الكاتب: الشيخ وسام الزيبدي
نشر هذا المقال في مجلة فجر عاشوراء العدد 6 و 7
تمهيد:
لا توجد شخصية انقسم إزاءها المسلمون منذ الصدر الأول من التاريخ الإسلامي وبعد رحيل النبي (ص) بحيث استتبع ذلك مواقف عقدية في امة خاتم الرسل كالإمام علي (ع)، فعلى الرغم من وجود نصوص واضحة وصريحة، عن النبي (ص) تبين منزلته منه وتحتّم رعاية حرمته، وتدلل على وجوب اتباعه وطاعته اقول وعلى الرغم من ذلك وُجد من بين اظهر المسلمين من انحرف عنه انحرافا شديدا، وقد تعددت اشكال الانحراف عنه فما بين محارب له، وساب، وشاتم، ومادح لقاتله، وبين مخفٍ، ومعتم ناكر لأحاديث النبي (ص) في إمامته وامامة أولاده بل مختلق لأخبار قبيحة فيه، وأيضا تعددت مواقع المنحرفين عنه من الصحابي، والتابعي والحاكم، والوالي إلى المحدث والفقيه والقاضي والرجالي وغيرهم.
وتُعد احدى المناهج في اكتشاف تداعيات الانحراف عن علي (ع) في الإسلام دراسة أحوال المنحرفين عنه (ع) والتعرف على شخصياتهم وطبيعة انحرافهم عنه (ع).
وكان من أوائل من اهتم بجمع مجموعة من أسماء المنحرفين عن الامام (ع) ابن ابي الحديد في شرح النهج، وكذلك ذكر جملة منهم العلامة الاميني في موسوعة الغدير وغيرهم من العلماء.
المنحرف لغة واصطلاحا:
الانحراف عن الشيء هو الميل والعدول عنه[1]، وانحرف الشخص مال عن جادة الصواب، وحاد عن الصرط المستقيم، وانحرف عن فلان انصرف عنه[2].
اما المنحرف في الاصطلاح، نقصد به كل من مال وانصرف، وعدل عن وصية النبي(ص) بالامامة لعلي (ع)، وقال بحقه السوء، وكتم مناقبه، وعان اعدائه ميلا مع الدنيا وايثارا للعاجلة.[3] وبهذا يكون المنحرف اعم من الناصببي الذي هو خصوص من اعلن العدواة لأهل البيت (ع)[4].
فالمنحرفين عن علي (ع) منهم من اعلن العدواة له بسبه، وشتمه، والخروج عليه وحربه ومنهم من اخفى فضائله وبغضه، وعمد على تحريف سيرته، وانكر منزلته، ومقامه من رسول الله(ص)، ومنهم من خذله ولم ينصره بقول او فعل، وان لم يكن معلنا لبغضه في الواقع.
موقف الإسلام من المنحرف عن علي (ع):
وردت روايات عدة في كتب اهل السنة تؤكد على اهمية حب علي(ع)، والنهي عن بغضه، ومدى تاثيره على ايمان الفرد المسلم، فقد جعل النبي(ص)حب علي (ع) وبغضه ميزان لمعرفة وتمييز المؤمن عن غيره، وقد ورد ذلك في روايات عدة عن اكابر حفاظ اهل السنة، ومحدثيهم، فقد روى احمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، والترمذي في سننه والنسائي في سننه ما نصه قال علي : «والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي (ص) إلي أن لا يحبني إلاّ مؤمن، ولا يبغضني إلاّ منافق»[5].
وروي ايضا عن جابر بن عبد الله قال: «ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار إلاّ ببغضهم علياً»، وعن ابي ذر قال: «ما كنا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب(ع)»، وعلق عليه الحاكم في المستدرك بقوله، «و هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»[6]، وعن ابي سعيد الخدري قال: «انا كنا لنعرف المنافقين نحن معاشر الانصار ببغضهم علي بن ابي طالب»[7]، وعن ام سلمة قالت:سمعت رسول الله (ص) يقول: «لايبغض عليا مؤمن ولا يحبه منافق»[8]،وعن ابن عباس: نظر رسول الله (ص) إلى علي(ع) فقال: «لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق»[9].
