخ المواكب الحسينية:
أمالي الشيخ الطوسي – عن القاسم بن احمد بن معمر الاسدي الكوفي وكان له علم بالسير وأيام الناس، قال بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم ان أهل السواد ان أهل السواد يجتمعون بنينوى لزيارة قبر الحسين فيصير إلى قبره منهم خلق كثير، فانفذ قائدا من قواده وضم إليه كثيفا من الجند كثيرا ليكرب قبر الحسين (عليه السلام) ويمنع الناس عن زيارته والاجتماع إلى قبره، فخرج القائد إلى الطف وعمل ما أمر وذلك سنة (237هـ) فنادى أهل السواد له واجتمعوا عليه وقالوا لو قتلنا عن آخرنا لما امسك من بقي منا عن زيارته، ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا فكتب الأمر إلى الحضرة فورد كتاب
«صفحة 339»
المتوكل إلى القائد بالكف عنه والمسير إلى الكوفة مظهرا ان مسيره إليها في مصالح أهلها والانكفاء إلى المصر، فمضى الأمر على ذلك حتى اذا كانت سنة (247هـ) فبلغ المتوكل أيضا مسير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين وانه قد كثر جمعهم لذلك وصار لهم سوق سوق كبير، فانفذ قائدا في جمع كبير من جنوده وأمر مناديا ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبره، وهدم القبر وحرث ارضه وانقطع الناس عن الزيارة، وعمد على التتبع لآل أبي طالب والشيعة ففعل ولم يتم له ما قدر. (تاريخ النياحة ج 1/18).
الكامل لابن الأثير – في تاريخ حياة المنتصر المتوفي سنة (248 هـ) (كان المنتصر راجح العقل… وأمر الناس بزيارة قبر الحسين (عليه السلام) فامن العلويين وكانوا خائفين أيام أبية المتوكل واطلق وقوفهم وأمر برد فدك إلى ولد الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب). (ن. م – ج2/20).
بغية النبلاء- (كانت ببغداد نائحة مجيدة حاذقة تعرف بخلب، تنوح بقصائد الناشيء، فسمعناها في دور بعض الرؤساء لان الناس إذ ذاك كانوا لا يتمكنون من النياحة الا بعز سلطان أو سرا لأجل الحنابلة ولم يكن النوح الا مراثي الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) فقط من غير تعريض بالسلف قال: فبلغنا ان البربهاري قال: بلغني ان نائحة يقال لها تنوح اطلبوها فاقتلوها).
(البربهاري توفي سنة (329هـ)، وكانت الحادثة أعلاه سنة (323هـ)) ن. م ج 2/21.
بغية النبلاء ص161- قال الخالع. . قال كنت مع والدي سنة 346 هـ واني
«صفحة 340»
صبي مجلس الكبوذي في المسجد الذي بين الوراقين والصاغة ببغداد وهو خاص بالناس وإذا رجل قد وافى وعليه مرقعة وبين يديه سطحية وركوة ومعه عكاز وهو شعث، فسلم على الجماعة بصوت يرفعه، ثم قال: انا رسول فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، فقالوا: مرحبا بك وأهلا ورفعوه، فقال: أتعرفون لي احمد المزوق النائح؟ قالوا: ها هو جالس، فقال: رأيت مولاتنا (عليها السلام) في النوم فقالت لي امض إلى بغداد واطلبه وقل له: نح عل ابني بشعر الناشيء الذي يقول:
بني احمد قلبي لكم يتقطع
يمثل مصابي فيكم ليس يسمع
وكان الناشيء حاضرا فلطم على وجهه لطما عظيما وتبعه المزوق والناس كلهم وكان اشد الناس في ذلك الناشيء ثم المزوق ثم ناحوا القصيدة في ذل اليوم إلى ان صلى الناس الظهر وتقوض المجلس وجهدوا بالرجل ان يقبل شيء منهم فقال: والله لو أعطيت الدنيا لما أخذتها فأنني لا أرى ان اكون رسول مولاتي (عليها السلام) ثم أخذ عن ذلك عوضا وانصرف ولم يقبل عوضا).
