النهضة الحسينية عرض وتحليل للخلفيات والنتائج

اصدر مركز فجر عاشوراء الثقافي التابع للعتبة الحسينية المقدسة كراسا الكترونيا مناسبا للقراءة عبر اجهزة النقال الحديثة بعنوان: «النهضة الحسينية ـ عرض وتحليل للخلفيات والنتائج مع شرح وصية الإمام الحسين (ع) لأخيه محمد بن الحنفية» تاليف: العلامة المحقق السيد سامي البدري، واصل الاصدار هو بحث نشر ضمن سلسلة المكتبة الحسينية المسيرة المطبوعة سنة 2011/1433هجرية والذي طبع ايضا ضمن كتاب «بحوث في النضهة الحسينية سنة 2017/1438م». وقد تناول الكراس الاجابة على ثلاث اسئلة:

  1. ما هي خلفيات النهضة الحسينية ؟
  2. هل شكلت النهضة الحسينية مشروعا فكريا وسياسيا متكاملا ؟ وبعبارة أخرى ماهي معالم المشروع الكامل للنهضة الحسينية ؟
  3. ماهي النتائج التي حققها المشروع الحسيني على مدى إحدى وسبعين سنة من انطلاقته ؟

المحتويات

«صفحة 1»

النهضة الحسينية

عرض وتحليل للخلفيات والنتائج

مع شرح وصية الامام الحسين (ع) لأخيه محمد بن الحنفية

تاليف: السيد سامي البدري

«صفحة 2»

عنوان الإصدار : النهضة الحسينية ـ عرض وتحليل للخلفيات والنتائج مع شرح وصية الإمام الحسين (ع) لأخيه محمد بن الحنفية

تأليف : العلامة المحقق السيد سامي البدري

إعداد وتقديم: د. السيد حسين البدري

سنة الإصدار: 1442 الاصدار رقم (13)

نوع الإصدار : إلكتروني ـ PDF

الناشر : مركز فجر عاشوراء الثقافي

الموقع : fajrashura.com

ملاحظة: ترقيم صفحات الإصدار موافق للإصدار المنشور.

«صفحة 3»

«صفحة 4»

«صفحة 5»

مقدمة المركز

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.

تميَّزت بحوث العلامة البدري في النهضة الحسينية بإضافات نوعية في التحقيق والتحليل وايجاد رؤية شمولية حول نفس الحدث وخلفياته وآثاره المتنوعة في افق الزمن.

ويمكن عَدُّ أربعة خصائصَ منهجية في بحوثه (حفظه الله) حول الفكر الحسيني:

الأولى: الثابت العقائدي، وان نهضة الحسين (عليه السلام) من سنخ عمل الأنبياء وحركتهم الإلهية، وأنها اكتسبت هذه الصفة قبل حدوثها وأخبر بها أنبياء الله العظام، لما لها الأثر الكبير على حفظ الدين وفتح باب الهداية إلى رسالة خاتم النبيين(صلى الله عليه وآله).

الثانية: اعتماد النصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) سواء في ما يزار به الحسين (عليه السلام) أو في نصوص أحاديثهم (عليهم السلام) المتنوعة؛ كأهم رافد للاستكشاف والتفسير والتحليل، لذا

«صفحة 6»

اشتهر العلامة البدري في مفتتح محاضراته ودروسه حول النهضة الحسينية بترديد قول الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارة جده أبي عبد الله الحسين (عليه السلام): «اللهم إني أَشهَدُ أن هذا قبرُ ابنِ حبيبِك وصَفوتِك من خلقِك. وأنه الفائزُ بكرامتِك، أكرمتَه بكتابِك، وخصَصتَه وائتمَنتَه على وحيك، وأعطيتَه مواريثَ الأنبياء، وجعلته حجة على خلقِك، فأعذرَ في الدعاء وبذَل مُهجتَه فيك، ليستنقذ عبادَك من الضلالة والجهالة والعَمى والشك والارتياب إلى باب الهدى»، وغيرها من النصوص.

الثالثة: التحقيق قبل التحليل، للعلامة البدري رؤية خاصة في نقد المصادر التي نقلت إلينا أحداث القرن الأول الهجري فيما يرتبط بأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وقد أفرزت هذه الرؤية تشخيص ظاهرة سماها العلامة البدري بـ (الإعلام العباسي)، وخلاصتها: ان بني العباس وعلى رأسهم أبي جعفر المنصور قاموا بإعداد خطة ممنهجة لتشويه أخبار أهل البيت (عليهم السلام) وشيعهم في الكوفة، وذلك للمواجهة الفكرية الثقافية الإعلامية لثورات الحسنيين التي قامت

«صفحة 7»

في وجه سلاطين بني العباس، وأيضا في مواجهة المنطقة التي ترفدهم بالمال والسلاح والرجال أي الكوفة، وأيضا في مواجهة التشيع ومدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) التي انتشرت في الكوفة في الثلث الأول من القرن الثاني والتي شكلت التهديد الفكري والثقافي للعباسيين، وان اهم أدوات الإعلام العباسي رجال عنو بتأليف كتب التاريخ أمثال سيف بن عمر التميمي وأبي مخنف الازدي وغيرهم.

الرابعة: النظرة الشمولية، يرى العلامة البدري عدم جدوى تفسير نهضة سيد الشهداء (عليه السلام) دون النظر والبحث في خلفياتها القريبة والبعيدة. ويبدأ في تحليل الخلفيات من عهد قصي بن كلاب أي حدود 150سنة قبل ولادة النبي (صلى الله عليه وآله) وقصة انتزاعه للبيت من خزاعة ثم يتسلسل حتى انقلاب قريش الثالث في عهد معاوية بن أبي سفيان في سنة 50 للهجرة بعد وفاة الإمام الحسن (عليه السلام) وترويع شيعة علي (عليه السلام) ومنعه لذكر أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) فيه والتعبد على طريقته وتأسيس لعنه والبراءة منه، ثم نهضة الحسين (عليه السلام) لمواجهة انقلاب معاوية. وان صراع قريش

«صفحة 8»

المشركة والمسلمة مع النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) حول الإمامة الإبراهيمية الدينية ووراثتها.

والحمد لله رب العالمين صلى الله على محمد وآله الطاهرين.

د. السيد حسين البدري

مسؤول وحدة الأبحاث العلمية والإصدارات العامة

29محرم الحرام 1442 هجرية

الموافق لـ 18/9/2020

قم المشرفة

«صفحة 9»

النهضة الحسينية خلفيات ونتائج(1)

من بيانات النهضة الحسينية:

قال الحسين (عليه السلام):

«إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب ا لإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق، ومن ردَّ علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو احكم الحاكمين».(2)

وقال (عليه السلام): «أيها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لـِحُرَم الله ناكثا

ـــــــــــــــــــــــ

(1) نشر هذا البحث ضمن مجموعة كراسات المكتبة الحسينية الميسرة، عام 1433هـ/2011م، الكراس رقم5.

