الكاتب: العلامة المحقق السيد سامي البدري
نشر هذا المقال في مجلة فجر عاشوراء الثقافي العدد 6 و 7
ثقافة المجتمع الإسلامي من البعثة سنة (13ق . هـ) الى سنة 10هـ:
أسس النبي (ص) المجتمع الإسلامي على نفي عبادة الأصنام وهدم إمامة قريش الدينية ونسخ قراءة التوراة للثواب وهدم إمامة أهل الكتاب الدينية وقبول قصصهم عن الأنبياء (ع) بعد عرضها على القرآن الكريم والسنة، واثبات عبادة الله تعالى والتعبد بتلاوة القرآن الكريم وإطاعة النبي (ص) فيما يبينه من سنته وإطاعة أهل بيته(ع)وأولهم علي (ع) فيما يبينونه من سنة النبي(ص).
ارجع مقام إبراهيم (ع)إلى مكانه الأول ملاصقا لجدار الكعبة.
هدم البدع التي أدخلتها قريش في الجاهلية، وادخل العمرة في الحج إلى الأبد. ساوى بين الناس في العطاء وساواهم في الفروج فالمؤمن كفء المؤمنة. نهاهم عن الجماعة في صلاة التطوع في شهر رمضان.
جاءهم بالأذان وفيه فصل حي على خير العمل . أمرهم بتدوين الحديث لما سالوه وقال لهم يخرج من فيه (فمه) إلا الحق . أمرهم بنشر سنته بقوله (رحم الله من بلغ عني، فرب حامل فقه إلى من هو افقه) .نهاهم عن قراءة التوراة وا سفارها للتثقف بها وقال لهم : (امتهوكون انتم، والله لو كان موسى حيا لما وسعه إلا أن يتبعني). أوصاهم بالقرآن الكريم وبأهل بيته (ع)، وأمرهم بان يتولو عليا(ع)والأئمة من ولده (ع)كتوليهم له .
ثقافة الانقلاب القرشي الأول من سنة 11هـ إلى سنة 35 هـ:
انقلبت قريش المسلمة على علي (ع) تحت شعار (إن العرب لا تعرف هذا الأمر في غير قريش، وأقصت عليا (ع) عن موقعه الذي نصبه الله تعالى فيه علما للناس ، وادعت لنفسها خلافة النبي (ص) في الإمامة الدينية .
فنهت عن رواية سنة النبي (ص) وأحرقت ما كتبه الصحابة منها زمن النبي (ص) وبعده وما استنسخه البعض عنها.
ونهت عن عمرة التمتع (متعة الحج) التي شرعها الله في كتابه وبين النبي (ص) أحكامها.
ونهت عن سنن أخرى.
وأرجعت مقام إبراهيم(ع) إلى مكانه في الجاهلية.
وابتدعت بدعا في الدين فأمرت بصلاة النافلة جماعة (صلاة التراويح) وقد نهى النبي (ص) عنها.
وأمروا بالتكتف في الصلاة.
واسقطوا «حي على خير العمل» من الأذان ووضع محلها الصلاة خير من النوم.
وفاضلوا في العطاء، وفاضلوا في الفروج ففضلوا قريشا على غيرهم والعرب على العجم .
وفسحوا المجال لعلماء مسلمة اهل الكتاب – كعب الأحبار وتميم الداري وعبد الله بن سلام – أن ينشروا قصص التوراة المحرفة في الخلق كخلق ادم (ع)على صورة الله جل وعلا ، وسير الأنبياء (ع)كقصة ملك الموت مع موسى (ع)، وقصة داود (ع)مع اوريا، وغيرها مما ادخل عقيدة التجسيم في الله وشوهت تنزيه الأنبياء (ع).
ثقافة مشروع نهضة علي (ع) في ذي القعدة سنة 27هـ الى شهر رمضان سنة 40هـ العودة الى الكتاب والسنة والتعددية المذهبية تحت شعار (ما كنت لادع سنة رسول الله (ص)لقول احد من الناس) :
نهض علي (ع) في ذي القعدة سنة 27هجرية لإعادة ثقافة الكتاب والسنة تحت شعار «ما كنت لأدع سنة رسول الله (ص)لقول احد من الناس» بادئا بمتعة الحج التي منعت منها الخلافة القرشية ونشر أحاديث النبي (ص) فيه وفي أهل بيته (ع)، ونصره في مشروعه ابو ذر وعمار ومقداد والأنصار ومالك الاشتر، واستضعفت دولة عثمان الناهضين مع علي (ع)نفيا وسجنا ، ولما قتلت قريش المنشقة عثمان بايعت الجماهير عليا (ع) ليواصل مشروعه الإحيائي للسنة:
ومنع علي (ع)من تداول روايات كعب الأحبار في قصة داود (ع) وغيرها.
وشجع الناس على تداول أحاديث النبي (ص) وكتابتها عنه وعن غيره من حملتها .
واحيا التسوية في العطاء والتكافؤ في الفروج.
وحاول منع الناس في الكوفة في أيامه الأولى من إقامة صلاة التراويح فلم يستجيبوا له فكان الأمر يدور بين أن يستعمل سلطة الحكم كما استخدمها الخلفاء من قريش في فرض آرائهم أو يترك الناس واختيارهم وهذا هو الذي اختاره ، فأحيا ظاهرة التعددية في العبادة التي أسسها رسول الله (ص) فإنه حين قصد مكة ليفتحها في شهر رمضان افطر في المسير وبقي بعض أصحابه صائمين وقد اجهدهم العطش ولم يستخدم القوة كحاكم ليجبرهم على الإفطار بل اكتفى بقوله : (أولئك هم العصاة).
وترك مقام إبراهيم (ع)على حاله لأنه يعلم أن أهل مكة قاطبة سوف لن يطيعوه ، فتركه لولده المهدي (ع) عند ظهوره في آخر الزمان .
ثقافة أهل الشام أيام علي (ع) من سنة 35هـ إلى سنة40هـ :
حجز معاوية أهل الشام عن التأثر بمشروع علي (ع) الإحيائي للسنة او التعرف على أخبار سيرته الصحيحة من خلال الحرب والإعلام الكاذب ، فازدادوا جهلا بعلي (ع) ، فهم ليسوا فقط لا يعرفون موقع علي (ع) في الإسلام ولا أحاديث النبي (ص) فيه بل هم في هذه السنوات ومن خلال قصص القصاصين كانوا يتلقون قصصا كاذبة في حق علي (ع) ، فهو لا يصلي ، وأنه سرق والنبي (ص) قطع يده ، وأن النبي (ص) قال فيه وفي أبيه (إن آل بي طالب ليسوا لي بأولياء) ، وان دم عثمان عنده وإنه افسد في دين محمد (ص) ، من ثم فهم يلعنونه ويستحلون قتله، ويبغضون أهل العراق لأنهم أنضار علي (ع) على إفساده في الدين ، والى جانب ذلك فهو يدينون بإمامة قريش المسلمة وان دين محمد (ص) يؤخذ منها ، وان طاعة الخليفة تقرب إلى الله تعالى وان معصيته تبعد عنه، وان ثقافة الإسلام عن الأنبياء السابقين هو ما بثه كعب الأحبار وتميم الداري .
ثقافة أهل الشام من سنة 41هـ إلى سنة50هـ :
تغيرت رؤية أهل الشام عن الحسن وأبيه علي (ع)والعراقيين فإنهم ما كانوا يتوقعون هذه الشفافية التي يتمتع بها الحسن (ع) وأهل العراق حين قدموا اختيار أهل الشام على أهل العراق لمعالجة اكبر أزمة عاشتها الأمة المسلمة ، وحين عرفوا الشروط التي اشترطها الحسن (ع) قد ضمنت مصالح أهل العراق ولم تمس مصالح أهل الشام بشيء.
