يتناول هذا البحث ظاهرة الإمامة الإلهية المبكرة من خلال دراسة تجربة الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام)، الذي تصدى لمنصب الإمامة وهو دون الثامنة من عمره، في لحظة حرجة من تاريخ الأمة الإسلامية. ويُسلّط البحث الضوء على البُعد العقدي والتاريخي والتربوي لهذه الظاهرة، من خلال تحليل النصوص التراثية، واستعراض ظروف استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام)، ودور السلطة العباسية في محاولة احتواء خط الإمامة. كما يعالج البحث أبعاد هذه التجربة في ترسيخ عقيدة الإمامة عند الشيعة، وتأهيل الأمة لتقبّل إمامة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في سن مبكرة، مبرزًا أن الإمامة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) مقام إلهي يقوم على الاصطفاء والعلم والعصمة، لا على الوراثة ولا الاعتبارات الظاهرية.
فهرس المحتويات
- مُقدِّمَة المركز
- ظاهرة الإمامة المبكرة في تاريخ الإسلام ومصداقها الأول الإمام الجواد عليه السلام
- ما هي الإمامة الدينية المبكرة؟ ومن هو اول مصداق لها في التاريخ الإسلامي ؟
- ما هي الخلفيات السياسية والفكرية التي ظهرت فيها الإمامة الدينية المبكرة للإمام الجواد عليه السلام؟
- ما هي أهداف الخليفة المأمون من وراء تغيير سياسة آبائه إزاء الأئمة من آل البيت عليهم السلام؟
- ما هي طريقة تفكير الإمام الرضا عليه السلام بولاية العهد التي عرضها المأمون ؟
- هل هناك تجربة في الأمم الماضية قبل الإسلام مماثلة لإمامه الجواد عليه السلام المبكرة في خلفياتها ونتائجها ؟
- هل تمتاز تجربة إمامة الجواد عليه السلام عن نظيرتها في الأمم السابقة بشيء إضافي ؟
- كيف حطمت إمامة الجواد المبكرة إمامة بني العباس وأبرزت من جديد الإمامة الهادية لأهل البيت عليهم السلام؟
- ما هي النتائج الإيجابية التي حققتها الإمامة المبكرة من خلال مصداقيها الجواد والهادي عليهم السلام وقد استمرت مدة احدى وخمسين سنة ؟
- خلاصة البحث
العراق ـ النجف الأشرف – حي الكرامة
هاتف: 009647728220543
الهوية:
عنوان الإصدار : ظاهرة الإمامة المبكرة في تاريخ الإسلام ومصداقها الأول الإمام الجواد عليه السلام
تأليف : السيد سامي البدري
سنة الإصدار : 2024/1446 ـ رقم (65)
نوع الإصدار : إلكتروني ـ PDF
الناشر : مركز فجر عاشوراء الثقافي
مُقدِّمَة المركز
عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال وقد أُدخل عليه ولده محمد بن علي الجواد عليه السلام وهو صغير السنّ:
«هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مولود أعظم بركة على شيعتنا منه».(1)
بهذه العبارة المضيئة، كشف الإمام الرضا عليه السلام عن محطة مفصلية في خط الإمامة الإلهية، وبيّن أن ولده الجواد عليه السلام يحمل دورًا استثنائيًا في حفظ معالم الدين والتمييز بين الحق والباطل في لحظة حرجة من مسار الأمة الإسلامية.
لقد شكّل مفهوم الإمامة الإلهية أحد أبرز معالم الهداية الرّبانية في مستقبل الرِّسالة المحمدية، حيث لم تكن الإمامة عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام مجرّد خلافة سياسية أو قيادة اجتماعية، بل كانت مقامًا إلهيًا مشروطًا بالعصمة والعلم والنص الإلهي والوصية النبوية، متجاوزًا بذلك كل المعايير الظاهرية كالسنّ والنسب والقوة. وفي هذا الإطار،
تبرز تجربة الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام بوصفها نموذجًا فريدًا لما يُعرف بـ الإمامة الدينية المبكِّرة، إذ تصدى لهذا المقام الإلهي وهو دون الثامنة من عمره، بعد استشهاد والده الإمام الرضا عليه السلام في ظروف سياسية معقّدة، كانت فيها الإمامة عُرضة لمحاولات الاحتواء والتضييع من قبل السلطة العباسية.
لم تكن هذه الإمامة المبكرة حدثًا عابرًا، بل مثّلت منعطفًا حاسمًا في الوعي الإسلامي عموما والشيعي بشكل خاص، وردًّا إلهيًا مباشرًا على خطة المأمون العباسي في تطويق الإمامة الإلهية من خلال فرض ولاية العهد. وكان استشهاد الإمام الرضا عليه السلام في وقت لم يكن لولده الجواد عليه السلام سوى ثماني سنين، اختبارًا عقائديًا للمجتمع الشيعي، وفضحًا عمليًا للتصوّر العباسي القائم على وراثة الحكم دون استحقاق علمي أو روحي.
ينطلق هذا البحث من دراسة تحليلية تاريخية، تستند إلى النصوص التراثية المحققة، والمعطيات القرآنية، والمقارنات بين التجربة الإسلامية وتجارب الأمم السابقة، في سعي لفهم ظاهرة الإمامة المبكرة
في بعدها العقدي والتاريخي والتربوي، وتبيين أبعادها وتأثيراتها بعيدة المدى على الفكر الشيعي وواقع الأمة.
ويهدف البحث الذي كتبه العلامة السيد سامي البدري إلى معالجة المحاور التالية:
• بيان مفهوم الإمامة الدينية المبكرة، وأول مصاديقها في التاريخ الإسلامي.
• دراسة الخلفيات السياسية والفكرية التي نشأت فيها إمامة الإمام الجواد عليه السلام.