(الناشيء هو عبد الله بن وصيف أبو الحسن المولود سنة 271 هـ والمتوفي في سنة 365هـ والمدفون في مقابر قريش (الكاظميين) الشهرستاني. (ن. م ج 2/22-23).
مرآة الجنان لليافعي: في حوادث سنة (40هـ: ان القادر بالله العباسي ابطل عاشوراء الرافضة). (ن. م ج 2/26).
الحوادث الجامعة لابن الفوطي / 183- وفي سنة 641 هـ تقدم المستعصم إلى جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي المحتسب، بمنع الناس من قراءة
«صفحة 341»
المقتل في يوم عاشوراء والإنشاد به في سائر المحال بجانبي بغداد سوى مشهد موسى بن جعفر.
وفي ص248 سنة أيضا: وفي محرم سنة 647 هـ تقدم المستعصم بمنع أهل الكوفة والمختارة من النياحة والإنشاد وقراءة مقتل الحسين خوفا من تجاوز ذلك إلى ما يؤذي إلى وقوع الفتنة). (ن. م ج2/30-31).
الكامل لابن الأثير – في حوادث سنة 352 هـ: (في هذه السنة أمر معز الدولة الناس ان يغلقوا دكاكينهم في عاشر المحرم، ويعطلوا الأسواق والبيع والشراء وظهروا النياحة على الحسين ففعل الناس ذلك ولم يكن للسنة قدرة على المنع لكثرة الشيعة ولان السلطان منهم). (ن. م ج1/195).
تاريخ النياحة ج1/188-189 – لقد اتسع نطاق إقامة المناحات ومجالس العزاء على الحسين (عليه السلام) على عهد آل بويه (334-467هـ) وقد أحيا هؤلاء الأمراء ورجال السلطة البويهية ما كان قد سبق من ذكريات هذه المناحات وشعارات المآتم وأضافوا عليها كثيرا من الحالات و… ولم يقتصر إحياء هذه الذكريات والشعائر من قبل البويهيين على العراق بل تعداه إلى سائر البلدان الإسلامية كمصر وشمال إفريقية، وبعض البلدان العربية الأحرى وإيران وغيرها.
وانه وان لم يكن لأمراء البويهيين أول من أقام المناحة والعزاء والمآتم على الإمام الشهيد (عليه السلام) ولكنهم كانوا أول من وسعوها وأخرجوها من دائرة النواح الضيقة في البيوت والمجالس الخاصة والنوادي الهادئة وعلى قبر الإمام (عليه السلام) بكربلاء إلى دائرة الأسواق العلنية والشوارع المتحركة وتعويد
«صفحة 342»
الناس على اللطم على الصدور).
ملحق رقم (6) خطاب السيد الخميني في البعد السياسي والتنظيمي للمجلس الحسيني:
بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك فقد حظى بمقابلة قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني في حسينية جمران مجموعات من العلماء وائمة الجماعات والخطباء من قم وطهران، وفي بداية اللقاء تحدث كل من اية الله مهدوي كني وحجة الإسلام فلسفي بعد ذلك تحدث السيد الخميني قائلا…
بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية لابد لي من اشكر السادة العلماء والخطباء الذين حضروا إلى هنا من طهران وقم وتشرفت بزيارتهم وامل ان يوفق الجميع لخدمة الإسلام والمسلمين.
ان المواضيع كثيرة ولكني سأوكد على موضوع واحد يتعلق بالسادة العلماء والخطباء كما سأتعرض لموضوع يتعلق بظروف الساعة التي نحن نعيشها.
ان الموضوع الذي يتعلق بالسادة العلماء والخطباء هو عمق العمل الذي تقومون به وعمق قيم مجالس العزاء الحسيني التي يعرف البعض عنها القليل وقد لا يعرف البعض الآخر أي شيء عنها.