(2) اقدم مصدر تاريخي أورد هذه الكلمة هو ابن اعثم ت 314هـ في كتابه الفتوح وقد أضاف كلمة وسيرة الخلفاء الراشدين بعد كلمة علي، وهي دخيلة على النص وليست من كلام الحسين 7 لعدم إمكانية الجمع بين سيرة علي وسيرة الخلفاء لتضادهما لان سيرة علي تامر بسنة النبي وسيرة الخلفاء تنهى عنها، كما في متعة الحج انظر البخاري باب حج التمتع وغيرها، وهو أمر لا يخفى على الباحث.

«صفحة 10»

لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا على الله أن يدخله مدخله.

ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيَّر»(1).

ومن رسالته (عليه السلام) إلي معاوية بعد قتل حجر بن عدي رحمه الله وعمرو بن الحمق:

«ما أردت لك حربا، ولا عليك خلافا , واني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن الإعذار فيه إليك والى أولياءك الفاسقين الملحدين حزب الظلمة. ألَستَ القاتل حجر بن عدي أخا كنده وأصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم ؟ ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعدما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكدة.. جرأة على الله واستخفافا

ـــــــــــــــــــــــ

(1) تاريخ الطبري.

«صفحة 11»

بعهده. ولعمري ما وفيتَ بشرط، ولقد نقضتَ عهدَك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق، فقتَلتَهم من غير أن يكونوا قاتلوك ونقضوا عهدك،

ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا.

فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل ان يفعلوا، أو ماتوا قبل ان يدركوا.

فابشر يا معاوية بالقصاص وايقن بالحساب…

وليس الله بناس لأخذك بالظنة، وقتلك أولياءه على التهم، ونفيك إياهم من دورهم إلى دار الغربة، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الشراب ويلعب بالقرود».(1)

ومن كلامه (عليه السلام) في المؤتمر السري الذي عقده قبل موت معاوية بسنة:

«أن الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم

ـــــــــــــــــــــــ

(1) رجال الكشي ترجمة عمرو بن الحمق، طبقات ابن سعد ترجمة الإمام الحسين 7، انساب الأشراف ترجمة معاوية، مختصر تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين 7.

«صفحة 12»

وعلمتم وشهدتم واني أريد أن أسالكم عن شيء فان صدقت فصدقوني وان كذبت فكذبوني، اسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا فاني أتخوف أن يدرس(1) هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب، واللّه متم نوره ولوكره الكافرون».

قال الراوي:

وما ترك شيئا مما انزله الله فيهم من القرآن إلا تلاه وفسره، ولا شيئا مما قال رسول الله 9 في أبيه وأخيه وامه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه…

وفي كل ذلك يقول أصحابه، اللّهم نعم وقد سمعنا وشهدنا

ويقول التابعي: اللهم قد حدثني به من أثق به وائتمنه من الصحابة.

فقال 7: «أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به وبدينه».(2)

ـــــــــــــــــــــــ

(1) دروس الشيء: انمحاؤه.

(2) كتاب سليم بن قيس.

«صفحة 13»

وقال (عليه السلام):

«إني أدعوكم إلى الله والى نبيه فإن السنة قد أميتت فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد».

وقال (عليه السلام):

«إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة بنا فتح الله، وبنا ختم».

وقال (عليه السلام):

«لو لم يكن في الدنيا ملجأ لما بايعت يزيد».

هناك عدة أسئله تفرض نفسها في قضية النهضة الحسينية:

السؤال الأول: ما هي خلفيات النهضة الحسينية ؟

السؤال الثاني: هل شكلت النهضة الحسينية مشروعا فكريا وسياسيا متكاملا ؟ وبعبارة أخرى ماهي معالم المشروع الكامل للنهضة الحسينية ؟

السؤال الثالث: ماهي النتائج التي حققها المشروع الحسيني على مدى إحدى وسبعين سنة من انطلاقته ؟

«صفحة 14»

السؤال الرابع: لماذا الاستمرار في إحياء الذكرى بعد تحقق النتائج ؟

خلفيات النهضة الحسينية:

نريد بخلفيات النهضة الحسينية: الحوادث التي تعيننا في فهم أهداف نهضة الحسين (عليه السلام) في وجه بني أمية، ويوضح الموقف الحاقد اللئيم الذي برز من بني أمية إزاء الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، هذا الموقف الذي يعبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى ﴿وإِن يظهَروا عَلَيكُم لا يرقُبوا فيكُم إِلا ولا ذِمَّةً﴾ التوبة/8.

هذه الخلفيات منها ما هو قريب جدا من النهضة الحسينية وهي حوادث انقلاب معاوية على الحسن (عليه السلام) ونقضه العهد معه بنقض كل شروطه سنة خمسين للهجرة(1) وترويعه شيعة علي (عليه السلام) وملاحقتهم ومنعهم من ذكر فضائله أو التعبد على طريقته التي هي طريقة النبي (صلى الله عليه وآله) وإغراق الأمة بالأحاديث الكاذبة التي تفضل بني أمية وتشيد إمامتهم الدينية.

ـــــــــــــــــــــــ

(1) المشهور ان معاوية نقض شروطه في السنة التي أعطى عهده للحسن 7 ولكنا في بحوثنا توصلنا إلى انه نقضه بعد وفاة الحسن بعد ان دس له السم انظر التفصيل في كراس صلح الحسن قراءة جديدة وكتابنا صلح الإمام الحسن قراءة جديدة.

«صفحة 15»

ومن هذه الخلفيات ما يرجع إلى انقلاب قريش المسلمة على علي (عليه السلام) ونقض بيعة الغدير وأحداث اجتهادات في الدين وبدع فرضتها على المسلمين بالقهر والإرهاب، ثم نهضة علي (عليه السلام) سنة 28 هـ بإحيائه حج التمتع الذي نهت عنه السلطة القرشية، ثم واصل إحياءه للسنة النبوية حين بويع بعد قتل عثمان.

ومن هذه الخلفيات ما يتصل بعهد النبوة والرسالة ومعركة النبي (صلى الله عليه وآله) مع قريش المشركة التي ابتدعت أمورا في دين إبراهيم، وابتداعهم هذا لابد من بحثه في حقبته التاريخية التي بدأت قريش فيها بالظهور على عهد قصي وهذه هي الخلفية الأبعد ولكنها مهمة جدا في توضيح النهضة الحسينية وطبيعة الحقد الأموي على آل محمد (صلى الله عليه وآله).