• تحليل دوافع المأمون العباسي من فرض ولاية العهد على الإمام الرضا عليه السلام، وتفسير موقف الأخير في ضوء تلك الظروف.
• عرض تجربة الإمام الجواد عليه السلامفي مواجهة تحديات عصره، وإثبات كفاءته العلمية رغم حداثة سنّه.
• المقارنة بين الإمامة المبكرة في التجربة الإسلامية وتجارب الأمم السابقة، وبخاصة تجربة النبي يحيى عليه السلام.
• مناقشة أثر هذه الإمامة في ترسيخ عقيدة الإمامة الإلهية، وتأهيل الشيعة لتقبّل إمامة الإمام
المهديعجل الله تعالى فرجه الشريف في سن مبكرة وظرف غيبي.
• إبراز البُعد الإلهي في حفظ خط الإمامة من خلال ظاهرة النص والوصية والعلم الموروث في الأئمة الاثني عشر عليهم السلام.
إن دراسة هذه الظاهرة تفتح أفقًا لفهم أعمق للعلاقة بين السن والعلم، وبين الظاهر والباطن، وتعيد التأكيد على أن الإمامة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام إنما هي عهد إلهي، لا يخضع لحسابات السياسة ولا لمعايير الوراثة القبلية، بل تقوم على الاصطفاء، والتمكين بالعلم، والوصية النبوية.
د. السيد حسين البدري
مسؤول وحدة الأبحاث والإصدارات في مركز فجر عاشوراء الثقافي
29 ذو القعدة 1446 هـ
الموافق لـ 27/5 / 2025
قم المقدسة
ظاهرة الإمامة المبكرة في تاريخ الإسلام ومصداقها الأول الإمام الجواد عليه السلام
ما هي الإمامة الدينية المبكرة؟ ومن هو اول مصداق لها في التاريخ الإسلامي ؟
الإمامة الدينية المبكرة هو التقدم على الناس في الفكر الديني بكل جوانبه من موقع سن مبكرة /دون العاشرة/، وكان محمد بن علي الملقب بالجواد عليه السلام أول مصداق لها، فقد أجمعت مصادر تراث الشيعة على ان محمد بن علي الملقب بالجواد عليه السلام قد تصدى لمقام آبائه في الإمامة الدينية الإلهية وهو بعمر لم يتم السنة الثامنة، وانصاع له شيعة آبائه وفيهم كبار السن الذين أدركوا الإمام الصادق عليه السلام جد أبيه ورووا عنه وأدركوا جده الإمام الكاظم عليه السلام ورووا
عنه إضافة إلى وجوه أصحاب أبيه (1). وروى أصحاب
(1) وممن عثرنا عليه منهم أسماء (سبع وأربعين) راوٍ، منهم ثمانية ممن ادرك الإمام الصادق وروى عنه فضلا عن روايتهم عن جده الكاظم وابيه الرضا ع وصاروا من أصحابه والرواة عنه، وهم: إبراهيم بن أبي البلاد، وإسماعيل بن مهران السكوني وزكريا بن ادم الاشعري القمي، وعبد الله بن خداش البصري، وعلي بن جعفر عم أبيه الذي كان يعظمه بشكل خاص وعلي بن حسان، ومحمد بن الفضيل الازدي الكوفي المشهور بالازرق، ومحمد بن صدقة من علماء الفطحية ومحدِّثيهم (وستة عشر) من أصحاب جده الكاظم ورووا عنه وعن أبيه الرضا، وهم احمد البزنطي كان من الواقفة ثم تاب، والحسن ين محبوب السراد احد الاركان الأربعة للشيعة في زمانه، والحسين وقيل الحسن بن محمد الاشعري القمي، وخلف بن سلمة البصري وصفوان بن يحيى احد أصحاب الاجماع، وعبد الرحمن بن أبي نجران، وعبد الله بن الكاظم عم الجواد ع، وعثمان بن عيسى كان واقفيا ثم تاب وعلي بن يحيى، ومحمد بن الحسن المعروف ب شنبولة، ومحمد بن الحسن بن شمون، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، والبرقي محمد بن خالد، ومحمد بن سنان ومعاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الدهني، ويعقوب بن يزيد السلمي الانباري، و(ثلاث وعشرون) من وجوه أصحاب أبيه الذين رووا عنه ثم صاروا من أصحابه وهم: إبراهيم بن هاشم أبو علي بن إبراهيم اعظم مشايخ الكليني في الكافي. وايوب بن نوح، الحسن أو الحسين بن اسد البصري، الحضيني حمران بن إبراهيم، خيران من خدام الرضا عليه السلام، الصرمي، الريان بن شبيب، العباس بن معروف، عبد الله بن الصلت، الحضيني الاهوازي عبد الله بن محمد ، علي بن بلال البغدادي، علي بن عاصم الكوفي، عمران الاشعري، أبو الفضل الخراساني، القاسم الصيقل، محمد بن سهل بن اليسع الاشعري القمي محمد بن عيسى الاشعري القمي وجه الاشعريين في قم، محمد بن عيسى اليقطيني، محمد بن الفرج الرخجي محمد بن يونس بن عبد الرحمن، موسى بن عمران بن بزيع البجلي الكوفي، موسى بن القاسم البجلي، ويذكر التاريخ ان جمهور الشيعة بعد الإمام الكاظم عليه السلام الذين اعتقدوا إمامة ولده الرضا عليه السلام، قد اجمعوا على إمامة ولده الجواد عليه السلام (انظر ترجمتهم في كتب رجال الشيعة، ومن المعاصرين الشيخ عبد الحسين الشبستري ممن افرد كتابا في أصحاب الجواد بعنوان: ( سبل الرشاد في أصحاب الإمام الجواد عليه السلام .)
السير انَّ المأمون قد جمع للإمام الجواد عليه السلام وهو بتلك السن المبكرة علماء عصره وسالوه اختبارا عن اعقد المسائل الفقهية فأجاب عنها بما ابهر العقول (1)، كما ابهر المعتصم وعلماء بلاطه بعد وفاة المأمون (2).