وروى الحاكم في المستدرك: «عن علي بن الحزور قال: سمعت أبا مريم الثقفي يقول: سمعت عمار بن ياسر يقول: سمعت رسول الله (ص): يقول لعلي: (يا علي، طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك، هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»[10].
هذا وغيرها من النصوص التي فيها دلالة واضحة وصريحة على ان علامة الايمان حب علي(ع)، وعلامة النفاق بغض علي(ع). ومن هنا يمكن لنا تمييز المؤمن من المنافق من الصحابة والتابعين، وذلك من خلال عرض سيرته وتاريخيه وموقفه من علي بن ابي طالب(ع) وسياتي الحديث عنه مفصلا.
المنحرفون عن علي(ع):
ذكرت كثير من المصادر الاسلامية ان هناك من الصحابة، والتابعين كانوا منحرفين عن علي (ع)، وذلك منذ عهد رسول الله (ص) وبعده، فقد عمد كثير منهم على اخفاء فضائل الامام علي (ع) بغضا، او حقدا، او حسدا، بل وردت نصوص عدة تصرح بأن بعض الصحابة، والتابعين قد تركوا العمل بسنة النبي(ص) بغضا بعلي(ع)، وذلك من قبيل ما روي عن سعيد بن جبير قال: «كنا مع ابن عباس بعرفة، فقال لي: يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبون؟ فقلت: يخافون من معاوية قال: فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك، فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي»[11]، وفي لفظ آخر عن سعيد بن جبير قال: «أتيت ابن عباس بعرفة وهو يأكل رمانا فقال: أفطر رسول الله بعرفة وبعثت إليه أم الفضل بلبن فشربه، و قال: لعن الله فلانا عمدوا إلى أعظم أيام الحج فمحوا زينته، وإنما زينة الحج التلبية»[12].
أنس بن مالك:
خادم رسول الله (ص)، الأنصاري، ومن اصحابه، وهو ممن كتم شهادته بحديث الغدير، فدعا عليه أمير المؤمنين علي (ع)، فابتلي بالبرص طيلة حياته حتى قال طلحة بن عمير: فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه، وروى عثمان بن مطرف: أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب، فقال: إني آليت أن لا أكتم حديثا سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة، ذاك رأس المتقين يوم القيامة سمعته والله من نبيكم[13].
وان انحراف انس بن مالك، وبغضه لعلي(ع) لم يكن من كتمانه الشهادة فقط بل كان من عهد رسول الله (ص)، وخير شاهد على ذلك حديث الطائر المشوي المستفيض الذي رواه علماء الفريقين، فقد اخرج الحاكم النيسابوري عن انس بن مالك قال: «كنت اخدم رسول الله (ص)، فقدم لرسول الله (ص)، فرخ مشوي، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير, قال فقلت: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار فجاء علي رضي الله عنه فقلت: إن رسول الله(ص) على حاجة ثم جاء فقلت: إن رسول الله(ص)على حاجة ثم جاء فقال: رسول الله(ص): افتح, فدخل، فقال رسول الله (ص): ما حبسك عليّ, فقال: إن هذه آخر ثلاث كرات يردني انس يزعم انك على حاجة، فقال: ما حملك على ما صنعت فقلت: يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلاً من قومي فقال: رسول الله(ص): إن الرجل قد يحب قومه». وعلق عليه الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه[14]، وكذلك افرد الذهبي لهذا الحديث رسالة خاصة واعترف بصحته[15].
الأشعث بن قيس:
أبو محمد من أصحاب رسول الله (ص) سكن الكوفة، وارتد بعد النبي (ص)، ثم عاد مسلماً! وزوجه أبو بكر أخته أم فروة و كانت عوراء، فولدت له محمدا[16]، وهو عامل عثمان على اذربيجان ايام خلافته، وكان ممن يبغضون عليا (ع)، ولمّا بويع عليّ (ع) كتب إليه مع زياد ابن مرحب الهمداني رسالة ذكر فيها بيعة طلحة والزبير، ونقضهما البيعة،وقال: «وإنّ عملك ليس لك بطعمة، ولكنّه أمانة، وفي يديك مال من مال الله، وأنت من خزّان الله عليه حتى تسلّمه إليّ»، فلمّا قرأ كتاب علي(ع) قال لبعض أصحابه: «إنّه قد أوحشني وهو آخذ بمال آذربايجان»، وأراد اللحوق بمعاوية، فمنعه بعض أصحابه حتى قدم على عليّ(ع)، وهو معزول عن الولاية[17].
