ترجمته المختصرة:
اسمه: عبد مناف، واشتهر بأبي طالب[1]. وقال ابن عنبة: وسُمي بعمران[2]. وُلد أبو طالب قبل ولادة النبي (ص) بخمسة وثلاثين عاماً. أبوه عبد المطلب سيد قومه والمبرز من رؤساء قريش الذين ترجع إليهم في أمورها، وتتحاكم في منافراتها، ومواريثها، ومياهها، ودمائها، وكان على الشريعة الإبراهيمية الحنيفية.
أمّه: فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية.[3]
أبناؤه: طالب، عقيل، جعفر، علي بن أبي طالب (ع)، أم هانئ بنت أبي طالب، واسمها هند، وجمانة وريطة. وقال بعضهم: وأسماء بنت أبي طالب. وأمهم جميعاً فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.[4]
وكان أبو طالب سيداً شريفاً مطاعاً مهيباً.
وقيل في سخائه وكرمه أن قريشاً كانت تطعم، فإذا أطعم (أبو طالب) لم يطعم يومئذٍ أحد غيره[5].
وكان أَوَّلَ من سن القَسَامَةٍ ـ على أولياء المقتول ـ في الجاهليَّة في دم عمرو بن علقمة، ثم أثبتتها السنة في الإسلام[6]. ووصفه الحلبي قائلاً: كان أبو طالب ممن حرَّم الخمر على نفسه في الجاهلية كأبيه عبد المطلب.[7]
تقلد أبو طالب قبل البعثة وفي مكة، منصبي الرفادة (ضيافة الحجيج) والسقاية (إيصال الماء إلى الحجيج)[8]. وكان إلى جانب ذلك يحترف التجارة أيضاً، فقد كان يشتري العطور والقمح، ويبيعهما.[9]
تولى أبو طالب بوصية من أبيه عبد المطلب كفالة النبي الأكرم (ص) الذي كان عمره حينئذٍ ثماني سنوات[10]. وقد أشار ابن شهر آشوب إلى هذه القضية بقوله: لما حضرت عبد المطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب، فقال له: يا بني قد علمت شدة حبي لمحمد (ص) ووجدي به، انظر كيف تحفظني فيه. قال أبو طالب: يا أبتي لا توصني بمحمد (ص)، فإنه ابني وابن أخي. فلما توفي عبد المطلب كان أبو طالب يؤثره بالنفقة والكسوة على نفسه وعلى جميع أهله[11]. وكتب ابن هشام في ذلك: كان أبو طالب هو الّذي يلي أمر رسول الله (ص) بعد جدّه، فكان إليه ومعه… ولما خرج أبو طالب تاجراً إلى الشام، وتهيّأ للرحيل، وأجمع المسير صبّ به رسول الله (ص) فرقّ له (أبو طالب)، وقال: والله لأخرجن به معي، ولا يفارقني، ولا أفارقه أبدا[12] وكان أبو طالب إذا أراد أن يعشي أولاده أو يغديهم يقول: كما أنتم ـ أي امسكواـ حتى يحضر ابني فيأتي رسول الله (ص) فيأكل معهم.[13]
تؤكد جميع الوثائق التاريخية على حماية أبي طالب المستمرة للرسول (ص) والتصدي لقريش رغم كبر سنّه حيث ناهز إبّان البعثة الخامسة والسبعين، فوقف منافحاً ومدافعاً عنه بلا أدنى تردد، بل جهر بذلك أمامَ قريش[14]. ولما عرفت قريش أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله (ص)، وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة، فقالوا له: يا أبا طالب! هذا عمارة فتى في قريش، فخذه، فلك عقله ونصره، واتّخذه ولداً، فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك فنقتله. فقال: والله لبئس ما تسومونني! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا والله ما لا يكون أبداً.[15]
وتحدث النبي (ص) عن ذلك العطف والحنان الذي حظي به في بيت عمه، وعندما توفيت فاطمة بنت أسد: اليوم ماتت أمي، وكفّنها بقميصه، ونزل في قبرها، واضطجع في لحدها. فقيل له: يا رسول الله! لقد اشتد جزعك على فاطمة. قال: إنها كانت أمي، إن كانت لتجيع صبيانها وتشبعني، وتشعثهم وتدهنني[16] وقال النبي (ص) بعد وفاة عمه أبي طالب: ما نالتني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب[17].
