الصقت بالتشيع على طول تاريخه منذ عصره الاول وإلى يومنا هذا تُهم وافتراءات واكاذيب كثيرة، وقد بيّن علماؤنا رحمهم الله تعالى زيفها وكذبها، من سلسلة التهم والافتراءات والأكاذيب الجديدة التي يحاول الفكر التكفيري المعاصر الصاقها بالتشيع هي: ان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين (ع) كان شيعيا، وعليه فان قتل الحسين (ع) يلقى على عاتقهم وان التشيع ما جلب إلى اهل البيت (ع) إلا المصائب والفجائع. والعجيب أني رأيت بعض الشباب قد تلقى هذه التهمة على انها حقيقة تاريخيّة ثابتة وأنها جديرة بالعبرة لمن اعتبر.
لكن بمراجعة ترجمة شمر بن ذي الجوشن (عليه لعنة الله) في الكتب المختصة بالتراجم ككتاب تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر وكتاب الوافي بالوفيات للصفدي[1] وكتاب ميزان الاعتدال للذهبي وكتاب الاعلام للزركلي وغيرها يتضح عدم وجود ما يدل على ميل الشمر لأهل البيت (ع) فضلا عن تشيعه لهم، بل الذي يفاجئنا التصريح منهم بانه قاتل الحسين (ع) .
اما الذي تم العثور عليه من تتبع مصادر التاريخ ان شمرا (لعنه الله) كان من خواص عبيد الله بن زياد المعروف بنَصبه وبُغضه لآل البيت (ع) :
- نقل ابن كثير في كتابه: ان عبيد الله بن زياد بعث شمرا (لعنه الله) فقال: «اذهب فان جاء حسين على حكمي والا فمر عمر بن سعد ان يقاتلهم فان تباطا عن ذلك فاضرب عنقه، ثم انت الأمير على الناس».[2]
- ونقل ابن حجر: عن ابي إسحاق كان شمر بن ذي الجوشن يصلّي معنا الفجر، ثمّ يقعد حتّى يصبح، ثمّ يصلّي فيقول: اللّهمّ، إنّك شريف تحبّ الشّرف، وأنت تعلم أنّي شريف، فاغفر لي! فقلت: كيف يغفر اللّه لك، وقد خرجت إلى ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأعنت على قتله؟ قال: ويحك، فكيف نصنع، إنّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر، فلم نخالفهم، ولو خالفناهم كنّا شرّا من هذه الحمر السقاة.[3]
وهذا الخبر الأخير يدل بوضوح على عقيدته ورأيه وطبيعة ميوله وطاعته للاموييين وولاتهم.
واما مصدر الشبهة، فهو ما ورد في بعض المصادر من ان الشمر كان مع علي بن ابي طالب (ع) في صفين، فقد ذكر الشيخ عباس القمي في ترجمة الشمر في كتابه سفينة البحار «كان شمر لعنه الله في جيش امير المؤمنين (ع) يوم صفين».[4] وذكر الزركلي في كتاب الاعلام نحو ذلك (ج4 ص175).
وقد استدل بذلك اتباع الفكر التكفيري كذبا وزورا على ان شمرا كان من الشيعة، القارئ المثقف فضلا عن أصحاب العلم يعرف ان مجرد كون الشخص في جيش امير المؤمنين (ع) في يوم صفين لا يدل على كونه شيعيا لان الخوارج الذين غرتهم حيلة عمرو بن العاص لم يكونوا من الشيعة بل كانوا يصلّون صلاة التراويح على سنة الخليفة الثاني ومن المعروف ان شمرا قد انضم إليهم مع جماعة.
ما قُدّم أجزأ فيما قُصِد، ولكن نرجع لطرح المسألة من زاوية أخرى تنقلب فيها المعادلة ويتضح فيه الحق، حيث ان الصفدي قال في كتابه الوافي بالوفيات بترجمة الشمر: «كانت لأبيه صحبة وهو تابعي». أي ان شمرا كان تابعيا، واذا كان الشخص تابعيا فانه من اهل خير القرون حسب تصور اتباع الفكر التكفيري لانه منزه عندهم على أساس رواية[5] البخاري «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، وعليه لو ضممنا الى ذلك ما قاله ابن حجر في لسان الميزان عن شمر: «أحد قتلة الحسين رضی الله عنه»[6] تكون النتيجة ان شمرا (لعنه الله) وهو من خير القرون (أي التابعين) قتل الحسين سبط رسول الله (ص) الذي أجمعت الامة على انه خير الناس وافضلهم واجلهم لاحاديث النبي (ص) فيه: «حسين مني وانا من حسين»، «احب الله من احب حسينا».
والعبرة هنا تقع لمن يريد ان يعتبر، ولكن الاعجب ان طائفة من علماء العامة كيحيى بن معين واشباهه يرون وثاقتة الشمر (لعنه الله) على الرغم من ان ابي إسحاق السبيعي يقول فيه: «كان شمر بن ذي الجوشن الضبابي لا يكاد أو لا يحضر الصلاة معنا»[7]. وصدق الله تعالى حيث يقول: ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ المائدة/100.■■
[1] قال الصفدي: «شمر بن ذي الجوشن، أبو السابغة العامري ثم الضبابي حي من بني كلاب؛ كانت لأبيه صحبة، وهو تابعي؛ أحد من قاتل الحسين رضي الله عنه، وحدث عن أبيه، روى عنه أبو إسحاق السبيعي، وفد على يزيد مع أهل البيت، وهو الذي احتز رأس الحسين على الصحيح، قتله أصحاب المختار في حدود السبعين للهجرة لما خرج المختار وتطلب قتلة الحسين وأصحابه؛ وإنما سمي أبوه ذو الجوشن لأن صدره كان ناتئاً، قال خليفة العصفري: الذي ولي قتل الحسين شمر ابن ذي الجوشن، وأمير الجيش عمر بن سعد بن مالك؛ قال محمد بن عمر ابن حسين: كنا مع الحسين بن علي بنهر كربلاء، فنظر إلى شمر بن ذي الجوشن فقال: صدق الله ورسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي». الوافي بالوفيات ترجمة الشمر.
[2] البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص140.
[3] لسان الميزان لابن حجر ج3 ص152 ـ 153. وقد علق ابن حجر بعد ايراده الخبر بكلام احب نقله هنا قال : «ان هذا لعذر قبيح، فانما الطاعة في المعروف».
[4] راجع سفينة البحار للقمي ج4 ص492. وينقل الشيخ عباس القمي في نفس الصحفة عن كتاب مثالب العرب لابن الكلبي ان امرأة ذي الجوشن خرجت من جبانة السبيع إلى جبانة كندة فعطشت في الطريق ولاقت راعيا يرعى الغنم فطلبت منه الماء فابى ان يعطيها الا بالاصابة منها فمكنته فواقعها الراعي فحملت بشمر.
[5] الشيعة لا يرون صحة هذا الحديث.
[6] ج4 ص259 .
[7] لسان الميزان لابن حجر ج4 ص259 .