وكان الاشعث رئيس المنافقين في عسكر الإمام علي(ع) في صفين، وقصة نفاقه، ولعنه مشهورة، ذكرها ابن ابي الحديد في شرح النهج، وقال في حقه: «ان كلّ فساد كان في خلافة عليّ ـ (ع) ـ وكلّ اضطراب حدث فأصله الأشعث»[18].
معاوية بن أبي سفيان:
لا يخفى على احد بغض معاوية بن ابي سفيان لعلي (ع)، فهو اول من سن سب أمير المؤمنين (ع) على منابر المسلمين، وامر الصحابة بسبه، فقد روى مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب، فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله (ص) فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله (ص) يقول له وخلفه في بعض مغازيه، فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله (ص) أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال: فتطاولنا لها، فقال: إدعوا لي علياً فأتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية : فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم دعا رسول الله (ص) علياً وفاطمة وحسناً، وحسيناً، فقال: اللهم هؤلاء أهلي»[19].
وقال ابو عثمان الجاحظ: «ان معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم ان ابا تراب الحد في دينك وصد عن سبيلك، فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا اليما، وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر، وصار بذلك سنة في ايام بني أمية، إلى ان قام عمر بن عبد العزيز فازاله»[20].
وقد ذكره ابن ابي الحديد في جملة المنحرفين عن علي (ع) وقال: «وكان علي (ع)يقنت في صلاة الفجر، وفي صلاة المغرب، ويلعن معاوية، وعمرا، والمغيرة والوليد بن عقبة، وأبا الأعور والضحاك بن قيس وبسر بن أرطاة وحبيب بن مسلمة، وأبا موسى الأشعري ومروان بن الحكم وكان هؤلاء يقنتون عليه ويلعنونه. وروى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلم رحمه الله تعالى عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال: أتيت مسجد رسول الله (ص) والناس يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله! فقلت: ما هذا؟ قالوا: معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان، فخرجا من المسجد، فقال رسول الله(ص) لعن الله التابع والمتبوع»[21].
المغيرة بن شعبة:
من أصحاب رسول الله (ص)، والتحق مع معاوية بصفين، وكان من السبّابين لعلي(ع) فقد روى الحاكم في المستدرك حديثا صحيحا على شرط مسلم عن زياد بن علاقة عن عمه أن المغيرة بن شعبة سب علي بن أبي طالب(ع)، فقام إليه زيد بن أرقم، فقال: يا مغيرة! ألم تعلم أن رسول الله (ص) نهى عن سب الأموات؟ فلم تسب علياً، وقد مات) وعلق على هذا الحديث الالباني بانه صحيح.[22]
وذكره ابن ابي الحديد في جملة المنحرفين عن علي(ع)، و روى عن صاحب الغارات عن جندب بن عبد الله قال: ذكر المغيرة بن شعبة عند علي(ع)، وجده مع معاوية قال: وما المغيرة؟ إنما كان إسلامه لفجرة، وغدرة غدرها بنفر من قومه فتك بهم، وركبها منهم فهرب منهم، فأتى النبي (ص)كالعائذ بالإسلام ؛ والله ما رأى أحد عليه منذ ادعى الإسلام خضوعا ولا خشوعا ألا وأنه يكون من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة؛ يجانبون الحق، ويسعرون نيران الحرب، ويوازرون الظالمين، ألا إن ثقيفا قوم غدر لا يوفون بعهد يبغضون العرب كأنهم ليسوا منهم، ولرب صالح قد كان منهم؛ فمنهم عروة بن مسعود، وأبو عبيد بن مسعود المستشهد يوم قس الناطف. وإن الصالح في ثقيف لغريب[23].