ولم يزل رسول الله (ص) عزيزاً، ممنوعاً من الأذى، ومعصوماً من كل اعتداء، حتى توفى الله أبا طالب (ع)، وعندها جاء نداء ربّه يحمله جبرائيل: «أخرج من مكة فقد مات ناصرك».[18]
ترك أبو طالب من الشعر ما يناهز الألف بيت جمعت في ديوان أبي طالب، جلّها في نصرة النبي (ص) وتصديق رسالته، ومن أشهرها القصيدة اللامية التي سوف نوردها مع الشرح في هذا المقال.
كما لا يشك باحث، ولم يتردد مؤرخ في حماية أبي طالب للنبي (ص) ورعايته له والدفاع عنه طيلة حياته، بل من المؤكد: أنه كان من أشد المدافعين عنه (ص) في أشد الظروف وأصعب المواقع منذ الأيام الأولى للرسالة وحتى رحيله عن هذه الدنيا، ولكن وقع البحث في إيمانه، وهل أنه نطق بالشهادتين أم لا؟
فذهب أهل السنة إلى القول بأنّه مات كافراً مستندين في ذلك على رواية تشير إلى إصراره حتى اللحظات الأخيرة على البقاء على الشرك، وذهب الشيعة بإجماع علمائهم إلى القول بأنه كان مؤمناً، ومات كذلك، مستندين في ذلك إلى روايات أهل البيت(ع)، وإلى جملة من الأدلة التي تثبت بما لا ريب فيه إيمانه ومفندين بذلك دعوى موته مشركاً.[19]
اختلف المؤرخون في اليوم والشهر الذي توفي فيه أبو طالب، فذهبت بعض المصادر الشيعية إلى القول بانّه توفي في السادس والعشرين من رجب من السنة العاشرة للبعثة بعد ثلاث أيام من وفاة أم المؤمنين خديجة (ع)، عن عمر ناهز الخامسة والثمانين[20]. ومنهم من جعل وفاته في الأول من ذي القعدة، ومنهم من أرخ لها في النصف من شوال. وقد أطلق النبي (ص) على ذلك العام أسم عام الحزن.[21]
ولَمَّا مات جاء عليٌّ (ع) إِلَى النبي (ص) فأخبره بموته، فتوجَّعَ عظيماً وحزن شديداً، ثمَّ قال: امضِ فتولَّ غُسلَهُ فإِذا رفَعتهُ علَى سريره، فأَعلمني ففعل[22]، فاعترضهُ (ص) وهو محمولٌ، فقال لهُ: وصلتكَ رحمٌ يا عمِّ! وجزِيتَ خيراً، فلقَدْ رَبَّيْتَ، وكفلْتَ صغيراً، ونصرْتَ وآزرْتَ كبِيراً، ثُمَّ تَبِعَهُ إِلَى حُفرتهِ، فوقف عليه، فقال: أَمَ واللَّهِ لأَستغفرنَّ لَكَ ولأَشْفَعَنَّ فيكَ شفاعةً يعجبُ لها الثَّقَلان[23]. ودفن بمكة في الحجون بجنب قبر أبيه عبد المطلب.[24]
لامية أبي طالب:
قال الإمام الصادق (ع): كان أمير المؤمنين (ع) يعجبه أن يروى شعر أبي طالب (ع)، وأن يدوَّن، وقال تعلَّموه وعلِّموه أولادكم فإنّه كان على دين الله وفيه علم كثير.[25]
ومن مشهور شعره قصيدته اللامية التي قال عنها ابن كثير: هي قصيدة بليغة جداً لا يستطيع أن يقولها إلاّ من نسبت إليه وهي أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى[26] وفيما يلي ما انتخبه البغدادي منها[27] مع شرحه لها[28]:
خَليلَيَّ ما أُذُنِي لأوَّلِ عاذل *** صَغواءَ في حَقٍّ ولا عِنْدَ باطِلِ[29]
خَليلَيَّ إِنَّ الرِّأْيَ لَيْسَ بِشِرْكَة *** ولا نَهْنَه عِنْدَ الأُمورِ البَلابِلِ[30]
