اصدر مركز فجر عاشوراء الثقافي التابع للعتبة الحسينية المقدسة ـ ممثلية قم المشرفة (1443هـ) الكراس الالكتروني رقم 33 تحت عنوان: «الظاهرة الحسينية قراءة دلالية وصفية» لسماحة العلامة المحقق السيد سامي البدري، والذي كتبه في سنة ١٤٣٥ه ونشر لأول مرة في مجموعة كراسات (المكتبة الحسينية الميسرة)، ثم تم نشره بعد ثلاث سنوات في كتاب «بحوث ومقالات العلامة البدري في النهضة الحسينية» الذي تمت طباعته من قبل مركز فجر عاشوراء الثقافي التابع للعتبة الحسينية المقدسة سنة ١٤٣٨ه.
يعرض هذا البحث قراءة وتفسير الظاهرة الحسينية من خلال بعدين: بعد الظلامة وبعد الانبعاث؛ وذلك حسب سنن التاريخ بما هي فعل إلهي تحرك عجلة المسار التاريخي لنصرة خط الأنبياء عليهم السلام، والتي تحمل معها تجليات معاني التوحيد والنبوة والإمامة.
ولأهمية هذا البحث ومن أجل تيسيره للباحثين والمتابعين من القراء الكرام نعيد نشره بحلة إلكترونية قشيبة ضمن سلسلة كراسات فجر عاشوراء الإلكترونية تحت رقم ٣٣ مع بعض التصحيحات والإضافات الجزئية التي أوصى به المؤلف حفظه الله تعالى.
وقد تم اعداد وتصميم بوستر خاص بافكار هذا البحث القيم.
المحتويات
«صفحة 1»
الظاهرة الحسينية قراءة دلالية وصفية
السيد سامي البدري
«صفحة 2»
عنوان الإصدار : الظاهرة الحسينية قراءة دلالية وصفية
المؤلف : السيد سامي البدري
سنة الإصدار : 2021/1443
نوع الإصدار : إلكتروني ـ PDF
الناشر : مركز فجر عاشوراء الثقافي
الموقع : fajrashura.com
«صفحة 3»
«صفحة 4»
«صفحة 5»
مقدمة المركز
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين ومحمد وآل الطاهرين.
بين يدي القارئ الكريم البحث الموسوم بـ «الظاهرة الحسينية قراءة دلالية وصفية» لسماحة العلامة المحقق السيد سامي البدري، والذي كتبه في سنة ١٤٣٥ه ونشر لأول مرة في مجموعة كراسات (المكتبة الحسينية الميسرة)، ثم تم نشره بعد ثلاث سنوات في كتاب «بحوث ومقالات العلامة البدري في النهضة الحسينية» الذي تمت طباعته من قبل مركز فجر عاشوراء الثقافي التابع للعتبة الحسينية المقدسة سنة ١٤٣٨ه.
يعرض هذا البحث قراءة وتفسير الظاهرة الحسينية من خلال بعدين: الظلامة والانبعاث؛ وذلك حسب سنن التاريخ بما هي فعل إلهي تحرك عجلة المسار التاريخي لنصرة خط الأنبياء
«صفحة 6»
عليهم السلام وهداية الناس، والتي تحمل معها تجلِّيات معاني التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد.
ولأهمية هذا البحث ومن أجل تيسيره للباحثين والمتابعين من القراء الكرام نعيد نشره بحلة إلكترونية قشيبة ضمن سلسلة كراسات فجر عاشوراء الإلكترونية تحت رقم ٣٣ مع بعض التصحيحات والإضافات الجزئية التي أوصى به المؤلف حفظه الله تعالى.
والله تعالى ولي التوفيق.
د. السيد حسين البدري
م. وحدة الأبحاث العلمية والإصدارات العامة
15صفر الخير 1443 هجرية الموافق لـ2021/9/23
«صفحة 7»
الظاهرة الحسينية
نريد بـ (الظاهرة الحسينية): الحركة الحسينية في المجتمع الإسلامي منذ خروج الحسين (عليه السلام) مع أهل بيته من المدينة ليلا، لليلتين بقيتا من رجب، هو وأهل بيته ووصولهم إلى مكة في الثالث من شعبان، ثم خروجهم من مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة ستين هجرية ثم وصوله إلى كربلاء في الليلة الأولى من المحرم سنة إحدى وستين هجرية وتنامي قطّعات الجيش الأموي خلال الليالي العشر إلى ثلاثين ألف أو يزيدون، والحسين (عليه السلام) ورجاله من أهل بيته وأصحابه سبعون معهم النساء والأطفال، ثم قتلهم قتل اجتثاث واستئصال يوم العاشر من المحرم، وحز رؤوسهم ورفعها على الرماح وتسيير النساء والأطفال في موكب تقشعر من الجلود إلى الكوفة ثم إلى الشام التي كانت آنذاك عاصمة الدولة الإسلامية، وقد أخذت زينتها وزخرفها ؛ كل ذلك من اجل استئصال إمامة علي (عليه السلام) الإلهية،
«صفحة 8»
والأحاديث النبوية بحقه، والجماعة التي حملت العلم بالكتاب والسنة عن طريقه.
هذا هو الوجه الأول للظاهرة، وهو وجه إصرار أعداء الحسين (عليه السلام) على استئصال الحسين (عليه السلام) واستئصال رسالته وأنصاره من المجتمع المسلم.
أما وجهها الثاني فهو التجمع البشري الذي نشأ بعد تلك الواقعة والذي ضم تسعة أئمة هداة من ذرية الحسين (عليه السلام) بكوا الحسين (عليه السلام) بكاءً خاصا بخلاف ما يتعامل الناس مع مصائبهم من الصبر والكف عن البكاء، ثم تأثر بهم صفوة من الناس مالت اليهم، وتعاطفت معهم، فأخذت العلم عنهم، وبكت الحسين (عليه السلام) لبكائهم.
ثم استمر هذا التجمع بعد أولئك الأئمة التسعة يبكي الحسين (عليه السلام) بالشكل الذي علموهم إياه، يبكونه سنويا وفي الأيام العشرة من شهر المحرم، وبخاصة يوم العاشر منه حيث يكون قمة حزنهم وبكائهم، هذا التجمع البشري الحزين الذي يضم مختلف الأعمار من كلا الجنسين ومن مختلف المواقع الاجتماعية والعلمية وفي مختلف الأماكن الشيعية بل وفي مختلف بقاع الدنيا حيث يوجد فيها شيعة، تجمع
«صفحة 9»
يظهر على السطح واضحا في الليالي العشر من المحرم متوشحا بالسواد، ومنشدا للمراثي الحزينة بحق الحسين (عليه السلام)، ثم يثور كبركان من مشاعر الحزن وفيضان الدموع بشكل خاص يوم العاشر منه.
هذا هو الوجه الثاني للظاهرة، وهو وجه استمرار ذكر الحسين (عليه السلام) بالخير والمحبة واستمرار رسالته، وكثرة ذريته وأنصاره في قبال انحسار وجود أعدائه حتى لا يكاد يجد الباحث شخصا ينتسب إلى معاوية او يزيد، ولا يجد الباحث أيضا شخصا بين المسلمين اليوم يلعن الحسين (عليه السلام) أو يلعن أباه عليا (عليه السلام) كما كان يفعل الملايين منهم زمن معاوية ويزيد وبأمرهما.
ونحن في هذا البحث نريد ان نصف الظاهرة بوجهيها وصفا اكثر تفصيلا، ثم نحاول قراءتها قراءة دلالية على غرار ما نقوم به حين نقرأ الظاهرة الكونية أو الظاهرة القرآنية قراءة دلالية، وهي قراءة تتسع للدلالة على إثبات وجود الله تعالى ورعايته لأصفيائه وعلى صدق نبوة محمد (صلى الله عليه وآله)، وإمامة أهل البيت (عليه السلام) في المجتمع ألإسلامي.
«صفحة 10»
الوجه الأول للظاهرة الحسينية ـ إصرار أعداء الحسين (عليه السلام) على استئصاله (عليه السلام) واستئصال رسالته وأنصاره:
وتتضح أبعاد هذا الوجه بالحديث عن ثلاثة أمور:
الأول: الحسين بن علي ابن فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله): الذي عرضه النبي (صلى الله عليه وآله) على انه من أصفياء الله. وكان لهذا الاصطفاء معالم كثيرة منها انه احد أفراد آية التطهير ﴿إِنَّما يريدُ اللهُ ليذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ويطَهِّرَكُم تَطهيرا﴾ الأحزاب/33.
وأحد أفراد آية المباهلة ﴿فَمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعالَوا نَدعُ أَبناءَنا وأَبناءَكُم ونِساءَنا ونِساءَكُم وأَنفُسَنا وأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَتَ اللهِ عَلَى الكاذِبينَ﴾ آل عمران/61.
وأحد أفراد المودة ﴿قُل لا أَسئَلُكُم عَلَيهِ أَجرا إِلا المَودَّةَ في القُربى ومَن يقتَرِف حَسَنَةً نَزِد لَهُ فيها حُسنا إِنَّ اللهَ غَفورٌ شَكورٌ﴾ الشورى/23.
وانتهت إليه وراثة علم الكتاب الإلهي ﴿ثُمَّ
«صفحة 11»
أَورَثنا الكِتابَ الَّذينَ اصطَفَينا مِن عِبادِنا فَمِنهُم ظالِمٌ لِنَفسِهِ ومِنهُم مُقتَصِدٌ ومِنهُم سابِقٌ بِالخَيراتِ بِإِذنِ اللهِ ذلِكَ هو الفَضلُ الكَبيرُ﴾ فاطر/32، العلم الذي كتبه علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله)(1).
وكان له شيعة هم شيعة أبيه، ومركزهم الكوفة، وقد حملوا العلم عن علي (عليه السلام)، وهم مستضعفون من سنة خمسين إلى ستين من قبل معاوية رأس بني أميه وباني دولتهم. وكانت فترة إمامته عشر سنوات، وهي سنوات محنة الشيعة بل محنة الإسلام بعد وفاة الحسن (عليه السلام) زمن معاوية، وقد سكت (عليه السلام) في هذه الفترة متجرعا الغصص، وعقد مؤتمرين لشيعة أبيه ومحبيه واتباعه المؤتمر؛ الأول: قبل موت معاوية بسنة يعبئهم فيهم فكريا ويطلقهم للحديث سرا في المجتمع لتثقيف الجيل الجديد الذي أضله معاوية إعلاميا وحرمه من تلقي تاريخ صحيح للفترة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، والمؤتمر الثاني: بعد موت معاوية بشهرين ونصف لشرح خطط الجهاد، ومن المؤسف لا يشير إليهما الباحثون ولا الخطباء في حديثهم عن الحسين (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) فصلنا الحديث في ذلك في كتابنا: المنهج القرآني في إثبات إمامة أهل البيت في القرآن.
«صفحة 12»
ونهض عليه السلام معلنا نهضته في مكة رافضا بيعة يزيد إحياء لسنة النبي (صلى الله عليه وآله) التي كُتمت وضيِّعت وحرِّفت.
الثاني: بنو أمية الذين طرحوا انفسهم، زورا وكذبا بعد وفاة الحسن (عليه السلام) سنة خمسين هجرية، انهم ورثة لخاتم الأنبياء وخلفاء الله تعالى وائمة هداة يقودون الناس إلى الله تعالى، وتبنوا العمل على محو سنة النبي (صلى الله عليه وآله) الصحيحة واستبدالها بسنة كاذبة نسبوها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كذبا وزورا، وفرضوا على الناس ان يلعنوا عليا (عليه السلام) وان يتبرؤوا منه. ووضعوا أحاديث على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) تسوغ لهم ذلك، وقد كرَّس بنو أميه كل قدراتهم التي تتمتع بها دولتهم الواسعة لتربية الناس والنشء الجديد على هذين الهدفين انتهجوا سياسة الترهيب والترغيب بكل قوتهم فامتلأت السجون والمنافي فضلا عن عدد هائل ممن عارضهم ووقف في وجه أطروحتهم تلك.
الثالث: يوم عاشوراء سنة إحدى وستين هجرية الذي أقدم فيه أعداء الحسين (عليه السلام) على قتل الحسين (عليه السلام) واستئصال ذريته إذ قتلوا حتى الطفل الرضيع، ولم يبق من ذرية الحسين (عليه السلام) ؛ الا
«صفحة 13»
علي بن الحسين (عليه السلام) بسبب مرضه الذي أقعده عن القتال، والذي كان يحسبه كل من رآه يوم العاشر انه ميت لما به، وداسوا بخيولهم جسد الحسين (عليه السلام) مبالغةً في إهانته، ورفعوا رؤوس القتلى على الرماح، وسيروا النساء أسرى إلى الشام عاصمة الدولة الإسلامية آنذاك. وفي قبال ذلك برز يزيد حاكما منتصرا وتزينت الشام لهذا النصر وحسِب الناظر إلى الأمويين آنذاك ان الدنيا كلها معقودة لهم.
«صفحة 14»
الوجه الثاني للظاهرة الحسينية ـ الانبعاث والتجّذر:
بعد ستين سنة من يوم عاشوراء شهد الواقع التاريخي أربعة أمور شكلت الوجه المنبعث والفياض للظاهرة الحسينية وهي:
الأمر الأول: انهيار دولة بني أميه فلم تبق لهم باقية فقد مُزِّقوا شرَّ ممزَّق وورِث غيرُهم كل ما بنوه وجمعوه من أموال، وانقطعت ذرية يزيد فلم يبق احد ينتسب إليه. واقترنت اللعنة باسمه واسم أبية واسم امه هند. وانتهت أطروحتهم على انهم خلفاء الله إلى غير رجعة كما انتهت أطروحتهم في لعن علي (عليه السلام). فلم يظهر كيان سياسي بعدهم يتبنى لعن علي (عليه السلام) حتى في دولتهم الثانية في الأندلس والتي امتدت ثلاثة قرون تقريبا (138-422).
الأمر الثاني: انتشار أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في فضائل علي (عليه السلام) وعودة ذكره بخير في كل الأمة.
الأمر الثالث: بروز بيت الحسين (عليه السلام) من
«صفحة 15»
جديد من خلال ولده علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين الذي شكل ظاهرة ملفتة للنظر في عدة مستويات:
المستوى الأول: شفاؤه من مرض مميت حتما، وهو مرض الذرَب (مرض يفسد المعدة المسمى بالإسهال)، وهو مرض اذا أصاب الكبير في الصيف واستمر عدة أيام فانه يودي بحياة المريض، وقد كانت حالة علي بن الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء هي الضعف الشديد، وفقدان الوزن إذ كان ابن ثلاث وعشرين سنة، ولكن الناظر يراه اصغر من سنه، وهذا المرض أقعده عن القتال، وكان متزوجا وله الباقر وقد شهد كربلاء مع والده وهو ابن اربع سنوات، وقد أراد شمر قتله فقيل له دعه لما به، ثم شافاه الله تعالى من مرضه بعد ذلك.
المستوى الثاني: إنجابه ستة أولاد هم محمد الباقر (عليه السلام)، وعبد الله الباهر وعمر الأشرف، وزيد، والحسين الأصغر، وعلي. وعن طريقهم تفرع نسل الحسين (عليه السلام) وانتشر في الدنيا بشكل لافت للنظر.
المستوى الثالث: بروز علي بن الحسين (عليه السلام)(1) علَما في الأمة في العبادة والعلم، ومن بعده ولده الباقر (عليه السلام) بشكل اعظم إذ عرف عنه انه كان يبقر العلم بقرا ومنه لُقِّب بالباقر(2) ومن بعده برز ولده الصادق (عليه السلام)(3) وبخاصة السنوات
ـــــــــــــــــــــــ
(1) قال أبو بكر بن البرقي ونسل الحسين بن علي كله من قبل علي الأصغر وأمه أم ولد وكان أفضل أهل زمانه (تهذيب الكمال ترجمة علي بن الحسين).وروى عن زيد بن أسلم قال ما جالست في أهل القبلة مثله يعني علي بن حسين (تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر ج 14 ص 373).وهو عند سعيد بن المسيب: أورع من رآه. وقد روي أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك أو الوليد فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين عليه إزار ورداء أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى له الناس عنه حتى يستلمه هيبة له وإجلالا فغاظ ذلك هشاما فقال رجل من أهل الشام لهشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فأفرجوا له عن الحجر فقال هشام لا أعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق وكان حاضرا ولكني أعرفه فقال الشامي من هو يا أبا فراس فقال الفرزدق قصيدته المشهورة:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا بن خير عباد الله كلهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت
عن نيلها عربُ الأقوام والعجمُ
يكاد يمسكه عرفان راحته
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضي من مهابته
فما يكلم إلا حين يبتسم
بكفه خيزران ريحها عبق
من كف أروع في عرنينه شمم
مشتقة من رسول الله نبعته
طابت عناصره والخيم والشيم
ينجاب نور الهدى عن نور غرته
كالشمس ينجاب عن إشراقها العتم
حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا
حلو الشمائل تحلو عنده نعم
هذا بن فاطمة إن كنت جاهله
بجده أنبياء الله قد ختموا
الله فضله قدما وشرفه
جرى بذاك له في لوحه القلم
فليس قولك من هذا بضائره
العُرب تعرفُ من أنكرتَ والعجم
عم البرية بالإحسان فانقشعت
عنه الغيابة والإملاق والعدم
كلتا يديه سحاب عم نفعهما
يستوكفان ولا يعروهما العدم
سهل الخليقة لا يخشى بوادره
يزينه اثنان حسن الخلق والكرم
لا يخلف الوعد ميمون نقيبته
رحب الفناء أريب حين يعتزم
من معشر حبهم دين وبغضهم
كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم
ويسترب به الإحسان والنعم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم
في كل بر ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
وغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم وقال اعذر أبا فراس فلو كان عندنا أكثر منها لوصلناك بها فردها وقال يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله وما كنت لأرزأ عليه شيئا فردها إليه وقال بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك فقبلها.
(العرنين اعلى الانف بين العينين)، (الخيم بكسر الخاء السجايا لا واحد لها).
(2) فقد قال الذهبي فيه: أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام. وكان سيد بني هاشم في زمانه اشتهر بالباقر من قولهم بقر العلم يعني شقه فعلم أصله وخفيه (تذكرة الحفاظ 1/124).
وقال محمد بن المنكدر ما رأيت أحدا يفضُل على علي بن الحسين حتى رأيت ابنه محمدا.(و محمد بن المنكدر بن عبد الله القرشي أبو عبد الله وهم اخوة ثلاثة أبو بكر ومحمد وعمر وكان محمد من سادات قريش وعباد أهل المدينة وقراء التابعين مات سنة ثلاثين ومائة وقد نيف على السبعين وكان يصفر لحيته ورأسه بالحناء). وقال ابن سعد في ترجمة الباقر : كان ثقة كثير الحديث. وقال ابن البرقي: كان فقيها فاضلا.
(3) وقد قال ابن حجر فيه: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق صدوق فقيه إمام. قال إبراهيم بن محمد الرماني أبو نجيح سمعت حسن بن زياد يقول سمعت أبا حنيفة وسئل من أفقه من رأيت فقال ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد. لما أقدمه المنصور الحيرة بعث إلي فقال يا أبا حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيء له من مسائلك تلك الصعاب فقال فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إلي أبو جعفر فأتيته بالحيرة فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلمت وأذن لي أبو جعفر فجلست ثم التفت إلى جعفر فقال يا أبا عبد الله تعرف هذا قال نعم هذا أبو حنيفة ثم أتبعها قد أتانا ثم قال يا أبا حنيفة هات من مسائلك سل أبا عبد الله فابتدأت أسأله قال فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرج منها مسألة ثم قال أبو حنيفة أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
«صفحة 16»
132-136هجرية إذ ظهر بشكل مرجع عام في الأمة الاسلامية حيث كان يحضر درسه أربعة آلاف تلميذ تقريبا حملوا عنه العلم الذي كتبه علي (عليه السلام) وورثه الحسن (عليه السلام) ثم الحسين (عليه السلام) ثم علي بن الحسين (عليه السلام) ثم الباقر (عليه السلام) ثم الصادق (عليه السلام)، وكتب أربعمائة تلميذ من تلاميذ الصادق (عليه السلام) عنه (عليه السلام) أربعمائة رسالة وكتاب في الفقه خاصة.
الأمر الرابع: بروز شيعة علي (عليه السلام) الذين عمل الأمويون على تصفيتهم من جديد كفئة ظاهرة في المجتمع المسلم، تحمل العلم الذي كتبه علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) برواية الصادق حفيد الحسين (عليه السلام)، وتحيي عاشوراء بالحزن والبكاء سنويا.
«صفحة 17»
تفسير الظاهرة الحسينية في وجهها المنبعث المتنامي:
ليس من شك ان جانب البقاء والانبعاث في الظاهرة الحسينية المتمثل بعناصرها الأربعة الآنفة الذكر لا يمكن تفسيره الا بعامل التأييد الإلهي والرعاية الإلهية للحسين (عليه السلام) وهذه الرعاية أخذت شكلين:
الشكل الأول: الرعاية الإلهية بفعل الهي مباشر.
وهو واضح جدا في مسألة انقطاع نسل يزيد وبني أميه وكثرة نسل الحسين (عليه السلام) في الوقت الذي كانت فيه ظروف يزيد تقتضي كثرة النسل وظروف الحسين تقتضي استئصال النسل. وهذه المسألة من مختصات الله تعالى فهو الذي يهب الذكور والإناث ﴿لِلَّهِ مُلكُ السَّماواتِ والأَرضِ يخلُقُ ما يشاءُ يهَبُ لِمَن يشاءُ إِناثا ويهَبُ لِمَن يشاءُ الذُّكورَ﴾ الشورى/49، وكذلك الشفاء من المرض ﴿و إِذا مَرِضتُ فَهو يشفينِ﴾ الشعراء/80، وقد كان علي
«صفحة 18»
بن الحسين (عليه السلام) في مرضه الذي أقعده عن القتال يوم عاشوراء لا يرتجى شفاؤه منه ويحسبه الناظر إليه انه من الأموات.
الشكل الثاني: الرعاية الإلهية عن طريق فعل السنن الإلهية في حركة التاريخ.
وهذا النوع الثاني من الرعاية الإلهية يجعل الظاهرة الحسينية في مصاف ظاهرة انتصار الأنبياء على مكذبيهم المذكورة في القرآن عبر القصص الكثيرة بل وتعد الظاهرة الحسينية تعد من أوضح المصاديق الحية لهذه السنن.
وفيما يلي بعض هذه السنن:
1. سنة إهلاك الظالمين واستخلاف المستضعفين في الله:
كما حصل مع نوح وهود وصالح وغيرهم وسنة إهلاك الظالمين وفتح الطريق للمستضعفين ليكونوا وجودا ظاهرا كما حصل مع قوم موسى وأصحاب عيسى (عليه السلام).
قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ 59 قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 60
«صفحة 19»
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ 61 أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ 62 أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 63 فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ 64 وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ 65 قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ 66 قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ 67 أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ 68 أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 69 قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 70 قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ 71 فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ 72﴾ الأعراف/59ـ72
﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما
«صفحة 20»
لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ 61 قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ 62 قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ 63 وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ 64 فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ 65 فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ 66 وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ 67 كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ 68﴾ هود/61ـ68.
وفي قصة موسى (عليه السلام):
قال تعالى:﴿ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلاَئِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ 103﴾ الأعراف/103.
وقال تعالى:
﴿فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ 136 وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا
«صفحة 21»
يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ 137﴾ الأعراف/136ـ137.
وفي قصة عيسى (عليه السلام):
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ 14﴾ الصف/14.
وفي قصة أصحاب القرية والمرسلين:
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ 13 إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ 14 قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ 15 قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ 16 وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ 17 قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ 18 قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ 19 وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ 20 اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ 21 وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي
«صفحة 22»
فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 22 أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ 23 إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ 24 إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ 25 قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ 26 بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ 27 وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ 28 إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ 29 يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ 30 أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ 31 وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ 32﴾ يس/13ـ32 .
2. سنة إبقاء إمامة الهدى في أهل بيت النبي المؤسس:
في بيت نوح وإبراهيم:
قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ 26﴾ الحديد/26.
وقال تعالى:
﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ 71 وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ 72 فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ 73 إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ 74 وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ 75
«صفحة 23»
وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ 76 وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ 77 وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ 78 سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ 79 إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 80 إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ 81 ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ 82 وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ 83 إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ 84 إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ 85 أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ 86 فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ 87 فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ 88 فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ 89 فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ 90 فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ 91 ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ 92 فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ 93 فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ 94 قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ 95 وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ 96 قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ 97 فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الأَسْفَلِينَ 98﴾ الصافات/71ـ98.
وقال تعالى:
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ 83 وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 84 وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ 85 وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ 86 وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ
«صفحة 24»
وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 87 ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ 88 أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ 89﴾ الأنعام/83ـ89.
وفي بيت محمد (صلى الله عليه وآله):
﴿أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ 89 أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ 90﴾ الأنعام/89ـ90.
وقال تعالى:
﴿وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ 167 لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الأَوَّلِينَ 168 لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ 169 فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ 170 وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ 171 إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ 172 وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ 173 فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ 174 وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ 175 أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ 176 فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ 177 وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ 178 وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ 179﴾ الصافات/167ـ179.
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما
«صفحة 25»
جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً 60﴾ الإسراء/60.
وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ 17 وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ 18 الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ 19 أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ 20﴾ هود/17ـ20.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا 96﴾ مريم/96.
وقال تعالى:
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ 20 إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
«صفحة 26»
وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ 21 أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ 22﴾ آل عمران/20ـ22.
«صفحة 27»
الظاهرة الحسينية وأصول الدين الثلاثة التوحيد والنبوة وإمامة علي (عليه السلام):
1. التوحيد:
التوحيد هو الإيمان بان الله تعالى مدبر الظواهر الكونية وخلقها لصالح الانسان. ومن هنا صارت مسرحا للتفكير الذي يقود إلى الإيمان بالله تعالى، وكذلك الحال في الظاهرة الحسينية فهي تدبير الهي لصالح الحسين (عليه السلام) حين حفظ ولد الحسين (عليه السلام) وشفاه من مرضه المميت ثم رزقه الذرية التي تملأ الدنيا. وفي قبال ذلك بتر نسل عدو الحسين، فهذه القضية مسرح للتفكير الذي يقود إلى الإيمان بالله تعالى.
2. النبوة:
حقيقة النبوة هي الاخبار التفصيلي بالمغيبات. والعلم بالغيب ينحصر بالله تعالى، ومن هنا تكون علامة صدق نبوة نبي هو الاخبار بالغيب
«صفحة 28»
التفصيلي ثم وقوع هذا الغيب كما اخبر النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد تواتر لدى المسلمين ان النبي محمد (صلى الله عليه وآله) اخبر بقتل ولده الحسين (عليه السلام) بشاطئ الفرات مظلوما عطشانا. وفيما يلي نموذج من تلكم الروايات.
قال ابن كثير قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، ثنا شراحيل بن مدرك، عن عبدالله بن نجيي، عن أبيه أنه سار مع علي – وكان صاحب مطهرته(1) – فلما جاؤوا نينوى وهو منطلق إلى صفين. فنادى علي: صبرا أبا عبدالله، صبرا أبا عبدالله، بشط الفرات قلت: وماذا تريد ؟ قال: « دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان فقلت: ما أبكاك يا رسول الله ؟ قال: بلى، قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال فقال: هل لك أن أشمك من تربته ؟ قال: فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا». قال ابن كثير تفرد به أحمد(2).
وروى نصر بن مزاحم عن سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن كثير عن أبيه: أن عليا أتى
ـــــــــــــــــــــــ
(1) المطهرة هي إناء ماء الوضوء.
(2) البداية والنهاية مجلد: 8 /217 , مسند أحمد 1/85 , الآحاد والمثاني 1/ 308.
«صفحة 29»
كربلاء فوقف بها، فقيل يا أمير المؤمنين، هذه كربلاء. قال: ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى مكان فقال: هاهنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال: هاهنا مهراق دمائهم(1).
وروى الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عبد الله بن الحكم بن أبي زياد وأحمد بن يحيى الصوفي قالا ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هاني بن هاني عن علي رضي الله تعالى عنه قال ليقتلن الحسين قتلا وإني لأعرف التربة التي يقتل فيها قريبا من النهرين.
وروى أيضا قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو الأعمش عن سلام أبي شرحبيل عن هرثمة قال كنت مع علي رضي الله تعالى عنه بنهر كربلاء فمر بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ منه قبضة فشمها ثم قال يحشر من هذا الظهر سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب(2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وقعة صفين / 142
(2) المعجم الكبير 3 / 110، 111.
«صفحة 30»
أقول: قوله (سبعون ألفا) تحريف والصحيح هو سبعون وهم أنصار الحسين (عليه السلام) الذين قتلوا معه.
وروى محمد بن سعد وغيره من غير وجه عن علي بن أبي طالب أنه مر بكربلاء عند أشجار الحنظل وهو ذاهب إلى صفين، فسأل عن اسمها فقيل كربلاء، فقال: كرب وبلاء، فنزل وصلى عند شجرة هناك ثم قال: يقتل ههنا شهداء هم خير الشهداء …، يدخلون الجنة بغير حساب – وأشار إلى مكان هناك – فعلموه بشيء فقتل فيه الحسين(1).
وقد روى نصر بن مزاحم رواية هرثمة بتفصيل أكثر قال: حدثني مصعب بن سلام، قال أبو حيان التميمي، عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علي بن أبى طالب غزوة صفين، فلما نزلنا بكربلاء صلى بنا صلاة، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال: «واها لكِ أيتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب». فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته وهي جرداء بنت سمير، وكانت شيعة لعلى
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد.
«صفحة 31»
فقال لها زوجها هرثمة: ألا أعجبك من صديقك أبى الحسن ؟ لما نزلنا كربلاء رفع إليه من تربتها فشمها وقال: «واها لك يا تربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب» وما علمه بالغيب ؟ فقالت: دعنا منك أيها الرجل، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.
فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه، قال: كنت فيهم في الخيل التي بعثت إليهم، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها، والقول الذي قاله، فكرهت مسيري، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين، فسلمت عليه، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسين: معنا أنت أو علينا ؟ فقلت: يا ابن رسول الله. لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي أخاف عليهم من ابن زياد. فقال الحسين: فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال: فأقبلت في الأرض هاربا حتى
«صفحة 32»
خفي علي مقتله(1).
وروى الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن يحيى بن أبي سمينة ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن ميمون بن مهران عن شيبان بن مخرم وكان عثمانيا (وفي رواية ابن عساكر: وكان عثمانيا يبغض عليا (عليه السلام)) قال: إني لَمَعَ علي رضي الله تعالى عنه إذ أتى كربلاء فقال يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلا شهداء بدر فقلت بعض كذباته وثم رجل حمار ميت فقلت لغلامي خذ رجل هذا الحمار فأوتدها في مقعده وغيبها فضرب الدهر ضربة فلما قتل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما انطلقت ومعي أصحاب لي فإذا جثة الحبسين بن علي رضي الله تعالى عنه على رجل ذاك الحمار وإذا أصحابه ربضة حوله(2).
أقول:
مراده برِجل الحمار عظم الساق، ويظهر من الرواية أن شيبان بن مخرم بقي على عثمانيته ثم التحق بالجيش الذي سيره ابن زياد لقتل الحسين
ـــــــــــــــــــــــ
(1) وقعة صفين / 140.
(2) المعجم الكبير للطبراني 3/111.
«صفحة 33»
ولم ينتفع بما يحمله من رواية علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) التي شهد صدقها وتحققها كما لم ينتفع هرثمة بن سليم الآنف الذكر حيث سمع من علي (عليه السلام) الرواية نفسها وشهد صدقها وتحققها وجاء إلى الحسين وحدثه بها ونصحه الحسين بأن لا يشهد القتال إذا لم يكن ناصرا له ولا معينا لعدوه وعمل هرثمة بهذه النصيحة حيث فر ولم يشهد القتال. أما كون جثة الحسين وأصحابه على رجل ذلك الحمار فلا يبعد أن تكون من مبالغات شيبان أو الراوي عنه وهو ميمون بن مهران وكان يبغض عليا (عليه السلام) ويحمل عليه.
و رواية أنس بن مالك رواها الطبراني 3/106، ورواية عائشة رواها الطبراني أيضا، ورواية أم سلمة رواها احمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2/782 والحاكم في المستدرك 4/440 ورواية أنس بن الحارث رواها ابن كثير في البداية والنهاية: 8 /217.
3. الإمامة:
حقيقة الإمامة هي منصب الهي لهداية الناس، ويكون بتعيين الهي ثم يورث بأذن الهي ﴿و إِذِ ابتَلى إِبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ
«صفحة 34»
إِماما قالَ ومِن ذُرّيتي قالَ لا ينالُ عَهدي الظّالِمين﴾ البقرة/124، وقد جعل الله تعالى نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله) إماما، وكانت إمامته نظير إمامة إبراهيم (عليه السلام) ثم أورثها النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) في حديث الغدير «من كنت مولاه فعلي مولاه».
وقد مارس علي (عليه السلام) إمامته الإلهية، وهدى الناس إلى سنة نبيهم بعد ان عتمت عليها وكتمتها وحرفت بعضها حكومة قريش كما صنعت ذلك في متعة الحج. وانتشرت السنة النبوية التي كتبها علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وجاء بنو أميه وعرضوا انفسهم على انهم ورثة الإمامة الإلهية للنبي (صلى الله عليه وآله)، وعرضوا عليا (عليه السلام) على انه ملحد في الدين وفرضوا على الناس ان يتبرؤوا منه ويسبوه ولاحقوا شيعته وقتلوهم، وكان آخر ما صنعوه هو قتلهم الحسين قتل استئصال وإفناء يوم العاشر من المحرم، وصفا الجو تماما لبدعتهم في الإمامة اثنين وعشرين شهرا وخطب الجمعات تشيد بهم وتلعن عليا والحسن والحسين(عليهم السلام) من خلال الأحاديث الكاذبة.
ثم زلزل الله تعالى الأرض من تحتهم وبدأت مسيرة الوعي التي أوجدتها نهضة الحسين
«صفحة 35»
وظلامته باتجاهين الأول اتجاه عام وهو التمرد على بني أميه والعمل على الإطاحة بهم، والاتجاه الثاني البراءة من إمامة بني أميه والانفتاح على إمامة علي والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين(عليهم السلام) من جديد، وبرز الحسين منقذا لإمامة آبائه الإلهية التي أسسها الله ورسوله لهم، ومؤسسا لإمامة أبنائه التسعة الذين بشر بهم النبي (صلى الله عليه وآله).
وشهدت الأمة حركة جديدة في المجتمع تبدأ بالحسين (عليه السلام) وارث الأنبياء وأبية علي (عليه السلام) وأخيه الحسن (عليه السلام) وامه الزهراء (عليه السلام)، ثم ليكون الحسين (عليه السلام) ميراثا لتسعة من بنيه شهد لهم الواقع بإمامتهم الفكرية والدينية واستحقاقهم للإمامة السياسية، كما جاء النص عليهم من جدهم النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد تطابق النص مع الواقع، وبذلك صارت الظاهرة حقلا لإثبات الإمامة الإلهية لأهلها بالحسين (عليه السلام) ؛ لان نهضة الحسين (عليه السلام) استهدفت إحياء إمامة علي (عليه السلام) وإمامة الحسن (عليه السلام) الإلهية التي استهدف بنو أميه ليس فقط استبدالها بإمامتهم بل وقرن ذكر علي باللعن تدينا، وقد نجح الحسين (عليه السلام) عبر نهضته وظلامته
«صفحة 36»
في تحقيق هدفه فصار علي (عليه السلام) يذكر بالخير من جديد، وصار بنو أميه يذكرون باللعن من جديد لعنهم الله ورسوله والمؤمنون بما صنعت ايدهم. ثم صار الحسين (عليه السلام) وتسعة من بنيه رموزا هادية إلى دين محمد (صلى الله عليه وآله) وإمامة أهل البيت(عليهم السلام) الهادية بشكل لا نظير له.
«صفحة 37»
قصيدة للعلاّمة الشيخ عبد المهدي مطر النّجفي (رحمه الله)
وافَـتكَ جـنداً يـستثير ويزأرُ
فَـقُدِ الـمواكبَ إنّها لك عسكرُ
لا تـسلمنَّ إلى الـدنيّة راحةً
مـا كـان أسـلمها لذلٍ حيدرُ
وابـعث حياة الناهضين جديدة
فـيها الإبـاء مـؤيد ومـظفَّر
وارسـم لسير الفاتحين مناهجاً
فـيها عـروش الطَّائشين تدمَّر
إنْ لَـم تـلبِّك سـاعة محمومة
ذُمّـت فـقد لبَّت نداءك أعصر
قم وانظر البيت الحرام ونظرة
اُخـرى لقبرك فهو حجّ أكبر
أصبحتَ مفخرة الحياة وحقّ لَو
فـخرتْ بـه فدمُ الشهادة مفخر
قـدِّست مـا أعلى مقامك رفعة
أخـفيه خوف الظالمين فيظهر
شكتِ الإمارةُ حظَّها واستوحشت
أعـوادها مـن عابثين تأمَّروا
«صفحة 38»
وتـنكرت لـلمسلمين خـلافة
فيها يصول على الصلاح المنكر
سوداء فاحمة الجبين ترعرعت
فـيها الـقرود ولـوَّثتها الأنـمر
سكبت على نغم الأذان كؤوسها
وعلى الصلاة تديرهنَّ وتعصر
تـلك الـمهازل يـشتكيها مـسجد
ذهـبت بـروعته ويـبكي مـنبر
فـشكت إلـيك وما شكت إلاّ إلى
بـطل يـغار على الصلاح ويثأر
تـُطوى الفضائل ما عَظُمنَ وهذه
اُمُّ الـفـضائل كـلَّ عـام تـنشر
جـرداء ذابـلة الـغصون سقيتها
بـدم الـوريد فطاب غرسٌ مثمر
شـكت الـشريعة من حدود بُدّلَتْ
فـيـها وأحـكـام هـناك تـغيَّر
سـلبت مـحاسنها اُميّة فاغتدت
صـوراً كـما شاء الضلال تصوَّر
عـصفت بـها الأهواء فهي أسيرةٌ
تشكو وهل غير الحسين محرِّر
وافـى بـفتيته الـصّباح فـساقهم
لـلدِّين قـربان الإلـه فـجزِّروا
أدّى الـرسالة مـا اسـتطاع وإنّما
تـبـليغها بــدم يـطلّ ويـهدر
«صفحة 39»
فـبذمّة الإصـلاح جـبهةُ مـاجدٍ
تُـدمى ووضّـاح الـجبين يـُعفَّر
لـبّيك مـنفرداً اُحيط بعالم تحصى
الـحصى عـدداً ومـا إن يحصر
لـبّيك ظـامٍ حـلأّوهُ عن الرَّوى
وبـراحتيه مـن المكارم أبـحر
هـذي دمـوع المخلصين فروِّ من
عـبـراتها كـبـداً تـكاد تـفطَّر
واعـطف على هذي القلوب فإنّها
ودَّت لَـو أنَّـك في الأضالع تقبر
يـتزاحمون على استلام مشاعر
مـن دون روعتها الصّفا والمشعر
ركـبوا لها الأخطارَ حتّى لَو غَدت
تُـبرى الأكـفّ أو الـجماجم تنثر
وافـوك يـوم الأربـعين وليتهم
حـضروك يوم الطّف إذ تستنصر
وجـدوا سـبيلكم الـنّجاة وإنّـما
نـصبوا لـها جسر الولاء ليعبروا
وتـأمّـلوك لـسـاعةٍ مـرهوبةٍ
إمّـا الـحميم بـها وإمّـا الكوثر
***
One Response
نباارك لكم هذا الجهد
وجعله الله في ميزات اعمالكم