ثم حصلت المفاجأة الكبرى لهم حين عرفوا أن معاوية وافق على الحكم بكتاب الله وسنة النبي (ص) من دون سيرة الشيخين لأنها اجتهادات شخصية.
وأن عليا (ع) كان قد عرض عليه الملك في الشورى السداسية قبل عثمان فرفضها لأنها ليست من الدين وقبلها عثمان.
وحين عرفوا أن الذي ثار على عثمان هم قريش المسلمة طلحة والزبير وعائشة وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص وأن عليا (ع) بريء من دم عثمان ، فأدركوا أن عليا (ع)قد ظلمه معاوية وأنهم ظلموا أهل العراق بقتالهم إياهم.
وكانت المفاجأة اكبر حين عرفوا أن النبي (ص) قد أوصى إلى علي (ع) ، وأنه الإمام الهادي بعد النبي (ص) ، ولم يكن ذلك قائما على مجرد أخبار من العراقيين بل هم يشهدون ذلك في حوارات يومية او ينقلها لهم رؤساؤهم عند معاوية .
لقد اتضح لأهل الشام بما لا يكون معه شك سواء من خلال وفود العراقيين إلى الشام الذين كان معاوية يستضيفهم ويكرمهم ، او من خلال اختلاطهم معهم في موسم الحج والعمرة ، إن الحج له صيغتان والصلاة لها صيغتان والوضوء له صيغتان ، صيغة جاء بها النبي (ص) وصيغة اجتهادية من الخلفاء ، ولكن الألفة والعادة جعلتهم يبقون على ما تربوا عليه سابقا وقاعدة (الإنسان على ما عُوِّدَ) (والناس على دين ملوكهم) [1] . فإن معاوية كشخص بقي يتعبد على طريقة سلفه عثمان ،
وقد استمرت هذه اللقاءات والمعايشة مدة عشر سنوات ثم انتهت كحلم ليعودوا إلى ثقافتهم السابقة في لعن علي (ع) وتولي معاوية وبني أمية وأسلافهم بعد وفاة الحسن (ع)وغدر صاحبهم.
ثقافة الأمة على عهد الدولة الأموية من سنة51هـ إلى سنة132هـ (81 سنة) :
لم يَرُق لمعاوية أن يتعرف أهل الشام على علي (ع) وعظيم موقعه في دين إبراهيم (ع)في الجاهلية والإسلام ، وعلى تاريخه وتاريخ أهل بيته في الجاهلية والإسلام قبل الفتح ، وأنهم طلقاء رسول الله (ص)، وكيف لطليق أن يساوي عليا (ع) وله من النبي (ص) (موقع ومنزلة هارون من موسى (ع)) التي يقرؤونها في القرآن الكريم ويسمعون ما يصدقها من الصحابة الذين يروون تاريخ علي (ع) ، فقرر معاوية دفن ذلك وتأسيس تاريخ جديد له ولأهل بيته ولعلي (ع)وأهل بيته (ع) قوامه الكذب وانتحال ما لعلي (ع) من سابقة وجعلها له ولأهل بيته وللخلفاء من قريش مما يسوغ ولايتهم والترحم عليهم والافتراء على علي (ع) وأهل بيته (ع)مايسوغ لعنهم ومعاداتهم ليس فقط في الشام بل في الأمة كلها، وشعاره في ذلك (لا والله الا دفنا دفنا)[2]، وهكذا كان أمره حين كتب إلى عماله في الأمصار .
