14 ـ صلح الامام الحسن (ع) قراءة جديدة في الخلفيات والنتائج

الاصدر الالكتروني رقم (14) بعنوان: «صلح الامام الحسن (ع) قراءة جديدة في الخلفيات والنتائج» تاليف: العلامة المحقق السيد سامي البدري، هذه الخلاصة كتبها العلامة البدري لمجموعة من طلابه الشباب في الدوراة الثقافية التي كان يقيمها في العطل الصيفية.

مما جاء في المقدمة:

يعد حدث صلح الإمام الحسن (ع) مع معاوية كما تصورها لنا المصادر التاريخية الأولى من أشد القضايا غموضا وتشوها في تاريخ أهل البيت (ع) من جهة ، وفي تاريخ العراق الإسلامي المبكر من جهة أخرى، وذلك لان القراءة الأولية للمصادر التاريخية الإسلامية حول الموضوع تفرض على القارئ أن يخرج بانطباعين سلبيين:
الأول : الانطباع الشديد عن العراقيين الأوائل الذين عاصروا عليا والحسن والحسين (ع) في الكوفة خاصة ، وهو الانطباع السائد لدى كل من درس الموضوع أو كتب فيه، وهو: كونهم متفرقين متخاذلين طالما تمنى علي (ع) فراقهم غير قادرين على النهوض بدولة مستقلة بهم نظير ما صنعه الشاميون مع معاوية ، بل كان بعض العراقيين كما في بعض الروايات يفكر بتسليم الحسن (ع) حيا إلى معاوية ، ولذلك اضطر الحسن (ع) إلى تسليم الأمر لمعاوية . وهذا الانطباع منتشر عند المسلمين بغض النظر عن مذاهبهم.
الثاني : الانطباع عن شخصية الحسن (ع) لدى القارئ الذي لا تربطه معه رابطة الاعتقاد بإمامته وعصمته أو رابطة الاعتقاد بوجوب محبته واحترامه لأنه من أهل البيت (ع) الذين أوجب الله تعالى مودتهم، كالمستشرقين وقد كادوا يجمعون على كون الحسن(ع) شخصية غير جديرة بان تكون ابنا لعلي(ع) وانه باع الخلافة بدراهم من اجل شهواته.
أما القارئ المؤمن بعصمة الإمام الحسن(ع) فلم يؤثر عليه ذلك الركام الهائل من الروايات الطاعنة في شخصيته لإيمانه المسبق ان الحسن(ع) منَّزه عن ذلك وان تلك الروايات لا بد ان تكون موضوعة من قبل أعدائه لتشويه صورته.
وقد تميزت دراسة العلامة البدري حول صلح الإمام الحسن(ع) بانها خرجت برؤية تحقيقية تحليلية جديدة في تحديد خلفيات الصلح وأحداثه ونتائجه مغايرة لما هو سائد بل هادمة له، وقد تبلورت هذه الرؤية ضمن مشروع تحقيقي طويل الأمد استغرق عدة سنوات من عمر العلامة البدري حتى خرجت إلى النور لتزيل الستار عن الحقيقة الكبيرة فيما صنعه الإمام الحسن(ع) لأمة جده(ص) في هذا الصلح.

المحتويات

وقد اشتمل الكراس على العناوين التالية:

 

«صفحة 1»

صلح الامام الحسن (ع) قراءة جديدة في الخلفيات والنتائج

تاليف : السيد سامي البدري

«صفحة 2»

«صفحة 3»

«صفحة 4»

«صفحة 5»

«صفحة 6»

مقدمة المركز

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.

يعد حدث صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية كما تصورها لنا المصادر التاريخية الأولى من أشد القضايا غموضا وتشوها في تاريخ أهل البيت (عليهم السلام) من جهة ، وفي تاريخ العراق الإسلامي المبكر من جهة أخرى، وذلك لان القراءة الأولية للمصادر التاريخية الإسلامية حول الموضوع تفرض على القارئ أن يخرج بانطباعين سلبيين:

الأول: الانطباع السائد عن العراقيين الأوائل الذين عاصروا عليا والحسن والحسين (عليهم السلام) في الكوفة خاصة : كونهم متفرقين متخاذلين طالما تمنّى علي (عليه السلام) فراقهم فهم غير قادرين على النهوض بدولة مستقلة بهم نظير ما صنعه الشاميون مع معاوية ، بل كان بعض العراقيين

«صفحة 7»

كما في بعض الروايات يفكر بتسليم الحسن (عليه السلام) حيا إلى معاوية ، ولذلك اضطر الحسن (عليه السلام) إلى تسليم الأمر لمعاوية . وهذا الانطباع منتشر عند المسلمين بغض النظر عن مذاهبهم.

الثاني: الانطباع عن شخصية الحسن (عليه السلام) لدى القارئ الذي لا تربطه معه رابطة الاعتقاد بإمامته وعصمته أو رابطة الاعتقاد بوجوب محبته واحترامه لأنه من أهل البيت (عليهم السلام) الذين أوجب الله تعالى مودتهم، كالمستشرقين وقد كادوا يجمعون على كون الحسن (عليه السلام) شخصية غير جديرة بان تكون ابنا لعلي (عليه السلام) وانه باع الخلافة بدراهم من اجل شهواته.

أما القارئ المؤمن بعصمة الإمام الحسن (عليه السلام) فلم يؤثر عليه ذلك الركام الهائل من الروايات الطاعنة في شخصيته لإيمانه المسبق ان الحسن (عليه السلام) منَّزه عن ذلك وان تلك الروايات لا بد ان تكون موضوعة من قبل أعدائه لتشويه صورته.

تميّزت دراسة العلامة البدري حول صلح الإمام الحسن (عليه السلام) بمخرجاتها ونتائجها التحقيقية والتحليلية الجديدة المختلفة عما هو

«صفحة 8»

السائد بل هادمة له، وقد تبلورت هذه الرؤية الجديدة ضمن مشروع تحقيقي طويل الأمد استغرق سنوات طويلة من عمره المبارك.

هذا الكراس الماثل بين يديك أيها القارئ الكريم يعرض خلاصة هذه الرؤية الجديدة في صفحات قلائل اختصرها العلامة البدري بقلمه المبارك، والتفصيل يراجع في كتابه المفصل «صلح الإمام الحسن (عليه السلام) في مواجهة الانشقاق الأموي» وهو كتاب مطبوع سنة 2013م/1434هـ الذي يضم حدود (600 صفحة) .

