هذا البحث ملخص عن البحث الذي اعد للمؤتمر الذي اقامته الهيئة العليا للحج والعمرة في مكة المكرمة سنة 2007 وقد تم نشر هذا الملخص ضمن فعاليات الموكب الذي اقامه مركز فجر عاشوراء الثقافي طريق النجف كربلاء في موسم زيارة الاربعين سنة 1437 ـ 2015هـ بالتعاون مع معهد علوم القرآن والحديث في الكرادة الشرقية التابع للعتبة الحسينية المقدسة.
يعتقد اتباع مدرسة اهل البيت (ع) انه “بُنيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسَةِ أَشياءَ عَلَى الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَالحَجِّ وَالصَّومِ وَالوَلايَةِ” وان “الوَلايَةُ أَفضَلُ لأَنَّها مِفتاحُهُنَّ وَالوالي هوَ الدَّليلُ عَلَيهِن” (الكافي ج2 ص18). وقد أرشد اهل البيت (ع) الى ان “من لم يعرف امرنا من القرآن لمن يتنكب الفتن” رواه البرقي في المحاسن عن الامام الصادق ج1 ص216.
السؤال هو: هل ان القرآن الكريم يدل على امامة اهل البيت (ع) من دون ضمه الى الحديث الشريف.
انطلاقا من هذه الفكرة قامت محاولة العلامة البدري لاستكشاف مداخل آيات مبحث الامامة من القرآن الكريم من دون ضمه الى الحديث الشريف، وتوصل الى ان هناك مداخل متنوعة في آيات شتى تترابط فيما بينها لبلورة امامة آل البيت (ع)، وذلك من خلال مفردات ومعان يُهيئ فيها المقطع للانتقال الى بقية المقاطع للحديث عن مفهوم وواقع الامامة الهادية في امة خاتم الرسل (ص)، وبمعرفة تلك المقاطع وضم بعضها الى بعض يتم اكتشاف النظام القرآني لمباحث الامامة. وقد القى العلامة البدري عشرات المحاضرات خلال اكثر من عشرين سنة لبيان نتائج ابحاثه وما توصل اليه في امر امامة اهل البيت (ع) من القرآن الكريم قبل ضمه الى الحديث.
ومن بحوثه في هذا الموضوع بحث بعنوان: “امامة اهل البيت (ع) في سورة الفاتحة”، حيث يرى ان سورة الفاتحة هي المفتاح الأساسي والطبيعي المعد اليها للانتقال الى بقية آيات الامامة في القرآن الكريم.
يمكنكم تصفح هذا البحث بهيئته (PDF) من هنا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
بسم الله: أي بعلو الله الرحمن الرحيم، أو بعلامته المميزة له عن خلقه، وهي علوّه عليهم وقهره لهم ﴿وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ…﴾ [الأنعام/61].ومتعلق الباء محذوف تقديره (إقرأ) خطابا للنبي.أي اقرأ يا محمد القرآنَ، كتابا محكما من لدن حكيم خبير، برهانا لك ولأوصيائك[1]ثم اقرأه يا محمد على الناس كتابا مفصّلاً (منجما) (على مكث); لنثبت به فؤادك، ولتعلمهم هدف الخلقة وطريق الوصول إليه ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات/56]، ﴿وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام/153].
الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
الحمد لله: أي المدح والثناءُ عليه بما أثنى به على نفسه، بأن نذكره بصفاته وأسمائه الحسنى، ﴿وَلِلهِ الأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ[2]فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف/180]، و(حمده) أيضا هو شكره على نعمه التي شملت كل خلقه كنعمة الرزق، أو اختصت المؤمنين كنعمة النجاة من الهلاك على يد الظالمين قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت/63]. وقال تعالى: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون/28].
الله: اسم علم للذات التي لها الأسماء الحسنى، وخلقت الخلق والإنسان، وقدرت مصير كل إنسان ومصير كل أمة، وبعثت الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزلت معهم الكتاب ليحكم بين الناس بالحق.