وَلَمَّا رَأَيْتُ القَوْمَ لا وُدَّ فيهِمُ *** وقَدْ قَطَعُوا كُلَّ العُرى وَالوَسائِل[31]
وَقَدْ صارَحُونا بالعَدواةِ وَالأَذى *** وَقَدْ طاوَعُوا أَمْرَ العَدوَّ المُزايِل[32]
وَقَدْ حالَفُوا قَوْماً عَلَيْنا أَظِنَّةً *** يَعَضُّونَ غَيْظاً خَلْفَنا بِالأَنامِلِ[33]
صَبْرتُ لَهم نَفْسِي بِسَمْراءَ سَمْحَة *** وأَبْيَضَ عَضْب مِنْ تُراثِ المَقاوِلِ[34]
وأَحْضَرْتُ عِنْدَ البَيْتِ رَهْطي وإِخْوَتِي *** وأَمْسَكْتُ مِنْ أَثْوابِهِ بِالوَصائِلِ[35]
قِياماً مَعاً مُسْتَقْبِلينَ رِتاجَهُ *** لَديَّ حَيْثُ يِقْضي حَلْفَهُ كُلُّ نافِل[36]
أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ كُلِّ طاعِن *** عَلِيْنا بِسُوء أَوْ مُلِحٍّ بِباطِلِ[37]
ومِنْ كاشِح يَسْعى لَنا بِمَعيبَة *** ومِنْ مُلحِق في الدِّين مالَمْ نُحاوِلِ[38]
وثَور ومَنْ أَرْسَى ثَبيراً مَكانَهُ *** وَراق لِبِر في حِراءَ ونازِلِ[39]
وبالبَيْتِ، حَقُّ البَيْتِ مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ *** وبالله إِنَّ الله لَيْسَ بِغافِلِ
وبالحَجَرِ المُسْوَدِّ إِذْ يَمْسَحونَهُ *** إذِ اكْتَنَفُوهُ بالضُحى والأَصائِلِ[40]
وَمَوْطِئِ إِبْراهيمَ في الصَّخْرِ رَطْبَةً *** عَلى قَدَمَيْهِ حافِياً غَيْرَ ناعِلِ[41]
ومَنْ حَجَّ بَيْتَ اللهِ مِنْ كُلِّ راكِب *** ومِنْ كُلِّ ذِي نَذْر ومِنْ كُلِّ راجِلِ
فَهَلْ بَعْدَ هذا مِنْ مَعاذ لِعائِذ *** وَهلْ مِنْ مُعيذ يَتَّقي اللهَ عاذِلِ[42]
يُطاعُ بِنا العُدّى، وَوَدُّوا لَوْ أَنَّنا *** تُسَدُّ بنا أبوابُ ترك وكابُلِ[43]
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ نَتْرُكَ مَكَّةَ *** ونَظْعَنُ إلاّ أمْرُكُمْ في بَلابِلِ[44]
كَذَبْتُم وبَيْتِ اللهِ نُبْزى مُحمَّداً *** ولمّا نُطاعِن دُونَه ونُناضِلِ[45]
ونُسْلِمُه حتى نُصرَّعَ حَوْلَهُ *** ونَذهَلُ عَنْ أَبْنائِنا والحَلائِلِ[46]
وينْهَضَ قَوْمٌ في الحَديدِ إليْكُمُ *** نُهوضَ الرَّوايا تَحْتَ ذاتِ الصَّلاصِل[47]
وحتَّى نَرَى ذَا الضِّغْنِ يَرْكَبُ رَدْعَهُ *** مِنَ الطَّعْنِ فِعْلَ الأَنْكَبِ المُتَحامِلِ[48]
وإنَّا لَعْمرُ اللهِ إِنْ جَدَّ ماأَرَى *** لَتَلْتَبِسَنْ أسْيافَنا بالأماثِل[49]
بِكَفَّيْ فَتىً مِثْلُ الشِّهابِ سَمَيْدَع *** أَخِي ثِقَة حامِي الحَقيقَةِ باسِلِ[50]
وَما تَرْكُ قَوم لا أبا لكَ، سَيِّداً *** يحوطُ الذِّمارَ غَيْرَ ذَرْب مُواكِلِ[51]
وأبْيضَ يُسْتَسْقى الغَمامُ بِوَجْهِهِ *** ثِمالَ اليَتامى عِصْمَةٌ للأرامِلِ[52]
يَلوذُ بِهِ الهُلاّكُ مِنْ آلِ هاشِم *** فَهُمْ عِنْدَهُ في رَحْمَة وفَواضِلِ[53]
جَزَى اللهُ عَنّا عَبْدَ شَمْس وَنَوْفَلاً *** عُقوبَةَ شَرٍّ عاجِلاً غَيْرَ آجِلِ[54]
بِميزانِ قِسْط لا يُخِسُّ شَعيرَةً *** لَهُ شاهِدٌ مِن نَّفْسِهِ غَيْرُ عائِلِ[55]
ونَحْنُ الصَّميمُ مِنْ ذُؤابةِ هاشِم *** وآلُ قُصَيّ في الخُطوبِ الأوائِلِ[56]
وسَهْمٌ ومَخْزومٌ تمالَوْا وألَّبوا *** عَلَيْنا العِدا مِن كُلِّ طِمْل وخامِلِ[57]
ورهطُ نُفَيْل شَرُّ مَن وَطِئَ الحَصى *** والأمُّ حاف مِن مَّعَدٍّ وناعِلِ
فأَبْلِغْ قُصيّاً أنْ سَيُنْشَرُ أمْرُنا *** وبشِّرْ قُصيَّاً بَعْدَنا بالتَّخاذُلِ[58]
فكلُّ صديق وابنِ أُخْت نَعِدُّه *** لَعَمْري وَجَدْنا غِبَّهُ غيرَ طائِلِ[59]
سِوى أنَّ رَهْطاً مِن كِلابِ ابن مُرَّة *** بُراءٌ إليْنا مِن مَعَقَّةِ خاذِلِ[60]
ونِعْمَ ابنُ أُخْتِ القَوْمِ غيرَ مُكَذَّب *** زُهَيْرٌ حُساماً مُفْرداً مِنْ حَمائِلِ[61]
أشَمُّ مِنَ الشُّمِّ البَهاليلِ يَنْتَمي *** إلى حَسَب في حَوْمَةِ المَجْدِ فاضِلِ[62]
لَعَمري لَقَدْ كُلِّفتُ وَجداً بأحمد *** وإخْوَتِهِ دَأبَ المُحِبِّ المُواصِلِ[63]
فلا زالَ في الدُّنْيا جَمالاً لأهْلِها *** وزَيْناً لِمَنْ والاهُ ذَبُّ المَشاكِلِ[64]
فَمَنْ مِثْلُهُ في النّاسِ أىُّ مُؤَمَّل *** إذا قاسَهُ الحُكّامُ عِنْدَ التَّفاضُلِ[65]
حَليمٌ رَشيدٌ عادِلٌ غُيْرُ طائِش *** يُوالي إلهاً ليسَ عَنْهُ بِغافِلِ[66]
فأيَّدَه رَبُّ العِبادِ بِنَصْرِهِ *** وأظهَرَ ديناً حَقُّه غَيرُ باطِلِ[67]
لقَدْ عَلِمُوا أنَّ ابْنَنا لا مُكذَّبٌ *** لَدَيْنا، ولا يُعْنى بِقَوْلِ الأباطِلِ[68]
[1] ابن سعد، الطبقات، ج 1، ص 121.
[2] ابن عنبة، عمدة الطالب، ص 20.
[3] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 111.
[4] ابن سعد، الطبقات، ج 1، ص 121-122.
[5] البلاذري، أنساب الأشراف، ج 2، ص 288.
[6] النسائي، سنن النسائي، ج 8، ص 2-4.
[7] الحلبي، سيرة الحلبي، ج 1، ص 184.
[8] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 13.
[9] ابن قتيبة، المعارف، ص 575.
[10] البيهقي، دلائل النبوة، ج 2، ص 22.
[11] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبو طالب، ج 1، ص 36.
[12] ابن سعد، الطبقات، ج 1، ص 119.
[13] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 37.
[14] ابن هشام، السيرة النبوية، ج1، ص 172-173.
[15] البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 31.
[16] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 14.
[17] ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 66، ص 339.
[18] المفيد، إيمان أبي طالب، ص 24.
[19] الغفاري، كبير الصحابة أبو طالب 7، ص 166؛ حسن، أبو طالب طود الإيمان الراسخ، ص 166.
[20] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص35.
[21] المقريزي، إمتاع الأسماع، ج 1، ص 45.
[22] ابن جوزي، تذكرة الخواص، ج1، ص145.
[23] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 76.
[24] البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 29.
[25] أبو طالب حامي الرسول ص190 عن الحجة على الذاهب ص25، تاريخ اليعقوبي.
[26] البداية والنهاية ج2 ص71.
[27] ما عدا أبيات يسيرة اضفناها من سيرة ابن هشام لأهميتها وقد اعتمدنا شرح البغدادي إلاّ في مواضع خاصة نبهنا عليها والقصيدة رواها ابن هشام في كتابه السيرة ج1 ص272ـ280.
[28] استل هذا الشرح من كتاب السيرة النبوية للعلامة السيد سامي البدري.
[29] الصغو: الميل. واصغيت إلى فلان: اذا ملت بسمعك نحوه.
[30] أراد ان الرأي الجيد يكون بمشاركة العقلاء، فإن لم يتشاركوا: بأن كانوا متباغضين لم ينتج شيئا والرأي ما لم يتخمر في العقول كان فطيراً. والنهنه بنونين وهاءين كجعفر: المضى والنيّر الشفاف الذي يظهر الاشياء علي جليتها وأصله الثوب الرقيق النسج، ومن شأنه ان لا يمنع النظر إلى ما وراء، وهـو معطوف على شركة. والبلابل اما جمع بلبلة بفتح الباءين، او جمع بلبال بفتحهما، وهما بمعنى الهم ووساوس الصدر، كزلازل جمع زلزلة وزلزال بالفتح، وهو اما على حذف مضاف أي ذات البلابل، او انها بدل من الامور.
[31] أراد بالقوم كفار قريش. والعُرا: جمع عروة وهي معروفة، واراد بها هنا ما يتمسك به من العهود مجازاوالوسائل: جمع وسيلة وهي ما يتقرب به.
[32] صارحونا: كاشفونا بالعداوة صريحا، والمزايل: اسم فاعل من زايله مزايلة وزيالا: فارقه وباينه وانما يكون العدو مفارقا اذا صرح بالعدواة فلا تمكن العشرة. ومن قال: المزايل: المعالج، وظنه من المزاولة لم يصب.
[33] التحالف: التعاهد والتعاقد على ان يكون الأمر واحداً في النصرة والحماية، وبينهما حلف أي عهد، والحليف: المعاهد. والاظنة جمع ظنين، وهو الرجل المتهم، والظنة بالكسر. التهمة.
[34] الصبر: الحبس. والسمراء: القناة. والسمحة: اللينة التي تسمح بالهز والانعطاف. والابيض: السيف، والعضب: القاطع. والمقاول: جمع مقول بكسر الميم: الرئيس، وهو دون الملك، كذا في المصباح عن ابن الانباري، وقال السهيلي في الروض الانف: أراد بالمقاول آباءه، شبههم بالملوك، أقول: وفي لسان العرب القيل والمقول الملك سمي بذلك لانّه نافذ القول والأمر.
[35] الوصائل: ثياب مخططة يمانية كان البيت يكسى بها.
[36] الرتاج: الباب العظيم، والنافل: فاعل من النافلة وهو التطوع.
[37] مُلِحّ: اسم فاعل من الح َّعلى الشيء: اذا اقبل عليه مواظباً.
[38] المعيبة: العيب والنقيصة.
[39] ثور: معطوف على رب الناس. وهو وثبير وحراء، جبال بمكة. والبر: خلاف الاثم. وهو رواية ابن اسحاق وغيره، أَقسَم بطالب البـر بصعوده في حراء للتعبد فيه وبالنازل منه.
[40] الاصائل جمع اصيلة والاصيلة: لغة معروفة في الاصيل. وهو ما بعد صلاة العصر إلى الغروب.
[41] موطى إبراهيم 7: هو موضع قدمه على الصخرة وجعلها الله تعالى آية.
[42] المعاذ بالفتح: اسم مكان من عاذ فلان بكذا، اذا لجأ اليه واعتصم به. والمعيذ: اسم فاعل من أعاذه بالله أي عصمة به. وعادل: صفة معيذ، بمعنى غير جائر.
[43] العُدّى جمع عاد من عدا عليه يعدو كما قالوا غاز وغُزَّى.
[44] أي والله لا نترك مكة ولا نظعن منها، لكن امركم في هموم ووساوس صدر.