ويمكننا أن نلخص هذه الخلفيات بما يلي:

أولا: أنشأ قصي التجمّع الفهري الذي سمي بـ قريش أي القبائل المتجمعة من ذرية فهر في ظل دين إبراهيم وانتظار بعثة النبي الموعود في مكة حين استلم ولاية مكة من خزاعة، وكانت بيوتات فهر الجد العاشر للنبي (صلى الله عليه وآله) متفرقة في مكة

«صفحة 16»

فجمعهم حول البيت فسموا قريشا ولقب قصي بمجمِّع.

ثانيا: كان قصي زعيما سياسيا وإماما دينيا على ملة إبراهيم، وعنه يأخذ الناس أحكام دين إبراهيم والمناسك، وهو أساسا احد أوصياء النبي إبراهيم من ذرية إسماعيل فان خط آباء النبي (صلى الله عليه وآله) موحدون يمثلون (الأصلاب الشامخة)(1) في أدب الزيارة عن الحسين (عليه السلام). يحملون نور النبي (صلى الله عليه وآله) كابرا عن كابرا(2).

ثالثا: أوصى قصي بالزّعامة الدينية والسياسية من بعده إلى ولده عبد مناف الذي حمل نور محمد (صلى الله عليه وآله) في صلبه.

رابعا: ولد عبد مناف هاشما والمطلب وكانا يدا واحدة، وعبد شمس ونوفلا وكانا يدا واحدة. وأوصي عبد مناف بالزعامة الدينية والسياسية

ـــــــــــــــــــــــ

(1) الأصلاب جمع صلب وهو الظهر المشار إليه في القرآن ﴿خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ6 يخرُجُ مِن بَينِ الصُّلبِ والتَّرائِبِ 7﴾ الطارق/6-7، والشامخ العالي العزيز فالأصلاب الشامخة هم الآباء الكرام العالون ﴿قالَ يا إِبليسُ ما مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لِما خَلَقتُ بيدَي أَستَكبَرتَ أَم كُنتَ مِنَ العالينَ﴾ ص/75ب..

(2) ينابيع المودة /308 الحديث رقم (881) عن علي 7 قال: قال رسول الله 9: يا علي خلقني الله وخلقك من نوره، فلما خلق آدم 7 أودع ذلك النور في صلبه، فلم نزل أنا وأنت شيء واحد (من صلب إلى صلب)، ثم افترقنا في صلب عبد المطلب، ففي النبوة والرسالة، وفيك الوصية والإمامة.

«صفحة 17»

إلى ولده هاشم الذي حمل نور محمد (صلى الله عليه وآله) في صلبه.

خامسا: سن هاشم لقريش رحلة الشتاء والصيف وأثرَت بسببها وصارت لهم علاقة مع الملوك، وولد له نضلة واسد أبو فاطمة زوجة أبي طالب، ثم ولد عبد المطلب.

سادسا: أوصي هاشم إلى أخيه المطلب ريثما يكبر ولده عبد المطلب لان نور النبي في صلبه، ثم أوضي المطلب إلى عبد المطلب.

سابعا: برزت شخصية عبد المطلب وزاده الله تعالى شرفا إلى شرف آبائه، وايده بحفر زمزم، ولما غزا أبرهة البيت دعا عبد المطلب قريشا ان يقاتلوا أبرهة فرفضوا وتهاربوا إلى الجبال وبقي هو وبنو المطلب معه ورد الله تعالى عنه كيد جيش أبرهة صاحب الفيل، وكان ذلك تأييدا الهيا واضحا على إمامته وزعامته وأولويته بإبراهيم وبيته وكانت قريش تسميه إبراهيم الثاني في إمامته الدينية وسننه.

ثامنا: أوضي عبد المطلب إلى ولده أبي طالب وكلفه برعاية النبي (صلى الله عليه وآله).

تاسعا: انقلبت قريش من خلال بني أمية الذين برزت منهم وجوه حسدت بني هاشم وتاقت

«صفحة 18»

انفسهم إلي الزعامة، فقالوا: إن قريش كلها أولي بإبراهيم وأولى بالبيت وسمت نفسها (آل الله) وتبنت خدمة الأصنام لكسب قبائل كنانة وخزاعة التي رفعت أول صنم على الكعبة حين وليت أمرها، ثم ابتدعت في دين إبراهيم بدعة جديدة هي بدعة الحمس وكان من أحكامها ان لا يقفوا مع العرب في عرفة لأنهم أهل الحرم وفرضوا على الحجاج ان يطوفوا بثياب قرشية وإلا فان حجّهم غير مقبول، وهكذا فانهم انتحلوا الإمامة الإبراهيمية التي وصلت إلى عبد المطلب وايده الله فيها بمؤيدات اعظمها حفر زمزم وكانت قد طُمّت من زمن جرهم ولم تهتدي إليها خزاعة فبقيت مطمومة حتى اظهرها عبد المطلب بوحي الهي له في الرؤيا.

عاشرا: بعث الله تعالى نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله) رسولا إلى أهل مكة ليجدد دين إبراهيم وليحرره من بدع خزاعة وقريش المشركة ويعيد إمامة إبراهيم إلى ذرية أبي طالب وصي عبد المطلب وكافل الرسول وحاميه وهو علي الذي رباه النبي تربية خاصة منذ ولادته، واصطحبه إلى غار حراء بلغ عمره ست سنوات واستمر يصلي معه مدة سبع

«صفحة 19»

سنوات، ولما كلفه الله تعالى بالرسالة سال ربه ان يجعل عليا وزيرا له كما سال موسى يوم كلف بالرسالة ان يجعل أخاه هارون وزيرا، وأجابه إلى ما سأل، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) «انت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي».

حادي عشر: تبنى بنو هاشم بقيادة أبي طالب نصر النبي (صلى الله عليه وآله) وربطوا انفسهم مصيريا به وتبنت قبائل قريش الأحرى بزعامة بني أميه ومخزوم إيذاء النبي (صلى الله عليه وآله) ومن امن به ثم قاطعت بني هاشم ثلاث سنوت وكان أبو طالب يستعيذ بالله من قريش قال:

أعوذ برب الناس من كل طاعن

علينا بشر أو ملحق باطل

ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة

ومن مفتر(1) في الدين مالم نحاول

ثم حاربته بعد هجرته إلى المدينة ست سنوات وصالحها النبي (صلى الله عليه وآله) في الحديبية ثم نقضت صلحها معه، ثم نصر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) وفتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة ودخلت قريش في الإسلام طامعة خائفة ولكنها احتفظت

ـــــــــــــــــــــــ

(1) وفي رواية ومن ملحق.

«صفحة 20»

بالحقد واللؤم على علي (عليه السلام) لأنه وترهم وقتل صناديدهم وحسدوه على مقامه الذي حباه الله ورسوله به.

ثاني عشر: وحين نزل قوله تعالى ﴿يا أَيها الرَّسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وإِن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ واللهُ يعصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللهَ لا يهدي القَومَ الكافِرينَ﴾ المائدة/67 في السنة العاشرة من الهجرة اعلن النبي أمام مائة ألف أو يزيدون قوله (صلى الله عليه وآله): الله مولاي وأنا مولى المؤمنين فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه.

ثالث عشر: انقلبت قريش المسلمة على علي (عليه السلام) وادعت الإمامة في دين النبي (صلى الله عليه وآله) وحرفت جملة من أحكامه ونهت عن حج التمتع وأمور أخرى سميت فيما بعد بـ(سيرة الشيخين)تعبيرا عن إمامتهما الدينية وصارت أساسا لمن يراد له ان يبايع على الحكم، وعرضت قريش ذلك على عليا (عليه السلام) بعد موت عمر في الشورى السداسية ولكن عليا رفض ان يعمل بسيرة الشيخين وقال «ان كتاب الله وسنة النبي لا يحتاجان إلى إجّيري احد»، ولأنه الإمام المعين من الله تعالى ورسوله.

رابع عشر: انشقت قريش الحاكمة على عهد

«صفحة 21»

عثمان فصارت جناحين، جناحا حاكما وهو بنو أميه وجناحا متذمرا تمثل بقبائل قريش الأحرى واستحكم الانشقاق وهنا نهض علي (عليه السلام) لإحياء حج التمتع وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في إمامته الدينية، ولما قتلت قريش عثمان بايع الناس عليا (عليه السلام) على أساس حديث الغدير وانه الإمام المنصوص عليه، وحاربته قريش في الجمل وصفين فقد كان في صفين كل قبائل قريش ولم يكن مع علي (عليه السلام) إلا خمسة أنفار من قريش.

خامس عشر: استشهد علي (عليه السلام) بعد ان أحيا الله به سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وحررها من بدع قريش المسلمة ولكن فئة من الناس بقيت مصرة على العمل بسيرة الشيخين فتركها وأسس التعددية المذهبية في الإسلام.

سادس عشر: بايعت الأمة سبطَ النبي (صلى الله عليه وآله) ووصيه الحسن (عليه السلام) بايعوه على كتاب الله وسنة النبي (صلى الله عليه وآله) التي أحياها علي (عليه السلام) وبايع أهل الشام معاوية على سيرة الشيخين على ما بويع عليه سلفه عثمان، وبادر إلى الصلح لم يستجب له الحسن (عليه السلام)، وعرض عليه ان يحكم الأمة بشروط يكتبها الحسن (عليه السلام)، ورضي معاوية ذلك وكان

«صفحة 22»

اهم الشروط هو ان يعمل معاوية بالكتاب والسنة، وان يترك سب علي (عليه السلام) ولا يذكره إلا بخير وان يكون الأمر للحسن (عليه السلام) بعده وان لا يروع الشيعة وغيرها من الشروط.

سابع عشر: عاشت الأمة عشر سنوات من الأمان في ظل حياة الحسن (عليه السلام) ونهض العراقيون الذين انفتحوا على إمامة علي (عليه السلام) الإلهية لنشر أخبار سيرته المشرقة وأحاديث النبي فيه في بلاط معاوية وعرف الناس في الشام وغيرها ان عليا (عليه السلام) كان على الحق وان معاوية كان على الباطل، وهو الفتح الذي حققه الحسن (عليه السلام) كما حقق جده (صلى الله عليه وآله) من قبل في صلح الحديبية فتحا مماثلا.

ثامن عشر: لم يكن معاوية ليؤمن بشروط الحسن (عليه السلام) ولكنه اتخذ ذلك ذريعة إلى تحقيق هدف اكبر انفتح عليه فاضمر في نفسه ان يستجيب لفترة ثم يغدر وقد تعلم ذلك من أبية أبي سفيان لما قبلت قريش بالشروط مؤقتا لتستريح من الحرب ثم نقضت شروطها بعد سنتين، ولم يغب ذلك عن الحسن (عليه السلام) فهو ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مؤسس صلح الحديبية، وهكذا نقض معاوية شروطه ودس السم للحسن (عليه السلام) وقلب ظهر المجن للعراقيين، اعلن معاوية لعن علي (عليه السلام) والبراءة منه بصفته ملحدا في الدين ووضعت أحاديث تؤكد ذلك نظير الحديث الذي يرويه البخاري ألا ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، وان بني أميه والشيخين هم أئمة الهدى ووضع أعلامهم الأخبار الكاذبة في ذلك. نظير ما نسبوه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال في معاوية اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به(1)، وانه (صلى الله عليه وآله) قال في يزيد: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا , قالت أم حرام قلت: يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال: أنت فيهم، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم, فقلت: أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال: لا.(2) وكان على رأس هذا الجيش يزيد.(3)

ـــــــــــــــــــــــ

(1) جامع الترمذي 5/687، مسند احمد 4/216، مسند الشاميين 1/181، الآحاد والمثاني 2/358، المعجم الأوسط للطبراني 1/380.

(2) صحيح البخاري المختصر 3/1069.

(3) انظر مصادر الروايات في كتابنا الإمام الحسين في مواجهة الضلال الأموي.

«صفحة 23»

معالم المشروع الحسيني:

في ضوء معالم الانقلاب القرشي الثالث(1) والفتنة التي عمت آثارها لتشمل المسلمين جميعا فان وضع الأمة كان بحاجة إلى إصلاح، وكانت رايات الإصلاح المرتقبة ثلاثة وهي:

الراية الأولى: راية عبد الله بن الزبير وكان ابن الزبير قد برزت شخصيته في حرب الجمل حين فرضته خالته عائشة إماما يصلي بجموع البصريين حلا للخلاف بين طلحة والزبير، وهو يرى نفسه افضل من معاوية فضلا عن ابنه يزيد، وشعاره في الإصلاح هو إحياء سيرة الشيخين التي تجاوزها الأمويون، والقاعدة الشعبية لهذا الشعار بشكل عام في مكة والمدينة والبصرة.

الراية الثانية: راية الخوارج وشعارها أيضا إحياء سيرة الشيخين ويضيفون إليه البراءة من علي (عليه السلام)، برزوا كراية في النهروان وبعد هزيمتهم تحول الناجون منهم ومن تخلف عن المعركة إلى خلايا إرهاب ثم إلى مجموعات ثائرة

ـــــــــــــــــــــــ

(1) كان الانقلاب القرشي الأول هو الانقلاب على أبي طالب بعد عبد المطلب، والثاني هو انقلاب قريش المسلمة على علي بن أبي طالب 7 بعد النبي 9، والثالث هو انقلاب معاوية على الحسن بن علي 8 وفي كل هذه الانقلابات ينتحل الانقلابيون الإمامة الإلهية لأنفسهم في قبال أبي طالب وعلي والحسن:.