قال المدائني : (كتب معاوية إلى قضاته وولاته في الأمصار أن لا يجيزوا لاحد من شيعة علي الذين يروون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة . ثم كتب أيضاً : (انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان). ثم كتب كتابا آخر من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة فافتلوه ! . ثم كتب : (أن برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) ثم كتب إلى عُمَّاله : (إنَّ الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشا في كل مِصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاَّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإنَّ هذا أحبُّ إلىَّ وأقرُّ لعيني وأدحض لِحُجَّة أبي تراب وشيعته وأشدُّ عليهم من مناقب عثمان وفضله) . فقُرئت كتبه على الناس فرُويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون إنها حق ، ولو علموا إنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها[3] ، وتربى على ذلك الجيل الجديد من المسلمين شرق الأرض وغربها إلا من رحم ربك .
شهادة الحسين (ع) وظلامته تفتح الطريق لثقافة مشروع علي (ع) سنة 61هـ :
أقام الحسين (ع) سنة 58هـ قبل موت معاوية بسنتين مؤتمرا فكريا سريا لشيعة علي (ع) من الصحابة والتابعين وحثهم على العمل خفية لنشر ثقافة مشروع علي (ع)في الكوفة والبصرة ، ثم نهض بعد موت معاوية ليعلن عنها ويحث الأمة على القيام ضد بني أمية واستشهد في سبيل ذلك ، ثم استطاع سليمان بن صرد والمختار ان يؤسسا دولة في الكوفة على نهج علي (ع)ومن ثم عادت ثقافة مشروع علي (ع) في الكوفة وحاول الزبيريون بعد قتل المختار ومن بعدهم الحجاح والي عبد الملك ان يستأصلوا هذه الثقافة وحَملتها من الكوفة فلم يستطيعوا، وفي عهد عمر بن العزيز وبعده أتيح المجال للإمام الباقر (ع) ثم الإمام الصادق (ع) أن ينهضا بتربية الجيل الجديد من الشيعة على ثقافة مشروع علي (ع) من خلال ما لديهم من المواريث النبوية التي كتبها علي (ع) بخط يده سرا ثم انطلق المشروع علنا بعد سقوط الأمويين ومجيء بني العباس وعمل العباسيون على محاصرة الكوفة بصفتها مركزا لنشر ثقافة مشروع علي (ع) الإحيائي للسنة وبعد انتهاء ملكهم انطلقت بالمشروع وواقعها اليوم يعبر عن استمرار هذه الانطلاقة وتراكمها وسوف تبقى بحول الله إلى تحقيق الله وعده بظهور وليه واستقراره فيها .
بقيت الشام بعد شهادة الحسين (ع) مركزا لثقافة المشروع الأموي (تولي معاوية والبراءة من علي (ع)):
بقيت الشام بعد شهادة الحسين (ع) مركزا لمشروع الثقافة الأموية شعارها الأساس تولي معاوية والبراءة علي (ع)حتى بعد سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية يتضح ذلك من خلال محاولة الإمام النسائي (303هـ) هدايتهم (لما سئل عن سبب تصنيف كتابه الخصائص) في فضائل الإمام علي (ع) قال : (دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير ، وصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله) [4] . ويبدو ان طابعها العام هذا سوف يعلن عن نفسه زمن السفياني في آخر الزمان حين يبعث بغاراته لغزو الكوفة إحياء لأمر السفياني الأول، ولكنه في هذه المرة تبوء كل محاولاته بالفشل ويأبى الله إلا أن يتم نوره ويظهر مشروع علي (ع)في إحياء الكتاب والسنة على المشاريع كلها ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، نعم لابد من ذكر جبل عامل وهو جزء من الشام في الجغرافية القديمة بقي على التشيع منذ أن زرعه فيه أبو ذر لما نفاه عثمان إلى الشام وواقعه اليوم يعبر عن تراكم الانطلاقة والروايات تبشر ببقائها إلى ظهور الإمام المهدي (ع) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] روى احمد بن حنبل في المسند 2/95 عن ابن شهاب عن سالم قال: (كان عبد الله بن عمر يفتى بالذي أنزل الله عز وجل من الرخصة بالتمتع وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فيقول ناس لابن عمر كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك فيقول لهم عبد الله ويلكم ألا تتقون الله إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغي فيه الخير يلتمس به تمام العمرة فلم تحرمون ذلك وقد أحله الله وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر).
[2] قال المسعودي في مروج الذهب 3/455: (وفي سنة اثنتي عشرة ومائتين نادى منادي المأمون : برئت الذمة من احد من الناس ذكر معاوية بخير او قدمه على احد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتكلم في أشياء من التلاوة انها مخلوقة وغير ذلك ، وتنازع الناس في السبب الذي من أجله أَمر بالنداء في أمر معاوية ، فقيل في ذلك أقاويل : منها أن بعض سُمّاره حدث بحديث عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي ، وقد ذكر هذا الخبر الزبير بن بكار في كتابه الاخبار المعروف بالموفقيات التي صنفها للموفق ، وهو ابن الزبير ، قال : سمعت المدائني يقول : قال مطرف بن المغيرة بن شعبة : وَفَدْتُ مع أبي المغيرة الى معاوية ، فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إليَّ فيذكر معاوية ويذكر عقله ويعجب مما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، فرأيته مغتما ، فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لشيء حدث فينا أو في عملنا ، فقلت له : ما لي أراك مغتما منذ الليلة ؟ قال : يا بني ، إني جئت من عند أخبث الناس ، قلت له : وما ذاك ؟ قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت منا يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدْلًا وبسطت خيراً فإنك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، فقال لي : هيهات هيهات! مَلكَ أخو تيمٍ فعدل وفعل ما فعل ، فو الله ما عدا ان هلك فهلك ذكره ، إلا أن يقول قائل : أبو بكر ، ثم ملك أخو عَدِيٍ ، فاجتهد وشمر عشر سنين ، فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، إلا أن يقول قائل : عمر ، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجلٌ لم يكن أحد في مثل نسبه ، فعمل ما عمل وعمل به فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره ، وذكر ما فعلَ به ، وإن أخا هاشم يُصْرَخُ به في كل يوم خمس مرات : أشهد أن محمداً رسول الله ، فأي عمل يبقى مع هذا ؟ لا أمَّ لك ، والله إلا دفنا دفنا ، وإن المأمون لما سمع هذا الخبر بعثه ذلك على أن أمر بالنداء على حسب ما وصفنا ، وأنشأت الكتب الى الآفاق بلعنه على المنابر ، فأعظَم الناسُ ذلك وأكبروه ، واضطربت العامة منه فأشير عليه بترك ذلك ، فأعرض عما كان هَمَّ به).
قال العلامة المجلسي 33/170 : في شرح قوله (والله إلا دفنا دفنا) : أي أقتلهم وأدفنهم دفنا ، أو أدفن وأخفي ذكرهم وفضائلهم وهو أظهر. أقول : بل أراد الأمرين معا كما في قول أمير المؤمنين (ع): والله لود معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرعه إلا طعن في بطنه إطفاء لنور الله ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (288) . مروج الذهب تحقيق محمد محيي الدين 3 / 19 ، طبعة يوسف اسعد .
[3] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج11/45 – 46.
[4] أقول : كان قد خرج من مصر إلى دمشق فسئل عن فضائل معاوية فقال أي شيء أخرّج؟ ما أعرف له من فضيلة إلاّ حديث : (اللّهمّ لا تشبع بطنه) فضربوه في الجامع وداسوا في خصييه (حضنيه) حتى اخرج من الجامع ، ثمّ حمل إلى مكة فمات بها سنة 303 ه ، رواها الذهبي في تذكرة الحفاظ 699 ط بيروت ، وابن خلكان في وفيات الأعيان 1 / 77 والمقريزي في المقفى الكبير 1 / 402 وغيرهم ، وابن حجر في تهذيب التهذيب(ج1 ص33) : ترجمة النسائي .