عبدالله بن الزبير:
من أصحاب رسول الله (ص)، ابوه الزبير، وامه اسماء بنت ابي بكر، ولكن كان شديد البغض لعلي(ع)، وسبابا له ولبني هاشم وممن خرج مع عائشة من البصرة في معركة الجمل، قال ابن ابي الحديد: ومن المنحرفين عنه المبغضين له عبد الله بن الزبير، وقد ذكرناه آنفا، كان علي (ع) يقول: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله، فأفسده وعبد الله هو الذي حمل الزبير على الحرب، وهو الذي زين لعائشة مسيرها إلى البصرة، وكان سبابا فاحشا يبغض بني هاشم، ويلعن ويسب علي بن أبي طالب (ع)، وقال في موضع آخر: «وكان عبدالله بن الزبير يبغض عليا (ع)، وينتقصه وينال من عرضه»[24].
و قال اليعقوبي: «وتحامل عبد الله بن الزبير على بني هاشم تحاملا شديدا، وأظهر لهم العداوة والبغضاء حتى بلغ ذلك منه أن ترك الصلاة على محمد في خطبته، فقيل له: لم تركت الصلاة على النبي؟ فقال: إن له أُهيل سوء يشرئبون لذكره، ويرفعون رؤوسهم إذا سمعوا به. وأخذ ابن الزبير محمد بن الحنفية وعبدالله بن عباس وأربعة وعشرين رجلاً من بني هاشم»[25].
وحدث المسعودي أن عبدالله بن الزبير تجاوز في عدائه لآل علي (ع) حتى إنه كان ينال من علي(ع) في خطبه قال: «خطب ابن الزبير فنال من علي».
وروي عن سعيد بن جبير «أن عبدالله ابن عباس دخل على ابن الزبير، فقال له ابن الزبير: أنت الذي تؤنبني وتبخلني؟ قال ابن عباس: نعم سمعت رسول الله(ص) يقول: ليس المسلم يشبع، ويجوع جاره، فقال ابن الزبير: إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة»[26].
سمرة بن جندب:
من أصحاب رسول الله (ص)، وكان من المنافقين المبغضين لعلي (ع)، فقد روى ابن ابي الحديد، قال أبو جعفر، «وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب ﴿وَمِنَ اَلنَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اَللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ اَلْخِصامِ وَ إِذا تَوَلَّى سَعى فِي اَلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ اَلْحَرْثَ وَ اَلنَّسْلَ وَ اَللهُ لا يُحِبُّ اَلْفَسادَ﴾، وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي قوله تعالى ﴿وَ مِنَ اَلنَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللهِ﴾ فلم يقبل فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل فبذل له أربعمائة ألف فقبل وروى ذلك»[27].
وقد استخلف زيادا سمرة على البصرة، وذلك عندما ارتحل إلى الكوفة، فلمّا استخلفه أكثرَ القتل فيها، فقال ابن سيرين: «قتل سمرة في غيبة زياد هذه ثمانية آلاف فقال له زياد: أما تخاف أن تكون قتلتَ بريئاً؟، فقال سمرة: لو قتلتُ معهم مثلهم ما خشيتُ، وقال أبو السوار العدوي: قتل سمرة من قومي في غداة واحدة سبعة وأربعين كلّهم قد جمع القرآن»[28].
وقال ابن ابي الحديد: «وروى أحمد بن بشير عن مسعر بن كدام قال: كان سمرة بن جندب أيام مسير الحسين (ع) إلى الكوفة على شرطة عبيد الله بن زياد، وكان يحرض الناس على الخروج إلى الحسين(ع)، وقتاله»[29].
كعب الاحبار:
كعب الاحبار بن ماتع الحميري، من كبار علماء اهل الكتاب، اسلم في زمن عمر، وقدم من اليمن في خلافة عمر، وتوفي في خلافة عثمان، وقد نشر الاحاديث الاسرائيلية في عهد عمر ومنه ظهرت احاديث التجسيم والرؤية[30]،وكان ممن يتزلف للخلفاء،وروى احاديث بحقهم ومدحهم[31]، وكان عثمان يستفتيه في اخذ بيت مال المسلمين لينفقه على اموره، وكعب يجوز له، وقد اعترض عليه ابا ذر الغفاري رضي الله عنه ووضع الدرة بصدر كعب، وقال: له ما اجرأك على القول بديننا، فقال عثمان غيب وجهك عني فقد اذيتنا[32]، وقد روى كعب بانه تنبا بمولد النبي (ص)، وهجرته وان ملكه سيكون في الشام، وذلك تزلفا لمعاوية[33].