«صفحة 24»

في وجه حكم معاوية في السنوات العشر الأولى من حكمه ولم تؤيدهم الأمة في طريقتهم لأنها الإفساد بعينه إذ كانوا يكفِّرون من لم يكن على طريقتهم ويستحلون دمه.

الراية الثالثة: راية الحسين (عليه السلام) وهو بقية أصحاب الكساء وأفراد آية المباهلة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) الذين شبههم بسفينة نوح وكانت له مكانة عند الجيل من عمر ثلاثين سنة فما فوق بسبب ما انتشر من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) فيه أيام علي والحسن (عليهما السلام)، وله قاعدة شعبية واسعة في الكوفة محصتهم التجارب والمحن ودفعوا الثمن غاليا لأجل الثبات على حب علي (عليه السلام) وموالاته وهم يعتقدون بإمامة الحسين (عليه السلام) بعد أخيه وأبية.

الكوفيون قاعدة شعبية صادقة مع الحسين (عليه السلام):

الكوفيون هم القاعدة الشعبية المخلصة للحسين للأسباب التالية:

1ـ لقد نصروا عليا (عليه السلام) في البصرة ولولاهم لكان مسار الأمور شيئا آخر، ثم نصروا عليا (عليه السلام) في حربه ضد معاوية في معركة صفين يوم كانوا بغاة يقودهم معاوية وابلَوا في تلك الحرب بلاءً حسنا.

«صفحة 25»

2ـ ثم ابتلوا بحرب الخوارج في النهروان وهو ابتلاء عظيم لأنهم أبناءهم وإخوانهم وخرج الكوفيون من الامتحان ناجحين ظافرين. ثم تعبؤوا بعدها لقتال معاوية ورد غاراته التي يشنها على هذا البلد أو ذاك واستشهد علي وتغيرت الظروف.

3ـ وحقق الحسن (عليه السلام) بالكوفيين كسر الطوق الإعلامي الذي فرضه معاوية على مشروع علي (عليه السلام) الإحيائي للسنة وحجز أهل الشام عنه، ولم يكن من طريق لكسره الا بالصلح نظير طوق قريش الإعلامي الذي طوقت به النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن له طريق الا صلح الحديبية، وتحرك الكوفيون في سنوات الصلح ينشرون سيرة علي (عليه السلام) وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) فيه بين أهل الشام وعرفوا انهم كانوا مع معاوية مخطئين في حرب علي (عليه السلام).

4ـ ثم اكتوى العراقيون بنار غدر بني أميه ونقضهم للشروط وظلم ولاتهم عشر سنين بأشد ما يكون حيث هجر منهم زياد خمسين ألفا بعوائلهم، خمسا وعشرين ألف من أهل البصرة وخمسا وعشرين ألفا من أهل الكوفة وامتلأت السجون منهم والمنافي بسبب ارتباطهم بعلي (عليه السلام).

«صفحة 26»

5ـ مضافا إلى ذلك كله كان أهل العراق أهل دين كما شهد لهم علي (عليه السلام) حين قال لمعاوية في رسالته إليه: «وما أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الأخرة».

6ـ وكانوا أهل وفاء لعلي (عليه السلام) وأهل فقه بمشروعه وهو مشروع النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحاب جرأة على السلطان وقد شهد لهم معاوية بذلك حين كان يلتقي بوجوه من رجالهم ونسائهم ويحاورهم كان يقول لهم: «هيهات يا أهل العراق لقد فقهكم علي فلن تطاقوا»، «لقد لمظلكم علي الجرأة على السلطان»، «والله لوفاؤكم له بعد موته اعجب من حبكم له في حياته».

7ـ كما شهد لهم الحسن (عليه السلام) انهم الحافظون حوزته وذماره والمانعون المعتدي عليها، حيث قال حين فارقهم ورحل عنهم إلى المدينة بعد الصلح متمثلا بهذا البيت من الشعر:

وما عن قلى فارقت دار معاشري هم المانعون حوزتي وذماري

8ـ وشهد لهم أيضا عبد الله بن الزبير وهو يبغضهم حين شكى له معاوية أمر الحسن (عليه السلام) وعدم تردده عليه وزيارته إلا مرة واحدة حين

«صفحة 27»

قدم إلى المدينة سنة 44 هـ قال له: «والله ان أهلَ العراق لأبرَّ بهِ من أمِّ الحوار بحوارِها» (الحوار ولد الناقة).

9ـ وشهد لهم الواقع التاريخي للسنوات العشر (40ـ50 هـ) سنوات الأمان والاختلاط مع الشاميين سواء داخل الشام أو خارجها، أن رسالتهم في الحياة كانت التبشير بإمامه علي (عليه السلام) الإلهية ونشر أخبار سيرته المشرقة.

10ـ وشهدت لهم الأمة للسنوات الأربع بعد وفاة الحسن (عليه السلام) (50ـ53هـ) ونقض معاوية لشرطه في علي(عليه السلام) أن لا يذكره بخير انهم وقفوا بوجه الإعلام الأموي حين أعاد لعن علي (عليه السلام) يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بقيادة حِجر بن عدي وأصحابه، ودفعوا الثمن غاليا من اجل ذلك حتى أمرهم الحسين (عليه السلام) بعد قتل حجر بالانسحاب من الميدان يدخرهم ليوم قادم ينهض فيه.

11ـ وشهد لهم أهل المدينة انهم كانوا على اتصال مستمر بعد ذلك مع الحسين (عليه السلام) ومراجعته حتى منعهم الوليد بن عتبة(1) من زيارته سنة 58 هـ

ـــــــــــــــــــــــ

(1) كان أميرا على المدينة لمعاوية سنة 57-60.

«صفحة 28»

وقال له الحسين (عليه السلام): «يا ظالما لنفسه عاصيا لربه علام تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقي ما جهلته أنت وعمك».

الحسين (عليه السلام) المنقذ الوحيد للامة:

ليس من شك ان التغيير بقيادة الخوارج ليس له قاعدة شعبية لان الأمة تراهم مفسدين وهو كذلك وقد سماهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالمارقين.

أما التغيير بقيادة ابن الزبير فهو وان كانت له قاعدة شعبية في مكة والمدينة بحدود لا بأس بها الا انه لن يجرؤ ان يتحرك مع وجود الحسين (عليه السلام) لأنه على يقين ان الحسين (عليه السلام) سوف لن يؤيده ولا شيعته ذات العمق والأصالة في الأمة، مضافا إلى انه ابن أبية الذي خرج طلبا للسلطة لا غير مع طلحة وعائشة في البصرة.