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

د. السيد حسين البدري

مسؤول وحدة الأبحاث العلمية والإصدارات العامة

صفر الخير1445 هجرية الموافق لـ 8/2023

قم المشرفة

«صفحة 9»

مقدمة المؤلف

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد واله الطاهرين. وبعد فهذه خلاصة في القراءة الحديد ة عن صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية التي انفتحت عليها بفضل الله منذ عشرين سنة تقريبا وكان ملفها مفتوحا طوال هذه المدة بحثا وتحقيقا وتفكير وحوارا وفي اعتقادي ان ملفها سوف يبقى مفتوحا إلى ما شاء الله تعالى، وهذه الخلاصة تمثل آخر ما نضج لدي ّمن أفكار حول الموضوع كتبتها يوم السابع من صفر سنة 1432هجرية(يوم شهادة الحسن (عليه السلام) الزكي) وقد طبعت طبعة محدودة ثم صححت بعض أخطاءها وطبعت مرة ثانية بعنوان (صلح الحسن (عليه السلام) الخلفيات والنتائج قراءة جديدة).

السيد سامي البدري

النجف الأشرف

7صفر الخير /1444هجرية

«صفحة 10»

صلح الحسن (عليه السلام) مع معاوية نظير صلح النبي (صلى الله عليه وآله)مع قريش

صلح الحسن (عليه السلام) مع معاوية نظير صلح النبي (صلى الله عليه وآله) مع قريش في الخلفيات والأهداف والنتائج.

روى الصدوق في علل الشرائع عن أبي سعيد عقيصا قال: «قلت للحسن بن علي ابن أبي طالب (عليهم السلام): يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته؟ قال: يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل» (1).

وفي رأينا ان هذه الرواية مقدَّمة على الرِّوايات التي تقول ان سبب الصُّلح هو غدر أو ضعف أهل الكوفة والشواهد كثيرة على ذلك كما سيتضح من خلال البحث.

ـــــــــــــــــــــــ

(1) علل الشرائع 1/211.

«صفحة 11»

والدرس الذي نستخلصه من سبب صلح النبي (صلى الله عليه وآله) مع قريش في الحديبية لم يكن ضعف أهل المدينة ولا غدرهم بالنبي (صلى الله عليه وآله)، بل كان السبب هو ان الحرب بينه (صلى الله عليه وآله) وبين قريش لم تَعُد تَحسِم الموقف، مضافا إلى أنها انتجت فكراً إعلامياً روَّجت له قريش المشركة لقبائل الجزيرة وأقنعتهم به وأنها على الحق ومحمد (صلى الله عليه وآله) على الباطل، وجنَّدت من خلاله عشرة آلاف مقاتل في غزوة الخندق، وروح هذا الفكر الإعلامي هو ان محمدا (صلى الله عليه وآله) لا يعظم البيت الحرام ولا يحترم زوّاره وان شغلها ورسالتها في الحياة تعظيم البيت الحرام واحترام زوّاره، وليس من شك فان هذا الفكر الإعلامي لا يمكن إزالته بالحرب بل سوف يتكرس اكثر فيما لو استمرت الحرب ومن هنا بادر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الصلح وفرضه على قريش ولو أدى ذلك إلى بعض التّنازلات، وهكذا كان الأمر وتنازل النبي (صلى الله عليه وآله) على سمته كرسول الله في وثيقة الصلح وكتب «هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله.»(1).

ـــــــــــــــــــــــ

(1) سيرة ابن هشام 3/332.

«صفحة 12»

وتنازل في قبال إصرار قريش «ان لا يدخل مكة هذه السنة ويدخلها في السنة المقبلة».

«وان لا يستقبل أحدا اسلم من قريش إلا بإذن وليه».

وقد أدت هذه التّنازلات إلى ان يَشكَّ بالنبوة عدد من الصحابة فيهم عمر بن الخطاب (1).

وقد سمى الله تعالى هذا الصلح مع إطار التنازل الذي حصل بـ(الفتح المبين)، كما في قوله تعالى ﴿إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ (2)، لماذا؟ لان هذا الصلح فضح قريشا عند أحلافها وكشف عن كذبها، وفتح القلوب لمحمد (صلى الله عليه وآله) وكشف عن صدقه فقد كانت تقول لهم ان محمدا لا يحترم بيت الله وانه يقطع الطريق على زوار البيت، وإذا بـ (صلح الحديبية) يكشف ان قريشا هي التي تصد عن البيت الحرام وان محمدا يعظم البيت الحرام بما لم يعظم احد البيت مثله إذ جاء بأصحابه والهديُ معهم ثم منعتهم قريش وذبحوا الهدي خارج الحرم.

ـــــــــــــــــــــــ

(1) تاريخ الطبري 2/637، وانظر للتفصيل كتاب السيرة النبوية للبدري ص161-166.

(2) .انظر كتب التفسير.

«صفحة 13»

والأمر نفسه بين الحسن (عليه السلام) ومعاوية.

فان الحسن (عليه السلام) يقود مشروع أبيه علي (عليه السلام) على انه محيي سنة النبي (صلى الله عليه وآله) التي عتم عليها وأماتتها قريش المسلمة بعده.

ومعاوية يقول لأهل الشام: ان عليا مفسد في دين محمد (صلى الله عليه وآله).

كانت وسيلة معاوية لإقناع أهل الشام بان عليا مفسدا في دين النبي أحاديث الكذب على النبي (صلى الله عليه وآله). واعتقد أهل الشام بذلك وحاربوا علياً خمس سنوات على أساس ذلك الإعلام الكاذب ضد علي (عليه السلام) ونهضته الإحيائية لسنة النبي (صلى الله عليه وآله). بل استطاع ا ن يحول جيش الشام إلى محاربين لشيعة علي (عليه السلام) والبلاد التابعة له على طريقة حرب العصابات (الغارات) مبالغة منه في تطويق علي (عليه السلام).

وفي مثل هذه الحال فان الحرب مع معاوية وأهل الشام لا تحل المشكلة تماما، كما لم تحل الحرب المشكلة بين النبي (صلى الله عليه وآله) والقبائل التي حشدتها قريش ضده (صلى الله عليه وآله).

ان افضل مدخل واقربه لفهم مشروع

«صفحة 14»

علي (عليه السلام) الإحيائي لسنة النبي (صلى الله عليه وآله) هو دراسة حالة المسلمين السياسية و الفكرية والدينية سنة 26هجرية.

حالة المسلمين الفكرية والدينية والسياسية سنة 26هجرية

الحالة السياسية

تعرف من رئيس الدولة آنذاك وولاته على الأمصار:

رئيس الدولة هو عثمان بن عفان بن إبي العاصي بن أمية بن عبد شمس.

سكرتيره الخاص مروان بن الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس(ابن عمه).

والي الشام الكبرى هو معاوية بن إبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس. (ابن عم عثمان)

والي الكوفة هو الوليد بن عقبة بن إبي معيط بن عمرو بن أمية بن عبد شمس،ثم خالد بن سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي

«صفحة 15»

بن أمية بن عبد شمس والد عمرو بن سعيد الأشدق. (أولاد عمه).والي البصرة: عامر بن ربيعة من حبيب بن عبد شمس وهو ابن خال عثمان و حبيب بن عبد شمس هو اخو أمية بن عبد شمس (فهو ابن عمه).