[45] الواو للقسم وفي قوله (وبيت الله)، ونبزى جواب القسم على تقدير لا النافية، فإنّها يجوز حذفها في الجواب كقوله تعالى: (تالله تفتؤ) أي لا تفتؤ. ونبزى بالبناء للمفعول، أي نُغْلَب ونقهر عليه، يقال أبزى فلان بفلان إذا غلبه وقهره، كذا في الصحاح. ولـمّا: نافية جازمة، والجملة المنفية حال من نائب فاعل نبزىوالطعن يكون بالرمح، والنضال يكون بالسهم.
[46] ونسلمُه بالرفع معطوف على نبزى، أي لا نسلمه، من اسلمه بمعنى سلَّمه لفلان، او من اسلمه بمعنى خذله. ونصرَّع ونُذهل بالبناء للمفعول. والحلائل: جمع حليلة وهي الزوجة.
[47] ينهض بفتح الياء وهو منصوب معطوفاً على نصرع، والنهوض في الحديد عبارة عن لبسه واستعماله في الحرب. والروايا: جمع راوية، وهو البعير او البغل او الحمار الذي يستقى عليه. وذات الصلاصل هي المزادة التي ينقلب فيها الماء، وتسميها العامة الراوية. والصلاصل: جمع صلصلة بضم الصادين وهي بقية الماء في الاداوة. يريد: ان الرجال مثقلين بالحديد كالجمال التي تحمل المياه مثقلة، شبه قعقعة الحديد بصلصلة الماء في المزادات.
[48] نرى بالنون من رؤية العين. والضغن بالكسر الحقد. وجملة يركب حال من مفعول نرى، يقال للقتيل. ركب ردعه: اذا خر لوجهه على دمه. والردع بفتح الراء وسكون الدال: اللطخ والاثر من الدم والزعفران. ومن الطعن متعلق بيركب. والانكب: المائل إلى جهة، واراد كفعل الانكب، والمتحامل بالمهملة: الجائر والظالم.
[49] عمر الله مبتدأ والخبر محذوف أي قسمي، وجملة لتلتبسن جواب القسم، والجملة القسمية خبر انوقوله ان جد ان شرطية، وجد بمعنى لج ودام وعظم، وما موصولة، وارى من رؤية البصر، والمفعول محذوف وهو العائذ، وجواب الشرط محذوف وجوباً لسد جواب القسم محله. والالتباس: الاختلاط والملابسة، والنون الخفيفة للتوكيد، واسيافنا فاعل تلتبس. والاماثل: الاشراف، جمع امثل. والمعنى ان دام هذا العناد الذي اراه تنل سيوفنا اشرافكم.
[50] بكفي: تثنية كف، والباء متعلقة بقوله تلتبس. وقوله: مثل الشِّهاب، يريد انّه شجيع لا يقاومه أحد في الحرب، كأ نّه شعلة نار يحرق من يقرب منه. والسَّميدع بفتح السين، السيِّد الموطأ الاكناف. قال المبرد في اول الكامل: (معنى موطأ الاكناف: ان ناحيته يتمكن فيها صاحبها. والثقة: مصدر وثِقت به اثِق: إذا اتمنته والأخ يستعمل بمعنى الملازم والمداوم. والحقيقة: ما يحق على الرجل ان يحميه. والباسل: الشجيع الشديد الذي يمتنع ان يأخذه أحد في الحرب، والمصدر البسالة، وفعله بسُل بالضم.
قال البغدادي: وقد حقق الله ما تفرسه أبو طالب يوم بدر.
قال البدري: على يد علي بن ابي طالب 7 خاصة حيث قتل نصف قتلى قريش في بدر وقد شارك المسلمين في النصف الاخر ولقد كان أبو طالب على عِلْم بالتّقدير الإلهي أنَّ ناصر النبي 9 هو ولده علي والأوصاف في البيت لا تنطبق إلا على علي 7، وقد كان أهل الكتاب أيضا يعلمون أنَّ الله تعالى سيُؤيِّد النبي 9 المكي بعلي (أنظر حديث أبي طالب مع فاطمة بنت أسد في قصة ولادة النبي 9 وأيضاً قصة خيبر من هذا الكتاب). وقد ورد اسم علي مقرونا باسم النبي في انجيل يوحنا الاصحاح الاول الفقرة 19 كما سيجئ ذكره.