أما التغيير بقيادة الحسين (عليه السلام) فهو المتعين لان النبي (صلى الله عليه وآله) اخبر امته بشهادته وهو دليل على نزاهة حركته وقيامه لله، ولان قاعدته الشعبية أوسع وهي ممتحنة عاشت حالة تحدي واضحة أيام معاوية ولئن سكت الحسين (عليه السلام) زمن معاوية لأسباب فانه لا مبرر لسكوته بعد موته إذ لا عهد له مع يزيد، وهكذا يتعين الحسين (عليه السلام)

«صفحة 29»

مصلحا للامة من فسادها وللدين من تعطيله وتحريفه، وليس أمام الحسين (عليه السلام) الا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أماتها بنو أميه يمنحها الحياة من جديد لتتحرك الأمة بها وتقتدي بالحسين (عليه السلام) في مواجهة بني أميه لإزالتهم.

والحسين (عليه السلام) يدرك ان كبار الأمة من الصحابة والتابعين ينظر إليه ويتطلع إلى موقفه وحركته.

فما هي خطة الحسين (عليه السلام) للإصلاح وما هو منهجه ؟

وصية الحسين (عليه السلام) إلى أخيه محمد بن الحنفية:

لخص الحسين (عليه السلام) منهجه الإصلاحي خطةً ومضمونا في وصيته التي كتبها لأخيه محمد بن الحنفية:

1. إني لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما: فانه في هذه الفقرة شخّص طريقة خروجه ونهضته وأنها سوف لن تكون على طريقة طلحة والزبير لأنه خروج اشر وبطر من دون دواعي ومسوغات صحيحة، ولن تكون على طريقة معاوية حين تمرد على علي (عليه السلام) لأنه كان ظالما له

«صفحة 30»

وهو في خروجه ليس ظالما ليزيد، ولن تكون على طريقة الخوارج لأنهم كانوا مفسدين في الأرض.

2. وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي: ليس من شك ان هناك فسادا أصاب الأمة، وحيفا وظلما في توزيع الثروات وفي الأمان وفقدان الحريات ولا بد من إصلاحه. وفسادا أصاب الدين واعظم فساد فيه ما أصاب العقيدة بالإمامة حين حرفها بنو أميه من عقيدة بأهل البيت خلفاء الله وخلفاء رسوله يقودون الناس إلى الله إلى عقيدة ببني أميه خلفاء لله ولرسوله وبدلوا الولاء والمحبة لعلي (عليه السلام) الذي فرضه الله ورسوله إلى لعن وبراءة وعداوة من خلال الأحاديث الكاذبة التي وضعوها.

3. أريد ان آمر بالمعروف وانهي عن المنكر: الدين فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعله افضل الجهاد، وشخصية الحسين (عليه السلام) لا ينافسها احد في الدين ولا في العلم ولا في القاعدة الشعبية التي يمتلكها في العراق وغيره. والأعناق تشرئب إليه في النهوض بهذه الفريضة.

4. وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب:

«صفحة 31»

لا يشك احد ان الحسين (عليه السلام) أعلم بسيرة جده من كل أحد، واعترف الجميع ان عليا (عليه السلام) حين نهض أحيا سنة النبي (صلى الله عليه وآله) سواء في الحج أو في الطلاق أو في العدل فان عبد الله عمر يشهد بان موقف علي (عليه السلام) في إحياء حج التمتع هو الصحيح وان أباه رأى رأيا في حج التمتع وهو لا يوافقه عليه، وهكذا في الصلاة فقد قال: احد الصحابة «لقد صلى بنا علي صلاة كدنا ننساها».

بعث الله تعالى محمدا لإحياء حنيفية إبراهيم وملته التي حرفتها قريش المشركة إذ كان إبراهيم قد بنى الكعبة مركزا للتوحيد واقترن البناء بدعوة إبراهيم وإسماعيل والبشرى بمحمد وأهل بيته، ولكن قريشا بعد حادثة الفيل أيدت بدعة خزاعة حين رفعت الأصنام ودعت إلى عبادتها وأضافت إلى ذلك أنها نصبت من نفسها إمامة دينية غيرت الكثير من دين إبراهيم. واستطاع النبي ان يحرر بيت إبراهيم من الأصنام ويضع من الإمامة الدينية لقريش ولأهل الكتاب ويعلن عن إمامة أهل بيته من بني هاشم وانهم خلفاؤه. واعلن عن أولهم وهو علي (عليه السلام) إماما هاديا ووليا بعده يوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع.

«صفحة 32»

وبعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) انقلبت قريش المسلمة على أعقابها ونصبت من نفسها إمامة دينية وخلفاء للنبي (صلى الله عليه وآله) وغيرت الحج المحمدي وابتدعت بدعا أخرى عطلت فيهن كثيرا من السنن النبوية ومنعت من نشر أحاديثه التي تبين فضل أهل بيته وإمامتهم.

ونهض علي بعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لإحياء حج التمتع الذي نهت عنه قريش ونشر الأحاديث النبوية التي منعت منها واستطاع علي (عليه السلام) في فترة نهضته من سنة 28ـ 40 ان يحيي الحج المحمدي في النصف الشرقي من البلاد المفتوحة وينشر فيها أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في فضل أهل بيته(عليهم السلام).

ونهض الحسين (عليه السلام) بعهد معهود من النبي (صلى الله عليه وآله) لإحياء إمامة علي (عليه السلام) وولايته الإلهية التي حولها بنو أميه إلى براءة منه ولعن، وأخيت بدعة قريش المسلمة واحتكرتها لنفسها.

5. فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق: وذلك لان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما حث الله تعالى عليه ووعد لمن قتل آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر الجنة، وبالتالي فمن آزر الحسين (عليه السلام) في نهضته يكون قد لبّى دعوة الله تعالى واستحق الجنة.

«صفحة 33»

6. فمن رد علي هذا اصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم الظالمين: يشير الحسين (عليه السلام) في كلمته هذه انه أولا يرفع شعارا قبل ان يرفع سلاحا، وهذا الشعار هو انه لا يبايع ومن حقه ان لا يبايع لان الشخص المطروح للحكم ليس أهلا باتفاق أهل المناهج المختلفة، ويدعو الأمة ان تسحب ثقتها من يزيد وبني أميه، ومن ثم لابد من الإطاحة بهم وتحرير الأمة من سيطرتهم ثم يترك الخيار للامة لتبايع من تراه أهلا للإصلاح. وقوله (أصبر) معناه انه سوف يبقى على شعاره في إنكار المنكر لا يتراجع عنه كما قال في موضع آخر لو لم يكن لي ملجا في الدنيا ما بايعت يزيد.

خلاصة أهداف الحسين (عليه السلام) ومنهجه في التغيير:

1. استهدف الحسين (عليه السلام) هدفين أساسيين من نهضته:

الأول: كسر الطوق الإعلامي الذي فرضه معاوية على نهضة علي الإحيائية لسنة النبي (صلى الله عليه وآله) وإحياء إمامة علي (عليه السلام) وولايته التي أسسها الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) فوصف عليا (عليه السلام) بانه أَلـحَد في دين الله تجب البراءة منه ومن شيعته، وبذلك

«صفحة 34»

سوغ لولاته ان يلاحقوا شيعة علي (عليه السلام) أينما كانوا. ولا ينكسر هذا الطوق الا بنشر الأحاديث النبوية في حق علي (عليه السلام) التي تمنحه ولاية كولاية النبي (صلى الله عليه وآله) وهو ولاية الله. ولا تنتشر هذه الأحاديث الا بإزالة الدولة التي تتبنى التعتيم على هذه الأحاديث والمعاقبة عليها.

الثاني: فسح المجال لمن يريد من أهل المدن ان يحيا وفق تجربة علي التي هي تجربة النبي في الحكم وتقوم على قاعدة لا إكراه في الدين والتعددية المذهبية وحرية التعبير وكفالة المواطن المتدين بالدين الإبراهيمي بغض النظر عن دينه الإبراهيمي مادام يؤمن بالتعايش السلمي. ولا يتأتَّ هذا الهدف إلا بزوال الدولة المركزية ورفع الضغط والإرهاب عن الناس وتركهم وما يعتقدون.

2.اختار الحسين (عليه السلام) مكّة لإعلان المشروع لأنه مكة اكبر مركز لتجمع المسلمين لإيصال الدعوة اليهم «اللهم ان هذا قبر ابن بنت نبيك قد اعذر في الدعوة».

3. أحيا الحسين (عليه السلام) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد ندب الله تعالى إليه:

«صفحة 35»

﴿و لتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يدعونَ إِلَى الخَيرِ ويأمُرونَ بِالمَعروفِ وينهَونَ عَنِ المُنكَرِ وأولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾ آل عمران/104.

ومن يقتل وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المكر فقد فاز بالجنة لأنها وعد الله له:

﴿إِنَّ اللهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يقاتِلونَ في سَبيلِ اللهِ فَيقتُلونَ ويقتَلونَ وعدا عَلَيهِ حَقًّا في التَّوراةِ والإِنجيلِ والقُرآنِ ومَن أَوفى بِعَهدِهِ مِنَ اللهِ فاستَبشِروا بِبَيعِكُمُ الَّذي بايعتُم بِهِ وذلِكَ هو الفَوزُ العَظيمُ 111 التّائِبونَ العابِدونَ الحامِدونَ السّائِحونَ الرّاكِعونَ السّاجِدونَ الآمِرونَ بِالمَعروفِ والنّاهونَ عَنِ المُنكَرِ والحافِظونَ لِحُدودِ اللهِ وبَشِّرِ المُؤمِنينَ 112 ما كانَ لِلنَّبي والَّذينَ آمَنوا أَن يستَغفِروا لِلمُشرِكينَ ولَو كانوا أولي قُربى مِن بَعدِ ما تَبَينَ لَهُم أَنَّهُم أَصحابُ الجَحيمِ 113﴾ التوبة/111ـ113.

كما ان القرآن يبشر القاتلين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة وبحبط عملهم في الدنيا والآخرة:

﴿إِنَّ الَّذينَ يكفُرونَ بِآياتِ اللهِ ويقتُلونَ النَّبيينَ بِغَيرِ حَقٍّ ويقتُلونَ الَّذينَ يأمُرونَ بِالقِسطِ مِنَ النّاسِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ 21 أولئِكَ الَّذينَ حَبِطَت أَعمالُهُم في الدُّنيا والآخِرَةِ وما لَهُم مِن ناصِرينَ 22﴾ آل عمران/21ـ22.

«صفحة 36»

4.جعل الحسين (عليه السلام) عنوان نهضته رفض البيعة ليزيد مهما كلفه الأمر، ليس لان يزيد لا يصلح شخصيا لمقام الحكم فقط بل لأجل ان حَصرَ الملك في بني أميه بالوصية من الأب الحاكم لأبنائه مخالف حتى لسيرة أبي بكر وعمر فلم يجعل كل واحد منهما الملك في أسرته، وهذا الشعار العام ينسجم معه كل مسلم على اختلاف مشربه ومنهجه.

5.اعتمد الحسين (عليه السلام) أهل العراق كقاعدة شعبية لحركته بوصفهم شعبا ميزت المِحنُ بصدق ولائه لعلي (عليه السلام) ومشروعه الإحيائي للسنة، وبوصفهم الذين استهدفهم معاوية لتغيير ولائهم ومحاصرتهم بشتى الوسائل لتم بما نقض معاوية كل عهوده التي أعطاهما للحسن (عليه السلام) وأهل العراق، وكانوا قد عرضوا على الحسين (عليه السلام) بعد شهادة الحسن (عليه السلام) وقتل حجر وأصحابه بالقيام ضد معاوية فأوصاهم الحسين (عليه السلام) بان يكونوا أخلاس بيوتهم لحين وفاة معاوية. فهم على موعد مع الحسين (عليه السلام).

«صفحة 37»

حوادث إحدى وسبعين سنة بعد الشهادة:

أصيبت الأمة بالذهول لسنتين /عشرون شهرا/. 61-63 بعد واقعة الطف وعاشت أسوأ أيامها وبدأت تغلي المشاعر في الخفاء وبخاصة حين تصلهم أخبار الواقعة وما صنعت الدولة مع ذرية النبي (صلى الله عليه وآله) وبناته ولم يتنفس احد بموقف معلن لا من ابن الزبير ولا من غيره، والسجون ممتلئة بشيعة علي قبل مجيء الحسين (عليه السلام) إلى العراق.

ثم تحركت الأمة بدءا بأهل المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة حين ذهب ليجدد عهده بيزيد وإذا به يجده يشرب الخمر علانية وينادم القرود، فاخذ جائزته من يزيد هو وأولاده الثمانية ورجع إلى المدينة وأعلن خلعه، واستجاب له أهل المدينة، فبعث اليهم يزيد مُسرفَ بن عقبة مع جيش أهل الشام والتقى الجيشان في 27 ذي الحجة سنة 63هـ وانكسر أهل المدينة ودخل أهل الشام الحرم النبوي بخيولهم واستباحوا المدينة ثلاثة أيام. ثم اتجهوا إلى ابن الزبير في مكة وحاصروها وضربوها بالمنجنيق.