ان الروايات الواردة إلينا تؤكد على ان مسألة قطرة من الدمع على مظلوم كربلاء لها أهمية كبيرة حتى ان بعضها تؤكد على التباكي في هذا المجال، ان
«صفحة 343»
هذا التأكيد ليس لان سيد المظلومين هو بحاجة إلى هذا البكاء ولا لأنكم تثابون ويثاب المسلمون على ذلك وان كان هذا الثواب موجودا فعلا ولكن لماذا كل هذا الثواب العظيم لمجالس العزاء الحسيني هذه ؟ولماذا يمنح الله سبحانه وتعالى كل هذا الثواب على البكاء وذرف الدموع ؟ ان هذا الثواب المقدر لكل مجالس العزاء. . انما هو لبعدها السياسي إضافة إلى أبعاده العبادية والمعنوية والدينية. . ان الأيام التي صدرت فيها هذه الروايات كانت الفرقة الناجية فيها مبتلية بالحكم الأموي والعباسي وكانت جماعة قليلة جدا بالنسبة إلى تلك القوى الكبرى. ولكي تنظم هذه الأقلية نشاطاتها السياسية فقد او جدت لها الطريق إلى ذلك. . هذا الطريق الذي يعتبر بحد ذاته تنظيما. . وان ما جاء عن حملة الوحي في تقدير قيمة هذه المجالس وهذا البكاء فان الشيعة على اقليتهم كانوا يجتمعون في ذلك الوقت ويمكن ان الكثير منهم ما كان ليدرك الهدف من ذلك، ان الهدف كان هو تنظيم هذه الاقلية مقابل الأكثرية. . وعلى طول التاريخ كانت مجالس العزاء الحسيني هذه تنظيما ينتشر في كافة أنحاء البلاد الإسلامية وفي إيران التي كانت مهدا للإسلام والتشيع كانت مجالس العزاء الحسيني هذه تقف امام الحكومات المتسلطة التي كانت تهدف إلى محو الإسلام من الأساس. . والى إبادة علماء الدين أن هذه المجالس كانت تخيفهم، وعندما اعتلقت في المرة الأولى والقى القبض علي في مدينة قم… فقد قال لي في الطريق بعض اولئك المأمورين الذين صحبوني في السيارة انهم عندما جاؤوا إلى قم لإلقاء القبض علي كانوا خائفين من النساء المحجبات لئلا يطلعن على حقيقة الموضوع ويعرقلن أمر انتقالي.
«صفحة 344»
ثم قال: مستأنفا حديثه حتى القوى الكبرى تخاف هؤلاء المحجبات ان القوى الكبرى تخشى هذا التنظيم الذي يجتمع بدون ان يكون احد يد فيه، هذا التنظيم الذي جعل الشعب يصلى في جميع انحاء البلاد والواسعة ففي أيام عاشوراء وفي شهري محرم وصفر وفي شهر رمضان المبارك تقوم مجالس العزاء الحسيني هذه بجمع الناس بعضهم حول البعض. . وإذا ما اريد خدمة الإسلام وإذا ما أراد احد ان يشرح موضوعا لخدمة الإسلام فان هذا الموضوع ينتشر في جميع انحاء البلاد بواسطة هؤلاء الخطباء وائمة الجمعة والجماعة وان اجتماع الناس تحت ظلال هذا العلم الإلهي. . هذا العلم الحسيني هو الذي يوفر أساس هذا التنظيم…
اننا تقريبا وصلنا إلى مرحلة ثار فيها شعبنا وفجر انتفاضة لا يوجد لها مثيل في العالم. حصل هذا الانفجار في شعب ارتبط بالأجنبي من كل نواحيه. . وفرط به النظام السابق وفرط بكرامته الانسانية وجعلنا مرتبطين بالخارج في كل شيء. . كان هذا الانفجار ببركة وتأثير هذه المجالس الحسينية التي جمعت كل الناس ووجهتهم إلى نقطة معينة، وعلى السادة الخطباء وائمة الجمعة والجماعة ان يشرحوا ذلك بصورة اكثر تفصيلا للناس حتى لا يتصورا اننا شعب بكاء اننا شعب استطعنا بهذا البكاء ابادة قــوة استمرت (2500) عام.