والي مصر عبد الله بن إبي سرح اخو عثمان من الرضاعة وهو من بني عامر إحدى بطون قريش.

الحالة الفكرية والدينية

فإنها استمرار لسيرة الشيخين، وهي السيرة التي بويع عثمان عليها ليُكرِّسَها في الدولة وتتمثل هذه السيرة بأمور هي:

المنع من نشر أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في حق أهل بيته (عليهم السلام) وأولهم علي (عليه السلام).كحديث الثقلين وحديث الغدير وحديث المنزلة وغيرها.

المنع حج التمتع بمعنى إدخال العمرة في الحج كفريضة لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام. وجعل الحج مفردا بلا عمرة في اشهر الحج.

تحريم متعة النساء وهو افضل علاج لتطهير

«صفحة 16»

المجتمع من الزنا كما قال علي (عليه السلام) «لو لا أَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ مَا زَنَى إِلا شَقِيٌّ‌»(1).

إسناد الوعظ والإرشاد وبيان قصص الأنبياء إلى كعب الأحبار (رئيس علماء اليهود في اليمن، وعن طريقه تسرب القصص الإسرائيلي إلى المجتمع الإسلامي.

إيجاد الطبقية في المجتمع بتفضيل بعضهم على بعض في العطاء.

وفي ضوء ذلك فان الدولة الإسلامية في زمن عثمان يمكننا بتسميتها الدولة الأولى لبني أمية. وقد كان المسلمون من أهل الحجاز واليمن والجزيرة العربية من عمر15سنة إلى عمر 30 سنة ومن غيرهم ممن دخل الإسلام من أهل العراق والبلاد الشرقية وأهل الشام وأفريقيا لا يعرفون خلفاء للنبي (صلى الله عليه وآله) يقودونهم إلى الله تعالى إلا الخلفاء من قريش ولا يعرفون من الإسلام إلا سيرة الشيخين وهم يعتقدون ان هذا هو دين محمد (صلى الله عليه وآله).

أما علي (عليه السلام) وسابقته في الإسلام وموقعه فيه

ـــــــــــــــــــــــ

(1) الطبري، تفسير الطبري، جلد: ٦، صفحه: ٥٨٨.

«صفحة 17»

وولايته التي أمر بها الله تعالى وأهل بيته الذي قال عنهم النبي (صلى الله عليه وآله) «إني تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، فانهم جاهلون بها إلا إذا سمع ذلك احدهم من إبي ذر أو سلمان أو حذيفة سرا.

وفي ضوء حديث الثقلين فان مسلمة الفتوح والجيل الجديد من أبناء الصحابة بل اغلب جيل صغار الصحابة هم مسلمون ضالون أضلهم من فرض عليهم سيرة الشيخين.

ماهو مشروع علي؟

ادَّخر النبيُّ (صلى الله عليه وآله) أهل بيته (عليهم السلام) وعلي (عليه السلام) أولهم لإنقاذ الأمة من ضلالها «يا علي انت الهادي بك يهتدي المؤمنون بعدي»(1) فما هو مشروعه (عليه السلام) لإحياء سنَّة النبي (صلى الله عليه وآله) وإنفاذ الأمة من ضلالة دولة بني أمية الأولى؟

كان علي (عليه السلام) يترقب الفُرصة السَّانحة لنهضته، ولم تكن هناك فرصة افضل من فرصة انشقاق

ـــــــــــــــــــــــ

(1) الفصول المهمة في معرفة الأئمة تحقيق الغريري، ابن الصباغ المالكي ج 1 ص 574، وقد رواه ابن جرير في تفسيره والفخر الرازي والثعلبي وغيرهم.

«صفحة 18»

بطون من قريش على عثمان وولاته من بني أمية، إذ رأت هذه البطون أنها حُرِمت من امتيازات السلطة وصارت حكرا على بني أمية، فأخذت تبدي تذمرها من عثمان وتحرِّش عليه أهل الأمصار مستغِلَّة أخطاء ولاته من شباب بني أمية وتاريخهم السيِّئ مع النبي (صلى الله عليه وآله)، واستحكم انشقاق قريش على عثمان سنة 27 هـ حين انضاف إلى المتذمرين والمنشقين على عثمان وكان آخرهم عبد الرحمن بن عوف.

وقرر علي (عليه السلام) في موسم حج سنة 27هـ ان يحج ويعلن عن حج التمتع ويتحرك أصحابه لنشر حديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته (عليهم السلام) كحديث الثقلين وحديث الغدير وغيرهما.

وهكذا كان الأمر وانطلق أبو ذر الذي ادخره النبي (صلى الله عليه وآله) لهذه المرحلة يحدِّث هو والمقداد وآخرين من أصحاب النبي (عليه السلام) بأحاديثه في حج التمتع وحق أهل بيته، واضطهدتهم السلطة نفيا وسجنا بسبب ذلك.

وفوجئ المتذمِّرون من قريش بنهضة علي (عليه السلام)، ولكنهم آثروا السُّكوت لأنهم مشغولون

«صفحة 19»

بالتَّحريش ضد عثمان، ثم استطاع الثّائرون من قريش ان يقتلوا عثمان بعد حصاره، ولكن الجماهير المسلمة بدلا من ان تبايع طلحة أو الزبير هرعت إلى بيت علي ع تطلب منه ان تبايعه، ورفض علي في بادئ الأمر ليتأكد من صدقهم، فلما أصروا عليه استجاب لهم في المسجد وبويع في اروع مشهد يصفه:

قال (عليه السلام):

«وبسطتُّم يدي فكففتُها، ومددتُّموها فقبضتُها، ثم تداككتم عليَّ تداكَّ الإبل الهِيم على حياضها يوم وِردِها، حتى انقطعت النعلُ، وسقط الرداء، ووُطِئَ الضعيف».

ثم قال في كلام آخر: «وبلغ من سرورِ الناسِ ببيعتهم إيّايَ أن ابتهجَ بها الصغيرُ، وهدَج إليها الكبير، وتحاملَ نحوها العليل، وحسرت إليها الكعاب» (1).

ـــــــــــــــــــــــ

(1) التّداك: الازدحام الشديد. والإبل الهِيم: العطاش. وهدج إليها الكبير: مشى مشياً ضعيفاً مرتعشا، والمضارع يهدج بالكسر، وتحامل نحوها العليل تكلّف المشي على مشقة. وحسرت إليها الكعاب: كشفت عن وجهها حرصاً على حضور البيعة، والكعاب: الجارية التي قد نهد ثديها، (شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد ج 13 ص 3).