رب العالمين: العالمون جمع عالم وهو كل ما سوى الله تعالى وسمى بذلك؛ لأنه عَلَمٌ على وجوده، وجاءت اللفظة في القرآن بمعنى الناس، والرب هو المالك المصلح والمربي، وهكذا يكون (رب العالمين) معناها :مالك كل شئ من مفردات الوجود ومربيه ومتولي أمره والقائم عليه بما يصلحه، أو رب الناس أي مالكهم ومربيهم ومتولي أمرهم والقائم عليم بما يصلحهم.
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)
الرحمن الرحيم: مشتقان من الرحمة، وهي من المخلوق الرقة في القلب، ومن الخالق الإحسان، و(رحمن) على وزن فعلان يدل على الإمتلاء والسعة دون الثبات، وهي تقتضي سعة العطاء بلا شرط، (يا من يعطي من سأله ومن لم يسأله ومن لم يعرفه تحننا منه ورحمة) وتقتضي هذه الرحمة العامة بعثة الأنبياء والرسل ثم تعيين أوصيائهم لتبليع دين الله إلى البشر؛ لإقامة الحجة عليهم، و(رحيم) على وزن فعيل يدل على الثبات وهي تقتضي العطاء بشرط الإيمان به وبرسله وأوصيائهم. قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف/156].
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
مالك يوم الدين: المالك هو صاحب الملك والمتصرف فيه بالأمر والنهي وحده. والدين الجزاء و (يوم الدين) هو يوم الجزاء، وهو يوم يحشر الله الناس فيه جميعاً، لذلك قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ…﴾ [غافر/17]. ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ…﴾ [النور/25]. وفي هذا اليوم يكون الناس ثلاثة أزواج: قال تعالى:﴿وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الآْخِرِينَ (14)﴾ [الواقعة/7-14].
(السابقون) أي المتقدمون المقربون عند الله تعالى وهم أصحاب الشفاعة عنده، وهم أصحاب الأعراف يعرفون كلا بسيماهم، يُدخلون الجنة من عرفوه، ويدخلون النار من أنكروه.
و(أصحاب ميمنة) أي أصحاب يمن وسعاد، شفع لهم المقربون؛ لأنهم اقتدوا بهم في الدنيا.
و(أصحاب مشأمة) أي أصحاب شؤم؛ لأنهم لم يكونوا من المقتدين بالسابقين المقربين بل عملوا بأهوائهم أو اتبعوا أهواء غيرهم.
وقال تعالى: ﴿ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)﴾ [المدثر]، أي لم نك ممن يقفو أثر السابقين.
قال الجوهري في الصِّحاحِ: (المصلي) تالي (السابق). يقال: صلَّى الفرس، إذا جاء مصليا، وهو الذي يتلو السابق؛ لأن رأسه عند صلاه (مؤخرته) إذا جاءَ مُصَلِّياً.
وفي لسان العرب: تسمي العرب الفرسَ (السابقَ) بـ(المُجَلِّي) والثاني الذي يأتي مصليا بـ(المصلي). فقوله تعالى:﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ أي لم نك نقفو أثرَ السابقين المقربين فنقتدي بهم.
وقوله: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الآْخِرِينَ (14)﴾ أي جماعة من الأمم الأولى المحجوجة بكتب الأنبياء الأولين وهي (الصحف الأولى صحف آدم وإدريس ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى) وقليل من أمة محمد (ص) خاتم الأنبياء المحجوجون بالقرآن.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
إياك نعبد: العبادة الطاعة والخضوع، وهي تقتضي معبودا وهو الإله والمعنى نتخذك إلها وحدك لا شريك لك نتقرب إليه بالعبادات على طريقة محمد وأهل بيته ونطيع أوامرك ونواهيك بما بينوه من أحكام دينك.
وإياك نستعين: الإستعانة طلب العون[3].
إنّ قوله تعالى:﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ تفيد أنّ الإنسان عليه أن يطلب من الله تعالى أن يتولاه فيكون وكيله وحده لا شريك له؛ ليكفيه أمره فيما أهمَّهُ تكوينا، كما قال: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾، يقال: وكَّل فلانٌ فلاناً، إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته. وفي الحديث (لا تكلني إلى نفسي طرفة عين; فأهلك). وقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا…﴾ [الملك/29]. ﴿…وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ…﴾ [الطلاق/3].
ويكون معنى قوله:﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ يقتضي البراءة من الشرك في الالوهية; فنعبده وحده لا شريك له أي نتخذك الها وحدك لا شريك لك ،
إنّ قولنا: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ يقتضي البراءة من الأرباب الزائفة التي اتجه الإنسان إليها بالدعاء لتتولى أمره تكوينيا في قليل أو كثير، أي ندعوك وحدك لا شريك لك، فأنت تدبر أمورنا تكوينا (لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ﴾ [الزمر/36].
وقوله:﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، وهو إقرار من العبد كأنّه استجابة لقوله تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود/123]،
وقوله تعالى:﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ … إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وهي بلسان الحمد والإقرار كأنها استجابة لقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9) ﴾ [المزمل/8-9].
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
الهداية هنا بمعنى شرح الصدر والثبات على الأمر، كما في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلأِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ…﴾ [الأنعام/125]. اشرح صدرونا وثبتنا وأمتنا ونحن متبعين صراطك كما أمرت ﴿وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام/153].
وصراطُ الله هو دينه ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام/161]. ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر/99].
واليقين هو الموت.
فقوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أي اهدنا صراطك المستقيم، أي اشرح صدرنا لاتباع صراطك المستقيم، وثبّتنا وأمتنا عليه، أي ثبتنا وأمتنا على اتباع دينك الذي بينته ملّة إبراهيم الذي لم يكن مشركاً بل كان حنيفاً.
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
اتفق النحاة والمفسرون على أنّ لفظة (صراط) هنا هي بدل من الصراط المستقيم (بدل كل من كل)[4].
وجاء ببدل (كل من كل)؛ ليعطي فكرة: أنّ صراط الله المستقيم هو صراط الذين (أنعم الله عليهم) لا فرق، فمن قرر إطاعة واتباع وتولي الله وإطاعة واتباع وتولي رسوله بقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ فعليه أن يطيع ويتبع ويتولى (الذين أنعم الله عليهم) ويقتدي بهم؛ لأنّ صراطهم ودينهم هو صراط ودين رسوله وهو صراط الله تعالى ودينه. وليس من شك هي أغلى أمنية للمؤمن أن يتولى ويُطيع ويتبع أشخاصاً بعد النبي يُعتبر توليهم واتباعهم وإطاعتهم هو تولٍّ لله ولرسوله؛ ليفوز بشفاعتهم في الآخرة، ويفوز بالجنة ورضوان من الله أكبر.
وليس من شك فإنّ هؤلاء الأشخاص هم (السابقون) أي المقدَّمون في حَلَبَة السباق إلى الله تعالى وهم (المقرَّبون) أي الذين يستجيب الله دعاءهم وكلمتهم في غيرهم، أي جعل الله لهم الشفاعة في الآخرة، فمن استجاب لأمر الله تعالى فيهم واتبعهم شفعوا له وشفعّهم فيه، ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء/28]. وهؤلاء هم فئة ممن آمن بالله ورسوله محمد وليسوا كل أتباعه، سماهم القرآن بالصديقين والشهداء عند ربهم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ…﴾ [الحديد/19].
وهؤلاء هم الذين يرثون الأرض ﴿وَلَقَد كَتَبنا في الزَّبورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأرضَ يَرِثُها عِباديَ الصّالِحونَ﴾ [الأنبياء/105].
وهؤلاء هم المذكورون في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً﴾ [النساء/69].
فـ(الذين أنعم الله عليهم) فئتان:
الفئة الأولى: النبيون.
الفئة الثانية: الصديقون والشهداء والصالحون.
وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه أنّ هؤلاء الذين أنعم عليهم بقسميهم; أربعة بيوت منها بيت إبراهيم.
قال تعالى: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا﴾ [مريم/58].
فالآية تبين أنّ الذين أنعم الله عليهم صنفان: الأول النبيون، والثاني الذين هدى واجتبى (أي قرب) ولم يجعلهم أنبياء. وإنّ هذين الصنفين يوجدان في بيوتات أربعة بيت آدم وبيت نوح وبيت إبراهيم وبيت إسرائيل.
قوله: ﴿مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ﴾ هم الحجج التسعة من ذرية آدم، آخرهم نوح، بعضهم أنبياء ورسل وبعضم ممن هدى واجتبى ولم يجعل نبيا.
قوله: ﴿وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ﴾ أي ممن حملنا مع نوح من ذريته ومنهم سام، ولم يكن نبيّاً، ومنهم إبراهيم وهو نبي.
قوله: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ﴾ إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن يعقوب، والأنبياء من ذريته يوسف وموسى وهارون وداود وسليمان وغيرهم، وممن هدى واجتبى، ولم يجعلهم أنبياء بل جعلهم أئمة منهم طالوت وآل هارون.أما الذين أنعم الله عليهم من ذرية إبراهيم فهما النبيّان: إسماعيل ومحمد (ص)، وممن هدى واجتبى (أي قرَّب) ولم يجعله نبياً، بل جعله إماما أو مستجاب الدعاء والشفاعة. وهؤلاء هم آباء النبي (ص) من بعد إسماعيل إلى أبي طالب ومنهم علي وولداه وأمُّهما الصديقة فاطمة المشار إليهم في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ﴾ [آل عمران/61]. وقد أطبقت الروايات على أنهم علي وفاطمة والحسن والحسين وهم أهل بيت النبي المذكورون في قوله تعالى: ﴿…إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ [الأحزاب/33].
والخلاصة في قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ… (7)﴾ أي اشرح صدرونا لاتباع أهل بيت نبيك وأنلنا شفاعتهم.
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)
أي وجنبنا طريقة من غضبت عليه ممن حادَّ أهل بيت نبيك وأغضبهم وحاربهم، وعرض نفسه إماماً في قبالهم، وحذا في ذلك حذو من غضبت عليه من الأولين من بني إسرائيل.
ولا الضالين: أي وجنبنا طريقة من أعرض عن أهل بيت نبيك، فاتبع السبل وضلت به، وحذا حذو من ضلّ من الأولين ممن قالوا إنّا نصارى.
[1] يكون القرآن برهانا للنبي (ص) في نفسه; إذ يحس به انه القي عليه مرة واحدة، ثم فصِّل فنزل نجوما في عملية لا يملك ازاءها الا التلقي، وهو برهان عند الاخرين لانهم لا يملكون ازاءه الا الانبهار والعجز عن المجاراة والمعارضة; فلو كان جهدا بشريا كشعر الشاعر فان الشاعر يستطيع ان يجاري شاعرا آخر; فيعارضه في قصيدة ما من قصائده او كلها، وهو برهان لاوصياء النبي 9; لأنه يذكرهم باوصافهم ولا تنطبق الا عليهم،
[2] الإلحاد هو الميل والظلم وقوله: (يلحدون في أسمائه) أي يشركون مع الله آلهة أخرى فيصفونها بصفات الله.
[3] والعَوْنُ: الظَّهير على الأَمر، يقال أَعَنْتُه إعانة واسْتَعَنْتُه واستَعَنْتُ به فأَعانَني؟ والظهير هو العون يقال: اسْتَظَهْرَ به أَي استعان. وظَهَرْتُ عليه: أَعنته. وظَهَرَ عَليَّ: أَعانني؛ والتَّظاهُرُ: التعاوُن. وظاهَرَ فلان فلاناً: عاونه.
[4] بدل كل من كل: البدل المطابق للمبدل منه المساوي له في المعنى، كقولك: جاءني محمد أبو عبد الله، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ﴾.