ملحق رقم (7) زيارة الاربعين في 1977:
15 صفر: صباح 4 فبراير 1977 م / 15 صفر 1397 هـ خرجت جماهير غفيرة من مناطق النجف الرئيسية وهي البراق والمشراق والحويش والعمارة
«صفحة 345»
وهي تجوب شوارع المدينة متوجهة إلى مرقد الإمام علي وهم يرددون اهازيج منددة بمنع شعائرهم مثل (أهل النجف يا امجاد راياتكم رفعوها) و(إسلامنا ماننساه ايسوا يابعثية) وواصلت الجموع مسيرها إلى كربلاء وخاضوا صدامات دامية مع قوات الامن المنتشرة في الطريق وصولا إلى منطقة خان الربع حيث قضى السائرون ليلتهم فيه
16 صفر: يوم 5 فبراير 1977 م / 16 صفر 1397 هـ كان يوما حافلا حيث واصلت الجموع مسيرها إلى كربلاء وكانت دوريات الشرطة والامن تلاحقهم على الشارع العام وهي تهددهم وتامرهم بالرجوع إلى النجف إلا أن الحشود لم تكترث إلى تهديداتهم وبقيت تواصل سيرها إلى كربلاء حتى وصلوا إلى منطقة خان النص عصر هذا اليوم حيث توقفت المسيرة للاستراحة والمبيت فيها وواصلت مجاميع من الشباب الحراسة ليلا خوفا من اي هجوم محتمل من قبل دوريات الشرطة والامن التي كانت تجوب المنطقة
17 صفر: صباح يوم 6 فبراير 1977 م / 17 صفر 1397 هـ تحركت المسيرة من منطقة خان النص باتجاه كربلاء والجموع تردد الاهازيج المختلفة والحماسية وبعد ابتعادها عن المنطقة قامت مجاميع من قوات الامن بالهجوم على مؤخرة المسيرة وإطلاق النار عليها مما أدى إلى سقوط أول قتيل في الانتفاضة وهو محمد الميالي مما أدى إلى تحرك مئات الشباب الغاضبين إلى مراكز الشرطة القريبة والهجوم عليها وتدميرها واخذت جموع كبيرة بالالتحاق بالمسيرة من النجف وبعض المناطق القريبة من كربلاء حتى وصلت المسيرة إلى منطقة خان النخيلة حيث تقرر الاستراحة والمبيت فيه إلى صباح اليوم التالي وقد التحقت القبائل المحيطة بالمنطقة بالمسيرة بعد أن
«صفحة 346»
اتجه العشرات اليهم لدعوتهم للمشاركة حيث جاء الالاف إلى المنطقة وهم يرددون اهازيج عراقية مختلفة منها (أسمع العباس ناده ياهلّه بهاي الضيوف. . . . إشلون أأدي هلتحيه واني مكطوع الجفوف)
18 صفر: عصر يوم 7 فبراير 1977 م / 18 صفر 1397 هـ ارسلت الحكومة العراقية أحد خدمة الروضة الحيدرية لتدارك الموقف وايقاف المسيرة واخذ بتهديد السائرين وشتمهم إلا أن لامه لم يأتِ بنتيجة فعاد إلى النجف دون أن يأتي باي نتيجة وفي المساء هطلت الأمطار بغزارة واشتدّ البرد ليلا مما اعاق تقدم قوات الحرس الجمهوري التي وصلت إلى المسيب استعدادا لضرب المسيرة بعد ذلك قامت المرجعية الشيعية متمثلة بالسيد محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة بارسال محمد باقر الحكيم لتوجيه الإرشادات اللازمة إلى جماهير المسيرة والمشاركة معها مما ساعد برفع معنويات الجماهير وحماسها فقد اكد الحكيم لهم بانه مستعد ان يكون بينهم وان بواصل المسيرة معهم إلى كربلاء
19 صفر: قارب المسيرة الوصول إلى مدينة كربلاء يوم 8 فبراير 1977 م / 19 صفر 1397 هـ وهو يصادف ليلة الأربعين وهنا تصاعد غضب رئاسة الجمهورية وسخطها وقامت بارسال اللواء المدرع العاشر إلى طريق كربلاء لاعتراض المسيرة حتى وصل الأمر إلى إرسال طائرات ميغ23 إلى المدينة وإعطاءها الأمر بإطلاق النار ان استدعى الأمر وبعد وصول المسيرة إلى مشارف كربلاء كانت في استقبالهم مجموعة من الدبابات والسيارات المصفحة وسيارات الشرطة ومئات المسلّحين وهم يتاهبون لإطلاق النار ومنع تقدم الجموع إلى كربلاء وقامت هذه القوات بالقاء القبض على اعداد