وقال ابن ابي الحديد المعتزلي: «روى جماعة من أهل السير أن عليا (ع) كان يقول عن كعب الأحبار: إنه لكذاب، وكان كعب منحرفا عن علي(ع)»[34].
مطرف بن عبدالله:
روى صاحب كتاب الغارات عن إسماعيل بن حكيم عن أبي مسعود الجريري: «كان ثلاثة من أهل البصرة يتواصلون على بغض علي (ع) مطرف بن عبد الله بن الشخير، والعلاء بن زياد، وعبد الله بن شقيق، وكان مطرف عابدا ناسكا، وقد روى هشام بن حسان عن ابن سيرين أن عمار بن ياسر دخل على أبي مسعود وعنده ابن الشخير، فذكر عليا بما لا يجوز أن يذكر به، فقال عمار: يا فاسق! وإنك لها هنا؟، فقال أبو مسعود: أذكرك الله يا أبا اليقظان في ضيفي»[35].
ابو بردة بن ابي موسى الاشعري:
هو من التابعين، وقد شهد على حجر بن عدي رضوان الله عليه عند زياد، قال الطبري: «ونظر زياد في شهادة الشهود فقال: ما أظن هذه الشهادة قاطعة، وإنّي لاحب أنّ تكون الشهود أكثر من أربعة»، وكان من الشهود بردة حيث قال: «بسم اللّه الرحمن الرحيم: هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى للّه ربّ العالمين، شهد أنَّ حُجر بن عديّ خلع الطاعة وفارق الجماعة ولعن الخليفة ودعا إلى الحرب والفتنة وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية، وكفر باللّه عزَّ وجلَّ كفرةً صلعاء»، وعندها قال زياد: «على مثل هذه الشهادة فاشهدوا»[36].
وقال ابن ابي الحديد: «قال: وقد روى عبد الرحمن المسعودي عن ابن عياش المنتوف قال: رأيت أبا بردة قال لأبي العادية الجهني قاتل عمار بن ياسر: أأنت قتلت عمار بن ياسر؟ قال: نعم. قال: ناولني يدك، فقبلها، وقال: لا تمسك النار أبدا»[37].
الزهري:
يعتبر الزهري من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين(ع) وأهل بيته(ع)، كان ينال منهم ويضع الأحاديث في الحطّ منهم وفي فضل غيرهم وتقديم غيرهم عليهم، وكذلك عروة بن الزبير.
قال ابن أبي الحديد: «كان الزهري من المنحرفين عنه. وروى جرير بن عبد الحميد، عن محمد بن شيبة، قال: شهدت مسجد المدينة فإذا الزهري وعروة ابن الزبير جالسان يذكران عليا فنالا منه. فبلغ ذلك عليّ بن الحسين، فجاء حتى وقف عليهما فقال: أما أنت يا عروة فان أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك. وأما أنت يا زهري، فلو كنت بمكة لأريتك كير أبيك».
قال: «وروى عاصم بن أبي عامر البجلي، عن يحيى بن عروة، قال: كان أبي إذا ذكر علياً نال منه».
هذا، وقد بلغ عداء الزهري لأهل البيت(ع)حدّاً جعله يروي حتى عن عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقد قال الذهبي: «عمر بن سعد بن أبي وقاص. عن أبيه. وعنه: إبراهيم وأبو إسحاق وأرسل عنه الزهري وقتادة»، وقال ابن معين: «كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟»[38].
عائشة بنت ابي بكر:
وقد ذكرت نصوص عدة ان عائشة كانت تكره عليا(ع) وتبغضه ولا تطيب له نفسا، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن الزهري قال: «أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة قالت: لما ثقل النبي (ص)، وإشتد به وجعه إستأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج النبي (ص) بين رجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس ورجل آخر قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر قلت: لا قال: هو علي بن أبي طالب»[39].
وقال ابن حجر في فتح الباري: «قوله: قال: هو علي بن أبي طالب، زاد الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق، عن معمر، ولكن عائشة لا تطيب نفساً له بخير، و لإبن إسحاق في المغازي عن الزهري، ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير)[40].