[51] ما استفهامية تعجبية مبتدأ عند سيبويه وترك خبر المبتدأ، وعند الاخفش بالعكس. وقوله: لا أبا لك يستعمل كناية عن المدح والذم، ووجه الاول: ان يراد نفي نظير الممدوح بنفي ابيه، ووجه الثاني: ان يراد انّه مجهول النسب، والمعنيان محتملان هنا. والسيد من السيادة وهو المجد والشرف. وحاطه يحوطه حوطا. رعاه وفي الصحاح: (وقولهم فلان حامي الذمار، أي اذا ذمر وغضب حمي، وفلان امنع ذماراً من فلان. ويقال الذمار: ما وراء الرجل مما يحق عليه ان يحميه، لانّهم قالوا: حامي الذمار كما قالوا حامي الحقيقة. وسمي ذماراً لانّه يجب على اهله التذمر له، وسميت حقيقة لانه يحق على اهلها الدفع عنها. وظل يتذمر على فلان: اذا تنكر له واوعده). والذرب بفتح الذال المعجمة وكسر الراء، لكنه سكنه هنا، وهو الفاحش البذي اللسان. والمواكل: اسم فاعل من واكلت فلاناً مواكلة: اذا اتكلت عليه واتكل هو عليك ورجل وكل بفتحتين، ووكلة كهمزة، وتكلة، أي عاجر بكل امره إلى غيره ويتكل عليه.
[52] أبيض: معطوف على سيد المنصوب بالمصدر قبله، وهو من عطف الصفات التي موصوفها واحد، وهكذا أعربه الزركشي في نكته على البخاري المسمى بالتنقيح لالفاظ الجامع الصحيح، وقال: لا يجوز غير هذا وتبعه ابن حجر في فتح الباري، وكذلك الدماميني في تعليق المصابيح على الجامع الصحيح، وفي حاشيته على مغني اللبيب ايضا. وزعم ابن هشام في المغني: ان ابيض مجرور برب مقدرة وانها للتقل يل والصواب الاول، والابيض هنا بمعنى الكريم.
قال السمين في عمدة الحافظ: عبر عن الكرم بالبياض، فيقال: له عندي يد بيضاء أي معروف، واورد هذا البيت. والبياض اشرف الالوان، وهو اصلها اذ هو قابل لجميعهاوقد كُنِّيَ به عن السرور والبِشر، وبالسواد عن الغم، ويستسقى بالبناء للمفعول، والجملة صفة ابيض. والثمال: العماد والملجأ والمطعم والمغني والكافي. والعصمة: ما يعتصم به ويتمسك، قال الزركشي: يجوز فيهما النصب والرفع. والارامل جمع ارملة وهي التي لا زوج لها، لافتقارها إلى من ينفق عليها، وقال ابن السكيت: الارامل: المساكين رجالاً كانوا او نساء.
آل السهيلي في الروض الانف ج1 ص179: (فإن قيل: كيف قال ابو طالب: وابيض يستسقي الغمام بوجهه، ولم يره قط استسقى به، انما كانت استسقاءاته عليه الصلاة والسلام بالمدينة في سفر وحضر، وفيها شوهد ما كان من سرعة اجابة الله له؟ فالجواب: انّ أبا طالب قد شاهد ذلك في حياة عبد المطلب ما دله على ما قال) انتهى. قال ابن هشام: وحدثني من أثق به قال: أقحط أهل المدينة فأتوا رسول الله 9، فشكوا ذلك إليه، فصعد رسول الله 9المنبر فاستسقى، فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل الضواحي يشكون منه الغرق، فقال رسول الله 9: اللهم حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن المدينة فصار حواليها كالاكليل، فقال رسول الله 9: لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسرّه! فقال له بعض أصحابه: كأنّك يا رسول الله أردت قوله: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للارامل، قال: أجل.
[53] يلوذ صفة اخرى لموصوف سيد. والهلاك: الفقراء والصعاليك الذي ينتابون الناس طلباً لمعروفهم من سوء الحال! وهو جمع هالك.
[54] نوفل هو ابن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي، وهو ابن العدوية، وكان من شياطين قريش، قتله علي بن أبى طالب يوم بدر.
[55] بميزان متعلق بجزى الله. والقسط بالكسر: العدل. وخسَّ يَخَس من باب ضرب: اذا نقص وخف وزنه فلم يعادل ما يقابله. وله أي للميزان، شاهد أي لسان من نفسه، أي من نفس القسط، غير عائل صفة شاهد أي غير مائل، يقال عال الميزان يعول: اذا مال.