«صفحة 347»
كبيرة من الشباب والنساء وكبار السن بعد محاصرتهم إلا أن مجاميع كبيرة تمكنت من الفرار واكمال المسير عبر طرق فرعية أخرى وصولا إلى العتبة العباسية والروضة الحسينية
20 صفر: كان يوم 9 فبراير 1977 م / 20 صفر 1397 هـ يوما حافلا في كربلاء حيث يوافق ذكرى الأربعين وكان الالاف يتجمهرون حول العتبة العباسية والروضة الحسينية وهم يؤدون مراسم الزيارة والعزاء حتى اشاعت قوات الأمن أنباء تشير إلى وجود قنبلة موقوتة داخل ضريح الإمام الحسين مما أدى تولد الذعر في نفوس الجموع التي كانت في داخل الضريح وهنا استغلت القوات الأمنية الفرصة وقامت بإلقاء القبض على مجاميع كبيرة من الشباب ونقلهم إلى المعتقلات القريبة وكان من بين المعتقلين السيد محمد باقر الحكيم مما أدى إلى إضراب في الحوزة العلمية اعلنه محمد باقر الصدر
ردود الأفعال: استنكر السيد موسى الصدر زعيم حركة امل في تلك الفترة اعمال العنف ضد الشيعة في العراق مطالبا بوقف اعمال العنف ضدهم منددا باعتقال محمد باقر الحكيم والآلاف من الشباب وصدور أحكام الإعدام بحقهم
بعض شهداء الانتفاضة: صاحب أبو كلل : تم اعدامه عام 1977 م من قبل النظام الحاكم وقد صدر حكم الإعدام عليه بتاريخ 24 فبراير 1977م
محمد الميالي : قُتل يوم 6 فبراير 1977 م/ 17 صفر 1397 هـ من قبل قوات الأمن في منطقة خان النص
يوسف ستار الأسدي : تم إعدامه عام 1977 م من قبل النظام الحاكم وقد صدر حكم الإعدام عليه بتاريخ 24 فبراير 1977م
«صفحة 348»
عبد الوهاب الطالقاني : تم قتله واقتلاع عينيه من قبل النظام الحاكم وقد صدر حكم الإعدام عليه بتاريخ 24 فبراير 1977م
عباس عجينه : تم قتله في أحد المعتقلات بعد التعذيب عام 1977 م من قبل النظام الحاكم وقد صدر حكم الإعدام عليه بتاريخ 24 فبراير 1977م
كامل ناجي مالو : تم إعدامه من قبل النظام الحاكم بعد التعذيب وقد صدر حكم الإعدام عليه بتاريخ 24 فبراير 1977م
محمد سعيد البلاغي : تم إعدامه من قبل النظام الحاكم عام 1977 م رغم أنه لم يبلغ السن القانوني المسموح به عند الإعدام وقد صدر حكم الإعدام عليه بتاريخ 24 فبراير 1977م
غازي خوير : تم إعدامه عام 1977 م من قبل النظام الحاكم وقد صدر حكم الإعدام عليه بتاريخ 24 فبراير 1977م
جاسم الإيرواني : تم قتله في أحد السجون عام 1977 م من قبل النظام الحاكم
ناجح محمد كريم الأسدي : تم إعدامه عام 1977 م من قبل النظام الحاكم وقد صدر حكم الإعدام عليه بتاريخ 24 فبراير 1977م
«صفحة 349»
المهدي (عليه السلام) هو الطّالب بدم الحسين (عليه السلام) (1)
يفهم من جملة روايات وردت في تراث أهل البيت (عليهم السلام) انهم كانوا يربون شيعتهم على التطلع للأخذ بثأر الحسين مع وليه المهدي (عليه السلام) الذي سيظهره الله تعالى في آخر الزمان ويملأ به الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً.