«صفحة 20»

وانطلق علي (عليه السلام) يواصل مشروعه الإحيائي لسنة النبي (صلى الله عليه وآله) عبر الإجراءات التالية.

1.الغى الطبقية في العطاء.

2. ألغى سيرة الشيخين كقانون تحكم به الدولة وترك لمن يعتقد بها أن يعمل بها في حجة أو صلاته وغيرها.

3. منع من تداول القصص الإسرائيلية التي تشوه سيرة الأنبياء.

4. رفد المجتمع بخطب في الوعظ والإرشاد والعلم بالله تعالى والفقه ما أنسى كعبا ومدرسته.

5. حث كل صحابي سمع من النبي حديثا ان يرويه.

6. شجع على تفسير القرآن.

7. شجع على تدوين العلم.

وفي ضوء ذلك تأسَّس جمهور لعلي (عليه السلام) من أهل البلاد المفتوحة مع الأنصار الذين آزروا علياً في مشروعه واظهروا ما لديهم من أحاديث نبوية في حق علي (عليه السلام).

وصار النِّصف الشرقي من البلاد الإسلامية على فئتين في الفكر والتعبُّد:

«صفحة 21»

فئة تتعبَّد بسيرة الشَّيخين في صلاتها وحجها وصلاة التراويح.

فئة تتعبَّد بطريقة النَّبي (صلى الله عليه وآله) التي أحيا العمل بها علي (عليه السلام) بدءا بحج التمتع وغيره.

مشروع معاوية

رأى معاوية في مشروع علي (عليه السلام) لو استمر سوف ينهي مشروع قريش وإنجازات دولة بني أمية الأولى ويحيي سنة محمد (صلى الله عليه وآله) ويؤسِّس دولة بني هاشم وال محمد (صلى الله عليه وآله).

ومن هنا خطط للوقوف أمامه لوأْدِهِ وإعادة دولة بني أمية الأولى التي مهَّد لها وأسَّس مضمونها الفكري الشَّيخان الكبيران. وليس له إلا أن يدوس على جراحه فيغض الطرف عن قتلة عثمان من قريش ويجمع قريش على موقف موحد لمواجهة علي على مرحلتين:

المرحلة الأولى: أن يقتطع الشام عن علي (عليه السلام) وهي بعدُ لم تبايع لعلي (عليه السلام) ولم تستقبل أي والٍ جديد من طرفه.

المرحلة الثانية: ان يقتطع العراق عن علي (عليه السلام)

«صفحة 22»

على الرغم من انه بايع علياً (عليه السلام)، وذلك بإقناع طلحة والزبير على نكْثِ البيعة والذِّهاب إلى البصرة ثم الكوفة وهذا ان تم فان جناحَي موارد دولة عليٍّ (عليه السلام) قد قُطعا ويُصبح من السَّهل بعد ذلك تطويق علي (عليه السلام) وقتاله في المدينة وقتله.

ونفَّذ طلحة والزَّبير وعائشة الركن الثاني واستلما البصرة إذ غدرا بسهل بن حنيف والي علي (عليه السلام) على البصرة، وتحرّك علي (عليه السلام) من المدينة ونصره في تحركه هذا أهل الكوفة، واستردَّ (عليه السلام) البصرة من عائشة وطلحة والزبير، ثم رجع إلى الكوفة واتخذها مقرا لحكمه، وانطلق إلى الشام ليستردها من معاوية وكاد علي (عليه السلام) ان يهزم معاوية في معركة صفين لولا إصرار المتعبدين بسيرة عمر ذوي الجِباه السود ممن لم يعتقد بإمامة علي (عليه السلام) المنصوصة وكان هذا النوع من الناس في جيش علي (عليه السلام) يقاتل معاوية لا على بصيرة. بخلاف مالك الأشتر وأصحابه الذين كانوا يقاتلون على بصيرة وكان مالك يخطب في أصحابه ويقول:

«إن هؤلاءِ القوم والله لن يقارعُوكم إلا

«صفحة 23»

عن دينِكم، ليُطفئوا السُّنَّة، ويُحيوا البِدعة، ويُدخلوكم في أمر قد أخرجَكم الله منه بحسن البصيرة»(1).

نجح معاوية في الركن الأول من الخطَّة واقتطع الشامَ عن عليَّ (عليه السلام)، واستطاع ان يستغلَّ جهلهم بحديث النبيِّ (صلى الله عليه وآله) في حق علي (عليه السلام)، وبولائهم له بحكم كونه أميرا عليهم منذ سنة 18للهجرة لما مات أخوه يزيد وكان احد القادة القرشيين الذين عينهم الخليفة أبو بكر لفتح الشام وفي عهد عمر جعله مكانه ثم أضاف إليه عثمان بقية بلاد الشّام. وكان الشّاميون يعتبرونه احد أولياء النِّعمة عليهم في الإسلام ويقاتلون بين يديه على هذا الاعتقاد وبخاصة وان الفئة التي تحمل عمر 15 سنة إلى عمر 30 سنة كانوا ما بين من قد وُلد في

ـــــــــــــــــــــــ

(1) وقعة صفين – ابن مزاحم المنقري – ص 251، وقوله رضي الله عنه «ويدخلوكم في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة» هذا الأمر هو اعتقادهم إمامة علي بالنص. فهو يحتاج إلى حسن بصيرة من الإنسان ليفارق عقيدة بإمامة قريش ويدخل في إمامة علي. ولا من ليس له حسن بصيرة يكون مصداقا لقوله تعالى ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ 105﴾ يوسف/105، وأحاديث النبي في علي بمناسبة الغدير وغيره آيات إلهية لانه لا ينطق عن الهوى.

«صفحة 24»

إمارته أو من تربّى تحت منبره ومنبر ولاته على ان سيرة الشيخين هي الدين.

وأضاف إعلامه إلى جانب ذلك ان عليا (عليه السلام) هو قاتل عثمان وانه غيَّر دين الشيخين ودينهما هو دين محمد (صلى الله عليه وآله) فهو مُفسد في دين محمد (صلى الله عليه وآله).

وهكذا تربى أهل الشّام في ظل معاوية على ان علياً مفسداً في الدين يجب لعنه والبراءة منه بل قتله وتصفية شيعته وان معاوية هو وارث قريش التي حكمت بلاد المسلمين والمؤهَّل لإحياء مشروعها.

الأمَّةُ الإسلامية سنة 39ه‍

وهكذا شهدت الأمة وأهل البلاد المفتوحة شرقا وغربا سنة 39 هجرية مشروعين:

الأول: يمثل مشروع النبوة ما عدى ان شخص محمد (صلى الله عليه وآله) غير موجود وإنما بديله شخص آخر هو كنفسه وهو علي بن إبي طالب (عليه السلام) وهو ربيبه ووصيه وأبو أولاده.

