- التاريخ هو الاحداث التي وقعت في الزمن السابق والتي تكشف عما هو مستور وغائب عن الانسان الحاضر، وكل حدث له ثلاثة اضلاع: (الزمان والمكان والانسان) وعلم التاريخ يدرس الاحداث التاريخية وينقِّحها من أجل اهداف متعددة، مثل الاثراء المعرفي، اشباع رغبة الانسان لمعرفة مجريات الزمن السابق، أخذ الدروس والعبر، ومن أهم تلك الأهداف واقواها إثارة هو: اختبار الأفكار ولنسميها بالعقائد، فالتاريخ الذي اسند إلى مصدر صحيح وموثوق سوف يحدد انطباق الأفكار والتصورات والعقائد على الواقع او تخلفها، فهو بمثابة المختبر العلمي الذي يحدد المؤشرات المتنوعة.
- وكمثال على ذلك هو ما وقع فيه الخلاف حول شخصية خالد بن الوليد فمن قائل انه شخصية لم يدخل الإسلام إلى اعماقه بل بقيت رواسب الجاهلية هي التي تحركه، ومن قائل ان الرجل له منزلة كبيرة.
- والآن حان اختبار هذه الشخصية:
- حيث جاء في اخبار السيرة النبوية: كان رسول الله (ص) قد بعث السَّرايا بعد الفتح فيما حول مكة يدعون الناس إلى الإسلام ولم يأمرهم بقتال.
- وكان ممن بعث خالد بن الوليد بعثه داعياً ولم يبعثه مقاتلاً، وخرج معه عبد الرحمن بن عوف ورجال من بني سُليم فنزل على الغُمَيْصاء (ماء من مياه جذيمة بن عامر) 1، وكانت جذيمة أصابت في الجاهلية عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف، والفاكه بن المغيرة عم خالد، فلما نزل خالد ذلك الماء أخذ بنو جذيمة السلاح، فقال لهم خالد: ضعوا السلاح فإنَّ الناس قد أسلموا، فوضعوا السلاح، فأمر خالد بهم فكُتِّفوا ثم عَرَضَهم على السيف وكانوا قريباً من ثلاثين.
- قال عبد الرحمن بن عوف: واللهِ لقد قتل خالد القوم مسلمين، فقال خالد: إنما قتلتهم بأبيك عوف بن عبد عوف، فقال له عبد الرحمن: ما قتلت بأبي ولكنك قتلت بعمك الفاكه بن المغيرة.
2
- فلما انتهى الخبر إلى النبي (ص) رفع يديه إلى السماء ثم قال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد»، ثم أرسل علياً ومعه مال وأمره أن ينظر في أمرهم فوَدَى لهم الدماء والأموال حتى أنه لَيَدِي مِيلَغَةَ
3
الكلب، وبقي معه من المال فَضْلَةٌ فقال لهم علي: هل بقي لكم مال أو دم لم يُؤدَ؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيتكم هذه البقية احتياطاً لرسول الله (ص) ففعل، ثم رجع إلى رسول الله (ص) فأخبره فقال: أصَبتَ وأحسنتَ4
لَما فعلتَ أحبُّ إلىَّ من حُمُر النَّعم5
قال اليعقوبي: ويومئذ قال لعلي: فداك أبواي.6
- وللعلم ليست هذه الغلطة الوحيدة التي ارتكبها خالد بن الوليد وذبح 30 مسلما بل له اخطاء كبيرة ومتعددة اخرى في دماء المسلمين معروفة تراجع في الكتب التاريخية سواء في حياة النبي (ص) وبعد رحيله. ومن اشهرها قتله مالك بن نويرة ونكح امرأته بالباطل. معلومة اخرى جديرة بالانتباء واكمال الاختبار هي: خالدا شخصية معتمدة من قبل السلطات التي جاءت بعد النبي (ص) حتى سنة 35 هجرة قبل حكم امير المؤمنين علي بن ابي طالب.
- وختاما نحن لسنا ابدا بصدد المقارنة فلا يمكن لاي عاقل يحترم عقله ونفسه عقد مقارنة بين الشخصيات الأولى في الإسلام مثل النبي (ص) وربيبه ووزيره ووصيه الامام علي بن ابي طالب (ع) وأمثال خالد بن الوليد. والهدف هو تطبيق لقاعدة على مثال معروف ومشهور في التاريخ الإسلامي، والامثلة كثيرة جدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ - 1 موضع في بادية العرب قرب مكة.
- 2 تاريخ اليعقوبي ج2: 62 انظر أيضاً الكامل لابن الاثير 2: 256.
- 3 الاناء الذي يلغ فيه الكلب.
- 4 الكامل لابن الاثير 2: 256، إمتاع الأسماع.
- 5 حمر النعم خير الانعام وافضلها.
- 6 تاريخ اليعقوبي ج2 ص61. وقد روى البخاري ج3 ص164 حديث رقم 2749 رواية موضوعة على لسان علي 7 انّه قال: ما رايت النبي (ص) يفدي احداً غير سعد سمعته يقول ارم فداك ابي وامي. وفي حديث رقم 5830 قال اظنه يوم احد.
عدد الزوار: 87