قال الإمام الباقر (عليه السلام) حين سألـه مالك الجهني عن كيفية عزاء الأخ لأخيه يوم العاشر من المحرم قال تقولون:
«اعظم الله أجورنا بمصاب الحسين (عليه السلام) وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله) ».
وروى علي بن مهزيار عن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضأ قال:
«كأني بالقائم يوم عاشورا يوم السبت قائما بين الركن والمقام بين يديه جبرئيل ينادي البيعة لله فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً».
وعن سلام بن المستنير عن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضا قال في قوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا ) قال :
«هو الحسين بن علي (عليه السلام) قتل مظلوما ونحن أولياءه والقائم منا إذا قام طلب بثأر الحسين فيقتل حتى يقال قد أسرف في القتل، وقال المسمى المقتول
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نشرة فجر عاشوراء العدد الاول سنة 1435هـ.
«صفحة 350»
الحسين ووليه القائم، والإسراف في القتل ان يقتل غير قاتله، (انه كان منصورا) فانه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل الرسول (صلى الله عليه وآله) يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما»(1).
وعن الـهروي قال قلت لابي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) :
«يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق (عليه السلام) انه قال:
إذا قام القائم قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها ؟!
فقال(عليه السلام) : هو كذلك.
قلت: فقول الله عز وجل (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ما معناه؟
فقال: صدق الله في جميع أقوالة لكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون بفعال آبائهم يفتخرون بها، ومن رضي شيئا كمن اتاه، ولو ان رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عز وجل شريك القاتل وإنما يقتلهم القائم اذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم.
قال فقلت لـه بأي شيء يبدأ القائم فيهم؟ قال يبدأ ببني شيبة ويقطع ايديهم لأنهم سراق بيت الله الحرام»(2).
وسر الأمر في قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها إنما هو في رضاهم وافتخارهم بها وقوله (عليه السلام) ومن رضي شيئا كمن أتاه هي القاعدة وتشمل من ليس ذرية، لقوله (عليه السلام) ولو أن رجلا قُتِل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عز وجل شريك القاتل، ولقول علي (عليه السلام) «إنّما يجمع الناس
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير العياشي ج2/291 .
(2) علل الشرائع ج1/229، عيون اخبار الرضا (عليه السلام) ج1/273 .
«صفحة 351»
الرضا والسخط، فمن رضي أمراً فقد دخل فيه، ومن سخطه فقد خرج منه»(1).
والذي نفهمه من هذه الروايات وروايات أخر تتحدث عن السفياني الشامي آخر الزمان ان خط بني أمية سوف يعود في آخر الزمان وقد صرحت الرواية بذلك قال في معاني الأخبار: ابن الوليد عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا عن الأشعري عن السياري عن الحكم بن سالم عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله قلنا صدق الله وقالوا كذب الله قاتل أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وآله وقاتل معاوية علي بن أبي طالب وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي (عليه السلام) والسفياني يقاتل القائم عليه السلام.
وإذا أضفنا إلي ذلك ان انحراف بني العباس وظلمهم لأهل البيت (عليهم السلام) قتلا وسما وسجنا وتشريدا وادعائهم الخلافة الإلهية كانوا قد اقتدوا بأسلافهم في الحكم بني أمية ومن مهد لهم.