[56] الصميم: الخالص من كل شيء. والذؤابة: الجماعة العالية، واصله الخصلة من شعر الرأس.
[57] ألبوا: اجتمعوا، والطمل: الرجل الفاحش.
[58] أقول: قوله (سينشر امرنا) الأمر هنا هو رسالة النبي 9، ويفيد هذا البيت أنَّ أبا طالب كان على يقين أن رسالة النبي 9 سوف تنتشر وتبوء كل محاولات قريش بالخذلان والبيت يؤكد أيضا إيمان أبي طالب برسالة النبي 9.
[59] الغِب بالكسر: العاقبة. ويقال هذا الأمر لا طائل فيه،اذالم يكن فيه غناء ومزية، مأخوذ من الطول بمعنى الفضل.
[60] قال السهيلي: (يقال قوم براء بالضم وبراء بالفتح وبراء بالكسر: فأما براء بالكسر فجمع برى مثل كريم وكرام، واما براء فمصدر مثل سلام، والهمزة فيه وفي الذي قبله لام الفعل، ويقال رجل براء ورجلان براءواذا كسرتها او ضممت لم يجز الا في الجمع، واما براء بضم الباء فالاصل فيه برآء مثل كرماء واستثقلوا اجتماع الهمزتين فحذفوا الاولى، وكان وزنه فعلاء فلما حذفوا التي هي لام الفعل صار وزنه فعاء وانصرف لانّه اشبه فعالا). والمعقة بفتح الميم: مصدر بمعنى العقوق.
[61] قال ابن هشام في السيرة: (زهير هو ابن أبي امية بن المغيرة بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم، وامه: عاتكة بنت عبد المطلب) انتهى. وزهير هو المخصوص بالمدح مبتدأ، وجملة نعم ابن اخت القوم هو الخبروغير مكذب بالنصب حال من فاعل نعم وهو ابن. والحسام: السيف القاطع وهو منصوب على المدح بفعل محذوف أي يشبه الحسام المسلول في المضاء، والمفرد: المجرد. والحمائل: جمع حمالة وهي عُلاقة السيف
[62] الشَّمَم: ارتفاع في قصبة الانف مع استواء اعلاه، وهذا مما يمدح به، وهو اشَم من قوم شُمّ، والبهاليل: جمع بهلول بالضم، والبهلول من الرجال: هو الحيي الكريم.
[63] كلفت بالبناء للمفعول والتشديد: مبالغة كلفت به كلفا من باب تعب: اذا احببته واولعت به، واراد ابوطالب باخوة النبي 9: اولاده جعفراً وعقيلاً وعلياً رضى الله عنهم، فإن أبا طالب كان عم النبي 9، والعم أب فأولاده اخوة النبي 9 (اقول: مضافا الى انه تربى معهم في بيت واحد فهو اخوهم). ودأب مصدر منصوب بفعله المحذوف أي ودأب المحب، يقال فلان دأب فيعمله: اذا جد وتعب.
[64] الذب: الدفع، والمشاكل: جمع مشكلة.
[65] (أي) هي الدالة على الكمال، خبر مبتدأ محذوف أي هو، والمؤمل الذي يرجى لكل خير: والتفاضل بالضاد المعجمة، وهو التغالب بالفضل.
[66] أي هو حليم. والطيش: النزق والخفة: ويوالي الها أي يتخذه وليا، وهو فعيل بمعنى فاعل. من وليه: اذا قام به. ومنه: (الله ولي الذين آمنوا).
[67] الناصل: الزائل المضمحل، يقال نصل السهم: اذا خرج منه النصل، ونصل الشعر ينصل نصولا: زال عنه الخضاب.
[68] في النهاية: (يقال عُنِيتُ بحاجتك أُعنَى بها فأنا بها مَعنىّ، وعُنيت بها فأنا عان، والأول أكثر، أي اهتممت بها واشتغلت) انتهى وهو من باب تعب.
One Response
المقصود ب “جزي الله عنا عبد شمس ونوفل”
أي بنو عبدشمس بن عبد مناف و بنو نوفل بن عبدمناف وهم أبناء عمومتهم حيث انهم لم ينصروهم و حرضوا عليهم وهم أخوة هاشم بن عبدمناف و المطلب بن عبدمناف.