مركز هذا المشروع العراق – الكوفة ويدين بهذا المشروع اغلبُ سكّان النِّصف الشرقي

«صفحة 25»

من مُسلمة الفتوح والأنصار مع خمسة أفراد من قريش فقط. شعاره العمل بكتاب الله وسنة النبي (صلى الله عليه وآله)، ودعوة النِّصف الغربي للعودة إليها. يقود هذا المشروع بعد علي (عليه السلام) ولده الحسن (عليه السلام) وصيه ووصي جده النبي (صلى الله عليه وآله).

الثاني: يمثِّل مشروع قريش التي حكمت اربعا وعشرين سنة وانتجت مضموناً فكرياً وتشريعياً خليطاً من الإسلام والجاهلية والإسرائليات، ارتبط بعنوان سيرة الشَّيخين مع ملاحظة ان الأنصار هذه المرة ليسوا فيه بل هم مع علي (عليه السلام) إلا أنفار منهم مع معاوية كالنعمان بن بشير، راس هذا المشروع ووريثه هو معاوية ومركزه الشّام ويتديَّن بهذا المشروع اغلب سُكان النِّصف الغربي من مسلمة الفتوح وقبائل قريش كلها إلا خمسة نفر. شِعاره العمل بسيرة الشَّيخين المؤسسين وقتال علي (عليه السلام) وشيعته بتهمة دم عثمان وهو برئ منه براءة الذئب من دم يوسف.

«صفحة 26»

شهادة علي (عليه السلام) وبيعة أهل العراق للحسن (عليه السلام) وبيعة أهل الشام لمعاوية

بايع العراقيون الحسن (عليه السلام) حاكما وهو قبل ذلك رأس في مشروع أبيه (عليه السلام) ووصيه عليه إماما هاديا بنص من جده النبي (صلى الله عليه وآله). وبايع أهل الشام معاوية حاكما وهو قبل ذلك راس في مشروع قريش عني به الخليفة الثاني عناية خاصة وكان يحاسب عماله إلا معاوية فان كان يقول له: «أما انت فلا أمرك ولا انهاك»، وكذلك عُني به الخليفة الثالث لما كانا يتوسَّمان فيه من دهائه.

مبادرة معاوية بالصلح

خَطَّط معاوية لصلح مؤقَّت يريح به جيشه المتعب بعد خمس سنوات من الحرب ثم يعد الكرَّة ان كانت هناك حاجة إليها بحسب الظرف والمصلحة، فبادر الحسنَ (عليه السلام) بذلك يطلب منه ان توقف الحرب ويكون العراق لأهل العراق

«صفحة 27»

وقد اختاروا الحسن (عليه السلام) حاكما، والشام لأهل الشام وقد اختاروا معاوية حاكما، فان استجاب الحسن (عليه السلام) فهو المطلوب وان رفض فسوف يكون الحسن (عليه السلام) ملوما من شعبه أيضا لانه رفض الصلح وقد دعا إليه القرآن في قوله تعالى ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 61﴾ الأنفال/61 وهو امر واجب الاتباع.

موقف الحسن (عليه السلام) من أطروحة معاوية للصلح

من الضَّروري جداً ان نتعرَّف على طريقة تفكير الحسن (عليه السلام) بقضية الصُّلح التي عرضها معاوية فما هي الأصول التي يستحضرها الحسن (عليه السلام) في فكره بل ويستحضرها أيضا أي رجل مخلص من رجالات جيشه وهم كثر.

الحسن (عليه السلام) بعبارة موجزة هو واحد من حلقات منظومة الإمامة الهادية بعد النبي (صلى الله عليه وآله) مهمتها المحافظة على الشريعة وهداية الناس ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها

«صفحة 28»

بِكافِرِينَ 89 أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ 90﴾ الأنعام/89-90، وقد نهض أبوة علي (عليه السلام) بمشروع الهداية بعد النبي (صلى الله عليه وآله)وأسسه في قبال قريش المسلمة التي أضلَّت الأمة وكفرَت بالتأويل كما كفرَت قريش المشركة بالتنزيل. وهو الآن على رأس هذا المشروع، ان مهمة الحسن (عليه السلام) الأساسية هي كيف يوصل مشروع أبيه إلى النِّصف الثاني من الأمة الذي لم يقف عند حالة كونه جاهلا بعلي (عليه السلام) وهو الهادي بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بل يعتقد هذا النِّصف بمعاوية في ضوء إعلامه انه مفسد في الدين تجب البراءة منه، ولم يقف عند العقيدة فقط بل تحول الشّام إلى جيش يهمه قتل من هو على دين علي (عليه السلام) بل من يتصل بعلي (عليه السلام) بنسب فقد قَتل بسر والي معاوية على إحدى الغارات طفلين لعبيد الله بن عباس بن عبد المطلب.

يفكِّر الحسن (عليه السلام) كيف يفتح قلوب أهل الشام على الحقيقة ليعرفوا معاوية على حقيقته مفسداً في الدين ويعرفوا عليا هاديا إلى دين الله بأمر الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

«صفحة 29»

والحرب لا يمكن ان تفتح القلوب.

كما ان صيغة معاوية التي عرضها للصلح لا تحقق ذلك بل سوف تكرس انغلاق القلوب على ما انعقدت عليه من الحقد والمعلومات الكاذبة ضد علي (عليه السلام) والاعتقاد بمعاوية هادياً مهدياً وتكرِّس انشقاق الأمّة وتعجِّل من سقوطها على يد أعداءها.

ليس أمام الحسن (عليه السلام) إلا صيغة واحدة هي أشبه بقصة تينك المرأتين اللتين تنازعتا في وليد عند على (عليه السلام) وأصرت كل واحدة منهما انه لها، فقال علي (عليه السلام) إذن اقسمه بينكما وصاح على قنبر ان يأتيه بالسيف فسكتت المدعية وصرخت الأم قائلة لا لا لا تقسمه فان القسمة تهلكه وتميته وانأ أهب حقّي لها ليعيش ولدي، وهكذا عرف الناس من هي الأم الحقيقة ومن هي الأم الزائفة.

أراد معاوية ان يكرِّس انشقاق الأمة لتُهلكها الحروب ويقوى عليها الأعداء المتربِّصون بها من الرُّوم وغيرهم.