توفي يزيد في 14ربيع الأول سنة 63هـ وقام

«صفحة 38»

بالأمر بعده ولده معاوية ولكنه استقال من الخلاقة بعد أربعين يوما واختلف أهل الشام على رايتين الضحاك الفهري ومروان الأموي واقتتلوا على السلطة، وكسرت السجون في البصرة والكوفة، وبايعوا لابن الزبير واقتتل أهل خراسان واقتتل أهل اليمن، واقتتل أهل العراق.

وكانت الكوفة البلد الوحيد الذي شهد حربا أهلية بين خطين: خط لشيعة أهل البيت(عليهم السلام) الذين خرجوا من السجون وخط السلطة الأموية، واستطاع سليمان بن صرد ان يقاتل بني أميه ويواصل المختار من بعده ويؤسس دولة أحيت تجربة علي (عليه السلام) في الحكم ولكنها حوصرت من قبل الزبيريين وقادة الكوفيين الذين كانوا في الجيش الأموي الذين قتلوا الحسين (عليه السلام) وأسقطوها، ثم حاصر عبد الملك دولة ابن الزبير وأسفطها سنة 73هـ، ثم انتفض على الحجاج جنده من أهل البصرة عليه سنة 76هـ بقيادة عبد الله بن الجارود واستطاع ان يقضي عليها ثم ثار عليه جنده من أهل الكوفة بقيادة مطرَّف بن المغيرة واستطاع ان يقضي عليها ثم ثار عليه عبد

«صفحة 39»

الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس سنة 81هـ وخلع عبد الملك.

واستمرت الحروب بينه وبين الحجاج سنتين حتى استطاع القضاء عليها بجيش أهل الشام سنة 83هـ، وهكذا تضرمت الأرض تحت سلطان معاوية وولده يزيد وانتقلت السلطة إلى الفرع الآخر من بني أميه وهو الفرع المرواني وتضرمت الأرض نارا مدة عشرين سنة، لقد استجاب الله تعالى دعاء الحسين (عليه السلام) في الأمة التي خذلته فقد دعاهم في موسم الحج ولم يحبه سوى أهل الكوفة المخلصين بقيادة سليمان بن صرد والمختار قد نفذوا خطة الحسين (عليه السلام) في قتال بني أميه وإقامة دولة علي في الكوفة. وانتشر في الأشهر الثلاثين من حكمها الأحاديث النبوية وسيرة علي (عليه السلام) وخطبه إلى الجيل الجديد الذي حرم منها مدة اثنتي عشرة سنة.

ثم نهض زيد بن علي سنة 122 هـ على منهاج الحسين (عليه السلام) وحرك الأجواء من جديد. واستشهد (رحمه الله) وتحملت الكوفة بعده الكثير من العناء، ثم قدر لحركة بني العباس ان تسقط دولة بني أميه سنة 131-132هـ وانتقموا منهم شر انتقام.

«صفحة 40»

نتائج نهضة الحسين (عليه السلام) وشهادته:

1. أنفذت الكوفة من خطر تصفية وجود الشيعة فيها وعودتها قلعةً لشيعة علي (عليه السلام) وقيامها ببقية خطة الحسين (عليه السلام) في قتال بني أميه لتفهم الأمة ان طاعتهم ليست من الدين في شيء وتجديد تجربة علي (عليه السلام) في العدل والتثقيف والتعددية المذهبية.

2. أُنقذت الأحاديث النبوية في فضل أهل البيت(عليهم السلام) التي كانت معرضة لموت حملتها حين تمزقت الدولة الأموية وانتهت سيطرتها الفكرية في العراق والحجاز مدة عشرين سنة وتحرك المحدثون لإفراغ ما في صدورهم إلى الجيل الجديد.

3. بتر الله تعالى يزيد وذريته وانتقال الملك إلى بني مروان، وشفى علي بن الحسين (عليهما السلام) ونشر ذرية الحسين (عليه السلام) منه وبروز علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد(عليهم السلام) إعلاما للهداية وظهرت حركة بني هاشم بأجنحتها المختلفة تحمل نظرية الحركة السياسية على نهج الحسين (عليه السلام).

4. سقوط دولة بني أميه على يد الجناح العباسي من حركة بني هاشم وتكريس تجربة علي (عليه السلام) في التعددية المذهبية وبروز مدرسة الإمام

«صفحة 41»

الصادق (عليه السلام) في الكوفة وإظهار قبر علي (عليه السلام) وزيارته وزيارة قبر الحسين (عليه السلام) وإحياء خط علي في الفقه والعقيدة وتكوين العقل الفقهي الشيعي وتدوين الأصول الأربعمائة في ضوء صحيفة علي الجامعة في السنوات الخمسة الأولى من العهد العباسي في قبال المدارس الفقهية الأحرى.

لماذا الاستمرار في إحياء الذكرى بعد تحقق النتائج ؟

قد يقول قائل لماذا إذن استمرار إحياء الذكرى الحسينية وتأجيج المشاعر ؟

الجواب هناك عدة مسوغات:

الأول: كان اصل هدف النهضة هو فضح بني أميه لكي لا يتأثر المسلم ببدعهم وليعلم ان احترامهم أو الترضي عليهم ليس من الدين في شيء، وقد بقيت قطاعات من الأمة على جهلها بحقيقتهم وانهم يجب البراءة منهم ومن بدعهم في الدين، وليس من طريق لتوعيتهم الا بالاحتفاظ بظلامة الحسين غضة طرية ولا يكون ذلك الا من خلال إحياء العشرة الأولى من المحرم وزيارة الأربعين وقد كرس الأئمة التسعة جهدهم لربط الشيعة وجودهم مصيريا بالعزاء الحسيني. لتقام الحجة

«صفحة 42»

على تلك القطاعات وامتداداتهم في افق الزمن.

الثاني: ان أجواء الظلامة يهيج المشاعر ويهيئ النفس لكي تتجاوز عقدها الصعبة، ولكي تتربى وتتهيأ لخوض اعظم عملية تحرير في تاريخ البشر من الظلم يقودها ابن الحسين (عليه السلام).

الثالث: شاء الله تعالى ان يجعل الحسين (عليه السلام) وارثا لجده إبراهيم في لياليه العشر وفجر عاشوراء ذي الحجة فقد برز من الحسين (عليه السلام) في هذه الليالي وفجر عاشورائها من التسليم لأمر الله والتوجه إليه بالعبادة والدعاء ما ساواها، وهكذا جعلها مثابة للناس وموسما لغفران الذنوب والاستزادة من الحسنات.

عدد الزوار: 543

معلومات الاصدار

الناشر: مركز فجر عاشوراء الثقافي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *