الحسين (ع) وارث إبراهيم (ع)

الكاتب: العلامة المحقق السيد سامي البدري

نشر هذا المقال في: مجلة فجر عاشوراء الثقافي العدد 6و7

اختص الله تعالى إبراهيم(ع) من بين الأنبياء بان جعل له بيتا تستحب العبادة والبكاء عنده كما الدعاء عنده مستجاب، وقد أراه الله تعالى في أول الليالي العشر من ذي الحجة بان يذبح ولده يوم العاشر أضحية له، واعلن إبراهيم(ع) ان ذبيحته ولده وللناس ذبائحهم، وكان الناس يشهدون من إبراهيم وإسماعيل8 وأم إسماعيل تسليما لله تعالى، ولما كانت ليلة العاشر ونفر إبراهيم(ع) من عرفة إلى مشعر أحياها إبراهيم(ع) وأهل بيته العبادة بشكل خاص والناس يشهدون منهم درجة التسليم المطلق لأمر الله تعالى، وعند التنفيذ يوم العاشر عطل الله تعالى قدرة السكين على الذبح وفداه بذبح عظيم نزل من أعلى الجبل والناس يشهدون، ونزل الوحي بإمامة إبراهيم وإسماعيل8، واقتدى الناس بهما في عبادة الله تعالى وأخذوا عنهما مناسك حجهم وأحكام دينهم وها هي مكة منذ عهد إبراهيم(ع) إلى اليوم عامره بالزوار والعباد على طريقة إسماعيل وإبراهيم8 يحيون ليلة العيد بالعبادة كما أحياها إبراهيم(ع) وأهل بيته وأصحابه.

واختص الله تعالى الحسين(ع) بوصية عبر جده النبي9 بان يخرج بقوم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحياء سيرة أبيه وجده9 ولكنه(ع) سوف يستشهد هو ومن معه من أهل بيته وأصحابه وانه بهذه النهضة والشهادة والظلامة سوف يفتح طريق الهداية إلى الله تعالى من جديد ويحفظ دين الله تعالى الذي حرفته بنو أمية، ونهض الحسين(ع) وحوصر وأمر بالنزول في كربلاء غرة المحرم سنة 61هـ واستمر الحصار مدة تسعة أيام وتحرك الجيش الأموي يوم التاسع يطلب البيعة والتسليم، فطلب الحسين(ع) ان يمهلوه ليلة ليخصها بعباده اكثر وصلاة اكثر وقراءة للقرآن اكثر امتيازا لها عن بقية الليالي التسعة التي مضت، واحيا ليلة العاشر تلك بالعبادة وكان لهم دويٌّ بالقرآن كدوي النحل وهم ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد والناس يشهدون، ثم نهضوا يوم العاشر ورفضوا ان يبايعوا ليزيد او يسلموا انفسهم فقاتلوا وقتلوا مظلومين وصاروا مجزرين على رمضاء كربلاء جزر الأضاحي.

فجعل الله تعالى قبر الحسين(ع) منذ ذلك اليوم مزارا للآلاف بل الملايين من الناس يقصدونه للبكاء عليه والصلاة لله عنده مقتدين به فيما صنعه في الأيام العشرة وما خصه ليلة العاشر من المحرم بالإحياء إلى الفجر بالعبادة.

الحسين(ع) وارث إبراهيم(ع):

لقد صار قبر الحسين(ع) مثابةً للناس وأمنا، نظير بيت إبراهيم(ع) في مكة مثابةً للناس وأمنا.

وبهذا كان الحسين(ع) وارثا لإبراهيم(ع)، لقد ورث صفة تكوينيّة رساليّة من إبراهيم(ع) تفرد بها إبراهيم من بين الأنبياء، انها الليالي العشر وما جرى فيها من بناء البيت والاختبار العظيم بذبح الولد، وظهور التسليم المطلق. وجعل الإمامة الإلهية لإبراهيم ولده إسماعيل والأصفياء من ولده.

انها ليال عشر فريدة في السنة، وكذلك فجرها وعاشوراؤها[1]، وبقيت فردا في التاريخ حتى تكرر مثلها في الحسين وأهل بيته في كربلاء، فصارت شفعا لها.

والشفع في اللغة: هو الفرد الذي ينظم إلى فرد آخر من سنخه فيصيره زوجا.

ان الليالي العشر من المحرم التي أسسها الحسين(ع) بنهضته ووصية من جده9 وأمر من الله، هي كالليالي العشر من ذي الحجة التي أسسها إبراهيم بأمر الله تعالى.

﴿وَ الْفَجْرِ (1) وَ لَيالٍ عَشْرٍ (2) وَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4) ﴾ الفجر/1-4.

اقسم الله تعالى بأعظم فجر من أيام السنة واعظم ليال عشر فيها تسبق هذا الفجر، واقسم بشفعها، بفجر وليال عشر مثلها.

ولا يوجد في التاريخ نظير عاشوراء آل إبراهيم ولياليها العشر من ذي الحجة زمن إبراهيم الا عاشوراء آل محمد (ص) ولياليها العشر من المحرم زمن الحسين(ع) مع ملاحظة ان عاشوراء آل إبراهيم تحولت إلى عيد للفداء الإلهي ﴿وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ الصافات/107، وبقيت عاشوراء آل محمد يوم حزن إلى أبد الدنيا.

المضمون لكلا التجربتين واحد، تسليم مطلق لأمر الله تعالى وتوريث الإمامة الهادية، وتأسيس مثابة للناس وأمن من عذاب الله للزائرين المؤمنين.

ثواب زيارة بيت إبراهيم(ع):

ان من يزر بيت إبراهيم (ع) في الحج والعمرة له الثواب العظيم.

قال الإمام الصادق(ع): «إن العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجاً لا يخطو خطوة ولا يخطو به راحلته إلا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه سيئة… فإذا وقف بعرفات فلو كانت له ذنوب عدد الثرى رجع كما ولدته أمه، فيقال له: استأنف العمل».

عن أبي عبد الله(ع) قال: «كان أبي يقول: من طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة ومحى عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة وقضى له ستة آلاف حاجة فما عجل منها فبرحمة الله وما أخر منها فشوقا إلى دعائه»[2]

ثواب زيارة الحسين(ع):

وقال(ع) في فضل زيارة الحسين: «من خرج من منزله يريد زيارة الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) إن كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة وحط بها عنه سيئة، حتى إذا صار بالحائر كتبه الله من المفلحين، وإذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف آتاه ملك فقال له: انا رسول الله ربك يقرئك السلام ويقول لك: استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى».

وقد ورد في ثواب زيارة الحسين(ع) ما هو أعظم من ثواب الحج المستحب والعمرة المستحبة.

وعن بشير الدهان، قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول وهو نازل بالحيرة وعنده جماعة من الشيعة، فأقبل إليَّ بوجهه فقال: «يا بشير أحججت العام، قلت: جعلت فداك لا، ولكن عرَّفت بالقبر[3]، قبر الحسين(ع)، فقال: يا بشير والله ما فاتَكَ شيء مما كان لأصحاب مكة بمكة، قلت: جعلت فداك، فيه عرفات[4]، فَسِّرهُ لي. فقال: يا بشير ان الرجل منكم ليغتسل على شاطئ الفرات ثم يأتي قبر الحسين(ع) عارفا بحقه فيعطيه الله بكل قدم يرفعها أو يضعها مائة حجة مقبولة ومائة عمرة مبرورة ومائة غزوة مع نبي مرسل إلى أعداء الله وأعداء رسوله، يا بشير اسمِع وأبلِغ من احتمل قلبُه، من زار الحسين(ع) يوم عرفة كان كمن زار الله في عرشه».

وعنه(ع)، قال: «من فاتته عرفة بعرفات فأدركها بقبر الحسين(ع) لم يفته، وان الله تبارك وتعالى ليبدأ بأهل قبر الحسين(ع) قبل أهل عرفات ثم يخاطبهم بنفسه».

أقول: والسر واضح في ذلك وهو ان ملة إبراهيم التي أوحاها الله إلى محمد(ص) كانت قد حُرِّفت وأعادها إلى المجتمع من جديد الحسين(ع) بنهضته وظلامته[5].

واجعل أفئدة من الناس تهوي اليهم:

وضّح الله تعالى في القرآن ان ما جرى على مكة وعمرانها منذ عهد إبراهيم ثم تجدد على عهد النبي(ص) هو إجابة دعوة إبراهيم في إسماعيل ﴿رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)﴾ إبراهيم/37.

ويصبح من السهل القول ان عمران كربلاء بسكانها وبالزائرين الذين تحولت بهم كربلاء إلى نظير لمكة في ازدحامها بالزوار في مواسم الزيارة في عاشوراء وفي الأربعين وفي شعبان وفي عرفة، هو إجابة دعوة محمد(ص) في الحسين(ع).

كعبة إبراهيم(ع) وقبر الحسين(ع):

كعبة إبراهيم(ع) ضمت أيام تأسيسها كتابَ الله الصامت/صحف إبراهيم/ التي كتبها على حجر بالخط المسماري وحفظها داخل البيت يستخرجها إسماعيل وإبراهيم لقراءتها وتفسيرها للناس ليعلموهم معالم دين الله.

وقبر الحسين(ع) ضم جسد الحسين كتاب الله الناطق مع تفسيره وعلومه التي ورثها من جده ثم أورثها بنيه التسعة المعصومين من بعده.

إعلان الولاء لله سبحانه وتعالى ولرسوله(ص) ولأهل البيت(عليهم السلام) هدف الزائرين في كلا الموضعين:

يأتي الزائر إلى كعبة إبراهيم ليعلن ولاءه المطلق لله تعالى ولإبراهيم والعمل بطريقة إبراهيم التي أوحاها الله إلى محمد(ص)،

ويأتي الزائر إلى قبر الحسين(ع) ليعلن ولاءه المطلق لله تعالى ولخاتم أنبياء الله محمد(ص)  والعمل بسنته التي كتبها ورواها وعمل بها علي(ع) والحسن(ع) ثم أماتها بنو أمية ثم أحياها الحسين وقتل من اجلها ونشرها من بعده الأئمة التسعة من ذريته(ع).

إذن جاء الزائر إلى قبر الحسين(ع) ليعلن ولاءه المطلق لله عز وجل ولرسوله9 وللائمة من أهل بيته، وقد ورد في الرواية «من أتى قبر أبي عبد الله(ع) فقد وصل رسول الله ووصلنا».

لا يمكن ان يكون هذا التطابق التكويني بين كعبة إبراهيم(ع) وكربلاء الحسين(ع) امرا خارجا عن التخطيط الإلهي والتقدير الإلهي، انه تطابق يكشف عن حقانية الحسين (ع) وأهل بيته وابيه وامه واخيه:. انه من المحال تماما ان تتكرر تجربة إبراهيم (ع) بتجربة الحسين(ع) بالليالي العشر وعاشورائها وما فرزته من إمامة إلهية مقرونة بعمران المكان بالعبادة والدعاء والبكاء دون تقدير الهي وإمضائه.

الحسين(ع) في كتب الأنبياء الأولين:

وحين نلتفت إلى كتب الأنبياء الأولين كتب موسى وعيسى(ع) فإننا نجد عشرات النصوص تتحدث عن الحسين(ع) وظلامته واثرها، واشهر فصل هو المعروف بالفصل الثالث والخمسين من سفر أشعيا، وهو أهم النصوص، وقد نالت اهتمام علماء اليهود والنصارى، الإصحاح 52: 13:

(هو ذا عبدي يوفق يتعالى ويرتفع ويتسامى جدا 14: كما أن كثيرين ذعروا في شأنك هكذا لم يعد منظره منظر إنسان وصورته صورة بني آدم.

15: هكذا تنتفض أمم كثيرة (حقا تحركت عليه جماعات كثيرة)[6]. وأمامه يسد الملوك أفواههم (يسد مبعوثون أفواههم) لأنهم رأوا ما لم يخبروا به وعاينوا ما لم يسمعوا به.

الإصحاح 53: 1: من الذي آمن بما سمع منا. ولمن كشفت ذراع الرب (ولم اعلن نسل حبيبي). 2: فإنه نبت كفرع أمامه (ازدهر وكغُصين (كرضيع) امامه. وكأصل من أرض قاحلة

لا صورة له ولا بهاء فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه

3: مزدرى ومتروك من الناس (ومخذول من الناس). رجل أوجاع وعارف بالألم (مكروب ومتألم ومتعين له الكرب والألم). ومثل من يستر الوجه عنه (ولذلك سترنا وجوهنا عنه). مزدرى فلم نعبأ به.

4: لقد تحمل آلامنا وأحتمل أوجاعنا (قاسى كرباتنا). فحسبناه مصابا مضروبا من الله ومذللا (ونحن قدَّرنا انه ممتحن ومبتلى من الرب).

5: طعن بسبب معاصينا وسحق بسبب آثامنا (قتل بسبب عدم إيماننا). نزل به العقاب من أجل سلامنا(تأديب سلامنا عليه) (تبليغ إسلامنا عليه). وبجرحه شفينا (وباتباعه شفينا).

6: كلنا كالغنم ضللنا. كل واحد مال إلى طريقه. فألقى الرب عليه إثم كلنا (والرب هاجم وقابل من خلاله اثمنا جميعاً).

7: عومل بقسوة فتواضع (اضطهد و ظلم وهو حزين متألم فكان صابرا). كحمل سيق للذبح، كنعجة صامتة أمام الذين يجزونها ولم يفتح فاه.

8: بالإكراه والقضاء أخذ. فمن يفكر في مصيره قد انقطع من أرض الأحياء (وفي جيله من كان يظن انه قد قطع من ارض الأحياء). وبسبب معصية شعبي ضرب حتى الموت (بسبب عدم إيمان شعبي قتل).

9: فجعل قبره مع الأشرار وضريحه مع الأغنياء. مع انه لم يصنع عنفا ولم يوجد في فمه مكر.

10: والرب رضي أن يسحق ذاك الذي أمرضه (أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن) (شاء الرب ان يسحق المكروب المحزون). فإذا قربت نفسه ذبيحة إثم يرى ذرية وتطول أيامه ورضى الرب ينجح عن يده)(واذ جعله الرب ذبيحة ظلم فان نفسه تتطلع إلى نسل تطول ايامه ومراد الله يتحقق على يده).

11: بسبب عناء نفسه يرى النور ويشبع بعلمه يبرر عبدي البار الكثيرين وهو يحتمل آثامهم (وعبدي المستقيم بمعرفته يستقيم كثيرون وآثامهم يرفعها).

12: فلذلك أجعل له نصيبا بين العظماء وغنيمة مع الأعزاء (لذلك اجعل من ذريته معلمين للشريعة عظماء اجرة له). لأنه أسلم نفسه للموت وأحصي مع العصاة وهو حمل خطايا الكثيرين وشفع في معاصيهم[7].

وفي سفر رؤيا يوحنا:

(… وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، 4 وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ.

وَفِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ 6 وَرَاءٍ:

.. وَلاَ تَزَالُ نَهَارًا وَلَيْلاً قَائِلَةً: «قُدُّوسٌ، 8 قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي».

يَخِرُّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا قُدَّامَ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، وَيَسْجُدُونَ لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، وَيَطْرَحُونَ أَكَالِيلَهُمْ أَمَامَ 10 الْعَرْشِ قَائِلِينَ:

«أَنْتَ مُسْتَحِق أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ 11 وَخُلِقَتْ».

وَرَأَيْتُ عَلَى يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ سِفْرًا مَكْتُوبًا مِنْ دَاخِل وَمِنْ وَرَاءٍ، مَخْتُومًا بِسَبْعَةِ خُتُومٍ. AVD Revelation 5: 1

وَرَأَيْتُ مَلاَكًا قَوِيًّا يُنَادِي بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَنْ هُوَ مُسْتَحِق أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ؟ » 2

فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ فِي السَّمَاءِ وَلاَ عَلَى الأَرْضِ وَلاَ تَحْتَ الأَرْضِ أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ. 3

وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ (كبش) قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ 6 أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ.

فَأَتَى وَأَخَذَ السِّفْرَ مِنْ يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ. 7

وَلَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ الْخَروفِ،… وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: «مُسْتَحِق أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ 9 كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ،

وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ». 10

وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ 11 أُلُوفٍ، قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مُسْتَحِق هُوَ الْخَروُفُ (الكبش)الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ 12 وَالْبَرَكَةَ! ».

وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: «لِلْجَالِسِ عَلَى 13 الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ».

وَكَانَتِ الْحَيَوَانَاتُ الأَرْبَعَةُ تَقُولُ: «آمِينَ». وَالشُّيُوخُ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ خَرُّوا وَسَجَدُوا لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. 14

ان الشيوخ الأربعة والعشرين هم الأنبياء المذكورون في القرآن، اما الكبش المذبوح فهو شخص آخر من غيرهم ويفهم من النص ان الكبش قد ذبح من اجل قضية تخصهم، ولا يوجد شيء يخص الأنبياء اكثر من رسالتهم فإذا حرّفت فكان جهودهم قد ذهبت هدرا، والكبش المذبوح هو الحسين(ع) وقد نهض لأجل حفظ رسالة الأنبياء وخاتمهم محمد(ص) التي حرفها بنو أمية ومسلمة أهل الكتاب الذين فسحت لهم الحكام القرشيون ان ينشروا أساطيرهم وفيها تشويه للتوحيد وسيرة الأنبياء، وفي ضوء ذلك يشعر الأنبياء حين يجتمعون مع الحسين (ع) بحضرة الرب انه قد بذل مهجته وذبح كما يذبح الكبش ليعود دين الله الذي بعثهم به غضا طريا ويعود التنزيه لله تعالى وتعود سيرتهم في المجتمع نقية صافية هادية وان الحسين (ع) إزاء ذلك يستحق ان يتقدم أمامهم ويتألق شخصه بـ «الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» وليس من شك ان تألقه هو تألق رسالة جده (ص) وبتألق جده النبي الخاتم يتألقون جميعا من جديد ويستعيدون دورهم أئمة هداة إلى الله تعالى وقاد إلى رضوانه.

والذي احسبه ان الرقم سبعة في قوله «كبش قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ 6 أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ» هو محرف عن تسعة وهم الأئمة من ذرية الحسين(ع) الذين جعلهم الله تعالى أئمة للمسلمين بل للبشرية يهدون إلى دين الله الذي جاء به محمد(ص).

خصوصية إبراهيم (ع) تتمثل بكونه:

● قد نهض ليحرر العقل البشري من أكاذيب إعلام نمرود فيه وفي أسلافه وفي آلهته، بتحطيمه أصنام نمرود وتعليق الفاس برقبة كبيرهم لأنه لم ينصر اقرب الخلق إليه.

● وله كعبة بناها بتكليف الهي يستجاب عندها الدعاء مقرونة بعاشوراء ذي الحجة ولياليها العشر قبلها إذ ظهرت أعلى درجات التسليم لأمر الله منه ومن أهل بيته.

وهذه الخصوصية نفسها للحسين (ع) بكونه:

● قد نهض ليحرر العقل المسلم من أكاذيب إعلام معاوية فيه وفي أسلافه برفضه بيعة يزيد وقتاله جيشه، ولم يخرج على معاوية في زمانه ليفهم المسلمين ان مسؤولية ظلامته برقبة معاوية لأنه سلط يزيد على الأمة. 

● وله قبر يستجاب عنده الدعاء، وقد اقترن هذا القبر بعاشوراء المحرم ولياليها العشر قبلها بتقدير الهي كشفت عن اعلى درجات التسليم لأمر الله تعالى منه ومن أهل بيته وأصحابه.

في ضوء ذلك يكون الحسين (ع) وارثا لصفة إبراهيم المميزة له ولم يكن إبراهيم (ع) قد تصرف من تلقاء نفسه في تحطيمه الأصنام، وكذلك الحسين (ع) لم ينهض من تلقاء نفسه في قتال جيش يزيد بل كان بتكليف الهي.

وهكذا تكون جملة (السلام عليك يا وارث إبراهيم  خليل الله) قد نبهت على ذلك التماثل. وصار الحسين (ع) بخصوصيته تلك يذكرنا بنبي الله إبراهيم فكأنه هو، فما أروعه من تماثل وما اعظمها من حكمة إلهية في الحسين (ع).  


[1] عاشوراء تعني العاشر وفي كل شهر هناك عاشوراء، وامتاز العاشر من ذي الحجة بحادثة ابتلاء الله إبراهيم بذبح ولده، وامتاز العاشر من المحرم بابتلاء الله الحسين7 ان يصمد امام الكثرة الضالة من الجيش الاموي ويستشهد.

[2] الكافي – الشيخ الكليني – ج 4 – ص 411 – 412.

[3] أي زرت الحسين في يوم عرفة.

[4] أي يقول جعلت فداك إن في الحج الوقوف بعرفة وهو من أعظم المواقف.

[5] انظر تفصل ذلك في كتابنا الإمام الحسين في مواجهة الضلال الأموي.

[6] ما بين القوسين داخل النص اعادة صياغة قائمة على دراسة للنص العبري بشكل مباشر من قبل الباحث.

[7] سفر اشعيا الاصحاح 52/13-15 , والاصحاح 53 /1-12.

عدد الزوار: 460

معلومات الاصدار

عنوان الاصدار:الحسين (ع) وارث إبراهيم (ع)
الناشر: مركز فجر عاشوراء الثقافي
شارك هذه الصفحة على:
فيسبوك
تلكرام
واتساب
Skype

احدث الإضافات

One Response

  1. ماشاء الله تبارك الله تعالى… كان الباحث موفقاً جدا في بيان هذا التشابه العجيب بين موقف ورسالة النبي ابراهيم عليه السلام وموقف ورسالة الحسين عليه السلام… أسأل الله تعالى أن يديم توفيقاته وان يحفظه من كل سوء ومكروه وجزاه الله تعالى عنا خير الجزاء والحمد لله أولا واخرا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com