ومنها ما رواه احمد في مسنده عن النعمان بن بشير قال: «إستأذن أبوبكر على رسول الله (ص)، فسمع صوت عائشة عالياً، وهي تقول: والله لقد عرفت أن علياً أحب إليك من أبي ومني مرتين أو ثلاثاً، فإستأذن أبوبكر فدخل فأهوى إليها، فقال: يا بنت فلانة ألا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله (ص)»[41].
وقد روى المؤرخون انه لما بلغ عائشة خبر مقتل الامام علي(ع)، تمثلت بقولها:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى
كما قر عيناً بالاياب المسافر[42]
حريز بن عثمان الحمصي:
وهو من رواة البخاري، و قال أحمد بن أبي يحيى، عن أحمد: حريز صحيح الحديث إلا أنه يحمل على علي، وقال المفضل بن غسان: يقال في حريز مع تثبته إنه كان سفيانيا، وقال العجلي: شامي ثقة، وكان يحمل على علي، وقال عمرو بن علي: كان ينتقص عليا وينال منه، وقال في موضع آخر: ثبت شديد التحامل على علي، وقال أحمد بن سليمان الرهاوي سمعت يزيد بن هارون يقول، وقيل له كان حريز يقول لا أحب عليا قتل آبائي، فقال: لم أسمع هذا منه كان يقول: لنا إمامنا ولكم إمامكم، … سمعت حريز يقول: لا أحبه قتل آبائي يعني عليا. وقال ابن عياش قال: عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسب عليا ويلعنه، وقال ايضا: سمعت حريز بن عثمان يقول: هذا الذي يرويه الناس عن النبي(ص) إنه قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى حق ولكن أخطأ السامع، قلت فما هو؟ فقال: إنما هو أنت مني بمنزلة قارون من موسى قلت عمن ترويه قال: سمعت الوليد بن عبدالملك يقوله وهو على المنبر … وحكى الأزدي في الضعفاء أن حريز بن عثمان روى أن النبي (ص) لما أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب فحل حزام البغلة ليقع النبي (ص) . قال الأزدي من كانت هذه حاله لا يروى عنه، وقال الوحاظي أملى عليّ حريز بن عثمان عن عبدالرحمن بن ميسرة عن النبي (ص) حديثا في تنقيص علي بن أبي طالب لا يصلح ذكر حديث معقل منكر جدا لا يروي مثله من يتقي الله، قال الوحاظي: فلما حدثني بذلك قمت عنه وتركته.
وقال غنجار: قيل ليحيى بن صالح لم تكتب عن حريز؟ فقال: كيف اكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة وقال ابن حبان: كان يلعن عليا بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة، فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي[43].
هذا وقد ذكرت المصادر الاسلامية كثيرا من الصحابة والتابعين ممن كانوا يبغضون عليا (ع) لا يسع المقام لذكر تفاصيلهم، وسنقتصر على ذكر اسمائهم كما ذكرتهم المصادر الاسلامية، فقد ذكر ابن ابي الحديد بعضهم من قبيل: سعيد بن المسيب، وابو عبد الرحمن السلمي، وابو مسعود الانصاري، والوليد بن عقبة، ويزيد بن حجية وعبدالله بن عبد الرحمن بن مسعود بن اوس بن ادريس بن معتب الثقفي، والقعقاع بن شور والنجاشي الشاعر من بني الحارث، وحنظلة بن الكتاب، ووائل بن حجر الحضرمي،والحسن بن ابي الحسن البصري، والاسود بن يزيد، ومسروف بن الاجدع وابا وائل شقيق بن سلمة، وقيس ابن ابي حازم، وزيد بن ثابت، واخيه عمرو،ومكحول، والعلاء بن زياد، ومرة الهمداني، وشريح، وعبدالله بن عكيم، وحماد بن زيد، وشبابة بن سوار، وابي بكر، وعمر، وعثمان.
وكان اهل مكة كلهم يبغضونه قاطبة وكانت قريش كلها على خلافه[44].
وكان بالحجاز من مبغضيه ابو هريرة، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، وزيد بن ثابت وقبيصة بن ذويب، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وكانت قريش كلها على خلافه مع بني أمية[45].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] معجم مقاييس اللغة لابن فارس ج2 ص 42.
[2] المعجم الوسيط ج1 ص 167.
[3] شرح النهج، ج4، ص66
[4] منهاج الصالحين، السيد السيستاني،ج1/ كتاب الطهارة/ بعد مسألة 407.
[5] مسند احمد، مسند العشرة المبشرين بالجنة – مسند الخلفاء الراشدين – ومن مسند علي بن أبي طالب، صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي (ر) من الإيمان وعلا ماته، سنن الترمذي – كتاب المناقب – باب مناقب علي بن أبي طالب اته، وعلق عليه بانه حديث حسن صحيح.، سنن النسائي – كتاب الإيمان وشرائعه – علامة الإيمان
[6] مستدرك الحاكم، كتاب معرفة الصحابة – من علامات المنافق بغض علي – رقم الحديث: (4698).
[7] سنن الترمذي، ج13، ص 186،
[8] المصنف لابن ابي شيبة، ج12 ص 77، ومسند احمد ج6 ص 292.
[9] مجمع الزوائد، ج9، ص 133.
[10] مستدرك الحاكم، كتاب معرفة الصحابة، رقم الحديث 4713.
[11] سنن النسائي، ج5، ص 253، وقد عليه عليه الالباني بانه (صحيح الاسناد) واخرجه الحاكم في المستدرك كتاب المناسك – رقم الحديث: 1706، وقال عنه حديث صحيح على شرط الشيخين.
[12] مسند احمد ج1 ص 217.
[13] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج4، ص74، مسند أحمد ج1،ص194
[14] المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 142.
[15] تذكرة الحفاظ ج3، ص 1042، ص 1043.
[16] رجال الشيخ الطوسي، ص23.
[17] نصر بن مزاحم: وقعة صفّين 465.
[18] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص297 ب19.
[19] صحيح مسلم – كتاب فضائل الصحابة – باب من فضائل علي بن أبي طالب.
[20] شرح النهج ج4، ص 56
[21] شرح النهج، ج4، ص 61
[22] مستدرك الحاكم – كتاب الجنائز – كتاب الجنائز – النهي عن سب الأموات – رقم الحديث: (1459)، الألباني – كتب تخريج الحديث النبوي الشريف – رقم الحديث: (2397).
[23] شرح النهج لابن ابي الحديد، ج1 ص 1005.
[24] شرح النهج ص 47، 61.
[25] تاريخ اليعقوبي ج2، ص 178
[26] مروج الذهب ج3، ص 89، شرح النهج لابن ابي الحديد ج4 ص 48.
[27] شرح النهج ج4 ص73.
[28] الكامل في التاريخ ج3 ص318.
[29] شرح النهج، ج4 ص 60.
[30] حلية الأولياء: ج٦ص٢٠، الشرح الحديدي: ج ٣ص٢٣٧.
[31] انظر مروج الذهب: ج٢ص٣٣٩ ـ ٣٤٠، حلية الأولياء: ج٥ص ٣٨٩ ـ ٣٩٠، حلية الأولياء: ج ٦ص٢٥.
[32] مروج الذهب: ج٢ص٣٣٩ ـ ٣٤٠.
[33] سنن الدارمي: ج ١ص٥.
[34] شرح النهج ج4، ص 59.
[35] شرح النهج، ج4، ص 71
[36] تاريخ الامم والملوك للطبري، ج3، ص 226
[37] شرح النهج، ج4، ص75
[38] ميزان الاعتدال للذهبي، ج3 ص 198.
[39] صحيح البخاري – كتاب الوضوء – باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح.
[40] إبن حجر – فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابواب صلاة الجماعة والامامة، ص 183.
[41] مسند أحمد – أول مسند الكوفيين – حديث النعمان بن بشير عن النبي ص
[42] تاريخ الطبري – ج 3، 5، ص 150، 159، والطبقات لابن سعد، ج3، ص 40، تاريخ ابن الاثير ج2 ص 348.
[43] تهذيب التهذيب ج2 ص 207-209.
[44] شرح النهج لابن ابي الحديد، ص 56، إلى 87
[45] الغارات للثقفي، ج2، ص 569.