وتفيد الروايات أيضا أن حكم بني العباس سيتجدد في آخر الزمان ويتحالفون مع السفياني فانهم حين ينهض الحسني وأخوه ويحتلان المسجد الحرام يقتلانهما أهل مكة ويبعثان براسيهما إلى السفياني وهو الذي كتب عليهما، وحين يفاجئهم المهدي (عليه السلام) باحتلاله المسجد الحرام بعد ذلك بخمسة عشر يوما ويحتل المسجد الحرام ويعتصم به يبعث السفياني بجيشه إلى مكة نجدة لبني العباس فيخسف به.
يتضح من ذلك أن في نهاية التاريخ سيكون خطان للصراع:
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 11 / 411 ، الباب 5 من أبواب الأمر والنهي ، الحديث 9 .
«صفحة 352»
الأول: خط شيعة الحسين (عليه السلام) وأهل بيته الذين عرفوا طوال تاريخهم انهم يبكون الحسين (عليه السلام) ويعملون بفقه أبنائه التسعة ومعهم مستضعفون من السنة والمسيحيين واليهود والشعوب الاخرى يقوده المهدي (عليه السلام) التاسع من ذرية الحسين (عليه السلام) .
الثاني: خط يقوده طاغية بني أمية السفياني الشامي وتحالف معه بنو العباس يساندهم الإسرائيليون والسفياني الغربي العالمي وقد أوغلوا في دماء الأبرياء والصلحاء من شيعة الكوفة وغيرهم.
وهنا ينصر الله تعالى وليه المهدي ويأخذ بثأر الحسين(عليه السلام) الذي تجددت ظلامته بسفك دماء من ذريته وبنيه ودماء أخرى سفكت من غير حق.
هذه هي ثارات الحسين (عليه السلام) التي يأخذها المهدي ممن سفكها فعلا اومن رضي بسفكها والرضا يجمع الأولين والآخرين ويجمع من كان ذرية ومن لم يكن.
فالمهدي ثائر بدم الحسين (عليه السلام) معناه طالب بكل تلك الدماء التي سفكت في غير حق من نسل الحسين(عليه السلام) ومن شيعته ومن الابرياء من المسلمين والحسين(عليه السلام) عنوان لكل ظلامة في البشرية والمهدي ولي الدم دم الحسين(عليه السلام) ودماء شيعته ودماء الابرياء قال تعالى ﴿ وَلا تَقتُلوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلوماً فَقَد جَعَلنا لِوَلِيِّهِ سُلطاناً فَلا يُسرِف فِي القَتلِ إِنَّهُ كانَ مَنصُوراً﴾ الإسراء/33 وقد وردت الرواية ان هذه الولي هو المهدي».
«أَينَ الطّالِبُ بِدَمِ المَقتولِ بِكَربَلاءَ، أَينَ الطّالِبُ بِذُحولِ الأَنبياءِ وأَبناءِ الأَنبياءِ، أَينَ مُعِزُّ الأَولياءِ ومُذِلُّ الأَعداءِ، أَينَ المُؤَمَّلُ لِإِحياءِ الكِتابِ وحُدودِهِ،
«صفحة 353»
أَينَ المُدَّخَرُ لِتَجديدِ الفَرائِضِ والسُّنَنِ، أَينَ المُرتَجَى لِإِزالَةِ الجَورِ والعُدوانِ، أَينَ جامِعُ الكَلِمَةِ عَلَى التَّقوَى، أَينَ بابُ اللهِ الَّذي مِنهُ يُؤتَى».
4 Responses
اللهم صل على محمد وال محمد
مركز عاشوراء محطة نوعية ثقافية و فكرية و عقائدية تستهدف المثقفين و مريدي الفكر الإسلامي الأصيل عبر منابع اصيلة و محكمة
حفظكم الله دكتور بوركتم وفقتم لكل خير . نامل الاستفادة من رسالتكم الدكتوراه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نسأل الله عز وجل أن يحفظ لنا سماحة العلامة السيد سامي البدري دامت توفيقاته
جزاه الله كل خير عن الاسلام والمسلمين