(1) : قال المأمون: يا يحيى سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه. فقال يحيى: يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا ؟ فقال أبو جعفر ( عليه السلام): قتله في حل أوفي حرم ؟ عالما أو جاهلا ؟ عمدا أو خطأ ؟ عبدا أو حرا، صغيرا أو كبيرا مبدئا أو معيدا ؟ من ذوات الطير أو من غيرها ؟ من صغار الصيد أو من كبارها؟ مصرا عليها أو نادما ؟ بالليل في وكرها أو بالنهار عيانا ؟ محرما للحج أو للعمرة ؟ ، قال الراوي: فانقطع يحيى بن أكثم انقطاعا لم يخف على أهل المجلس، وكثر من الناس تعجبهم من جوابه ع. (تفسير علي بن إبراهيم). ويحيى السائل للإمام عليه السلام هو يحيى بن اكثم احد القضاة المقربين عند المأمون ومن أبرز تلامذته الذين رووا عنه علي بن المديني إمام المحدِّثين في عصره، ومحمد بن إسماعيل البخاري صاحب «الجامع الصحيح» وأبو حاتم الرازي المحدِّث وغيرهم.
(2) عن زرقان صاحب ابن أبي دواد وصديقه قال: رجع ابن أبي دواد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أني قدمت منذ عشرين سنة. قال: قلت له: ولم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الأسود (يريد أبا جعفر محمد بن علي بن موسى) اليوم بين يدي أمير المؤمنين. قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: إن سارقًا أقر على نفسه بالسرقة، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي، فسألنا عن القطع: في أي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع. قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع والكف إلى الكرسوع، لقول الله في التيمم: «فامسحوا بوجوهكم وأيديكم». واتفق معي ذلك قوم. وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق. قال: وما الدليل على ذلك؟ قالوا: لأن الله لما قال: «وأيديكم إلى المرافق» في الغسل دل ذلك على أن حد اليد هو المرفق. قال: فالتفت إلى محمد بن علي فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين. قال: دعني مما تكلموا به! أي شيء عندك؟ قال: أعفني عن هذا يا أمير المؤمنين. قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه. فقال: أما إذ أقسمت عليَّ بالله إني أقول إنهم أخطأوا فيه السنة، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكف. قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله: السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها. وقال الله تبارك وتعالى: «وأن المساجد لله» يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها «فلا تدعوا مع الله أحدًا». وما كان لله لم يقطع. قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف. قال ابن أبي دواد: قامت قيامتي وتمنيت أني لم أكُ حيًا. قال زرقان: قال ابن أبي دواد: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت: إن نصيحة أمير المؤمنين عليَّ واجبة وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار. قال: وما هو؟ قلت: جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقواده ووزراؤه وكتابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته، ويدَّعون أنه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء؟! قال: فتغير لونه وانتبه لما نبهته له، وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيرًا. (قال الراوي): وكانت سببًا في تدبير المعتصم أن يدس السم للإمام الجواد عليه السلام.
أقول (وابن أبي داود هو أحمد بن أبي داود القاضي. كان قاضيًا ببغداد في عهد المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل، وفُلِجَ في سنة 233 هـ (أي بعد وفاة الإمام الجواد بثلاث عشرة سنة) وسُخِطَ عليه المتوكل وعلى ولده أبي الوليد محمد بن أحمد، وكان على القضاء فأُخذ من أبي الوليد محمد بن أحمد مائة وعشرين ألف دينار وجوهرًا بأربعين ألف دينار مصادرة، وسُيِّرَ إلى بغداد من سامراء وكانت وفاته في سنة 240 الهجرية. قال الفيروز آبادي: زُرقان كعثمان لقب أبي جعفر الزيات المحدث. ووالد عمرو شيخ للأصمعي. ولعل الأول هو الذي كان صاحب ابن أبي دواد. (والكرسوع: كعصفور: طرف الزند الذي يلي الخنصر الناتئ عند الرسغ).
اما علماء العامة فان اقدمهم أبو الحسن الاشعري توفي 324 هجرية) في كتابه (المقالات والفرق) قد ذكر الإمام الجواد ع ضمن عقيدة الشيعة في الاثني عشر قال: فالفرقة الأولى منهم وهم القطعية وانما سموا قطعية لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر بن محمد بن علي وهم جمهور الشيعة يزعمون: ان النبي صلى الله عليه وآله نص على إمامة على بن أبي طالب واستخلفه بعده بعينه واسمه. ثم قال (لما وصل إلى الرضا عليه السلام: وان عليَّ بن موسى عليه السلام نص على إمامة ابنه محمد بن على بن موسى عليه السلام. وقد ترجم له الذهبي ضمن عنوان (آباء المنتظر) قال: وابنه (أي ابن الرضا) محمد الجواد عليه السلام قال الذهبي عنه: هو من سادة قومه، لم يبلغ رتبة آبائه في العلم، والفقه.
وهناك من ترجم له ترجمة عابرة كما نجد ذلك في كتاب (وفيات الأعيان) لابن خلكان قال: محمد الجواد أبو جعفر محمد بن علي الرضا بن موسى
الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر المعروف بالجواد أحد الأئمة الاثني عشر قدم إلى بغداد وافدا على المعتصم فتوفي بها وله حكايات وأخبار كثيرة،
ولم يذكر هؤلاء تصديه للإمامة بعمر مبكر مع انهم يذكرون انه ولد سنة 195هـ وتوفي سنة 220هـ وهم يعلمون ان إمامة اللاحق عند الشيعة تبدأ بعد وفاة الإمام السابق وان أباه الإمام الرضا عليه السلام توفي مسموما سنة 203هـ. بل هناك من أَسَفَّ في قوله في ولد الإمام علي الرضا فاسقط عدالة وُلدِه قال ابن حبان في ترجمة (الرضا عليه السلام) يحتج بغير رواية أولاده عنه (1).
(1) انظر كتاب الثقات لابن حبان ترجمة علي بن موسى الرضا قال: من سادات أهل البيت وعقلائهم وجِلة الهاشميين ونبلائهم يجب أن يعتبر حديثه إذا روى عنه غير أولاده وشيعته وأبى الصلت خاصة فان الاخبار التي رويت عنه بواطيل إنما الذنب فيها لأبي الصلت ولأولاده وشيعته لأنه في نفسه كان أجل من أن يكذب. ويتضح من كلامه اسقاط عدالة الإمام الجواد عليه السلام فان الرضا عليه السلام ليس له غيره والجواد عليه السلام ليس له غير الهادي عليه السلام وهؤلاء اشتهر عنهم لقب ( ابن الرضا) أقول وابن حبان هذا قد اسقط عدالة الإمام الكاظم عليه السلام حين ترجم للإمام جعفر الصادق عليه السلام وقال قوله نفسه الذي ذكره عن الإمام الرضا عليه السلام!!!.
ما هي الخلفيات السياسية والفكرية التي ظهرت فيها الإمامة الدينية المبكرة للإمام الجواد عليه السلام؟
لا يختلف احد من الشيعة ان الإمامة الدينية المبكرة للجواد قد كانت بعد وفاة أبيه الرضا عليه السلام بالسُّم الذي دسّه له المأمون (1) وان إمامته كانت اعظم بركة على الشيعة، وهذه البركة فسرها الإمام الرضا عليه السلام بان الله تعالى يفرق بين الحق والباطل، وتحليلنا: ان هذا الباطل كان قد نشأ بفعل ولاية العهد كما بينّا آنفا انَّ فيها إيجابيات عظيمة تحققت في حياة الإمام الرضا عليه السلام وسلبيات عظيمة تستحكم بعد
(1) ذكر االذهبي في كتابه (سير اعلام النبلاء) في ترجمة علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: كبير الشأن، له علم وبيان، ووقع في النفوس، صيَّره المأمون ولي عهده لجلالته، فتوفي سنة ثلاث ومئتين، أقول: ولم يذكر قضية السُّم، نعم ذكرها ابن حبان في كتابه الثقاة في ترجمة علي بن موسى الرضا عليه السلام قال ومات علي بن موسى الرضا عليه السلام بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته وذلك في يوم السبت آخر يوم سنة ثلاث ومائتين وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد قد زرته مرارا كثيرة وما حلَّت بي شِدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عنى إلا أُستجيب لي وزالت عنى تلك الشدة، وهذا شئ جربته مرارا فوجدته كذلك أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وسلم الله عليه وعليهم أجمعين!!!.
وفاته وسيأتي توضيحها، وان السلبيات المستحكمة ترتفع عن الشيعة بتصدي الجواد للإمامة المبكرة، وما عن أمره؟ تصدى الإمام الجواد عليه السلام للإمامة بهذا السن المبكر بل هي وصية من النبي صلى الله عليه وآله بأمر الله تعالى، وكلُّ الأئمة هم أوصياء للنبي صلى الله عليه وآله وأفعالهم معهودة من الله تعالى (1).
ما هي أهداف الخليفة المأمون من وراء تغيير سياسة آبائه إزاء الأئمة من آل البيت عليهم السلام؟
هل هي عقيدة التشيع التي آمن بها المأمون كما يدعيه البعض ؟ أو المكر والدهاء الذي ورثه المأمون عن جده المنصور لمعالجة مشكلات كادت تطيح بالدول العباسية فانقذها المأمون بولاية العهد ؟.
احتمالان:
ليس من شك ان الاحتمال الاول وهو القول بشيعية المأمون وأنّهاَ دفعته إلى تولية الرضا عليه السلام العهد هو قول مجانب للصواب تماما لا يصدر الا من باحث جاهل بخلفية الصراع بين العباسيين
والعلويين، والاحتمال الثاني هو الصحيح. فقد كان المأمون وهو ابن 31 -35سنة يعيش في وضع لا يحسد عليه وكادت دولة آبائه تنهار تحت ضربات الثوار من العلويين ومن غيرهم، مضافا إلى ذلك فقد استهدف المأمون من ولاية العهد ان يطوق الإمامة الإلهية لأهل البيت بطوق لا يكسر أبدا في تقديره، وهو ان الإمام الرضا عليه السلام وكان ابن إحدى أو خمس وثلاثين سنة حين يقبل بولاية العهد فذلك معناه ان اصل الخلاف بين العباسيين وأهل البيت قد كان حول الحكم، وفي خطة المأمون الماكرة ان يقضي على الإمام الرضا بالسم، ولم تكن له عليه السلام ذرية آنذاك غير الجواد عليه السلام وهو لم يتم الثامنة ولم يكن في خلدهم ان يتصدى للإمامة بهذا العمر، فيكون ذلك شاهدا على ان الله تعالى قد اختار العباسيين للإمامة، فكانت خطة ولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام اخطر الخطط في مواجهة أهل البيت عليهم السلام التي سجلتها الخلافة العباسية بعد خطة الخليفة المنصور التي استهدفت وضع الحديث الكاذب لتطويق فكرة الإمامة بالوصية وأنها من ابتكار يهودي اسلم، وكلا الخطتين بعضهما من
بعض، أحبطها الله بالإمامة المبكرة للجواد عليه السلام كما سيأتي.
ما هي طريقة تفكير الإمام الرضا عليه السلام بولاية العهد التي عرضها المأمون ؟
كان لولاية العهد التي عرضت على الإمام الرضا عليه السلام وجهان: احدهما سلبي والأخر إيجابي، اما الوجه السلبي فهو يرتبط بهدفي المأمون الآنفي الذكر وهذا الوجه يدعو الإمام الرضا ع إلى الرفض القاطع، اما الوجه الإيجابي فهو يرتبط بقضيتين هما القضية الأولى: أمان شيعة الإمام الصادق عليه السلام ووقف الملاحقة لهم وتصفيتهم، والاعتراف الرسمي بالمذهب الجعفري في كل أنحاء الدولة العباسية، القضية الثانية: رفع التهمة عن الإمام الصادق عليه السلام بانه كذاب فيما يرتبط بالجفر والجامعة الكتابين اللذين يميِّزان التشيع على غيره من المذاهب. وكلا هاتين القضيتين يمكن ان يحققهما الإمام الرضا عليه السلام عن طريق ولاية العهد فوقف الملاحقة وأمان الشيعة والاعتراف الرسمي بالمذهب نتيجة طبيعية لقبوله ولاية العهد، والثاني حققه الإمام الرضا عليه السلام بالإشارة إليه كتبيا في وثيقة
العهد، وقد وافق المأمون على هذا الشرط /بل هو ما يريده إذ لم يكن جادا في تسليم السلطة من بعده إلى خصومه وخصوم آبائه الفكريين والسياسيين /.
وفي ضوء ذلك كان المرجَّح عند الإمام هو قبول ولاية العهد بشرطه الذي اشترطه بانه لا يتدخل في أمور الحكم إبراما ونقضا ونبوءته التي اعلنها: «انِّ الأمر لا يتم وانه عليه السلام سوف يموت قبل المأمون في ضوء الجفر والجامعة إملاء النبي وخط علي بيده». ولا ننسى ان قبول الإمام ولاية العهد وصية من الله تعالى، بواسطة رسوله صلى الله عليه وآله.
وتحقق كلا الأمرين الإيجابيين بولاية العهد:
فقد عاش الشيعة في ظل دولة المأمون بعد ولاية العهد الأمان 201هـ والاعتراف الرسمي بهم إلى سنة 260 هـ امنين ظاهرين بل استمرت في عصر الغيبة الصغرى بل إلى مجئ السلاجقة سنة 448هـ يعني ماتين سنة من امان الشيعة في الدولة والمجتمع آنذاك بخصوصية مرجعيتهم
الدينية الأئمة المبكرين الجواد والهادي عليهم السلام (1). وهذا بخلاف وضعهم منذ أخريات أيام الإمام الصادق عليه السلام ولعله من سنة 140هـ أيام الخليفة أبي جعفر المنصور كانوا يعيشون ملاحقة شديدة ذكرنا شيئا من تفاصيلها في بحثنا عن شهادة الإمام الكاظم عليه السلام.
اما الإمام الصادق عليه السلام فقد اعيد اعتباره ووثاقته واعتبرت كلمة يحيى بن سعيد القطان فيه زلقة تجاوزها العلماء كما يقول الذهبي في ترجمته، وكذلك أمر الجفر والجامعة فقد انتشر خبرهما في المصادر العامية فقد ذكرهما المير سيد علي بن محمد الحنفي الاسترابادي ت 816هـ في شرحه على مواقف القاضي عضد الايجي ت 756هـ حين ذكر الجفر والجامعة وما كتبه الإمام الرضا ع على وثيقة ولاية العهد. وكذلك طاش كبرى زاده المولى احمد بن مصطفى ت 962هـ في كتابه (مفتاح السعادة
ومصباح الزيادة) وغيرهم (1).
هل هناك تجربة في الأمم الماضية قبل الإسلام مماثلة لإمامه الجواد عليه السلام المبكرة في خلفياتها ونتائجها ؟
قص القران علينا قصة النبي زكريا عليه السلام وخوفه على الإمامة الدينية من ولد عمه العمرانيين(2) الذين كانوا ينافسونه فيها، فحين يموت زكريا وليس له ولد سوف تستحكم شبهة ولد عمه العمرانيين لوحدة النسب بأنهم أهل للإمامة، وقد حفظت نبوة يحيى عليه السلام وإمامته المبكرة خط آبائه وتميزوا في دولة العمارنة بانهم اتباع يحيى الصبي ﴿يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾12 مريم/12، وبعث الله عيسى عليه السلام من وسط المؤمنين بزكريا ويحيى عليهم السلام المحاصرين من العمرانيين جماعة السنهدرين المتحالفين مع الحاكم هيرودوت عميل الرومانيين، قال تعالى ﴿كهيعص 1 ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا 2 إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا 3 قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ
الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا 4 وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا 5 يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا 6 يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا 7… 11 يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا 12 وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا 13 وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا 14 وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا 15﴾ مريم/1ـ15.
الموالي: الذين خاف منهم زكريا عليه السلام هم أولاد عمه العمرانيون نصبوا من انفسهم كهنة وأئمة أمام زكريا وآبائه فأصلح الله له زوجه ورزقه بيحيي عليه السلام وآتاه النبوة وهو صبي.
ان الصبا مرحلة لا تسمح لصاحبها ان يتصدى لتعليم الكبار وهي قضية من البديهيات (1). إلا إذا جعله الله نبيا وإماما، وهو يؤتي العلم والحكم من هو في سنة الصبا أو في سن الرُّجوله لا فرق عنده بوصفه الخالق القادر على كل شيء. وما في القران عن يحيى عليه السلام مخالف لما يقوله المسيحيون
في موسوعاتهم من انه ولد سنة 5م وبدا بالتبشير سنة 26م (1)فهو في هذا العمر ليس صبيا، والقرآن ينص انه أوتي الحكم صبيا أي في سن قبل الاحتلام وابرز حالات الصبا هي دون العاشرة لأنها مرحلة التعلم، ولا يرتقب في حقه ان يكون معلما إلا إذا جعله الله نبيا وإماما بذلك العمر.
وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ: أي ان سيرته هي الثبات على خط والديه زكريا ويعقوب عليهما السلام. لقوله يرثني ويرث من آل يعقوب .
وقوله (كهيعص) يشير إلى نبوءة قرآنية: فان مجموع حروفها بحساب أبحد = 195، فإذا حسبناه من الهجرة كان لدينا (195هـ) وهي سنة ولادة الجواد عليه السلام، واذا حسبناها من سنة قتل الحسين عليه السلام كان لدينا 256هـ سنة ولادة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وكأن القرآن يريد ان يقول لنا ان الأمة بعد محمد صلى الله عليه وآله إذا بلغت هذين التاريخين سيقع فيها ما يماثل قصة زكريا ويحيي عليهم السلام بخلفيتها الفكرية والسياسية، ويماثل قصة عيسى عليه السلام، وان
الأمة ستكذب الجواد ويتخلص منه طاغية زمانه بالسم، ويحاول قتل المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من ذريته كما كذبت أمة موسى يحيى وقتله طاغية زمانه وحاولوا قتل المسيح فأنجاه الله تعالى، قال تعالى ﴿فَاخْتَلَفَ الأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ 37 أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 38 وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ 39 إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ ﴾40 مريم/37ـ40، يحذر الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وآله من يوم ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وظهور عيسى في آخر الزمان، وهو يوم الحسرة، وقد فصلنا البحث في تفسير قوله تعالى في سورة الإسراء (وان عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا).
هل تمتاز تجربة إمامة الجواد عليه السلام عن نظيرتها في الأمم السابقة بشيء إضافي ؟
يمتاز الجواد عليه السلام على نظيره يحيى عليه السلام في بني إسرائيل بأمرين:
الأمر الأول: رزق الله الجواد عليه السلام بولد نظير له في الإمامة المبكرة امتدت به فقد توفي الجواد عليه السلام ولم يتم ابنه الهادي عليه السلام سنته الثامنة فتصدى للإمامة
الدينية بعد أبيه عليه السلام.
الأمر الثاني: جعل المهدي عجل الله فرجه الشريف نظير عيسى عليه السلام من ذرية الحسن العسكري عليه السلام حفيد الجواد عليه السلام.
كيف حطمت إمامة الجواد المبكرة إمامة بني العباس وأبرزت من جديد الإمامة الهادية لأهل البيت عليهم السلام؟
كانت الإمامة المبكرة للجواد عليه السلام هي الصخرة التي تحطمت عندها إمامة العباسيين الدينية التي انتحلوها كذبا وأسسها لهم جدهم الحاسد الحاقد (محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عم النبي صلى الله عليه وآله، كما كانت نبوة يحيى عليه السلام المبكرة وإمامته الهادية التي ورث بها تراث ال يعقوب الصخرة التي تحطمت عليها إمامة خصومه من أبناء عمه العمارنة الإسرائيليين التي أسسها لهم احد احفاد (يهوصاداق) ابن عم عزير النبي وكلاهما من ذرية عمران أبي موسى وهارون عليهما السلام، وكما ان العمارنة لم تزدهم النبوة المبكرة ليحيى عليه السلام إلا عتوا كذلك العباسيون الهاشميون لم تزدهم إمامة الجواد عليه السلام ولا ولده الهادي عليه السلام /نسخة طبق الأصل منه حتى في اللون/ الا عتوا وحسدا حين اقدموا على دس
السم للجواد عليه السلام ولابنه كما دسوا السم لابيهم وجدهم الرضا عليه السلام ولم يؤمنوا بهم واضلوا الناس عنهم.
الإمامة الإلهية عند أهل البيت عليهم السلام شرطها العلم والعصمة والوصية
ان الإمامة الإلهية الهادية عند العباسيين تقوم على فكرة ان الإمامة تورث من الأقربين مثل ارث المال، وأضاف أهل البيت عليهم السلام شرط العصمة والوصية ومواريث العلم المكتوبة، وقال أهل البيت ان النبي صلى الله عليه وآله قرن أهل بيته بكتاب الله ثم جاءت الرواية لتؤكد على اثني عشر وجاءت الوصية لتفرزهم بأسمائهم، أولهم وعظيمهم علي وهو الذي كتاب الصحيفة الجامعة في الفقه وصحف أخرى في الملاحم عرفت بصحيفة الجفر الأحمر، بإملاء النبي صلى الله عليه وآله، كان ثانيهم هو الحسن عليه السلام ثم ثالثهم الحسين عليه السلام ثم تسعة من ذرية الحسين عليه السلام، واستأمنها الحسين في خروجه عند أم سلمة، وسلمتها بعد قتل الحسين إلى علي بن الحسين عليه السلام بوصية من الحسين عليه السلام، ثم أورثها
علي بن الحسين عليه السلام إلى ولده محمد الباقر عليه السلام على مرأى ومشهد من إخوته وممن حضر من بني هاشم حين حضره الموت، ثم أورثها جعفر بن محمد صلى الله عليه وآله ولده موسى الكاظم عليه السلام وكان الأمام جعفر الصادق عليهم السلام يقول «أترون ان الموصي منا يوصي إلى من احب بل هو عهد معهود من رسول الله إلى رجل فرجل» واشتهر خبرها في المجتمع عنه، واظهر يحيي بن سعيد القطان تشكيكه في صدق دعوى الإمام الصادق عليه السلام بها، ثم أورثها موسى الكاظم ولده علي الرضا عليه السلام ثم اظهر الرضا عليه السلام خبرها بشكل أوسع حين سجل على وثيقة العهد ان الجفر والجامعة يدلان على ان الأمر (أي امر خلافة الرضا عن المأمون) لا يتم. ثم أورثها الإمام الرضا عليه السلام ولده الجواد عليه السلام ثم أورثها ولده عليا الهادي عليه السلام ثم أورثها علي الهادي ولده الحسن العسكري عليه السلام ثم أورثها ولده المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي سيظهرهما عند ظهوره إلى الملا العالمي العام.
انكر العباسيون الوصية الخاصة التي ادعاها أهل البيت عليهم السلام لأنفسهم، وقال أعلامهم أنها من وضع ابن سبأ اليهودي الذي اظهر إسلامه زمن
عثمان وأسسا حزبا انظم إليه أبو ذر وعمار وغيرهم من الصحابة من شيعة علي عليه السلام.
لقد ارتكزت فكرة الإمامة عند العباسيين على ان العباس قد ورث النبي صلى الله عليه وآله وهو مقدم على ابن العم، ومقدم على البنت بفكرة توريث العَصَبة مع البنت، وعصبة رسول الله صلى الله عليه وآله هم العباس عم النبي يرث النبي صلى الله عليه وآله مع ابنته فاطمة عليها السلام، ولما كانت الإمامة مما تورث وهي لا تجوز للنساء فتنحصر الوراثة بالعباس وولده. لذلك قال المنصور في رسالته الجوابية إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن المجتبى:
(ولكنكم بنو ابنته، وانها لقرابة قريبة، ولكنها لا تحوز الميراث، ولا ترث الولاية، ولا تجوز لها الإمامة، فكيف تورث بها! ).
وقال ابن المعتز و(ريث آبائه العباسيين القتلة):
ونحن ورثنا ثياب النبي
فلِمْ تجذبون بأهدابها
لكم رحِمٌ يا بني بنته
ولكن بنو العم أولى بها
ان الإمامة التي يرفع شعارها أهل البيت عليهم السلام
من ذرية الحسين عليه السلام بدءا من زين العابدين ثم الباقر ثم الصادق ثم الكاظم ثم الرضا عليهم السلام هي إمامة دينية شعارها العلم المورث من النبي صلى الله عليه وآله المكتوب في الصحيفة الجامعة والجفر والأحمر، والوصية لتشخيص من تنتهي إليه ممن اصطفاه الله بالإمامة من ذرية علي عليهم السلام، لقد تأكدت إمامة الجواد عليه السلام المبكرة بنص الإمام الرضا عليه السلام ان الإمام من بعده هو ابنه محمد الجواد عليه السلام وليس له ولد غيره، نظير النبي يحيى عليه السلام في الحجة وقد قال الله تعالى عنه ﴿يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا 12﴾ مريم/12، وقد تصدى الجواد عليه السلام وهو صبي لمقام الإمامة الإلهية وهو امر ليس له سابقة في المجتمع الإسلامي، وامتحن المأمون الجواد عليه السلام حين جمعه مع علماء عصره، وأجاب على اسئلتهم بما ابهر العقول، وأزاح اللبس عن موضوع الإمامة الإلهية الهادية لأهل البيت عليهم السلام أنها أمر الهي لان الذي برز به الإمام الجواد عليه السلام.
ما هي النتائج الإيجابية التي حققتها الإمامة المبكرة من خلال مصداقيها الجواد والهادي عليهم السلام وقد استمرت مدة احدى وخمسين سنة ؟
حققت الإمامة المبكرة للجواد وولده الهادي عليهما السلام التي استغرقت إحدى وخمسين سنة نتيجتين مهمتين على الصعيد الشيعي:
النتيجة الأولى: كسر الشبهة المستحكمة ويشير اليها الإمام الرضا عليه السلام بقوله في ولده الجواد عليه السلام انه (المولود الذي لم يولد في الإسلام مثله مولود أعظم بركة على الشيعة منه) فما هي هذه البركة التي ميزته عن أسلافه الأئمة عليهم السلام إذ كل واحد منهم له بركة على الشيعة ؟
وتوضيحها في أمور:
الأول: ان تصدي الإمام الجواد أمر مرتبط بوفاة الإمام الرضا عليه السلام فلا بد ان يموت وعمر الإمام الجواد عليه السلام دون العاشرة ليتصدى للإمامة الدينية وزعامة مذهب آبائه. وهذا الأمر مرتبط بالله تعالى مباشرة لانه هو الذي يحيي ويميت، وقد قدر الله تعالى موت الرضا عليه السلام في ذلك الوقت الذي كان
عمر الجواد عليه السلام دون العاشرة، ومن ذلك يتبين ان تصدي الجواد للإمامة بعمر مبكر هو امر الهي. وليس للإمام الرضا والجواد عليهم السلام يد فيه،
الثاني: ان الإمامة الإلهية بعد النبي صلى الله عليه وآله محصورة باثني عشر مسمَّيْن من رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد أُثِر عن الإمام الصادق عليه السلام قوله «أترون ان الموصي منا يوصي إلى من احب بل هو عهد معهود إلى رجل فرجل».(1)
الثالث: ان الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله مرتبطة بالرسالة وحفظها من التحريف تدخل تحت قوله تعالى (فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين).
الرابع: ان هؤلاء الأئمة عليهم السلام محدَّثون نظير طالوت، وكون الإنسان محدَّث من قبل الملائكة تساوق كونه منبأ من الله، فهذا نبي الله، وذلك محدث من الملائكة بالعلم بأمر الله. مضافا إلى ذلك فهم ورثة العلم الذي أملاه النبي صلى الله عليه وآله على أولهم علي ، والوراثة ليست كما يحب الإمام السابق بل
هي وصية من رسول إلى رجل فرجل.
الخامس: قد استحكمت شبهة في المجتمع مفادها ان الإمامة في العلماء من أهل بيت النبي وهم بنو العباس وعلي وبنوه ومن يحمل السيف منهم سواء كان هو الأصل أو ولي عهده، وقد يسشهد كالحسين وزيد وغيرهما، وقد ينتصر كعلي والخلفاء العباسيين.
وهنا يأتي دور الإمام الجواد عليه السلام ليرفع هذه الشبهة المستحكمة التي أحاطت بالإمامة الإلهية ويفضح الخطة العباسية ليقول لهم عمليا بان الإمامة الدينية الهادية بعد النبي صلى الله عليه وآله لا ترتبط بالسيف أساسا، بل ترتبط بالعلم والوصية، والعلم يؤتيه الله لمن يشاء ويحتج به فقد يؤتيه لمن هو في سنة الأربعين وقد يأتيه الله لمن هو صبي. وهذه هي بركة الإمام الجواد عليه السلام على الشيعة حين انقذ الإمامة الإلهية من المكر العباسي المستحكِم بولاية العهد وموت الرضا عليه السلام قبل ان يكون خليفة فعلا، والناس يفكرون في مثال المأمون والرضا ع ان كليهما كان عالما تكفل ابو كل واحد منهما بتعليمه من خلال معلمين، ولكن حين يتصدى للإمامة مثل الجواد عليه السلام بعمر دون
العاشرة يتبين ان الأمر في الإمامة الإلهية الهادية أمر الهي مباشر و انه عهدٌ ووصيةٌ من النبي صلى الله عليه وآله وواقع محسوس لا يستطيع المأمون ومن معه من أصحاب المكر والدهاء من العباسيين وأنصارهم ان يعالجوه بتقديم صبي دون العاشرة كالجواد يجب على اعقد الأسئلة الفقهية والدينية.
النتيجة الثانية: تأهيل الشيعة ان يجتازوا أصعب امتحان تعرض عليه الجماعات والأمم وهو الإيمان بولي الله في غيبته الكبرى انه حي حتى يأذن الله بظهوره في آخر الزمان والسير على خطه وخط آبائه والمحافظة على تراثهم . فلولا الإمامة المبكرة للإمام الجواد عليه السلام والهادي وولادة ثلاثة أجيال في ظلها يؤمنون بها ويأخذون عنهما معالم الدين لما نجحوا في هذا الامتحان الصعب:
لان المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف فيه ثلاث جوانب هي:
الأول: السن المبكرة وقد عاشته الأجيال الثلاثة خمسين سنة، مع الجواد والهادي عليهم السلام
الثاني: الغيبة الصغرى وقد كان السفراء من تلك الأجيال ومن معمريهم.
الثالث: الغيبة الكبرى التي تزل فيها الأقدام
وتتحير فيها العقول، استطاعت الأجيال الشيعية الجديدة ان تثبت على الإيمان في الغيبة الكبرى جيلا بعد جيل فصارت عندهم /الغيبة الكبرى/ بمنزلة المشاهدة والحس. وتفصيله في البحث الاتي عن الغيبة الصغرى بحول الله،
خلاصة البحث
ان خلفيات الإمامة المبكرة للإمام الجواد عليه السلام وهي الإقامة الجبرية بقرب الخلافة كانت تدعو إلى ضرورة تحريرها من الاحتواء العباسي الماكر لها بولاية العهد المفروضة على الإمام الرضا عليه السلام، فكان المكر الإلهي من خلال مكرهم نفسه بان يدسوا السم للإمام الرضا عليه السلام وعُمر الجواد ثمان سنين وتفكيرهم ان الجواد عليه السلام وهو صبي ماذا عساه ان يفعل شيئا، وهو في عمره ذاك بحاجة إلى التعليم حتى يستوعب علوم آبائه، فقد وهب الله تعالى علوم الإمام للجواد عليه السلام وهو في تلك السن المبكرة ثم يدَّعي الإمامة بعد موت أبيه مباشرة ليفضح المأمون ويُحيي أمرَ أبيه الرضا عليه السلام وأمر آبائه في الإمامة الإلهية.
لقد ذهب مكرُ بني العباس وبقي اعترافُ
الحكم العباسي بالشيعة كمذهب لجعفر بن محمد الصادق عليه السلام في قبال المذاهب الأخرى ولا تستطيع السلطة ان تلاحق اتباعه ، وانتشر خبر الجفر والجامعة /تراث النبوة الذي كتبه علي عليه السلام بخط يده وإملاء النبي صلى الله عليه وآله من فِلق فيه.
ثم رزق الله الجواد بولده الهادي عليهم السلام على صورته اسمر شديد السمرة يرث منه الإمامة المبكرة وتوفي الهادي سنة 254هـ. وجعل المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الموعود في ذرية الجواد عليه السلام من ذرية حفيده الحسن العسكري عليه السلام.
تربى ثلاثة أجيال من الشيعة على ارتباطهم بالإمامة المبكرة خلال إمامة الجواد والهادي المبكرتين، وبذلك استعدوا لتقبل فكرة الإمامة المبكرة للمهدي ع في عصر الغيبة، وبخاصة وان النواب الأربعة للمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هم الجيل الأول الذي شهد إمامة الجواد عليه السلام المبكرة وهذا هو المكر الإلهي لنصر الحق وإزهاق الباطل بأروع صوره.
ثم كانت النبوءة القرآنية (كهيعص) المؤرخة التي تشير إلى التناظر بين زكريا ويحيى والرضا والجواد عليهم السلام.
وهكذا تحققت نبوءة الإمام الرضا عليه السلام بقوله (والله لا تمضي الأيام والليالي حتي يرزقني ولدا ذكرا يفرق به بين الحق والباطل وقوله عليه السلام : (هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مثله مولود أعظم بركة على شيعتنا منه). (يفرق به بين الحق والباطل). باعتبار ان المصداق الأول في الإمامة المبكرة هو الإمام الجواد عليه السلام.
والإمام الهادي عليه السلام هو امتداد لإمامة أبيه المبكرة إذ تبوأ الإمامة بعد أبيه وهو بعمر ست سنين.
تم بحمد الله