ويريد الحسن (عليه السلام) ان يكرِّس مشروع أبيه علي (عليه السلام)في إحياء سنة النبي (صلى الله عليه وآله) في الأمة، وان

«صفحة 30»

يفضح معاوية عند أهل الشام بانه كاذب وان عليا مظلوم وان الحقَّ معه وانه إمام الهدى وخليفة النبي (صلى الله عليه وآله) بنص من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

ولا يحقِّق الحسن (عليه السلام) ما يريد الا ان يتنازل على الملك بشروط تضمن له كل ما يريد من مشروع الهداية، وهنا يكمن سخاء الحسن (عليه السلام) حين يجود بملك يسيل له لعاب الرجال ويشتري به إقامة الحجَّة الإلهية ويكشف عن إمامته وإمامة أبيه الهادية ويحقن دماء المسلمين جميعا ويهديهم إلى ما كانوا يجهلونه من الحقيقة.

وهكذا كان الأمر، فقد ردَّ الجواب لمعاوية اني أسلِّمك العراق تضمه إلى الشام لترجع امة النبي (صلى الله عليه وآله) واحدة تحفظ فيها القبلة والكتاب بشروط اكتبها لك وتلتزمها.

طار معاوية من الفرح لأنه لم يكن ليخطر بباله ذلك ولا يظن بالحسن (عليه السلام) انه يلعب كما يلعب هو، ثم فكَّر في نفسه وما عسى ان تكون الشُّروط، إني سوف ألتزمها لفترة معينة كائنة ما تكون وأنكثها بعد حين ويتم لي كل شيء مما أريد، وبعث للحسن (عليه السلام) بأوراق بيضاء عليها توقيعه ليكتب فها ما أراد من شروط.

«صفحة 31»

وهل يخفى على الحسن (عليه السلام) تفكير معاوية؟

لا لن يخفى عليه ذلك، ولكن المسألة عند الحسن (عليه السلام) ليست مسألة الملك والحكم المدني ينتظر ان يرجع إليه بعد معاوية بل هي مسألة حفظ أمة النبي (صلى الله عليه وآله) من الانشقاق العقائدي ومسألة الرسالة وحفظها وإقامة الحجَّة باطهار صدق علي (عليه السلام) وإمامته الإلهية من خلال نشر أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في حقِّه وهذه سوف تكون محفوظة إلى الأبد بضميمة أخيه الحسين (عليه السلام) فانه سيواصل المشروع ويعالج السلبيات المتوقَّعة. وهذا هو التَّرابط الوثيق بين خطة الحسن والحسين (عليهما السلام) في مواجهة الضَّلال الأموي.

وكتب الحسن (عليه السلام) شروطه و منها

1. أن يعمل بكتاب الله وسُنَّة رسوله (صلى الله عليه وآله) (1).

2. وأن يكون الأمر للحسن (عليه السلام) من بعده (2)،

ـــــــــــــــــــــــ

(1) المدائني فيما رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج: 4/8.

(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي / 194 والإصابة 2 / 59 الإمامة والسياسة / 150.

«صفحة 32»

فإن حدَث بالحسن (عليه السلام) حدثٌ فللحسين (عليه السلام)(1).

3. وأن يَترُك سبَّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والقنوت عليه بالصلاة وأن لا يذكر علياً إلا بخير(2).

4. وأن يفضِّل بني هاشم في العطاء والصِّلات على بني عبد شمس (3).

5. أن لا يأخذ أحداً من أهل العراق بإحنة، وأن يؤمن الأسود والأحمر ويَحتمل ما يكون من هفواتهم (4). وأن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتِهامهم وحجازهم (5).

وافتُضح معاوية عند أهل الشّام بانه كان كاذباً في إعلامه ضد علي (عليه السلام) وكان متجنياً عليه، بل عَرفوا الإمام الهادي الذي شهدت له آيات الكتاب وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) كما شهد له من عاشره.

ووصلتهم كلماته (عليه السلام) وتظلمه حين كان يقول:

ـــــــــــــــــــــــ

(1) عمدة الطالب لابن عنبة /67.

(2) الأصفهاني مقاتل الطالبيين / 26، شرح النهج: 4 / 15.

(3) الأخبار الطوال للدينوري / 218.

(4) الأخبار الطوال / 218.

(5) ابن أعثم الكوفي: 4 / 160.

«صفحة 33»

«اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فانهم قطعوا رحمي، وصغرّوا عظيم منزلتي، وأكفأوا إنائي، واجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي، فضنِنْتُ بهم عن المَنِيّة، فأغضيت على القَذى، وجرَعت ريقي على الشَّجا وصبرت من كظم الغيظ على أمرِّ من العلقم، وآلم للقلب من حز الشفار» (1).

وقوله (عليه السلام) في رسالته لأخيه عقيل:

«فإن قريشاً قد اجتمعت على حرب أخيك اجتماعها على حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل اليوم، وجهلوا حقّي، وجحدوا فضلي، ونصبوا لي الحرب، وجَدُّوا في إطفاء نور الله، اللهم فاجزِ قريشاً عني بفعالها، قد قطعت رحمي وظاهرت عليَّ…»(2).

ووصلهم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه يوم الغدير: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من

ـــــــــــــــــــــــ

(1) كلام: 217 نهج البلاغة الخطبة: 172.

(2) الإمامة والسياسة ج1: 56، انساب الأشراف ج2: 75 الأغاني ج15: 46 نهج البلاغة ج3: 68 جمهرة رسائل العرب ج1: 595.

«صفحة 34»

والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله».

وحديث المنزلة «يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي».

وحديث الكساء لما نزلت آية التَّطهير جمع النبي عليا وفاطمة والحسن والحسين  وجللهم بكساء خيبري وقال: « اللهم هؤلاء أهل بيتي».

ووصلتهم أخبار حج التمتع على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وكيف منعت قريش منه وعاقبت عليه، وكيف أحياه علي (عليه السلام) ووصفه معاوية بانه إفساد في الدين زوراً وبهتاناً فعرفوا أنَّ علياً قد أحيا دين النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يفسده بل الذي افسد فيه هم قريش المسلمة وبنو أمية.

ووصلتهم أخبار أخرى كثيرة تتصل بسنن النبي (صلى الله عليه وآله) التي عملت قريش المسلمة على تغييرها أو التَّعتيم عليها.

ووصلهم وصْف ضرار لعلي (عليه السلام) بل سمعوه منه في بلاط معاوية حين طلب منه أن يصف علياً (عليه السلام) وأصر عليه فنهض قائلاً:

«كان ـ علي ـ واللهِ بعيدَ المدى، شديدَ القِوى،

«صفحة 35»

يقول فصلاً، ويحكم عدلا، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه، وتنطِقُ الحِكمَةُ من نواحيه، يستوحشُ من الدنيا وزَهرتها، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه، غزيرَ العَبرة، طويلَ الفكرة، يُعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر، ومن الطعام ما خَشُن. كان فينا كأحِدِنا، يجيبُنا إذا سألناه، وينبئُنا إذا استفتيناه، ونحن واللهِ مع تقريبِه إيانا وقُربِه منّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. يعظِّم أهلَ الدين ويُقرِّب المساكين. لا يطمع القَويُّ في باطله، ولا ييئَسُ الضعيفُ من عدله، وأشهدُ لقد رأيتُه في بعض مواقفه، وقد أرخى الليلُ سدولَه، وغارت نجومَه، قابضاً على لحيته، يتململُ تململَ السَّليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غُرِّي غيري، أبي تَعرضَّتِ أمْ إليَّ تَشوَّفتِ. هيهات هيهات قد باينتُك ثلاثاً لا رجعة لي فيها، فعُمرك قصير وخطرك حقير. آه من قلة الزّاد وبعد السَّفر ووحشة الطريق».

وشهدوا من معاوية بعد هذا الوصف نزف دموعه على لحيته وقوله: «رحم الله أبا حسن كان والله كذلك».

وسمعوا جواب ضرار حين سأله معاوية: عن مدى حزنه على علي (عليه السلام).

«صفحة 36»

قال: «حُزن من ذُبح ولدُها في حِجرها» (1).

وشهد الناس الحسن (عليه السلام) في سيرته الشخصية إماماً أيضا على سمت أبيه (عليه السلام).

وشهد الناس خلال هذه السنوات العشر من ولده الحسن (عليه السلام) أيضا إماماً هادياً على سمت أبيه وعرفوا عنه أنه حجَّ خمسة عشر أو عشرين حجة ماشياً والنَّجائِب تُقاد بين يديه(2).

وهذا حفيده من ابنته الإمام الصادق (عليه السلام) يصف عبادة جده الحسن (عليه السلام) قال حدثني أبي عن أبيه (عليهما السلام) أن الحسن (عليه السلام) بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام):

«كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم.

وكان إذا حج حج ماشيا، وربما مشى حافيا.

وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر

ـــــــــــــــــــــــ

(1) قال ابن إبي الحديد شرح نهج البلاغة ج 81 ص 22: بعد ان أورد وصف ضرارا: إن الرياشى روى خبره، ونقلته أنا من كتاب عبد الله بن إسماعيل بن أحمد الحلبي في التذييل على نهج البلاغه ص 225.

(2) قال عبد الله بن العباس: ما ندمت علي شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشيا، ولقد حج الحسن (عليه السلام) بن علي خمسة وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه. (المجموع للنووي ج7/91، وفي رواية علي بن زيد بن جدعان قال حج الحسن (عليه السلام) خمس عشرة حجة ماشيا.(تاريخ دمشق 13/243).

«صفحة 37»

بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.

وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل.

وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله تعالى الجنة، وتعوذ به من النار.

وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلا قال: لبيك اللهم لبيك، ولم ير في شيء من أحواله إلا ذاكرا لله سبحانه.

وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقا».(1)

انتشار سنَّة النبي (صلى الله عليه وآله) لدى أهل البلاد المفتوحة شرقاً وغرباً بفضل مشروع علي (عليه السلام) وصلح الحسن (عليه السلام)

وهكذا انتشرت ثقافة الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) التي أسسها الكتاب والسنة في مُسلمة الفتوح

ـــــــــــــــــــــــ

(1) الأمالي الشيخ الصدوق ص 244.

«صفحة 38»

شرقا وغربا وعادوا أمة واحدة في الواقع السياسي تحكمهم دولة واحدة هي دولة الكتاب والسنة فقط من دون اجتهادات الخليفتين وعلى مستوى واحد من المعرفة بحديث الغدير وحديث الثَّقلين وحديث المنزلة وغيرها من النصوص التي تُؤسس الإمامة الإلهية لأهل البيت (عليهم السلام) وأولهم علي (عليه السلام) أخذ بها من شاء وتركها من شاء، شأنهم شأن المعاصرين للنبي (صلى الله عليه وآله). عملاً بقاعدة ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾البقرة/256 التي أسسها النبي (صلى الله عليه وآله) في المعتقد.

وكانت الفترة التي استغرقتها نهضة علي (عليه السلام) من أيام الحج سنة 27 هجرية إلى وفاة ولده الحسن (عليه السلام) مسموماً نهاية سنة 50 هـ لإحياء سنة النبي ونشرها كثقافة في الأمة الإسلامية ثلاث وعشرون سنة، وهي نظير الفترة التي استغرقتها مهمة نشر أحكام الإسلام بما فيها ولاية علي (عليه السلام) منذ بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يوم الثامن عشر من ذي الحجة يوم بلغ النبي (صلى الله عليه وآله) أمته في غدير خم بولاية علي (عليه السلام) الإلهية.

وكانت السنوات من سنة 40 هجرية إلى سنة

«صفحة 39»

50 هجرية من اروع سنوات الأمة الإسلامية على الإطلاق بعد سنوات النبوة وسنوات علي (عليه السلام) عليه حين بويع.

ظلامة الإمام الحسن (عليه السلام) وظلامة شيعته في الكوفة على يد الأمويين والعباسيين

لم تطب نفس معاوية أن يحقق الحسن (عليه السلام) وشيعة أبيه في العراق تلك المكاسب العظيمة على مستوى الرِّسالة والأمّة مكاسب جعلت أصحابُها يفوزون بالذِّكر الطيِّب أبد الدهر، فقابلهم بالحقد والغدر الذي وَشجت عليه أصوله حيث دسَّ السُّمَّ إلى الحسن (عليه السلام) ليتخلَّص منه سنة خمسين للهجرة، ورفع شعار لعن علي (عليه السلام) من جديد وأعاد إعلامه الكاذب والروايات الكاذبة ضده (عليه السلام) ليقدِّمه مرة أخرى للناس والجيل الجديد إماماً مفسداً في دين النبي (صلى الله عليه وآله)، وافتعلَ أحاديث أخرى بحقِّ نفسه لتجعل منه إمام هدى نظير الحديث المكذوب على النبي (صلى الله عليه وآله): «اللهم اجعله/أي معاوية / هاديا مهديّاً واهدِ به» (1).

ـــــــــــــــــــــــ

(1) مسند احمد 4/216، جامع الترمذي 5/687، المعجم الأوسط 1/380، الآحاد والمثاني 2/358، مسند الشاميين 1/181.

«صفحة 40»

ونهض العراقيون شيعة علي (عليه السلام) آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر الجديد يقودهم قادتهم في الخير حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي ونظراؤهما فقتل وسجن منهم آلاف وهجَّر منهم أضعافهم وخذلتهم الأمة في الولايات الأخرى فلم تساندهم بحركة مماثلة وصدق عليهم قول الحسين (عليه السلام) «الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونهم ما درَّت معايشهم فإذا مُحِّصوا بالبلاء قل الدَّيانون»(1)، وطلب الحسين (عليه السلام) من شيعته أبيه في العراق بعد أن قتل حجر وأصحابه أن ينسحبوا من الميدان ويكونوا أحلاس بيوتهم ليكونوا عدته في الإصلاح الفكري والجهادي الذي سوف يقوده بعد موت معاوية.

ـــــــــــــــــــــــ

(1) تحف العقول عن آل الرسول، ابن شعبة الحراني ـ الحسن بن علي، ص 245. نشر جامعة المدرسين في قم.

«صفحة 41»

ثم نهض الحسين (عليه السلام) وواجه غَدْر معاوية وانقَذ الجيل الجديد من الأمة الذي أرداه بضلالته

قال الإمام الصادق (عليه السلام) في جده الحسين (عليه السلام): «انه قد أعذر في الدعاء وبذل مهجته في الله ليستنقذ عباده من الضلالة والجهالة والشك والارتياب والعمى إلى باب الهدى».

وتحرّكت الأمة ضد بني أمية وتبرّأ منهم من بصَّرته نهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته وفتحته على باب الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) من جديد وسقط الحكم الأموي على يد العباسيين سنة 132هـ وانفتحت الأمة على الولاء لبني هاشم وعظيمهم علي (عليه السلام) وولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) وعلى علماء ذريتهم الإمام علي بن الحسين والإمام الباقر والإمام الصادق (عليهم السلام)، وعلى القادة السياسيين منهم زيد ويحيى وامتدادهما الحسنيون.

ولم يرُقْ للعباسيين هذا الانفتاح والولاء المطبق وبخاصة وقد اضمروا منذ ثلاثين سنة على يد أبيهم محمد بن علي بن عبد الله بن العباس

«صفحة 42»

سياسة الانفصال عن ذرية الحسن والحسين (عليهما السلام)، وأسّسوا دعوتهم على تقديم بني العباس على ذرية علي (عليه السلام)، ومن ثم خطط أبو جعفر المنصور بعد ان قضى على حركة الأخوين الحسنيين محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن بن الحسن (عليه السلام) لتربية الأمة على الولاء للعباسيين خاصة وملاحقة شيعة علي الموالين للحسنيين وللإمام الصادق (عليه السلام) فجدد بذلك انقلاب معاوية على الحسن (عليه السلام) وشوه سيرة أبيهم المصلح العظيم بإعلامٍ كاذب، كما شوَّه سيرة العراقيين وبخاصة الكوفيين ولم يكن لعلي (عليه السلام) وولده أنصار غيرهم في معركته مع خصومه (1) كما شوه نشأة التشيّع لأهل البيت (عليهم السلام) حين اخترع الإعلام العباسي انه من وضع شخص يهودي من اليمن اسلم على عهد عثمان واظهر القول بالوصية، استقر في الكتب إلى اليوم وتناقلته الأجيال كأنه حقيقة تاريخية لا تقبل النقاش.

وجاء المسشرقون ليستندوا إلى هذا الرُّكام

ـــــــــــــــــــــــ

(1) أوردنا نصوصا كثيرة في كراسة أهل الكوفة بين حقد الأمويين والعباسيين وثناء أهل البيت (عليهم السلام).

«صفحة 43»

الكاذب من الرِّوايات العبّاسية ليعرفوا الحسن (عليه السلام) من خلالها بانه شخصيَّة مُنهارة غير جديرة بالقيادة أو غير جديرة بان تكون ابنا لعلي (عليه السلام)، وان العراقيين متخاذلون وليسوا أهل لمشروع الدولة. وان مؤسس التشيع شخص يهودي اسمه عبد الله بن سبأ (1).

ـــــــــــــــــــــــ

(1) انظر الموسوعة الإسلامية تحت كلمة الحسن (عليه السلام) بن علي، وبخصوص عبد الله بن سبأ انظر كتاب مقالات الإسلاميين /762.

«صفحة 44»

و أخيرا

فإنَّ الذي نأمله من هذه القراءة الجديدة لصلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية هو أن يتحرك البحث العلمي التاريخي من جديد وبخاصّة وهو يتصل بأخطر فترة من فترات التاريخ الإسلامي المبكِّر.

وهي تكشف عن العمق الإستراتيجي المتميِّز في التفكير والتخطيط السَّليم للإمام الحسن (عليه السلام) العمق الذي يستهدف الهداية وحفظ الرِّسالة أولا، ويعبر عن نفس كبيرة، وتضحية بالمصالح الخاصّة لا يتمتع بها إلاّ الأنبياء.

كما تكشف عن وعي العراقيين لذلك العمق حين تجاوبوا معه وآمنوا به وحققوا للحسن (عليه السلام) حُسن ظنِّه بهم أنهم حفظة حوزته وذماره. وحققوا لعلي (عليه السلام) أيضا حُسن ظنِّه بهم حين كان يفاخر بدينهم في رسالته إلى معاوية قائلاً: «وما أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة»(1)،

ـــــــــــــــــــــــ

(1) الدينوري، الأخبار الطوال، ص 187.

«صفحة 45»

وكان أبرز مَعلَم لهذا التَّديُّن والإيمان بالولاية الإلهية لأهل البيت (عليهم السلام) هو تسليمهم لقرار الحسن (عليه السلام) بالتَّنازل المشروط عن السلطة المدنية، وحركتهم النشيطة في نشر أخبار السِّيرة المشرقة لعلي (عليه السلام) وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله)في حقه وحق أهل بيته (عليهم السلام) ثم دفعهم الثمن غالياً في مواجهة نقض معاوية لعهده.

وقد آن الأوان للباحثين الإسلاميين من العراقيين فضلا عن غيرهم ممن يهمه تاريخ الأئمة (عليهم السلام) وإنجازاتهم الرائعة أن ينفضوا عن تاريخهم المشرق غبار إعلام بني العباس الكاذب الذي امتدَّ إلى كل كتب التاريخ والثقافة، ويعقدوا مؤتمرات علمية تدرُس المصادر التاريخية والثقافية والأدبية الأقدم فالأقدم للكشف عن الأخبار التي حقَّقت للخليفة المنصور أهدافه الماكرة وعن المداهنين والوضّاعين الذي سايروه في ذلك ثم إبراز الحقيقة المظلومة الضائعة تحت أنقاض القرون والاستفادة من دروسها وعبرها.

«صفحة 46»

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

عدد الزوار: 1٬451

معلومات الاصدار

الناشر: مركز فجر عاشوراء الثقافي

One Response

  1. خروج الامام الحسن عليه السلام الى شام ب١٠٠ الف مقاتل من اخل العراق يؤمنون بعلي عليه السلام الوصي .
    لايشكون أنهم على الحق وان معاوية واهل الشام على الباطل .
    س.ولماذا صالح الامام الحسن عليه السلام معاوية ومعه هذا الجيش الجرار من المؤمنين ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *